مرت الفيدرالية في اقليم كردستان العراق بمراحل متعددة، بدأت مع الحكم الذاتي في 11 اذار عام 1970، وتعززت الخصوصية الكردية اكثر بعد حرب الكويت عام 1991، وبدأ التطبيق العملي للفيدرالية في ظل العراق الجديد منذ إقرار قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية الذي صدر في 8 آذار عام 2004، حيث أشارت المادة الرابعة منه على أن (نظام الحكم في العراق جمهوري اتحادي فيدرالي، ديمقراطي، تعددي، ويجري تقاسم السلطات فيه بين الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية، ويقوم النظام الاتحادي على أساس الحقائق الجغرافية والتاريخية والفصل بين السلطات وليس على أساس الأصل أو العرق أو الاثنية أو القومية أو المذهب)، وأشارت كذلك المادة (52) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، على ما نصه (يؤسس تصميم النظام الاتحادي في العراق بشكل يمنع تركيز السلطة في الحكومة الاتحادية) حيث اعترف القانون بحكومة إقليم كردستان في مادته (54) والتي نصت على أن (تستمر حكومة إقليم كردستان في مزاولة أعمالها الحالية طوال المرحلة الانتقالية)، ومروراً بالدستور العراقي الدائم لعام 2005، الذي أكد في مادته الأولى على إن (جمهورية العراق دولة اتحادية).
الدستور العراقي عزز خصوصية التعامل مع اقليم كردستان، حيث اشارت المادة (117) اولاً ما نصه (يقر هذا الدستور عند نفاذه في اقليم كردستان وسلطاته القائمة اقليماً اتحادياً)، وهنا اقر الدستور بالإقليم وجميع المؤسسات وقوانينها القائمة، فضلا عن ذلك اعطت المادة (120) لإقليم كردستان صلاحية وضع دستور له يحدد هيكل سلطات الاقليم وصلاحياته وآليات ممارسة تلك الصلاحيات، مما يجعل ممثلي الاقليم وبالذات من الحزب الديمقراطي يرفضون اغلب القرارات المركزية التي تتعارض مع هذه الصلاحيات والامتيازات التي اعاطها الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 لإقليم كردستان العراق، واقد اعطت المادة (121) ثانيا حق لسلطة الاقليم تعديل تطبيق القانون الاتحادي في الاقليم في حالة وجود تناقض او تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الاقليم بخصوص مسألة لا تدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية.
هذه الصلاحيات وغيرها مكنت الاقليم من بناء سلطاته المحلية التشريعية والتنفيذية والقضائية، مما جعل مسألة الانتخابات لبرلمان كردستان غاية في الاهمية، ويمكن ان نذكر ابرزها النقاط المهمة:
1- اقامة انتخابات برلمان اقليم كردستان في موعدها ملزم دستورياً.
2- اقامة انتخابات برلمان اقليم كردستان تعزز الاستقرار السياسي والمؤسسي في اقليم كردستان.
3- اقامة انتخابات برلمان اقليم كردستان تعزز الثقة بين الفرقاء السياسيين في داخل اقليم كردستان.
4- اقامة انتخابات برلمان اقليم كردستان يساهم في تعزيز التداول السلمي للسلطة.
مما سبق تتضح اهمية المؤسسات المحلية في اقليم كردستان واهمية اجراء الانتخابات لتعزيز السلطات التشريعية المحلية، كون غياب الانتخابات يعني ذلك تجميد العمل السياسي، وغياب الانتخابات يعني التسلط والتفرد وغياب التداول السلمي، ولطالما الدستور يؤكد على المؤسسات المحلية في الاقليم وصلاحياتها الواسعة كل ذلك يجعل اقامتها واجب دستوري غير اختياري.
كثر الحديث والشكوك حول امكانية اقامة انتخابات اقليم كردستان في 20 تشرين الاول عام 2024، بسبب الاحتجاجات والتصريحات التي رفضت قرارات المحكمة الاتحادية التي اصدرت يوم 21 شباط 2024 قرارات بشأن قانون انتخابات برلمان كردستان تضمنت الغاء مقاعد الكوتا الخاصة بالأقليات وان تحل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الاتحادية بل من المفوضية الخاصة بإقليم كردستان، وجوهر الاشكال يتعلق برفض الحزب الديمقراطي تعديلات وصفها بأنها "غير قانونية" تتعلق بنظام الدوائر الانتخابية وعدد المقاعد والجهة المشرفة على الانتخاب والجهة المختصة بالبت في الطعون الانتخابية، حيث تم الغاء 11 مقعدا لتحول عدد مقاعد برلمان كردستان من (110) الى (100) مقعد، والتحول من الدائرة الواحدة الى اربعة دوائر انتخابية كما كانت في انتخابات عام 2018، فضلا عن منح المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الاتحادية المركزية بدلا عن مفوضية الانتخابات الكردستانية.
الصفة الغالبة لانتخابات اقليم كردستان هي فوز الاحزاب التقليدية (الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني) مع تغيير طفيف لقوائم اخرى (حركة التغيير وحركة الجيل الجديد، فضلا عن جبهة الشعب التي انشقت عن حزب الاتحاد بقيادة شيخ جنكي)، وما يميز هذه الانتخابات انها بقانون جديد وبأشراف مركزي، ولكن مهما جرى من تغيير وحتى مسألة انضمام العديد من الاحزاب المستقلة تبقى النتائج تتأرجح بين المتنافسين دون حصول اي منه الاغلبية داخل برلمان كردستان.
وعند العودة بتحليل دقيق لنتائج الانتخابات السابقة لسنة 2018 لبرلمان اقليم كردستان المكون من 110 مقعد، نجد ان الحزب الديمقراطي جاء بالمرتبة الاولى حيث حصل على (45) مقعد، ويليه الاتحاد الكردستاني بـ(21) مقعد، ثم جاء حزب التغيير بـ(12) مقعد، ثم بعد ذلك حركة الجيل الجديد بـ(8) مقاعد، ثم الجماعة الاسلامية (7) مقاعد، واخيرا الاتحاد الاسلامي بـ(5) مقاعد، نجد ان نتائج الانتخابات ليوم 20 تشرين الاول 2024 سوف لن تختلف عن سابقتها، والتغيير طفيف جدا، ونسبة المشاركة المتوقعة ستكون بين 65 الى 70%.
للعلم ان المشاركة او المقاطعة هي رأي سياسي محترم، فضلا عن ذلك هو حق دستوري، ولكن هنا نقول ان المقاطعة بالرغم عن كونها رأي سياسي وحق دستوري ولكنها غير ذا جدوى، كون ان الدستور والقانون لم يحدد عتبة للمشاركة، وبالتالي سواء كانت المشاركة واسعة او ضعيفة سوف يتم اعتمادها والاقرار بمخرجاتها لمدة اربع سنوات قادمة، بمعنى لو كانت هناك نسبة محددة للاعتراف بنسبة الانتخابات لكانت المقاطعة ذات جدوى وتأثير ولاصبحت وسيلة ضغط لتأجيل الانتخابات لغاية التأكد من تحقق الرغبة الشعبية بالمشاركة فضلا عن ذلك سوف يتم اعادة الانتخابات في حالة عدم تجاوز العتبة المحددة، ولكن الواقع الدستوري والقانوني لم يحدد اي نسبة وبالتالي ليس امام الناخب الا المشاركة الواسعة لغرض تحقيق التغيير المنشود سلمياً، هذا مما اجبر الحزب الديمقراطي الكردستاني للمشاركة مضطراً بالرغم من تحفظاته على آليات اجرائها، لا المقاطعة التي سوف تصب في مصلحة خصومه.
وفي خاتمة القول، لابد من التأكيد على ان الاوضاع المحلية والاقليمية والدولية تؤثر على مجمل الاحداث في العراق وبالذات في اقليم كردستان كونه في وضع لا يحسد عليه سياسياً وامنياً واقتصادياً، الصراع الداخلي في اقليم كردستان بين الحزبين الديمقراطي والاتحاد تساهم الانتخابات في التقليل من اثاره، كون الطرفين سوف يضطرون للجلوس على طاولة المفاوضات لتشكيل حكومة اقليم كردستان، والطرفان يراهنون على انضمام القوائم المتفرقة للانضمام لهم، مع العلم ان حظوظ الحزب الديمقراطي ستكون اكثر من باقي الاحزاب ومنها الاتحاد الكردستاني، كون ان الظاهرة الكاريزمية الشخصية قائمة ومؤثرة، بمعنى ان وفاة الرئيس جلال طالباني ساهم في تراجع حظوظ الاتحاد الكردستاني، في حين ان تعزيز مكانة الحزب الديمقراطي يرتبط بشخص الرئيس مسعود برزاني.
اما نتائج الانتخابات من الممكن ان تساعد الفائز وتمكنه من تعزيز مكانه في مجلس النواب العراقي، فضلا عن المكانة المهمة على المستوى التنفيذي، لذلك اتوقع اذا ما فاز الحزب الديمقراطي سوف تتحول حصة رئيس الجمهورية لتكون من حصته، فضلا عن باقي المناصب المهمة في السلطات الاتحادية.