مقاطعة السيد الصدر للانتخابات النيابية.. قراءة في الأبعاد والتداعيات

شارك الموضوع :

يعكس قرار السيد الصدر بالمقاطعة إحباطاً متراكماً من الأداء السياسي العراقي، لكنه أيضاً يُظهر مراوحته بين الانخراط في العملية السياسية او رفضها جذرياً، كما ان تداعيات هذا القرار ستتحدد بمدى تفاعل الأطراف المحلية والإقليمية، وما إذا كان السيد الصدر يسعى إلى إعادة ترتيب أوراقه أم الانسحاب الكامل...

جدد زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر مقاطعته للعملية السياسية والانتخابات البرلمانية القادمة في العراق، في خطوة لم تكن متوقعة، عارضت المؤشرات الأخيرة التي أظهرت وجود نية للعودة والمشاركة، ومنها تأسيس التيار الوطني الشيعي ولقاءه بأعضاء الكتلة الصدرية المستقيلين، ودعوته اتباعه وانصاره تحديث بياناتهم وبطاقاتهم الانتخابية، يأتي هذا القرار في سياق متشابك من العوائق الداخلية والخارجية، مما يفتح الباب أمام تساؤلات حول الغرض منه ومدى تأثيره على المشهد السياسي العراقي وهل سيكون هنالك عدول عن هذا القرار ام لا؟.

 

اولا/ اسباب المقاطعة:

يمكن تحديد عدة اسباب لقرار استمرار المقاطعة واهمها:

١- اتهام السيد الصدر القوى السياسية الحاكمة بالفساد والتبعية وتصاعد الاحباط من اداءها بشكل لا يمكن معه اصلاح الوضع من خلال المشاركة السياسية بسبب تكريس المصالح الطائفية والحزبية على حساب المصلحة الوطنية، وتصاعد الولاءات الخارجية، ما يزيد المخاوف من تراجع النفوذ الصدري في ظل المعادلات السياسية الجديدة.

٢- رفض القوى السياسية الحاكمة في البرلمان تعديل قانون الانتخابات وفق الصيغة التي يراها التيار الصدري الذي اجريت على ضوءه الانتخابات النيابية المبكرة عام ٢٠٢١، كونها حسب نظرهم اكثر انصافاً واعتُبرت عاملاً رئيساً في انتصاره بأكثر المقاعد النيابية.

٣- العامل الخارجي: صرح السيد الصدر في بيانه وجود كوارث اقليمية تجر العراق اليها، ويبدو ان المقصود هو تصاعد التوترات الامريكية الايرانية وتزايد الضغط الاسرائيلي على فلسطين ولبنان وسوريا، في ايحاء بوجود ضغوط اقليمية قد تهدد العراق خاصة مع وجود مؤشرات على تغيير في موازين القوى الإقليمية، قد تضع التيار الصدري في خضم موقف ضعيف يهمّش دور التيار في حال كونه شريكاً اساسياً في العملية السياسية، او يضعه ازاء تحدي قبول المفاوضات مع قوى دولية واقليمية لا يرغب السيد الصدر في اجراءها معها في ضوء المعطيات الراهنة.

يُعد موقف المقاطعة الحالي للسيد الصدر جزءاً من استراتيجية مرنة تهدف إلى:

أ- الحفاظ على القاعدة الشعبية، بل قد تتعزز شعبيته الى حدٍ ما.

ب- استعادة المبادرة السياسية كقطب اساسي في العملية السياسية.

ج- الضغط على القوى المنافسة واحراجها سياسياً وتقويض شعبيتها في حال فشلها في تحقيق الاصلاحات مع وجود تحديات مقبلة: كالكهرباء والغطاء المالي والضغوطات الخارجية.


ثانياً/ تداعيات المقاطعة على المشهد السياسي العراقي

لهذا الموقف في حال استمراره عدة تداعيات منها:

١- تعزيز موقع ومصالح الإطار التنسيقي الانتخابية والسياسية

قد تُفيد المقاطعة القوى السياسية الشيعية المنافسة، ما يعني حصول تحولات مؤكدة في خارطة القوى البرلمانية في ظل غياب المنافسة الصدرية، وهذا يعزز قبضة الاطار على المجال العام والهيمنة على الدولة ومؤسساتها.

٢- إضعاف آفاق الإصلاحات السياسية والمؤسسية

خاصة الإصلاحات الانتخابية والسياسية التي يطالب السيد الصدر بها، ما يعني تكريس الوضع القائم وتصاعد الفجوة بين الساسة والمجتمع، وهذه الفجوة ستتيح لقوى الاطار قدرات تكريس وضعها الحالي والسيطرة العميقة على الدولة ما يجعل موضوعة الاصلاح مسألة معطلة، اي تقويض اي آفاق اصلاحية مرجوة.

٣- تفاقم أزمة الشرعية الانتخابية

ففي ظل مقاطعة تيار اساسي كالتيار الصدري، سيثار جدال حول الجدوى الانتخابية، خاصة ان هنالك قطيعة انتخابية اصلاً تعززها قطيعة التيار الصدري، ففي انتخابات مجالس المحافظات شهدت نسبة المشاركة الانتخابية تدني واضح في عموم المحافظات لم تتجاوز ٤١٪ مع التشكيك في هذه النسبة شعبياً من مجموع الناخبين، ما يعزز عدم شرعية الانتخابات شعبياً.

٤- مخاطر التصعيد الداخلي

وهذا يتجلى بفرضية مؤكدة وهي تزايد الانقسامات الاجتماعية خاصة فيما لو لجأ السيد الصدر وانصاره إلى احتجاجات شعبية واعتصامات مفتوحة ضد "الدولة العميقة"، فتفاقم هذا الانقسام بين الصدريين والتيارات السياسية الشيعية الأخرى، يعمل على تعطيل تشكيل الحكومة أو اتخاذ القرارات الحيوية وشل حركة الدولة.

 

ثالثاً/ السيناريوهات المحتملة

تبرز عدة سيناريوهات محتملة لموقف السيد الصدر تتباين بين الاستمرار في المقاطعة، او المرونة والعودة بالمشاركة، او الانكفاء المؤقت والعودة لاحقاً في حال حصول متغيرات داخلية وخارجية متشابكة تتيح الفرصة لإنهاء المقاطعة وكالاتي:

١- الاستمرار بالمقاطعة:

قراءة السيد الصدر للظروف السياسية التي افرزتها انتخابات ٢٠٢١ تنم عن دراية واطلاع يعزز فرضية المقاطعة، فمشاركته وفق القانون المعدل سيعمل على تراجع عدد مقاعده ومن الصعب زيادتها، ما سيعد خسارة فيما لو شارك، وفي حال ذلك لن تتوفر لديه مرونة سياسية في نسج تحالفات تمكنه من الحصول على الاغلبية، خاصة مع استقطاب الاطار التنسيقي وجهات مناوئة للمستقلين وانصار حراك تشرين الذين كانوا مقربين من التيار الصدري سابقاً، بالإضافة إلى صعوبة توجه السيد الصدر للتحالف مع الحلبوسي وبارزاني اللذَين تركاه وشاركا قوى الإطار في تشكيل الحكومة الحالية بعد انسحابه، في حين توقع وقوفهما معه، ما يضعف هامش مناورة التحالفات امامه ويجعل كتلته غير مؤثرة نيابياً.

٢- المرونة السياسية والعودة المشروطة:

قد يُعيد السيد الصدر النظر في مقاطعته إذا تمت تلبية شروطه (مثل تعديل قانون الانتخابات أو حصول وساطات سياسية واجتماعية او اشارات من المرجعية الدينية في النجف او حتى وساطات بضمانات دولية وإقليمية)، فأي تنازلات سياسية مرتبطة بالإصلاح الانتخابي وضمانات المشاركة العادلة، واحترام خياراته وتوجهاته في تشكيل الحكومة والعمل التنفيذي، تعزز هذا السيناريو، خاصة ان قرار المقاطعة يعد وسيلة ضغط مباشرة على القوى السياسية المنافسة واحراج لها واختبار بذات الوقت ما يدفعها باتجاه التنازل لمطالب السيد الصدر المطروحة، لكن فرضيات ضعف هذا السيناريو: ان ائتلاف ادارة الدولة لم يشر الى تعديل قانون الانتخابات في اجتماعه الاخير، رغم اقرارهم حسب المطلعين على عدم تعديل القانون والمضي بالقانون المعدل الذي طبق في الانتخابات المحلية الماضية، ما يعني نسف اي امكانية لطرح وساطة او طرح فرصة لعودة السيد الصدر، هذا السيناريو اكثر ترجيحاً من الاول رغم ان هنالك هامش للتحرك على قوى سياسية تقليدية او جديدة، تتيح للتيار اعادة تموضعه في العملية السياسية، خاصة مع وجود فرضية حصول انقسامات بين قوى الاطار، وحصوله المؤكد بين القوى السنية.

٣- الانكفاء المؤقت:

يمكن المراهنة على سيناريو انسحاب التيار من المشهد السياسي المباشر بشكل مؤقت والعودة لاحقاً في حال حصول معطيات سياسية واقتصادية وسياسية وامنية من خلال التصعيد الشعبي وزيادة التدخلات الخارجية التي تتيح فرصة لتعطيل المشهد السياسي، فتتحول المقاطعة إلى حركة احتجاجية شعبية واسعة النطاق تعمل على تعميق الانقسامات داخل المكون الشيعي، يكون لها تأثيرات سلبية على استقرار العملية السياسية برمتها، تشكل مدخلاً للعودة السياسية خاصة اذا ما طرحت مطالب اجراء انتخابات مبكرة او حصول مشهد سياسي جديد يسمح من خلاله للصدر بالتركيز على بناء تحالفات طويلة الأمد أو تعبئة جماهيرية ساندة تعتبره اكثر شرعية ونزاهة في الاتكال عليه، كونه لم يكن شريكاً مع القوى السياسية التي اوصلت البلد الى ما هو عليه.

في الختام: يعكس قرار السيد الصدر بالمقاطعة إحباطاً متراكماً من الأداء السياسي العراقي، لكنه أيضاً يُظهر مراوحته بين الانخراط في العملية السياسية او رفضها جذرياً، كما ان تداعيات هذا القرار ستتحدد بمدى تفاعل الأطراف المحلية والإقليمية، وما إذا كان السيد الصدر يسعى إلى إعادة ترتيب أوراقه أم الانسحاب الكامل، بكل الأحوال، فإن المقاطعة تُضيف سياق جديد من التعقيد إلى المشهد العراقي الهش أصلاً، اذ يمثل قرار المقاطعة الأخير تعبيراً عن أزمة ثقة عميقة في النظام السياسي القائم، مع ما يحمله من إشارات إلى مراجعات استراتيجية في توجهات التيار الصدري، وفي كل الأحوال، فإنه يضيف عنصراً جديداً من عدم اليقين إلى معادلة سياسية معقدة أصلاً، في مرحلة حساسة من تاريخ العراق المعاصر.

.............................................

الآراء الواردة في المقالات والتقارير والدراسات تعبر عن رأي كتابها

*مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2025 Ⓒ

http://mcsr.net

شارك الموضوع :

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز المستقبل