يواجه العراق تحديات اقتصادية كبيرة، بما في ذلك ضعف تنويع الاقتصاد والاعتماد الكبير على النفط، على الرغم من ذلك، تبقى الدبلوماسية الاقتصادية من أهم أدوات العراق في تعزيز علاقاته الدولية، سواء عبر جذب الاستثمارات أو تطوير مشاريع التنمية...
مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية- ملتقى فكري*
على الرغم من التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدها العراق في السنوات الأخيرة، الا انه ما يزال يواجه تحديات كبيرة في التعامل مع قوى إقليمية ودولية تلعب دورا بارزا في تحديد مستقبله، فوجد العراق نفسه في عام 2025 في مفترق طرق معقد تبرز فيه مخاطر القوة الخشنة وتحديات الدبلوماسية الناعمة كعاملين حاسمين في تحديد ملامح المستقبل السياسي والاقتصادي للعراق، هذه الورقة البحثية تستعرض المخاطر المرتبطة باستخدام القوة الخشنة والتحديات التي تواجه الدبلوماسية الناعمة في العراق، مع التركيز على الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
القوة الخشنة في معناها الاصطلاحي تشير إلى استخدام الوسائل العسكرية والاقتصادية والإكراهية لتحقيق الأهداف السياسية للدولة، تستخدم القوة الخشنة عادة لفرض الإرادة على الدول أو الجهات الفاعلة الأخرى من خلال التهديد أو استخدام القوة بشكل مباشر عبر استخدام القوة العسكرية أو التهديد بها لتحقيق أهداف سياسية أو أمنية، مثل شن الحروب أو تنفيذ عمليات عسكرية محدودة، ومن اساليب القوة الخشنة فرض قيود اقتصادية على دولة أو كيان معين، مثل الحظر التجاري أو تجميد الأصول، لإجباره على تغيير سلوك أو موقف سياسي، الفرق بين القوة الخشنة والقوة الناعمة القوة الخشنة تعتمد على الإكراه والإجبار اما القوة الناعمة تعتمد على الإقناع والجاذبية، مثل استخدام الثقافة والقيم والمساعدات الإنسانية لتحقيق الأهداف، ومن امثلة استخدام القوة الخشنة الغزو العسكري للعراق عام 2003، والعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، والتدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.
اما المعنى الاصطلاحي للدبلوماسية الناعمة فأنه يشير إلى قدرة الدولة على تحقيق أهدافها السياسية والاستراتيجية من خلال التأثير والإقناع بدلاً من الإكراه أو استخدام القوة العسكرية والاقتصادية، وتعتمد على الجاذبية الثقافية، والقيم الأخلاقية، والسياسات التي تعزز صورة الدولة ومصداقيتها في نظر الآخرين.
واذا ما خصصنا الحديث حول العراق فأن الاعتماد على القوة الخشنة تتجسد في التدخلات العسكرية والامنية لتحقيق اهداف سياسية، سواء كانت من قبل دول إقليمية أو قوى عالمية، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني في العراق، هذا التدخل غالباً ما يضعف السيادة الوطنية ويعزز النزاعات الداخلية وتؤدي إلى تصاعد العنف واستنزاف الموارد البشرية والمالية ويغذي التطرف والتوترات في المناطق المتضررة، ولكن في المقابل يعاني العراق من تهديدات مستمرة من قبل الجماعات المسلحة، مثل تنظيم داعش وغيره، مما يجعل استخدام القوة الخشنة أحياناً ضرورة في مواجهة هذه التهديدات، كما ان وجود قوات أجنبية على الأراضي العراقية يضعف من استقلالية القرار الوطني ويؤدي إلى صراعات بالوكالة بين القوى الإقليمية والدولية.
وقد تؤدي القوة الخشنة إلى تآكل النسيج الاجتماعي في العراق، حيث يساهم العنف من قبل الأجهزة الأمنية في مواجهة الاحتجاجات الشعبية في تعميق الانقسامات الطائفية والعرقية، مما يعزز الانقسام الداخلي وتعميق الفجوة بين السلطة والمواطنين.
من جهة اخرى، الدبلوماسية الناعمة تعتمد على القوة الناعمة لبناء جسور التعاون وتعزيز صورة الدولة على المستوى الدولي، ومع ذلك يواجه العراق عدة تحديات منها:
ان العراق لموقعه بين قوى إقليمية كبرى مثل إيران والسعودية، يضعه في موقف صعب في تبني سياسة دبلوماسية ناعمة مستقلة، فهو بحاجة إلى بناء شبكة علاقات توازن بين هذه القوى المتنافسة دون التفريط في سيادته، اضافة الى ذلك، ان العلاقات المتوترة مع بعض دول الجوار مثل تركيا وإيران تجعل من الصعب بناء شراكات تعاونية، كما ان البعثات الدبلوماسية العراقية تعاني من نقص في الكفاءات والموارد مما يحد من قدرتها على التأثير الإيجابي.
يواجه العراق تحديات اقتصادية كبيرة، بما في ذلك ضعف تنويع الاقتصاد والاعتماد الكبير على النفط، على الرغم من ذلك، تبقى الدبلوماسية الاقتصادية من أهم أدوات العراق في تعزيز علاقاته الدولية، سواء عبر جذب الاستثمارات أو تطوير مشاريع التنمية.
ويمكن للعراق أن يعزز مكانته الدولية عبر نشر ثقافته وتعزيز التعليم، لكن هذا يتطلب تحسين الوضع الداخلي من خلال إصلاحات في النظام التعليمي والثقافي، وهو ما يشكل تحدياً كبيراً في ظل الأزمات المتتالية.
اما فيما يخص التوترات المستمرة بين القوى الكبرى في المنطقة مثل الولايات المتحدة وإيران، والتدخلات العسكرية الأجنبية، قد تضع العراق أمام تحديات كبيرة في صياغة سياسة خارجية مستقلة، كما ان التطورات التكنولوجية والإعلامية يمكن أن تكون أدوات فعالة في الدبلوماسية الناعمة، ولكن من ناحية أخرى قد تتسبب التكنولوجيا الحديثة في نشر المعلومات المضللة وتعميق الصراعات.
إن التحديات التي يواجهها العراق في عام 2025 تتطلب التعامل مع مخاطر القوة الخشنة وفق رؤية شاملة تراعي التحديات الأمنية دون الإضرار بالنسيج الاجتماعي، بالمقابل تحتاج الدبلوماسية الناعمة إلى تطوير أدواتها لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية، ويتعين على العراق أن يسعى إلى تعزيز سيادته، واستقرار مجتمعه، وفتح قنوات دبلوماسية مع مختلف القوى العالمية والإقليمية، كما يجب أن تكون الأولوية للحلول السلمية التي تساهم في خلق بيئة أمنية واقتصادية مستدامة.
اضافةتعليق