زار وزير الخارجية السعودي طهران يوم السبت 17/6/2023، وتعد هذه الزيارة الاولى من نوعها بعد اكثر من 17 عام، على هذا المستوى العالي من الزيارات، تبعها قطيعة دبلوماسية استمرت سبع سنوات، ونذر حرب قائمة بين الطرفين.
في ضوء ذلك قررت ايران والسعودية منذ ثلاثة اشهر ومن خلال وساطة صينية انهاء الخلافات الدبلوماسية واستئناف العلاقات، لكن كيف يمكن لهذا الدفء في العلاقات أن يؤثر على العلاقات مع الولايات المتحدة؟ وكيف ستتعامل الاخيرة مع هذا الدفء؟ وهل هذا الدفء سيؤدي الى تقارب وتحالف وتشكيل محور ام سيكون ظرفي وقتي تمليه ظروف معينة؟ وما هي مآلات ذلك على منطقة الشرق الاوسط؟.
من المستبعد حاليا ان تشكل عودة العلاقات بين البلدين محورا او تقارباً منسجماً، كل ما في الامر هو عودة الأمور إلى سابق عهدها، أي محاولة بناء علاقات طبيعية، وهذا واقع ملموس من خلال تأخر تنفيذ الوساطة الصينية التي تم التوقيع عليها في 10 آذار 2023 وما يؤكد عدم ترجيح حصول تقارب وتحالف قريب بين الطرفين هو إعلان مجلس التعاون الخليجي إصراره ومطالبته بأحقية دول الخليج للجزر الثلاث المحتلة من قبل إيران ام موسى وطنب الكبرى والصغرى، إضافة إلى مطالبة المجلس أن تكون دوله طرفا في مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني مع دول 5+1، وكان الرد الإيراني فوري حول بقاء الجزر الثلاثة تحت سيطرتها الى الابد، وإن موقف دول مجلس التعاون الخليجي حول المشاركة في المفاوضات النووية يعتبر موقفا مستغرب ومرفوض، اي كل طرف حاليا باقي على موقفه ولم تتبدل سياساته عمليا لا في اليمن ولا العراق او لبنان، رغم إنعكاسات هذه الوساطة على الأزمة السورية وعودة دمشق إلى الجامعة العربية وهذا ما تمخض في قمة جدة.
إذا المسألة الآن تبقى على مستوى العلاقات الثنائية بين الطرفين، لكن قد تطور هذه العلاقات تدريجيا مع استعادة الثقة وتقديم التنازلات المتبادلة، وتماشيا مع التطورات الجيوسياسية الحاصلة في المنطقة والعالم، وبالنسبة للولايات المتحدة فلم تبدِ اي مؤشر رافض حول هذه المتغيرات فهي الان تفاوض إيران في سلطنة عمان حول اتفاق نووي مؤقت، وزار وزير خارجيتها الرياض اثناء زيارة وزير خارجية المملكة طهران، اذن كل طرف يلعب لعبة مصالحه، وهذا لا يعني ستبقى تتفرج على تراجع دورها في المنطقة وتصاعد وتطور العلاقات بين خصومها وحلفاءها وتهديد امن اسرائيل، وتهديد مصالحها النفطية والاقتصادية في تلك المنطقة، لكن هذا الموضوع يرتبط بطبيعة الإدارة الأمريكية القادمة وأيضا ترقب الموقف الصيني والروسي في المنطقة.
اما السعودية فتدرك أهمية عودة علاقاتها مع إيران، فهي تشكل جزء من التوازنات الإقليمية والدولية واستغلال ظروف تراجع اهتمام الولايات المتحدة في قضايا الشرق الاوسط، فإلى جانب زيارة وزير الخارجية السعودي إلى إيران، زار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان باريس وهذه ثالث زيارة له خلال تسنمه منصبه ولياً للعهد، إضافة إلى تقاربه مع الصين وروسيا، هذا الامير الشاب ادرك أن تنفيذ رؤية 2030 في بناء مملكة حداثوية لا يمكن أن يتحقق مع وجود صراعات وتقاطعات طائفية ومذهبية مع إيران، ولهذا فهو يستغل هذه الظروف لتطويق هذه الخلافات مع بقاء صراع الجغرافيا والهيمنة حاضرا، لكن هذا لا يعني أن السعودية ستتراجع في مواقفها للقضايا المصيرية ويمكن أن تعود العلاقات مع إيران إلى المربع الأول.
اما ايران فهي المستفيد الاكبر من هذه التفاعلات ومن عودة هذا الدفء في العلاقات مع السعودية، على حساب صراعاتها مع واشنطن وتل ابيب، كما أنه يخدمها في مسألة الاتفاق النووي وتخفيف سياسة الضغوط القصوى الاقتصادية والمالية الممارسة ضدها من قبل واشنطن وحلفائها.
ومن الواضح أن إيران ستدافع بقوة عن هذه الوساطة مع السعودية وستبحث عن تحقيق مخرجات لها سواء على مستوى الوضع الاقتصادي أو على مستوى نفوذها في الدول التي تتقاطع فيها مع السعودية، أي ان ايران ستعزز المكاسب الاقتصادية من خلال هذا التقارب مع دول الخليج عبر إحلال توازن إقليمي جديد يجبر الولايات المتحدة والغرب على التعامل مع إيران بمنظور مختلف، في مقابل السماح لدول مجلس التعاون الخليجي أن يكون لها دور في مناطق النفوذ الإيراني.
ان تطبيقات هذه الرؤية المشتركة ستنعكس في تنفيذ مشاريع واستثمارات مهمة في دول المنطقة تكرس هذا التعاون ودفء العلاقات وتغيير نبرة الخطاب الاعلامي والسياسي بين الطرفين بما يسهم ويشجع على تطور هذه العلاقات واستخدامها كنقطة توازن في النظام الدولي والاقليمي.