مقاربات مادية واعتبارية للتعامل مع ملف إضراب الهيأة التعليمية في العراق

شارك الموضوع :

إذا عزّ تأمين المطلب المادي لشريحة التربويين كله أو جزئه في هذا المقطع الزمني لدواع مالية صرفة، فلا غنى عن توفير الدعم المعنوي والاعتباري للهيئة التربوية ممثلة بالمقام الأول بشخصية المعلم...

ما تزال التظاهرات التي نظمها ناشطون عراقيون للمطالبة بحقوق مادية (في أغلبها) وتخصّ شريحة العاملين في المجال التربوي، ما تزال هذه التظاهرات المصحوبة بإضراب عام (تقريبا) تحدث سجالا فكريا حادا بين من يرى مشروعيتها، ومن يرى فيها صفحة جديدة من صفحات المؤامرة على التجربة السياسية في العراق الجديد!.

وقد تولى عددٌ كبير من الصحفيين والكتّاب تناول هذا الموضوع من زوايا كثيرة، وشاب كثيرا من تلك الكتابات انحيازٌ واضح إما إلى جهة التظاهر، ومطالبات المتظاهرين، أو إلى الرأي الذي يتقاطع مع هذا التوجه تقاطعا تامّا أو جزئيا. ولكل من هذين الفريقين المتضادين أدلة وبراهين يراها -من وجهة نظره- حقائق لا مرية فيها، على أن هذا التناول يحمل في تضاعيفه الخاصة بكلا الطرفين المتنازعين – والحق يقال- يحمل أساليب من الإقناع عزّ نظيرها في القضايا مثيرة الجدل عادةً! ولهذا الاعتبار فمن النادر أن يقف المراقب أو المتابع على مقاربات موضوعية لهذا الحدث العراقي المهم تأخذ بعين النظر المنصف أبعاد الحدث من جوانبه كافة، ومن دون إفراط أو تفريط.

آخر الأخبار الواردة حتى الآن بخصوص هذا الملف الشائك جدًا بملاحظة تداخل القطاعين الحكومي والأهلي فيه، والخطر جدًا بملاحظة استغلاله من لدن أطراف متعددة لا تريد خير أهل العراق، أقول إنّ آخر أخبار هذه "الملحمة" هو أنّ الحكومة ذكرت تصريحًا أو تلميحًا بأن الميزانية العامة للدولة تعجز عجزًا تامَا أو شبه تامّ عن تلبية المطالب التي تقدّم بها المتظاهرون والمضربون، ولاسيما ما يتعلق برفع سقف الرواتب والأجور، وتثبيت المتعاقدين، وتخصيص قطع سكنية لشريحة التربويين بلا قيد ولا شرط إشارةً إلى مسألة مسقط رأس المستحقين سواء أكانوا ضمن الهيأة التعليمية أم كانوا موظفين عموميين. ومع هذا التطور الأخير اشتعلت مواقع (السوشال ميديا) من جديد حمما محرقة ضد الحكومة ومن يمثلها، وأعيد نشر ما رصد من مخالفات مخزية قام بها بعض أفراد الأمن أو المحسوبين على أجهزة وزارة الداخلية ضد المتظاهرين السلميين رجالا ونساء؛ وذلك بعد هدوء قصير نسبيًا جاء إثر ما تداولته وسائل إعلام رسمية بخصوص نيّة الأطراف الحكومية بالانصياع إلى طلبات المتظاهرين.

إنّ بقاء الأمر على الحال الذي هو عليه في ما بين الحكومة لاسيما وزارة التربية وبين الملاكات التربوية سينذر بأحداث لا قبل للدولة شعبًا وحكومة بتحمّل تبعاتها، ومن هنا لابدّ أن تؤلف الحكومة وعلى جناح السرعة فريقًا محترفًا لحلّ النزاع على الفور يقوم بقطع الطريق أمام محاولات السعي لبعث الفتنة العامة على غرار ما حدث في أحداث "تشرين" حينما استغلت المطالبات المشروعة من لدن أطراف معادية، وأدّت إلى انتكاسة عارمة ما يزال العراقيون أو قسم كبير منهم يعانون من آثارها المأساوية.

إن حق التظاهر وكذلك حق مقاضاة المسؤولين المقصرين ثقافة (يجب) أن تشيع بين العراقيين نخبةً وعوام، وعليه لا بدّ من أن يحظى "حراك" التربويين بتغطية إعلامية مهنية، وأنّ تُقصى الجهات والشخصيات التي تسعى إلى صبّ النار على الزيت. وبقليل من البحث في القنوات الإعلامية في الصحافة التقليدية أو الصحافة الاجتماعية (الفيس بوك واليوتيوب...الخ) يمكن الاهتداء عاجلا إلى هؤلاء "المطلوبين" للسلم الأهلي العراقي.

ولنا أن نقول في هذا السياق: إذا عزّ تأمين المطلب المادي لشريحة التربويين كله أو جزئه في هذا المقطع الزمني لدواع مالية صرفة، فلا غنى عن توفير الدعم المعنوي والاعتباري للهيئة التربوية ممثلة بالمقام الأول بشخصية المعلم، ومن يراجع بعض التفاصيل المتعلقة بهذا الجانب تاريخيا سيقف على معالجات مهمة في هذا الصدد سبق للدولة العراقية أن جربتها، وحققت في ظلها نجاحات باهرة، ولا بأس بإعادة العمل بمقتضاها، أو محاكاة تجارب الدول الأكثر نجاحًا في الملف التربوي والتعليمي كاليابان على سبيل المثال، خاصة ما يتصل بتقديم خدمات الدعم النفسي للمعلمين عبر مستشارين مختصين بعلاج الضغوط النفسية المرتبطة بهذه الشريحة العزيزة وصولا إلى خلق بيئة عمل إيجابية، من أهم مظاهرها إقرار (نظام التثبيت) الذي يضمن استقراراً وظيفياً عالياً ووقاية من الأعمال التعسفية التي تلجأ لها بعض الإدارات الجائرة، وأغلب الظن أنّ شيئا من هذا القبيل منتشر في أوساطنا التربوية بحسب المسموع من كثيرين يعملون في هذا القطاع الحيوي، وكذلك إصدار تشريع يحمي الهيأة التعليمية على وجه الخصوص من الاعتداءات الجسدية أو اللفظية من طرف الطلاب أو أولياء أمورهم، مع توفير تأمين صحي وتأمين ضد الحوادث يشمل التربويين وأسرهم، وكذا العمل بمقتضى ما يُعرف بـ(تنظيم عبء العمل) الذي يتكفل بالبت بعدد ساعات التدريس والاستراحات والإجازات بغية عدم إنهاك المعلم وإرهاقه وظيفيا.

هذا الحق -للإنصاف- ينبغي أن يشمل سائر موظفي الدولة من دون استثناء، وأن يعضد هذا الحق حقٌ آخر يتمثل بتوفير حقائب التأهيل المهني المستدام للموظف من حيث تطوير نفسه عبر برامج تدريبية تمولها الدولة أو الجهة التعليمية التي تتبع القطاع الخاص أو الأهلي.

.............................................

الآراء الواردة في المقالات والتقارير والدراسات تعبر عن رأي كتابها

*مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2025 Ⓒ

http://mcsr.net


اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز المستقبل