قد يتوقع البعض عند قراءتهم لمفهوم المحافظون الجدد بأننا نقصد الحالة الحزبية الصاعدة في بعض الدول ويذهب به الخيال الى بعض البلدان الغربية لاسيما في الولايات المتحدة او في المملكة المتحدة التي اعتادت ان تفرز نخب مختلفة عن سابقاتها في إطار الحالة الحزبية المتأصلة هناك، بينما ما نريد ان نشخصه في هذا المقال هو الإشكاليات التي رافقت اختيار عدد من المحافظين لإدارة المحافظات بعد انتخابات مجالس المحافظات في كانون الأول 2023، تضاف الى الإشكاليات البنيوية التي تخص مجمل العملية والنظام السياسي في العراق إضافةً الى الإشكاليات التي دارت قبل واثناء انتخابات مجالس المحافظات من الأخطاء والثغرات الفنية والجوهرية منها ضعف الاقبال على الانتخابات وحالة التنافس التي لا تمت الى مبادئ وقيم الديمقراطية بصلة من استخدام المال السياسي في الحملات الانتخابية وصولا الى التسقيط السياسي والاجتماعي الى جانب مسببات أخرى منها استغلال حالة الانقسام السياسي بين القوى السياسية والاجتماعية بخصوص المشاركة فيها او مقاطعتها ومن ذلك مقاطعة التيار الصدري وقوى وشخصيات اجتماعية مثل تشرين وغيرهما.

تم اختيار المحافظين بطريقة المحاصصة بين الكتل النافذة في عدد من المحافظات فيما خرجت عدد من المحافظات عما تم التخطيط له من عزل محافظيهم بعد ان تمكنوا -أي المحافظين- من الحصول على مقاعد تمكنهم بدرجة كبيرة من الحصول على موقع المحافظ خاصة وانهم قدموا انفسهم قبل ذلك امام المواطنين تحت شرعية الاستحقاق، الى جانب تعاملهم هذه المرة بذكاء وتكتيك فاق القوى السياسية التقليدية المتحالفة فيما بينها في جذب بعض الأعضاء الى كياناتهم مما مكنهم من التجديد لولاية ثانية في إدارة المحافظة، وهذا ما تمثل بمحافظ البصرة السيد اسعد العيداني، ومحافظ كربلاء السيد نصيف جاسم الخطابي، ومحافظ واسط السيد محمد جميل المياحي، وهذا يمثل تكتيك وفهم جديد من قبل أولئك المحافظون، فيما اتسمت طريقة اختيار المحافظين في المحافظات الأخرى نهجاً محافظاً على عقلية تلك الأحزاب والقوى السياسية في تعاملها مع المشهد السياسي العراقي من خلال المضي بالاتي:

اولاً: الحفاظ على نهج المحاصصة

تأكد تلك القوى والأحزاب السياسية على نهج المحاصصة في تقاسمها للمواقع على المستويات الإدارية والتنفيذية والاستشارية في إدارة المحافظات العراقية كحالة مشابهة في التعامل مع السلطات الاتحادية والرئاسات الثلاث في بغداد، وهذا ما تمثل بصورة واضحة قبل اعلان نتائج الانتخابات وصولاً الى الالية التي تشكلت بها الإدارات المحلية في عدد من المحافظات العراقية من تقاسم منصب المحافظ ونائبيه بين تلك القوى، ومن ثم تقاسم المواقع الأخرى من رئيس مجلس المحافظة والنائب الأول، وسوف تعمد الى تقاسم اللجان داخل مجلس المحافظة وفق طريقة الحصص، ومن ثم المضي بهذا الخيار الى توزيع الدوائر الخدمية والتنفيذية فيها فيما بين تلك القوى.

ثانياً: الاختيار وفق معايير الولاء وليس الكفاءة والمهنية

اتسم اختيار ما اسميناهم بالمحافظين الجدد في العراق بمعايير فيه الكثير من الغرابة فالاختيار هذه المرة لم يكن فقط على أسس المحاصصة، وانعدام معايير الكفاءة والتجربة والنجاح، وانما على أسس اضيق من ذلك بتقديم الأشخاص من قبل رئيس الحزب نفسه على وفق مدى قربه وولاءه له، وتم بذلك استبعاد حتى الأشخاص الحزبيين، الذين من الممكن ان يكونوا أفضل بكثير مما وقع الاختيار عليهم، ولا نريد ان نذكر بالصراع الذي كانت تخوضه القوى الاجتماعية مع الأحزاب والقوى السياسية التقليدية بخصوص تجديد برامجها وسلوكها السياسي وتقديم المصالح الوطنية العليا على المصالح الحزبية الضيقة وتقديم مصلحة المواطن فوق أي اعتبارات أخرى ومنها الولاء للحزب او للشخص وما الى ذلك، فقد ذهبت دماء مئات المواطنين لاسيما من الشباب في سبل تصحيح تلك المسارات الخاطئة.

لكن يبدو ان القوى السياسية النافذة تصر على التعامل مع المشهد الداخلي للعراق بذات العقلية الضيقة المحافظة التي ادارت بها المشهد السياسي العراقي بعد التغيير من النظام الاستبدادي البائد، ومع كل تلك الإشكاليات وان كانت المقدمات تدلل على النتائج لكن نطمح ان يقدم أولئك المحافظون مصالح محافظاتهم العليا فوق أي مصلحة أخرى، وان يرتقي عملهم بما يلبي طموحات أبناء تلك المحافظات في الجوانب الخدمية والعمرانية وتنظيم ومعالجة واقعها المتردي على الرغم من الموازنات المالية التي صرفت طوال العقدين المنصرمين.

.............................................

الآراء الواردة في المقالات والتقارير والدراسات تعبر عن رأي كتابها

*مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2024 Ⓒ

http://mcsr.net

اشترك معنا على التلجرام لاخر التحديثات
https://t.me/infomscr
التعليقات