المفاوضات النووية الإيرانية الأمريكية.. تحديات التوصل الى اتفاق والحلول المتوقعة

شارك الموضوع :

ان المفاوضات النووية الإيرانية الأمريكية محكومة بلعبة التلويح بالتصعيد وصولا لتحقيق المكاسب، حيث يسعى كل طرف لانتزاع أكبر مكاسب ممكنة عبر تصعيد الخطاب التفاوضي، ورغم أن هذا النهج قد يُفضي إلى حلول وسطية...

   لم تحقق الجولات التفاوضية الثلاثة بين واشنطن وطهران، بوساطة عُمانية، أي نتائج ملموسة أو إشارات واضحة للوصول الى صيغة اولية حول الملف النووي الإيراني، رغم اقتراب انتهاء صلاحية الاتفاق النووي المبرم في عام 2015 ولغاية تشرين الاول/ أكتوبر المقبل، وهذا يشير إلى أن المفاوضات ستكون شائكة ومعقدة، مع تدخل أطراف دولية متعددة وعوامل مؤثرة، خاصة بعد تطور البرنامج النووي الإيراني عقب انهيار الاتفاق السابق بسبب انسحاب واشنطن منه في آيار/ مايو 2018.

اذ تبدو الرؤية الإيرانية للمفاوضات وكأنها محاولة لكسب الوقت في ظل المطالب الأمريكية المتعددة التي تهدف إلى التوصل لاتفاق مختلف عن السابق، كما تظهر الانقسامات الداخلية الإيرانية جلية، حيث تتباين المواقف بين تيار متشدد يرفض أي تنازلات ويصر على تعزيز البرنامج النووي كأداة للردع الاستراتيجي، ومؤسسات رسمية تحاول توظيف هذا التصعيد كورقة ضغط في المفاوضات.

اولا/ معالم خطة التفاوض الاولية

كشفت الجولات التفاوضية الثلاثة في مسقط وروما، عن ملامح أولية لخطة التفاوض التي يعتمدها الطرفان، والتي يمكن وصفها بـ"التلويح بالتصعيد لتأطير وتحقيق المكاسب" وكالاتي:

١- الجانب الإيراني: عكست طهران موقفاً غير متجانس لكنه متفق عليه، فمن ناحية يسيطر المتشددون في مؤسسات مثل لجنة الأمن القومي بالبرلمان على خطاب رافض لأي مفاوضات قد تؤدي إلى التنازل عن المكاسب النووية، بل ويدعون إلى تحويل الملف النووي من قضية دبلوماسية إلى عنصر أساسي في الأمن القومي الايراني.

وفي المقابل، تبرز المؤسسة السياسية الرسمية كرئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية هذا التصعيد كخيار قد يفرض نفسه على كافة انساق النظام، بما في ذلك التيارات المعتدلة، في حال استمرار الضغوط الخارجية، فالانقسامات الداخلية الإيرانية يبدو انها منسقة بين تيار متشدد يرفض التفاوض وآخر قد يقبل بحلول وسط تحت الضغوط.

ويمثل الدبلوماسيون الإيرانيون الوجه المعتدل، بينما يستخدم خطاب المتشددين: مجلس النواب الذي يمثل رأي المرشد الاعلى كتهديد ضمني لرفع سقف المطالب، يكشف من خلاله أن طهران تتعمد إبراز الانقسامات لتعزيز موقفها التفاوضي، حيث طلب وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي نفسه من المتشددين الاستمرار في خطابهم التصعيدي لزيادة الضغط على واشنطن، لتخفيض سقف المطالب، فهذا الانقسام لا يعني وجود خلافات حقيقية بل تكتيك تفاوضي.

٢- الجانب الأمريكي: هنالك ادراك امريكي واضح لتعقيدات الموقف الإيراني، لكنها تحاول فرض شروط جديدة تختلف عن اتفاق 2015، مع استعداد لمسار تفاوضي طويل قد يشهد تصعيداً متبادلاً قبل الوصول إلى أي حل، مع وجود ايضا انقسام داخلي امريكي بين الحزبين وداخلهما حول المقاربة المفترض اتباعها مع طهران بين التصعيد وتوسيع شروط الضغوط القصوى عليها وتضمين الاتفاق تقليص نفوذها الاقليمي وبرامجها الصاروخية الاخرى، والاحتواء المزدوج عسكرياً وسياسيا.

وهذين المسارين يتراوحان بين التشدد في المطالب واستخدام العقوبات كأداة ضغط، فالانقسامات الداخلية الأمريكية موزعة بين الصقور مقابل الحمائم، فضلاً عن وسائل الإعلام الرسمية المعزز للانقسام داخل الإدارة الأمريكية في التعامل مع الملف النووي الإيراني، فجبهة الصقور تركز على سياسة الضغوط القصوى واللجوء للخيار العسكري، ويمثل هذا التيار شخصيات بارزة مثل: مستشار الأمن القومي مايكل والتز، ووزير الخارجية في إدارة ترامب ماركو روبيو وعدد من المؤثرين في الكونجرس ووزارة الدفاع، يدعو هؤلاء إلى سياسة متشددة تجاه إيران، معتبرين أن الضغوط الاقتصادية والعسكرية الحالية هي الفرصة المثلى لتقويض البرنامج النووي الإيراني بشكل نهائي، والحد من التوسع الصاروخي والإقليمي الإيراني، من خلال استغلال حالة الضعف التي يعيشها النظام الإيراني بسبب العقوبات فهذا الجناح يلوح بالخيار العسكري، من خلال الدعوة الى توظيف التحركات العسكرية (مثل نشر حاملات الطائرات وتعزيز الوجود في الخليج) لإيهام إيران بأن فشل المفاوضات سيعني العودة لخيار (الضربة العسكرية)، يهدف هذا الأسلوب إلى دفع طهران للتنازل تحت وطأة التهديد بسيطرة الصقور على القرار الأمريكي.

اما جبهة الحمائم الدبلوماسية والحلول الوسط فيتبنون توجهاً آخر داخل الإدارة الأمريكية، ويمثله نائب الرئيس جي دي فانس، والمبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط والمفاوض الرئيسي مع إيران ستيفن ويتكوف، وكبيرة موظفي البيت الأبيض سوزي وايلز، هذا التوجه أكثر اعتدالاً، يركز على استحالة القضاء على البرنامج النووي الإيراني عبر القوة العسكرية، والتحسب للتكاليف الباهظة لمواجهة مفتوحة مع إيران (مادياً وبشرياً)، ولهذا يتبنوّن ضرورة الاعتماد على الحلول الدبلوماسية والتسويات السياسية.

يتضح مما سبق، ان الانقسامات الداخلية داخل كل من واشنطن وطهران في مقاربة ادارة هذه المفاوضات تعكس تباينات إيديولوجية وسياسية حقيقية، إلا أن كلا الطرفين يستخدمانها كورقة ضغط في المفاوضات.

 ثانياً/ السيناريوهات المحتملة لطريق المفاوضات وتحديات الحلول المتوقعة

١- استمرار الجمود: مع اقتراب نهاية الاتفاق النووي في تشرين الاول/ أكتوبر القادم، قد تدخل المفاوضات في نفق طويل دون اختراقات، خاصة مع تمسك كل طرف بتكتيكاته وشروطه.

٢- التصعيد المتبادل: في حال فشل المفاوضات، قد تشهد المنطقة سباقاً للتسلح أو ضربات محدودة (مثل استهداف منشآت نووية أو هجمات بالوكالة مما ينسف كل جهود التوصل الى اتفاق).

٣- تسوية هشة: إذا توصل الطرفان لصفقة، فستكون مختلفة عن 2015، مع ضمانات أمريكية ضد الانسحاب المفاجئ وعقوبات مشروطة بإيران، ولا يمكن ان تكون بنود هذه التسوية والالتزام بها من الطرفين مستدامة خاصة ان ترامب من الممكن ان يعيد الكَرة وينسحب من الاتفاق المرتقب فضلاً عن بقاءها ثنائية الى حد كبير.

٤- محدودية نطاق الحلول الوسط المتوقعة بين الطرفين: من المرجح أن يتمحور أي اتفاق مرحلي حول الاتي:

أ- تنازلات إيرانية في:

-      الحد من تخصيب اليورانيوم عند 3,67%.

-      التخلص من مخزون اليورانيوم عالي التخصيب (60% و20%) بنقله إلى دولة محايدة.

ب- المكاسب الإيرانية:

-       رفع جزئي للعقوبات مع إطلاق الأموال المجمدة.

-       تسهيل التبادلات المالية الدولية.

-  تمديد "آلية الزناد" لما بعد 18 أكتوبر 2025، وهي من البنود الرئيسة في الاتفاق النووي وتتيح للأطراف التخلي عن محتوى خطة العمل المشتركة وإنهاءها.

ج- مكاسب امريكية تتناغم مع توجه ترامب لعقد صفقات تجارية واقتصادية مع ايران ودول المنطقة في حال تسيد حالة الاستقرار السياسي فيها اضافة الى رسالة سلام داخلية لدافعي الضرائب مع احتواء محور المقاومة بالكامل في المنطقة.

٥- التحديات الداخلية للتوصل الى حلول:

أ‌-  في الجانب الإيراني: معارضة البرلمان المحافظ الذي أقر قوانيناً تمنع التخلي عن المكاسب النووية، مع رفض المؤسسات السيادية (مثل مجلس الأمن القومي) لأي تراجع عن برامج الردع الاستراتيجي، فضلاً عن مخاوف من أن تؤدي التنازلات إلى تفجير أزمات اجتماعية وسياسية.

ب- في الجانب الأمريكي: تتمثل بمعارضة قوية من الكونغرس (بما في ذلك ديمقراطيون) لأي اتفاق يُعتبر أضعف من صفقة 2015، مع رفض التيار المحافظ للتعامل مع البرامج الصاروخية والإقليمية الإيرانية بشكل منفصل عن الملف النووي، واشتراط إيران لمصادقة الكونغرس على الاتفاق يزيد من تعقيد المهمة.

٦- التحديات الإقليمية والدولية وعقبات عقد وتنفيذ الاتفاق: تتمثل بمعارضة الأطراف الإقليمية خاصة الكيان الصهيوني ودول الخليج، لأي اتفاق يستثني ملفات الصواريخ والنفوذ الإيراني، مع تحفظات أوروبية على تهميش دور الاتحاد الأوروبي كوسيط في "آلية الزناد"، فضلاً عن شكوك صينية وروسية من أن تكون المفاوضات الثنائية محاولة أمريكية لعزل إيران عن محورها الاستراتيجي.

تعكس المفاوضات الحالية معركة تربص نفسية وتفاوضية قبل أن تكون تقنية أو دبلوماسية، فبينما تحاول إيران كسب الوقت عبر لعبة المتشددين والمعتدلين تسعى واشنطن لاستنزاف طهران بالعقوبات والتهديد العسكري وطرح الخيارات التفضيلية بذات الوقت فيما لو رضخت لشروط واشنطن، لكن السؤال الأهم: من سينجح في إجبار الآخر على الرضوخ أولاً؟.

ان المفاوضات النووية الإيرانية الأمريكية محكومة بلعبة التلويح بالتصعيد وصولا لتحقيق المكاسب، حيث يسعى كل طرف لانتزاع أكبر مكاسب ممكنة عبر تصعيد الخطاب التفاوضي، ورغم أن هذا النهج قد يُفضي إلى حلول وسطية، إلا أن العقبات الجوهرية تظل قائمة على المستويين الداخلي والدولي، والطريق سيكون شائك اذ من غير المؤكد ان يتمكن الطرفان حتى لو توصلا لاتفاق او تسوية ثنائية الى تحويلهما الى خطة عمل استراتيجية شاملة.

تبقى الخيارات الايجابية للتوصل الى اتفاق مقبول من الطرفين والمجتمع الدولي والاقليمي مرهونة بقدرة الأطراف على تحويل لعبة التلويح بالتصعيد من أداة تفاوضية إلى فرصة لبناء ثقة متبادلة، وهو أمر يبدو بعيد المنال في ظل الظروف الراهنة، ومن المؤكد أن المشهد الحالي لا يبشر بحلول سريعة.

.............................................

الآراء الواردة في المقالات والتقارير والدراسات تعبر عن رأي كتابها

*مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2025 Ⓒ

http://mcsr.net

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز المستقبل