شهد العراق العام الماضي 2022 الكثير من الاحداث والتداعيات على المستويين السياسي والاجتماعي، اكيد كل مشاهد العام الماضي ستلقي بضلالها على العام الجديد 2023 فمن ابرز مشاهد العام الماضي، تعقيدات المشهد السياسي خصوصا ازمة تشكيل الحكومة العراقية وتعطيل العمل بالدستور، كما ورث العام 2022 مشاكل وتحديات العام 2021، فخلال هذين العامين أخفقت الطبقة السياسية من تشكيل الحكومة، فعندما افرزت انتخابات تشرين 2021 فوز عدد من القوى السياسية وابرزها التيار الصدري على باقي القوى والكتل السياسية لكن في قبالة ذلك واجهت هذه القوى، الانتصار الصدري بالرفض والتشكيك، ومن ثم الاتهامات عندما اسس التيار الصدري تحالف سياسي طولي تحت عنوان انقاذ وطن ضم الحزب الديمقراطي الكردستاني، واحزاب وقوى سنية مثل حزب تقدم، وتحالف عزم، وقد واجه الصدر وخلال عاماً كاملاً معارضة من قبل قوى الاطار التنسيقي لمشروعه السياسي، وبعد ان طرح الصدر عدة مبادرات انتهت اجمعها بالرفض، انسحب التيار الصدري في منتصف عام 2022 من البرلمان، ومن ثم كان هناك تصعيد شعبي من خلال حراك عاشوراء، الذي استمر لأكثر من شهر داخل المنطقة الخضراء في محاولة لفرض شروطه على الطبقة السياسية، رافق ذلك ظهور تسريبات صوتية لرئيس الوزراء الأسبق وزعيم تحالف دولة القانون نوري المالكي يهدد فيه الصدر بالقتل والحرب الاهلية، واجتياح مدينة النجف اذا ما تمكن الصدر في المضي بتشكيل الحكومة، واقصاء قوى الاطار التنسيقي الى جانب اتهامات أخرى طالت المرجعية الدينية، وقوى الحشد الشعبي حتى القريبة من المالكي نفسه، وقوى أخرى من السنة، والكرد، لكن في النهاية تداخلت عوامل داخلية مع تدخلات وضغوط خارجية لاسيما الدينية منها على حراك الصدر الثوري وانتهى بالانسحاب من المنطقة الخضراء مما مثل هذين العنصرين: الانسحاب من البرلمان بالدرجة الأولى، ومن ثم انهاء الحراك الثوري تحت عنوان ثورة عاشوراء بالدرجة الثانية، نهاية لمشروع الصدر في تشكيل الحكومة فضلا عن تمثيله البرلماني، وقد كان للصدر مبرراته من الانسحاب ومنها رغبته بعدم المضي بمشروع المحاصصة، وعدم الاشتراك مرة أخرى مع قوى أخرى متهمة بالفساد، واراد في قبال ذلك ان يتحمل بنفسه تشكيل الحكومة، وبالأخير اخفق الصدر في تمرير مشروعه السياسي مثلما اشرنا في مقابل نجاح قوى الاطار التنسيقي والقوى الأخرى من المضي بمشروع المحاصصة السياسية والحزبية، وقدم مرشحه محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء رغم تحفظ التيار الصدري على هذا المرشح او أي مرشح اخر يطرحه الاطار التنسيقي.
قوة الإطار التنسيقي التفاوضية اعطتها التفوق في التواصل من جديد مع حلفاء الصدر في تحالف انقاذ وطن مقابل ضعف قوة التيار الصدري التفاوضية التي افقدته المضي بمشروعه السياسي وعدم قدرته من كسب بعض القوى السياسية والشخصيات المستقلة داخل مجلس النواب لاسيما وان تحالفه كان يحظى بأغلبية داخل مجلس النواب، وكان يحتاج الى اقل من عشرون نائبا في تمرير رئيس من تحالفه للجمهورية.
هذه القوى بجناحيها المنسحب او المشكل للحكومة لا يزال احدهما يراقب بحذر الاخر فالتيار الصدري، الذي اثر الانسحاب من المشهد البرلماني رغم كونه الفائز الأول بالانتخاب كان من اهم شروطه بعد الانسحاب الانتخابات المبكرة في حين تريد القوى المشكلة لحكومة السوداني إعادة تجديد نفسها خلال هذه الفترة لاسيما بعد خسارتها في انتخابات تشرين 2021 من خلال حكومة السوداني، ومن ثم الاستعداد لجولتين من الانتخابات: الأولى مجالس المحافظات، ومن ثم الدخول في الانتخابات البرلمانية التي وان أشار السوداني في برنامجه الحكومة انها تجري خلال عاما واحدا لكن كل المؤشرات تدل بخلاف ذلك فربما لا تكون باقل من عامين للأسباب المذكورة، في مقابل ذلك ان ركون التيار الصدري من تمرير حكومة السوداني والى الآن جاء أولا لوضع حكومة السوداني امام الشارع خصوصا في قدرتها على ردع الفساد حيث ان العديد من القوى الداعمة للسوادني متهمة فيه، وثانيا يراقب التيار الصدري قدرته على معالجة الملفات الشائكة لاسيما ملف الخدمات والاعمار والطاقة، لذا فأن التيار الصدري قد يعود نشاطه السياسي من جديد من منتصف عام 2023 وينهي الصدر اعتزاله السياسي، الذي اعلنه بعد امره للمحتجين بالانسحاب من المنطقة الخضراء، خصوصاً اذا ما مضت القوى السياسية في انتخابات مجالس المحافظات خلال هذا العام.
من جانب ثاني قد يعود الصدر الى الحراك الشعبي الاحتجاجي مع حلول الصيف القادم، وظهور مشاكل انقطاع التيار الكهربائي، محاولاً استقطاب القوى المعترضة والرافضة لحكومة الإطار التنسيقي، وتناقضات خطابه السياسي والاجتماعي، وهذا ما سيتولد عنه سيناريوهات جديدة منها مضي حكومة السوداني والبرلمان في تحديد موعد للانتخابات مبكرة يمهد التيار الصدري والقوى الرافضة والمعارضة لحكومة السوداني من الدخول بأكثر قوة في الانتخابات كونها حذرت مسبقا من الحكومة ونتائجها والقوى المشكلة لها وخطابها السياسي. في حين تعول قوى الإطار التنسيقي على المنجز، الذي قد تقدمه حكومة السوداني مهما كان شكله، ومن ضمنها المشاريع التي وجدت ولم تكتمل خلال حكومة الكاظمي، وكذلك احتواء واستقطاب الشرائح المجتمعية من خلال التعيينات.
مع هذه السيناريوهات تبقى مشاكل العملية السياسية والنظام السياسي قائمة لعدم رغبة اغلبية القوى السياسية في حلها لاسيما المشاكل البنيوية المتعلقة بالنظام السياسي وذلك من خلال اجراء تعديلات دستورية كبيرة تشمل تحديد هوية الكتلة الأكثر عددا، وعددية انتخاب رئيس الجمهورية خصوصاً في ضوء التفسيرات المتباينة للمحكمة الاتحادية، اذ ان تفكير الطبقة السياسية ينحصر في كيفية حصد المقاعد وتشكيل الحكومة في مقابل اخفاق مشاريعها السياسية والتنموية والعمرانية والخدمية ان وجدت بالأصل فضلا عن ادارتها للدولة بطريقة الغنيمة والتقاسم.