يتأثر الامن القومي والوطني في العراق مع التمييز النسبي بين المفهومين (الامن الوطني والامن القومي) بالمتغيرات التي تطرأ على الساحتين الدولية والإقليمية إضافةً الى البيئة المجاورة للعراق، فمع كثرة الحديث والاخبار سياسياً واعلامياً وجيواستراتيجياً وجيوجغرافياً عن تحركات عسكرية أمريكية في المنطقة لاسيما على الحدود السورية العراقية هناك اكثر من توقع ومشهد او سيناريو ينتظر الامن القومي في العراق بالتعامل مع هذه المتغيرات، لاسيما وان هذه المتغيرات على علاقة بالساحة الداخلية العراقية من عملية سياسية واطراف حزبية وانتماءات وقوة داخلية مرتهنة بالداخل او بالتوجهات الخارجية، وفي ذلك كثرة الأسئلة عن اهداف التحركات العسكرية الامريكية في المناطق الحدودية بين العراق وسورية على وجه التحديد إضافةً الى مناطق أخرى من العراق، الإجابة الرسمية من قبل الجانب الأمريكي لاسيما ما ذكرته الخارجية الامريكية ووزارة الدفاع البنتاغون قالت انها تحركات تستهدف استبدال القوات العسكرية الامريكية بأخرى، وان العملية لا تمس الوضع السياسي في العراق ولا حتى في الجانب السوري اذ انها لا تهدف التحرك العسكري المباشر في مناطق غرب سورية.
يأتي ذلك في ظل الكثير من المواقف التي تتداول خصوصاً على المستوى الإعلامي منها من ان النظام السياسي العراقي بدأ عمره الافتراضي في الافول، من جانب ثاني ان الإدارة الامريكية الحالية تضع افتراضات وإملاءات على اطراف العملية السياسية ومن ضمنها الأطراف القريبة من ايران والتي لها صله بما يعرف بمحور المقاومة، ومن ذلك ما تقوم به السفيرة الأمريكية في العراق ألينا رومانوسكي.
من هنا قد يكون المحور الثاني صحيح للغاية وهو ملاحظ بقوة في تحركات السفيرة الامريكية ورغبة القوى السياسية المشكلة للحكومة لاسيما قوى الاطار التنسيقي إرضاء الجانب الأمريكي ومن ذلك جملة التغييرات على المواقف السياسية بدءاً من تشكيل حكومة السيد السوداني والى يومنا هذا ومن دلائل ذلك الاستجابة السياسية العراقية على سبيل المثال توقف الهجمات الصاروخية التي كانت تستهدف المصالح الامريكية في العراق حيث لم يعد تسجل حتى واحد بالمائة من تهديد امني من قبل اطراف الفصائل تجاه المصالح والوجود الامريكي في بغداد، الجانب الثاني التصريحات الإيجابية من قبل اطراف تدعي مقاومتها ورفضها للوجود الأمريكي في العراق بإمكانية بقاء القوات الامريكية في العراق ومن ذلك ما صرح به الأمين العام للعصائب الشيخ قيس الخزعلي إضافةً الى تصريحات رئيس الحكومة السيد السوداني المرحبة لبقاء القوات الامريكية والمضي بالاتفاق مع الجانب الأمريكي إضافة الى اعطاءه الاولوية في عقود الطاقة لاسيما الكهرباء منها.
الدلالة من ذلك كله ان الأطراف التي كان لها موقف متشدد من الوجود الأمريكي سياسياً وعسكرياً تحاول الآن ترطيب الأجواء في محاولة لمضي الحكومة سياسياً وتمكينها في الاستمرار بمشروعها السياسي كحكومة وقوة سياسية تقف خلفها.
وعلى صعيد اخر، هل التحركات الامريكية فيما يمكن لنا ان نسميه بالفصل الجغرافي يهدد الامن القومي العراقي ومجمل العملية السياسية؟، في الوقت الحالي يصعب التكهن في إجابة مباشرة بالإيجاب على مثل هكذا تهديدات، اذ ان التمثيل الأمريكي في العراق والمتمثل بالسفارة الامريكية لم تصطدم يوما برفض او تهديد حقيقي بل الامر معكوس تماماً مثلما اشرنا، اذ ان تلاعب الأدوار التي كانت تؤديها بعض الفصائل تحول في الأشهر الأخيرة الى سكوت والمضي في عقلية وسلوك الاوليغارشية السياسية والاقتصادية بدل المواجهة، اما الموقف المقابل ما الذي تريده السفارة الامريكية في العراق في ظل تحركاتها الأخيرة على الحدود السورية العراقية فقد يكون هناك عدد من الأهداف يمكن تلخيصها بالنقاط الاتية:
1- الفصل السياسي والجغرافي ما بين الجانب العراقي والجانب السوري.
2- قطع الخطوط الجغرافية وما شابه التي تمتد من إيران عبر العراق والى سورية ومن ثم الى لبنان امام أي فصيل عراقي مسلح مهما كان نوعه وشكله وارتباطه لاسيما تلك المرتبطة بإيران، اذ يبدو من هذا الاجراء هناك أكثر من هدف أبرزها محاولة استمرار تقزيم النظام السياسي في سورية بقيادة بشار الأسد، وحفظ الامن القومي للكيان الإسرائيلي.
3- سورية بيئة جغرافية لم تعد مقتصرة على مسألة بقاء النظام من غيره او دعم المعارضة على حساب اسقاط النظام وانما تحولت الى ارض تصادم دوليا لاسيما بعد التصادم الغربي مع روسيا في أوكرانيا وتعنت روسيا في استمرار الحرب في أوكرانيا لذا فهي قد تكون بيئة متميزة لتحويل المواجهة مع المحور الروسي في قبال استمرار روسيا في الحرب والمواجهة في اوكرانيا.
4- ترى الولايات المتحدة ان الفرصة سانحة الآن أكثر من غيرها تحت تهديد التغيير والازاحة من السلطة إذا ما حاولت الأطراف العراقية تهديد التحرك الأمريكي على الحدود العراقية السورية، وهذه رسالة كانت واضحة من قبل الجانب الأمريكي عبر السفيرة الامريكية في العراق الى كل الأطراف من ان الجانب الامريكي يعلم بكل بيانات واماكن وتواصل الأطراف السياسية وان أي طرف سياسي او عسكري يتحرك تحت أي ذريعة سيكون محل استهداف مباشرة من قبل الجانب العسكري والمخابراتي الأمريكي.
مما تقدم، فأن القوى السياسية في العراق عليها ان تدرك قبل غيرها ان أي تهديد للعملية السياسية تكون مقدماته وتمهيداته ناجمة عن المواقف والسياسات والافعال الداخلية، فإذا ارادت الحفاظ على وجود استمرارها إضافةً الى عدم تعرض الامن القومي العراقي للخطر؛ عليها الابتعاد وطنيا واستراتيجيا عن صراع المحاور والانزواء للداخل والاهتمام بالجوانب الوطنية مثل ترصين النظام الديمقراطي والمواطنة وحماية السلم الأهلي إضافةً الى تطوير الجوانب الاقتصادية والعمرانية والخدمية ومكافحة الفساد المالي والإداري المستشري والتي تقوده جهات نافذة داخل السلطة.