ناقش مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية وضمن نشاطاته الفكرية الشهرية موضوعا حمل عنوان (تأثير الانتخابات الامريكية 2024 على الاستقرار في الشرق الاوسط) بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي عقد بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، قدم الورقة النقاشية وأدار الجلسة الحوارية الاستاذ حيدر عبد الستار الاجودي/ باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، وابتدأ حديثه قائلا:
"يُنظَر إلى عام 2024 على أنه عام مهم في مسار النظم السياسية والحكومات حول العالم؛ حيث سيتوجه العديد من سكان العالم إلى صناديق الاقتراع لاختيار قيادات وممُثلين جُدد على مستويات عدة؛ فمن المتوقع أن تحدث استحقاقات انتخابية في أكثر من 75 دولة، أبرزها الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية وفي روسيا، وستنعكس نتيجة تلك الانتخابات على المعطيات البيئية الإقليمية والدولية؛ حيث سينتج عنها نخبة سياسية جديدة تساهم في إعادة تشكيل العوامل الجيوسياسية التي ستحدد آليات التعاطي السياسي والاقتصادي مع الأزمات الدولية الممتدة للعام الحالي، ومنها الحرب الأوكرانية والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتباطؤ معدلات نمو الاقتصاد العالمي.
فقد تعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية أهم استحقاق لعام 2024؛ نظراً إلى تداعياتها الدولية المتعددة. وثمة تنافس محتدم بدأ العام السابق على المرشحين لها؛ حيث أعلن الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن ترشحه عن الحزب الديمقراطي، وسط اتهامات بالتورط في قضايا فساد له ولنجله دفعت الأغلبية الجمهورية بمجلس النواب الأمريكي إلى المطالبة بالبدء في إجراءات عزله من منصبه، وسط تراجع شعبيته لتسود الشكوك حول قدرته على الفوز في الانتخابات.
كما يسعى الرئيس السابق دونالد ترامب إلى الحصول على ترشح الحزب الجمهوري، بيد أنه يواجه صعوبات عدة؛ منها التحقيق معه بالتورط في أحداث اقتحام الكونكرس في كانون الثاني عام 2021؛ ما دفع ولايتي (ماين وكولورادو) إلى إصدار قرار بعدم أهليته للترشح للانتخابات الداخلية بالحزب الجمهوري بالولايتين، ومن المتوقع أن تصدر المزيد من الولايات الأمريكية قرارات مماثلة، وسط مخاوف من حدوث حالة من الفوضى الأمنية إذا صدر قرار بمنع ترامب نهائياً من الترشح ليستمر الغموض حول المرشح الجمهوري بالانتخابات المقبلة.
ومن هذا المنطلق، ستؤدي الانتخابات إلى تهديد محتمل للاستقرار السياسي في الولايات المتحدة؛ ففوز بايدن لن يمر بسهولة بالنسبة إلى الجمهوريين الذين يضغطون بالفعل على بايدن، ويعملون على إضعاف قراراته الخارجية. أضف إلى ذلك فإن عامل العمر، والترويج لمعاناة بايدن من بعض الأمراض، يفرض غموضاً بشأن مستقبل الرئاسة الأمريكية. والأمر ذاته إذا فاز ترامب بالسلطة مجدداً؛ فإن هناك مخاوف من صدام بين ترامب وبعض المؤسسات داخل الدولة، ناهيك عن رفض قطاعات شعبية لترامب استناداً إلى فترة رئاسته الأولى، فالمنافسة على الرئاسة الأمريكية في انتخابات تشرين الثاني المقبل، لن تكون تقليدية، بل هي صراع بين رئيسين مختلفين تماما، رئيس أمريكا الزرقاء، وما يمثله ذلك من اتجاه نحو الانفتاح والليبرالية، مقابل رئيس أمريكا الحمراء، الذي يدعم التيار المحافظ في رؤية أمريكا داخليا وخارجيا.
ومن أبرز الملفات التي دارت حولها آراء المعسكرين السياسيين الأمريكيين هي الغزو الروسي لأوكرانيا، والصين، والشرق الأوسط عموماً وإيران خصوصاً، ومواجهة تغيُّر المناخ.
فقد اتفق المعسكران على سياسة تخفيف الثقل الأمريكي في منطقة الشرق الاوسط منذ عهد الرئيس باراك أوباما وعلى مواصلة تقديم الدعم لإسرائيل، لكنهما اختلفا في التعاطي مع الملفّ الإيراني الذي تتفرع منه محددات تملي قواعد التعامل الأمريكي مع بقية الملفات في المنطقة. وينطلق الديمقراطيون في تعامُلهم مع المنطقة من ضرورة إعادة إحياء الاتفاق النووي مع طهران، الأمر الذي كان يعني خلال العَقد الماضي التغاضي عن تَبِعات التمدد الإيراني في المنطقة، في حين يعارض الجمهوريون الاتفاق الذي يرون أنه أضعف من أن يُلزِم إيران بالتخلي عن برنامجها النووي، وأن يضغط للتأثير في سياستها الإقليمية.
وسط هذه الاتجاهات للحوار والمواجهة، فإن الشرق الأوسط يأتي على رأس جدول أعمال الرئيس الأمريكي المقبل. وسيتعامل أي من المرشحين مع العلاقات بالعالم العربي بطريقة براغماتية عالية، سعيا لتحقيق فوائد قصيرة الأجل، للحد من النفوذ الصيني الواسع في المنطقة، والتركيز على ردع التوسع الروسي في شمال افريقيا، والإيراني في سوريا والعراق.
حيث بدأت التوترات واضحة في الشرق الأوسط الذي دخل عام 2023 بمزيد من المصالحات الإقليمية وباتفاق تاريخي بين السعودية وإيران بوساطة صينية؛ وعلاقة السعودية مع الصين والتي كانت عبارة عن جمع المتناقضات هدفها إظهار مدى وجود نقاط خلاف وانزعاج الرياض مع إدارة جو بايدن.
فهذه التحولات التي طرأت على العلاقات الدولية والاقليمية، بدت تشير في الوهلة الاولى الى حالة من التفاؤل والانتقال الى مستوى جديد اكثر استقرارا في المنطقة، الا ان التوقيت والشكل اللذين اختارتهما حركة حماس لتنفيذ هجوم طوفان الأقصى كانا مباغتين، ووضعت الأزمة في غزة، الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، في مقدمة اهتمامات الولايات المتحدة مرة أخرى. وكان قد دعا ترامب إلى اتباع نهج جديد في التعامل مع هذا الصراع يركز على العلاقات العربية الإسرائيلية، في المقابل، أكد بايدن على أهمية حل الدولتين، فضلا عن التطبيع، ولكنه قام في الوقت ذاته بدعم إسرائيل دعما مستمرا، على الرغم مما تقوم به من انتهاكات صارخة للقانون الدولي والإنساني عبر عملياتها في غزة، فسيظل الدعم قويا، بغض النظر عمن سيُنتخب رئيسا للولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن الحرب القاسية بغزة ستمثل تعقيدا متوقعا، فبايدن وترامب لا يريدان تصعيدا يفرض عليهما المزيد من المشاركة العسكرية الأمريكية، ويفضلان تجنب صراع إقليمي أوسع، مع قيام إسرائيل بجذب حزب الله للحرب، أو إذا ما انخرط الحوثيون بصورة أكبر في الصراع.
اما في العراق، فبحكم العلاقة المتوترة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الفصائل المسلحة الموالية لإيران، سيجد العراق نفسه في وضع قد يفقد من خلاله بوصلة التحكم بسلوك الفصائل المسلحة، وهذا سيكون التحدي الأكبر بمستقبل الوضع العراقي بشكل عام، بسبب عدم امتلاك أدوات ضبط قواعد الاشتباك بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما سيجعل العراق جغرافية لتصفية الحسابات بين واشنطن وطهران على مدى العام 2024.
ولتقويم الورقة البحثية نفتح باب المداخلات امام السادة الحضور عبر الاجابة عن السؤالين الاتيين:
السؤال الاول/ كيف تؤثر تفاقم التوترات على حظوظ الرئيسين بايدن وترامب؟
السؤال الثاني/ هل ستؤدي الانتخابات القادمة الى تصاعد الصراعات ام احتوائها خصوصا في العراق؟
المداخلات
سيناريو قريب من السيناريو الافغاني
- د. حسين السرحان/ باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:
"الانتخابات الامريكية هي متغير مهم في النظام العالمي والسياسات الدولية، وهي تؤثر في الثوابت ايضا وتتأثر في طبيعة الوقت في مناطق مختلفة من العالم لاسيما مناطق الازمات وحتى المناطق المستقرة ايضا كما انها تتأثر برؤية الفائز بالانتخابات الامريكية بما فيها الاتحاد الاوروبي والشرق الاوسط باعتباره منطقة ازمة كبيرة ومعقدة بالنسبة للنظام العالمي، وطبيعة التوترات في المنطقة ممكن ان تستغل لصانع القرار او الماكنة الاعلامية بالولايات المتحدة الامريكية، والماكنة الانتخابية ايضا توظف لصراعات على مستوى العالم ليس فقط في الشرق الاوسط بل الموضوع يخص الحرب الروسية الاوكرانية وتايوان والصين وكوريا الشمالية وملف المناخ وملف الاقتصاد وملف التجارة العالمية والملاحة الدولية كل هذه المتغيرات اصبحت تؤثر على موضوع الانتخابات الامريكية، فكلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي له رؤيته في هذه الملفات لاسيما ملف الصراعات المسلحة، في نفس الوقت يجب ان ننتبه ان هناك بعض الرؤى متفقة مثلا الامريكان سواء كانوا ديمقراطيين او جمهوريين لا يريدون صراعا مباشرا وحربا مباشرة مع ايران بالمنطقة لانها ستزيد من كلفة هذه الحرب وايضا حتى لا يتعرضون الى انتكاسة كبيرة وربما تقودهم الى سيناريو قريب من السيناريو الافغاني رغم فارق الوضع بين العراق وافغانستان، المشكلة ان هذه الانتخابات تقود الى احتواء هذه الصراعات او توترها او تصعيدها لا تعتمد في وقتها على المتغيرات لان المتغيرات لا تتعلق برؤية الديمقراطيين او رؤية الجمهوريين لأوضاع العالم او لأوضاع الشرق الاوسط او تعاملهم مع ايران، ربما يتفقون على قضية تجنب الحرب المباشرة مع الولايات المتحدة الامريكية وصانع القرار الايراني يدرك هذا الشيء رغم ان التجربة التي حدثت بعد احداث غزة كان كلا من الجانبين متفقين على عدم توسيع ساحة الصراع، لكن يبدو ان ساحة الصراع توسعت بدخول الحوثيين على الخط ودخول الفصائل المسلحة في العراق وسوريا على خط الازمة فتوسعت حاليا واقع الحرب في غزة ولم تعد تقتصر على ساحة الصراع الفلسطينية الاسرائيلية وانما شملت المنطقة، اليوم نتابع ان رأي بعض اعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري بما يخص الحرب والضربات الامريكية على مقرات امريكية في سوريا والعراق كانوا ممتعضين ومتأخرة جدا وضعيفة ولا ترتقي مستوى الرد الجيد او الردع الكامل فالردع الكامل لم يتحقق لإيران وهذا يقرأ من جانب ايراني، ربما موضوع الصراع مع الولايات المتحدة سيبقى محدودا من خلال الوكلاء في المنطقة، فيما يخص العراق ستبقى الحرب مفتوحة بإعلان الرئيس بايدن وستستمر هذه الضربات، وربما يكون هناك تحالف دولي قريب للتحالف الدولي المتشكل ضد الحوثيين باليمن، اليوم بعض الانباء تتحدث عن مشاركة بريطانية ومشاركة امريكية وحتى مشاركة اردنية في توجيه الضربات للمنطقة وفي نفس الوقت هذا يدفع وكلاء ايران في المنطقة الى توسيع جبهة الصراع ولن تكون مقتصرة على سوريا والعراق، الضربة الاخيرة في الاردن هي كانت رسالة خطيرة بالنسبة لصانع القرار الامريكي وهي من اثارت غضب الراي العام الامريكي سياسيا وجماهيريا على الادارة الامريكية او ربما في المستقبل نلاحظ ان هناك ضربات مماثلة اخرى لمصالح امريكية على مستوى المنطقة لن تقتصر فقط على الاردن ربما يكون هناك ضربة موجهة لمصدر الطاقة في السعودية او الكويت او البحرين وهذه الدول تحتوي على قواعد امريكية، وربما يكون هناك دافع لإيران بأن توظف وكلائها بالمنطقة لتوسيع ساحة الصراع لإحراج الادارة الامريكية، في نفس الوقت ايران تدرك ليس من مصلحتها ان تتصاعد شعبية ترامب على حساب بايدن، فربما الديمقراطيين اهون وافضل بالنسبة لإيران في التعامل معهم، وما يخص الاشكالية العراقية بالاساس لماذا العراق ليس مثل السعودية او الامارات او الاردن او مصر في تعامله مع الولايات المتحدة الامريكية، رئيس الوزراء يعلن قواعد عسكرية عراقية تتضمن قوات التحالف الدولي وقوات مساعدة استشارية لمهمات تدريبية ودعم فني، في وقت اخر هناك اطراف اخرى داخل الدولة العراقية تتهم بأن القوات الامريكية هي قوات احتلال، فلا الحكومة العراقية قادرة على لجم افواه هذه الفصائل ولا الفصائل تحترم ارادة الدولة مما يظهر بأنها دولة غير موثوقة وغير حليفة وغير قادرة على فرض الامن وغير قادرة على ضبط السلاح وربما لن يقتصر الرد على الردود العسكرية، في المستقبل ربما نلاحظ شمول عقوبات على مؤسسات حكومية عراقية مثلا وزارة المالية والبنك المركزي العراقي وجهات اخرى لها صلات بالمؤسسات الدولية".
عنق الزجاجة الايرانية
- أ. عدنان الصالحي/ مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
"تعودنا بعد كل انتخابات امريكية يتأثر العالم بها ويرافقها ازمات خارجية مثل ازمة افغانستان والعراق وغيرها، وقد تكون قرارات الامريكان شبه بعيدة عن التأثر بالأزمات لكن تأثيرها يكون مبنيا على هذه الازمات، ان كل حزب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لديه انصاره ويطرح وجه نظره في هذه الازمة او تلك كبرنامج انتخابي شامل للولايات المتحدة الامريكية، ففي قضية الرئيس الحالي بايدن، هناك تراجع واضح في قضية الديمقراطيين بشكل عام نتيجة تصريحات ترامب في لقاءاته التي تنتقص من بايدن وانصاره ممكن ان تكون جزء من الحملة الانتخابية، كما ان الديمقراطيين لديهم ادوات في هذا الجانب وهو العمل على مساحة اوسع من ايران، فالمشكلة ليست فقط ايران وما حدث في غزة والهجوم الاسرائيلي كشف الكثير من الاشياء وكشفت القوات الحوثية قدراتها وكذلك الفصائل في سوريا والعراق، ان هذه المعركة تدور حول الفصائل التي تدعي المقاومة وخطوط امتدادها وكيفية التعامل بحيث التركيز في الآونة الاخيرة اصبح عليها اكثر من التركيز على معارك غزة بالذات والحديث عن مفاوضات باريس على ايجاد صفقة طويلة الامد مع الاسرائيليين والفلسطينيين تنهي الملف وحتى الاسرائيليين مقتنعين بوجود دولة فلسطينية بغياب حركة حماس، ان المعركة القادمة لهذه الدول امريكا وبريطانيا والمتحالفين معها على كيفية انهاء وجود الفصائل وعدم افلاتها من العقاب، كما سيواجه الرئيس القادم تحديا كبيرا متمثلا بقضية الهجرة غير الشرعية في امريكا وقضية التضخم وغيرها، فهي عوامل تؤثر في حظوظ الرئيسين سواء بالفوز او عدمه، تصاعد الصراعات ام احتوائها خصوصا في العراق مازال يصنف على ان الارض للإيرانيين والجو للأمريكان لذلك يحاول رئيس الوزراء ان يخرج من عنق الزجاجة الايرانية ويكون في وسط الطريق لكن ليس بمقدوره ذلك لأنه ولد من رحم جهات موالية لإيران والامريكان يعرفون ماذا يجري بالحكومة العراقية ومن هو يدير الملف بالكامل لكنهم يعلمون ان هناك حدودا اذا ما تجاوزها العراق قد تعرضه لعقوبات تبدأ من رفع اليد عن حماية اموال العراق بالخارج وفرض عقوبات على شخصيات قد تطال شخصيات كبيرة، كما ان الحكومة الامريكية ستصل الى مفترق طرق مع الحكومة العراقية فوجود الفصائل المسلحة غير المنتمية للحشد او تشذيب الحشد ووجودها في مقرات محددة وعدم اعطائها صلاحيات واسعة هذا مفترق طرق مع الحكومات العراقية ينهي العلاقة الطيبة مع الامريكان".
حروب التيارات الامريكية
- الشيخ مرتضى معاش:
"تأثير الانتخابات الامريكية على الواقع العالمي كبير جدا من خلال التحولات التي تحدثها، والسبب في ذلك وجود الانشطار الكبير داخل المؤسسات والتيارات الامريكية كالتيار الليبرالي والتيار المحافظ فحدة الصراع ما بين التيارين شديد جدا يكاد يصل الى حد الحرب، كنا نعتقد سابقا ان امريكا دولة مؤسسات تقوم على ثوابت وعلى سياسة خارجية واحدة، واثبت الواقع عكس ذلك فالسياسة الامريكية متغيرة بتغير الحزبين او التيارين، وكلما يتقدم الزمن اكثر يزداد التعقيد، وهذا التعقيد الشديد بين التيارات الامريكية يؤدي الى انتشار الصراعات في العالم وكما يقول الاقتصاديون: "عندما تعطس امريكا يصاب العالم بالزكام"، فعندما عطست امريكا في الازمة المالية العالمية، وازمة كورونا المالية أصيب العالم بالمرض في سلاسل الامداد بينما امريكا اصبحت تقريبا هي الاكثر امانا والاكثر استقرارا اقتصاديا من الدول الاخرى، لذلك التأثير الامريكي على العالم جدا كبير بظهور التحالفات المتعددة، فعندما يصعد اليمين المحافظ في امريكا نلاحظ حدوث موجة تصاعدية للحكومات اليمينية في اوروبا وفي امريكا الجنوبية وخصوصا اليمين المتطرف، وعندما يصعد الديمقراطيين نشهد صعود موجة من الحكومات اليسارية في امريكا الجنوبية وفي اوروبا ايضا، فوجود هذا الصراع يؤثر بشكل عام على الانظمة السياسية بغياب قواعد اللعبة بين الجمهوريين والديمقراطيين، فبعد حدوث ازمة ترامب واتهامه بأنه حاول الانقلاب في قضية الكونغرس ادى هذا الامر الى غياب الثقة بين الحزبين واتهم ترامب الحزب الديمقراطي بتزوير الانتخابات السابقة خصوصا مع ارتفاع نسبة تأييد ترامب، اما في الانتخابات القادمة لا نستبعد صعود ترامب وسط انخفاض نسبة التأييد الشعبي لبايدن تحت 40% وهي نسبة جدا قليلة بسبب تأثير الحروب والنزاعات وقضية المهاجرين التي تحدث في امريكا، فالحروب بشكل عام تؤثر تأثيرا كبيرا على حظوظ الرئيسين بالانتخابات لان الرئيس الذي يبتلي بحرب وبنزاع دائما ما يسقط الا في بعض الحالات النادرة، والتاريخ يشهد بأزمة الرهائن في ايران سنة 1980 ادت الى اسقاط جيمي كارتر مع العلم ان الايرانيين قد ساهموا بشكل كبير جدا في عملية اسقاط جيمي كارتر وصعود رونالد ريغان والجمهوريين في ذلك الوقت، اما حرب جورج بوش الاب في الكويت مع الانتصار الباهر لأمريكا واعلان نشوء نظام عالمي جديد قائم على انقاض الشرق اليساري الاشتراكي وانتصار التحالف في الكويت لكن هذه الحرب ادت الى خسارة جورج بوش وصعود بيل كلينتون، فالحرب غالبا ما تؤدي الى هزيمة الرئيس لان الشعب الامريكي يعتبر الحرب عملية قتل لابنائهم ويؤمنون بالشعار المعروف عند الحزب الجمهوري امريكا اولا والابتعاد عن سياسة التدخل في الشؤون العالمية، نلاحظ ان الصراع بين التيارين تؤثر على في اندلاع النزاعات وخصوصا في الشرق الاوسط ويمكن ان تكون عملية اختلاق للنزاعات لأجل التأثير على الانتخابات الامريكية ومخرجاتها، باعتبار ان كلا الرئيسين المرشحين في حالة ضعف باستثمار الفرص والبحث عن مكاسب في المنطقة وكذلك التوتر الموجود في امريكا يؤدي الى اندلاع النزاعات والحروب في المنطقة بسبب ان كلا الرئيسين يحاولا ان يورطا الطرف الثاني في حروب ونزاعات وصراعات، قد تكون حرب غزة هي سبب للتأثير على الانتخابات الامريكية وفعلا الان هناك موجة كبيرة من الرأي العام في داخل امريكا ضد بايدن، ونشر تقرير صدر عن رويترز ان 80 مدينة امريكية منها الولايات المتأرجحة كما يسمونها التي تمتلك تأثير على عملية انتصار الرئيس الامريكي تطالب بعملية ايقاف اطلاق النار ووقف الدعم الاسرائيلي بالأسلحة ووقف الحرب في غزة هذا كله تأثيرات تؤثر على الواقع الموجود في الشرق الاوسط وانعكاس ذلك على امريكا.
ومن القضايا المؤثرة على الانتخابات الامريكية هي الضربات التي تنفذها الفصائل على القواعد الامريكية في العراق التي يشوبها الغموض حيث يعلن فصيل تعليق ضرباته وفصيل ثاني يؤكد استمرار ضرباته وتحدث ضربات من هنا وهناك وصلت الى 180 ضربة خلال حرب غزه من فصائل عراقية، وكان رد امريكا بسيط بقياس ما وجه من الضربات يمكن ان تستفيد ايران من هذه الفرصة لإحراج بايدن وانتزاع منه مجموعة من المكاسب والفرص ولكن ليس الى حد التورط في حرب شاملة في المنطقة، لأن ايران تخشى من صعود ترامب لان الاخير صعب جدا بالنسبة لايران وقد يؤدي صعوده الى ازمة كبيرة، لكن الايرانيين مع بايدن يستطيعون حل مشاكلهم ويتوصلون الى اتفاقات تنهي العقوبات بدون الوصول الى مرحلة ترامب.
اما الجانب السعودي فهم واقعون ما بين الجمهوريين والديمقراطيين، فالمفاوضات قائمة بين السعودية وامريكا من اجل الاتفاقية الشاملة الكبيرة والاستفادة من الانتخابات وحاجة بايدن الى مكاسب تغطي على انخفاض شعبيته وصعوده مقابل ترامب، هذه الانتخابات بشكل عام ستسير نحو احتواء النزاعات والصراعات فليس هناك فائدة من صعود ترامب لكل دول المنطقة ولكل القوى المؤثرة في المنطقة ما عدا اليمين المتطرف في اسرائيل وروسيا اللذان يستفيدان من صعود ترامب، فالصراع بين بايدن وترامب مؤثر جدا على القوى في المنطقة وربما نشهد حدوث نوع متجدد من الصراعات الا اذا توجه احد الرئيسين الى حل اخر كانسحاب احدهما من السباق الرئاسي فالمتغيرات الجديدة قد تؤدي الى المزيد من النزاع".
الكلمات البلاستيكية الكاذبة
أ. صادق الطائي/ كاتب وباحث:
"منذ فترة ليست بالقليلة يتنافس الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي منافسة شديدة على مجلس الشيوخ ورئاسة الجمهورية، ولكن كلا من الجمهوري والديمقراطي يؤمن بالعدوانية والارهاب والفوقية والازدواجية في التعامل مع الانظمة في العالم، والجمهوريون يتعاملون بشكل مباشر ومستقيم عكس الديمقراطيين يقدمون مبررات وخطط ولقاءات واحاديث ونقاشات، والنتيجة واحدة، الجمهوري يرهب ويأمر ويطلب تنفيذ الادوار، اما الديمقراطي من خلال الكلمات البلاستيكية الكاذبة والالاعيب الاعلامية يجعلون أكثر الانظمة تقبل العمل او الدور خوفاً على مستقبله السياسي، علينا ان نعرف سيكون عمر بايدن الرئيس الحالي عند الدورة الجديدة من الانتخابات (٨٢) سنة وترامب (٧٨)، بعض المحلين يقولون نحن ننظر بأن الرؤساء يعيشون حالة الخرف ويذكرون تجربة الحرب العالمية الثانية بسبب ان رئيس المانيا كان عمره (٨٨) حيث ترك البلاد تعيش ظروف سيئة جداً ومعارضة كبيرة جاءت بهتلر رئيساً جديداً بعد الرئيس بول جون الرئيس الخرف الذي تجاوز عمره (٨٨)، ويتخوف بعض رجال السياسة في امريكا من قول ترامب حينما قال سوف اكون أكثر تشدداً من السابق وامارس عملية تطهير واسعة للحكم من العناصر المشبوهة، اتفق المراقبون للسياسة الامريكية عندما يفوز الجمهوريون بالحكم يكون تمددهم وانشغالهم في الخارج عكس الديمقراطيين الذين جُلْ اهتمامهم مشغولين بالداخل وترتيب الاوضاع، هناك مجموعة ادعاءات انتخابية لا يمكن أخذها والاطمئنان اليها او المطالبة بها اذا فاز ترامب بالدورة الجديدة من الانتخابات تمر ايران بظروف سلبية وكذلك العراق وسوريا واليمن ولبنان، لان هذه الانظمة محسوبة على ايران على عكس الروس يريدون ترامب، يقولون انه يتصرف بدون مشورة وتصرفاته قصيرة النفس يعني تفقد التصرفات بعدها الاستراتيجي الذي يمس السياسة الروسية في المنطقة، وكذلك عموم اوروبا لا تثق به وتقول انه يفكر بالناخبين وتوسيع رقعة المؤيدين له، ويؤمن بالاصوات الانتخابية اكثر من اصوات المؤيدين او المعجبين ويعتبرها مؤثرة، فالانكفاء والاهتمام بالداخل وعدم تضيع الدماء بحروب عبثية كما يقول غير صحيح ولكن الحفاظ على وجود اسرائيل وتفوقها العسكري امر يعتبره حقيقي وواجب.
واختتم بمقولة لطيفة سياسية قالها رئيس كوبا كاسترو حينما سُئل مرة ايهما افضل لكوبا الجمهوريون ام الديمقراطيون؟، قال انه سؤال صعب ولكني اعتقد انه حذاء لا فرق بين الطرف الايمن او الايسر".
الفصائل المسلحة صاحبة الكلمة
أ. مصطفى هذال/ كاتب وباحث اعلامي:
"تعد الانتخابات الامريكية الحالية هي الاعقد التي تمر على الرئيسين سواء الحالي او السابق واسباب التعقيد تتمثل بما يعيشه العالم من فوضى او حرب عالمية شبه مباشرة بين الاقطاب التي تدير العالم واهمها الحرب الروسية الاوكرانية، وكذلك ما تعيشه منطقة الشرق الاوسط من نزاعات بدأت تتصاعد في الفترة الاخيرة لاسيما بعد عملية طوفان الاقصى، اضافة الى ان الرئيس الحالي جو بايدن يعيش حالة من الحرج او حالة من القلق لانه من جهة يريد ان يبدو بمظهر الرئيس القوي من خلال توجيه ضربات خجولة لبعض القواعد او الفصائل المسلحة التي وجهت ضربات على المنشئات العسكرية الامريكية، وفي نفس الوقت هو تعرض الى ضغط اتهامات من الحزب الجمهوري بأنه رئيس ضعيف وغير قادر على ردع الجهات التي تقلل من مكانة الولايات المتحدة في المنطقة وفي العالم، لذلك هو حاليا بين امرين اما ان يقصف بشكل مباشر ويدخل الولايات المتحدة في صراع عسكري اوسع من الحالي وهذا اكيد سيؤثر على حظوظه في الانتخابات القادمة.
اما ما يخص الشرق الاوسط وعملية طوفان الاقصى فهي رسمت خطوط جديدة للتعامل مع ملفات المنطقة من قبل امريكا فالأخيرة تدرك جيدا ان ايران لا تزال متمسكة في مبدأ الحرب بالإنابة لذلك حركت الفصائل التابعة لها واعطتها الضوء الاخضر بإنهاء النشاطات العسكرية تارة وتوسيعها تارة اخرى حتى تتسبب بإحراج امريكا من جهة وكذلك الحكومة العراقية من جهة اخرى، فالسوداني حاليا غير قادر على مسك العصا من المنتصف لان الفصائل المسلحة هي صاحبة الكلمة ولأنه ولد من رحم هذه الفصائل والحكومة تابعة لهذه الفصائل وبنفس الوقت يحاول خلق التوازن في ادارة البلد لكن الامور تكون خارجة عن السيطرة في حال تمادى في سياسته او ذهب باتجاه امريكا او احد الفصائل الصاعدة، والدليل على ان عمل الفصائل حاليا او نشاطها هو ردة فعل على حرب غزة انه خلال الستة ايام انخفضت العمليات بصورة مباشرة او ملحوظة هذا يعني ان يوجد ترابط وثيق بين تصاعد العمليات وبين القصف المكثف لإسرائيل على غزة، في الوقت الحالي لا يوجد انفراج او تأثير على الانتخابات الامريكية طالما ان الفصائل المسلحة هي الحاكمة والمتحكمة في العراق".
بروباغندا الاعلام الامريكي
أ. باسم الزيدي/ باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات:
"ان اهم تأثير في الانتخابات الامريكية هو التأثير الداخلي والذي يتركز على عاملين رئيسيين هما محفظة الجيب الامريكي (الاقتصاد) وامن الداخل الامريكي، فهذان العاملان موجودان حاليا فالاقتصاد الامريكي يسير بمعدلات جيدة كنمو اقتصادي وانخفاض نسبة البطالة وارتفاع الدخل الى اخره اما الامان فهو ايضا موجود، بقي عامل ثالث هو الذي يحرك الناخب الامريكي وهي البروباغندا التي يعمل عليها الاعلام الامريكي نفسه للترويج وهذه دائما تحدث في زمن الحروب، فامريكا لحد هذه اللحظة ليس لديها حرب مباشرة وليس لديها شيء يهدد امنها القومي او الداخلي، لذلك روجت البروباغندا على ان طريق الانتخابات القادمة كأنه صراع بين رئيسيين امريكيين سابق وحالي وهذا ستدخل فيه عوامل المعركة القانونية التي تحدث بينهما".
ترامب ومبدأ الثأر
أ. حسين علي حسين/ مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:
"اعتمد ترامب في دورة حكمه السابقة على منطق القوة المفرطة في تعامله مع القضايا السياسية خصوصا الخارجية منها وانتهك في ذلك من سلوك سيادة العراق هذا الاسلوب معروف بالنسبة للحزب الجمهوري، اما سياسة بايدن فقد كانت هي سياسة ديمقراطية والاقل حدة والافراط في التعاطي مع القضايا السياسية الخارجية، ربما يكون تعامل ترامب على مبدأ الثأر من بايدن والاطاحة به بمجموعة اساليب من ضمنها هي الامور التي تحدث في الشرق الاوسط والعراق في كل الحالات هو سوف يتأثر في التدخل الامريكي".
مصالح أمريكا اولا
أ. احمد جويد/ مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:
"ان المواطن هو من يحسم الانتخابات في أي دولة فهو من يصوت لصالح المرشحين، المواطن الامريكي يبحث عن مصالحه اولا ومن يدعم مصالحه اقتصاديا واستقراره الامني ويوفر له الخدمات سواء كانت خدمات الوعود كما حدث في زمن اوباما في وقتها كانت النظام الصحي والضمان الصحي وغيرها او الامور التي ترفع من شأن المواطن الامريكي امام بقيه الدول، فالمواطن يضم صوته حسب مصلحته يعني سواء كان للديمقراطيين او للجمهوريين هنالك ولايات تسمى بالولايات المتأرجحة تصوت حسب مصالح الجمهور، والمعروف بالولايات المتحدة وجود تجمعات كثيرة لشركات ولرياضيين وفنانين وغيرهم يمتلكون منظمات كبيرة او ارتباطات كبيرة يحاولون طرحها على احد الحزبين لتلبية مصالحهم ويضم اصواتهم لهذا الحزب او ذاك، يأتي هنا دور الحزب الذي يستطيع ان يلعب على هذه الاوراق في الداخل ويكسب المرشحين لصالحه وكسب اهل المصالح التي تتأرجح الكفة بينهم ليحولهم لصالح الحزب، اضف الى ذلك ان الولايات المتحدة لا ترغب في شرق اوسط مستقر بالعكس هذا وضع مثالي بالنسبة اليها لا هو مستقر وقوي وتكون مصالحهم قليلة، ولا هو فوضوي يؤدي الى تهديد المصالح في الشرق الاوسط، لان هناك شركات اسلحة تنتج اسلحة بالداخل الامريكي الى اين تورد اسلحتها في حال وجود دول مستقرة ودول ممكن ان تتطور صناعيا وتبني دفاعاتها داخليا تعتاش على الازمات، ولا تبني امريكا مواقفها على العواطف بتوجيه ضربة لفصائل ايران على خلفية اعتداء او غيرها ولابد من ان تقتل او تنتصر هذا المنطق لا تتعامل به امريكا وغيرها، الامريكان لا يهمهم ما يحدث داخل الدول سواء كانت الحكومات تأتي عبر صناديق الاقتراع او عبر الانقلابات المهم ان تكون مصالحهم وشركاتهم مزدهرة واقتصادهم يكون بأمان".
حزب دونالد ترامب
أ. محمد علاء الصافي/ باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:
"تقول المؤشرات بأخر السنوات ان الحزب الجمهوري اصبح حزب دونالد ترامب فهو رجل واضح وزعيم كانوا يفتقدوه من ايام جورج بوش لشخصية خطابه فالحزب الديمقراطي دائما يوجه خطابات تمتاز بالتسويف والاهتمام بالسياسة الخارجية بشكل مبالغ به بينما خطاب ترامب موجه للشعب الامريكي ويتأثر بالقضية الاقتصادية وقضية الهجرة، والديمقراطيين الان حسب المؤشرات خسروا دعم المهاجرين وخاصة العرب والمسلمين بسبب موقفهم من غزة ودعم الاسرائيليين فهذه خسارة كبيرة كانت مؤثرة بانتخابات 2020 لان اغلب المهاجرين دعموا الحزب الديمقراطي، القضية الثانية مؤشر الشباب الناخبين الذين اعمارهم من 18 الى 28 بالانتخابات 2020 كان دعمهم للديمقراطيين لأول مرة اما بهذه الانتخابات حسب المؤشرات هم داعمين للحزب الجمهوري لسبب بسيط هو ان بايدن يقع على المسرح او ان خطابه ضعيف ولا يمتلك شخصية القيادة ولا كاريزما التي تتواجد في ترامب الذي استطاع امتلاك هذه القاعدة الشبابية التي تهتم بوجود رئيس قوي ممكن يواجه العالم فالمؤشرات تميل لصالح الحزب الجمهوري والى شخص ترامب بالتحديد".
وفي ختام الملتقى الفكري تقدم مدير الجلسة الاستاذ حيدر الاجودي بالشكر الجزيل والامتنان إلى جميع من شارك برأيه حول الموضوع سواء بالحضور او من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، كما توجه بالشكر الى الدعم الفني الخاص بالملتقى الفكري الاسبوعي.