عقد في العاصمة العراقية بغداد مؤخرا مؤتمرا سمي بطريق التنمية ضم الدول المجاورة للعراق إضافة الى عدد من الدول العربية وسفراء دول إقليمية ودولية وغياب أخرى، جاء المؤتمر في ظل الجدل الذي يثار بين الحين والأخر حول مشاريع إقليمية ودولية تشمل العراق، وعادة ما تكون العوامل السياسية المحرك الأساس في اثارة جدل حول ماهية وابعاد او قبول او حتى رفض تلك المشاريع، ومن ذلك ما كانت اشبه ما يكون بالذروة في اثناء حكومة السيد عادل عبد المهدي حيث طرح مشروع الحزام والطريق الصيني، والذي اتهمت اطراف سياسية قريبة من الحكومة قوى داخلية لاسيما القوى الاحتجاجية المتمثلة بالحراك التشريني بانها وراء اجهاض هذا المشروع بعد الضغط الشعبي المطالب بجملة من الإصلاحات منها استقالة حكومة عادل عبد المهدي، اما الأطراف المؤيدة للحكومة اتهمت دول كبرى وراء افشال هذا المشروع. في حين يشير اخرون بأن هذا الموضوع كان بمثابة مادة من اجل الالهاء والاستغلال السياسي لان أصل هذا المشروع أي طريق الحرير او الحزام والطريق مشروع اعلام ليس الا ولا يتوافر بالطريقة التي يصورها الاعلام المؤيد له، وان شمل العراق فانه لا يكون الا في جزء من شمال العراق المتمثل بإقليم كردستان.
كما ان مشاريع أخرى تتعلق بالاستثمار الصيني لم تكن بالمستوى المتوقع وهذا ما حدث مع المشاريع الاستثمارية على مستوى بناء المدارس على سبيل المثال لا الحصر وهناك مشاريع أخرى اكيد على مستويات قطاع الطاقة والتجارة وما الى ذلك.
ونفس الجهات التي كانت تتهم كيانات داخلية ودول إقليمية وعالمية وراء اجهاض هذا المشروع بعد ان استطاعت من تشكيل الحكومة الحالية بادرت بأحياء مشروع قديم جديد المتمثل بالخط البري الذي يمر عبر العراق باتجاه اوروبا عبر تركيا ويشمل انشاء طرق وسكك حديد تصل الى 15 محطة، ويكون العراق فيه ممر أساسي لكل الدول المطلة او القريبة من العراق باتجاه اوروبا ذهابا واياباً، والتي حدّدت الحكومة العراقية كلفته بنحو 17 مليار دولار وبطول 1200 كلم داخل العراق. وهذا المشروع فيه إيجابيات كثيرة لكنه سوف لا يخلو من التحديات والجدل، كون الحكومة الحالية تعول على هذا المشروع لإحداث تطور اقتصادي استراتيجي على صعيد البنية التحتية، وجعل العراق نقطة الوصل للتجارة العالمية التي تربط الشرق بالغرب، إلا أن بعض الأطياف السياسية لا تتشارك مع بغداد رؤيتها لهذا المشروع.
اما على صعيد المواقف فداخلياً تباينت الآراء بين الرافض والمؤيد، وشمل هذا الرفض حتى الجهات المنضوية مع الحكومة الحالية فقد ذهب النائب حسن سالم من كتلة صادقون التي تمثل عصائب أهل الحق في البرلمان العراقي، برفض المشروع واصفا إياه بانه "وصمة عار في تاريخ ساسة العراق". وإن هذا المشروع يمثل "فاتورة أخرى يدفعها الشعب العراقي بسبب الطبقة السياسية التي تشبعت بفيروس الفساد الذي جعلهم لا يميزون بين الضار والنافع" على حد وصفه، وأضاف أن "التاريخ لن يرحمهم والأجيال ستحاسبهم عن سرقة حقوقهم ومستقبلهم"، مشيراً بذلك إلى الطبقة السياسية الذين يظنون أنهم سيخلدون في مناصبهم.
ويعتقد اخرون أن هذه الانتقادات "لها أسباب سياسية وليست اقتصادية"، خاصة مع دعوة بغداد لمشاركة دول الخليج للاستثمار في هذا الطريق. من جانب ثاني وجهت انتقادات لهذا المشروع بكونه جزء من مبادرة الحزام والطريق أو طريق الحرير الصيني. ولم يفرق هذا الراي بين مديات وحدود والبعد الدولي وحتى الأنظمة الفلسفية والأيديولوجية السياسية المختلفة عن العقيدة الصينية في هذا المشروع.
اما موقف القوى الأخرى فقد ايدت كتلة دولة القانون والقوى الكردية والسنية في حين لا يزال موقف قوى فعالة أخرى غير واضح ومعلن لغاية الان. في حين كان الموقف الأكثر وضوحا في تأييد المشروع هو من قبل رئيس الحكومة نفسه حيث قال بانه "يرى في مشروع طريق التنمية المستدام ركيزة للاقتصاد المستدام غير النفطي وعقدة ارتباط تخدم جيران العراق والمنطقة وإسهاما في جلب جهود التكامل الاقتصادي". وأشار إلى أن "مشروع طريق التنمية ليس فقط للعراق وتركيا وإنما للمنطقة والعالم، وهو الممر العالمي لنقل البضائع والطاقة ويربط الشرق بالغرب"، لافتا إلى أن "هذا الممر سينقل البضائع والطاقة".
اما الجانب الإقليمي والدولي فقد رحبت دول الجوار العراقي بهذا المشروع كجزء أساس فيه من خلال كلمات ممثليها، في حين يرى مراقبون بالرغم من ترحيب طهران بهذا المشروع الا ان هناك احتمالية بأثارة تحفظات إيرانية حول هذا المشروع الذي قد يعني بالضرورة التحرر من التبعية لطهران اقتصاديا فيما يرتبط بموضوع الغاز والكهرباء. من جانب اخر رحبت سفيرة الولايات المتحدة في العراق بهذا المشروع، وكذلك رحب السفير الصيني في العراق بهذا المشروع عادة إياه بانه مكمل لطريق الحرير، في حين يرى اخرون بأن الصين لم تعلن موقفها الصريح لاسيما وان هناك مشروع اخر للصين ذو ابعاد اقتصادية أوسع ويتعلق بقدرتها على التسيد الاقتصادي في قبال قوى عالمية مثل الولايات المتحدة الامريكية، وأن موقف السفير هذا دبلوماسي وليس سياسي. في حين أشار مراقبون ان هناك قوى عربية إقليمية قد يتسبب لها هذا المشروع بضرر اقتصادي مثل مصر المعتمدة على قناة السويس كون هذا المشروع سيقلل من الاعتماد على قناة السويس لأن هذا مشروع سيكون أقرب للدول المعنية من قناة السويس.
مما تقدم وبغض النظر عن الجدل الداخلي والخارجي حول هذا المشروع وتداعياته فأن هذا الجدل انعكاس أولاً لحالة عدم الاستقرار السياسي وتعدد التوجهات والاجندات الداخلية والخارجية، وثانياً يعرض التساؤل حول قدرة الحكومة الحالية في تنفيذ هذا المشروع من عدمها فقد كانت هناك جملة تحديات داخلية وخارجية اجهضت فكرة قيامه منذ عقود فيما عرف آنذاك بمشروع (برلين - بغداد) ولغاية الان. اما إذا ما تحقق فأكيد ستكون له مردودات إيجابية تطور من واقع البنية التحتية والاقتصادية خاصة وان العراق يعيش منذ عقود على الاقتصاد الأحادي المتعمد على النفط وكذلك مثل هكذا مشروع لا يتوقف على إرادة العراق وانما هو يبقى رغبة دولية بقيامه او إجهاضه.