ميناء خور عبد الله: الإشكاليات القانونية والابعاد الداخلية والخارجية

شارك الموضوع :

تصاعدت في الأسابيع القليلة الماضية من هذا العام، الجدل والنقاشات حول من له السيادة على خور عبد الله بين العراق من جانب والكويت من جانب اخر، من قبل الجهات السياسية والقانونية في العراق،

وسط ضغوطات شعبية عراقية تطالب الجهات الرسمية بحسم الملف لصالح العراق، باعتباره قضية سيادية ووطنية، في الوقت الذي تعمل فيه الجهة الثانية المعنية بالخور وهي دولة الكويت بصمت، وسط حديث عن دبلوماسية عالية تقوم بها بالتأثير على الأطراف العراقية والدولية لغرض حسم النزاع على الميناء لصالحها انطلاقاً من تأسيسها القانوني في السنوات السابقة.

ومن المعلوم، حول موقع خور عبدالله والذي يسميه العراقيون بـ(خور عبد الله التميمي) في إشارة الى عراقيته، اذ يمتد هذا الخور البحري جنوب البصرة، ويفصل بين شبه جزيرة الفاو العراقية، وجزيرة بوبيان الكويتية، ويُعدّ منفذًا مائيا استراتيجيا للعراق إلى الخليج العربي، ما يجعله نقطة ارتكاز لميناء الفاو الكبير ولحركة الملاحة الوطنية، ومما تقدم نحاول في هذه المقال تبيان عدد من الإشكاليات حول الخور وابعاده الداخلية والخارجية وذلك من خلال عدد من المحاور أبرزها الاتي:

أولًا: الجذور التاريخية للنزاع العراقي الكويتي

يعود النزاع حول خور عبد الله إلى بدايات تأسيس الدول الحديثة في المنطقة، فقد ظهرت أولى الخلافات حول ترسيم الحدود البحرية بعد انسحاب بريطانيا من الخليج لكن النزاع تأجج فعليًا بعد دخول العراق للكويت عام 1990، وما تبعه من صدور قرار مجلس الأمن 833 عام 1993، الذي فرض ترسيما للحدود بين العراق والكويت، وقَبِل به النظام البائد آنذاك تحت الضغط الدولي آنذاك، ومع أن القرار لم يكن مفصّلًا فيما يخص المناطق البحرية، إلا أن تنفيذه على الأرض خلق التباسا، استثمرته الكويت لصالحها، مما أدى إلى ما يُعد تنازلًا فعليًا عن جزء من الخور.

وشهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا في المواقف الشعبية والسياسية الرافضة للتنازل عن أي شبر من الخور، وبدأت تُطرح تساؤلات قانونية حول شرعية الاتفاقيات المبرمة، ودور الحكومة في حماية السيادة الوطنية، حيث ان الرأي العام العراقي بات أكثر وعيا بخطورة التفريط بالخور، وظهرت دعوات لاستجواب المسؤولين عن توقيع الاتفاقية، بل والمطالبة بإلغاء الاتفاق أو إعادة التفاوض عليه ضمن إطار قانوني عادل.

ثانيا: الإشكاليات القانونية والسياسية

في عهد حكومة نوري المالكي الثانية وبالتحديد في عام 2012، وقع وزير النقل آنذاك هادي العامري اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله بين العراق والكويت، وقد صادق عليها البرلمان العراقي بقانون رقم 42 لسنة 2013 بواسطة أغلبية بسيطة، ونُشرت في الجريدة الرسمية وأُودعت لدى الأمم المتحدة، مما يجعلها سارية المفعول وضامنة لاحترام مبدأ (الاتفاقيات الملزمة) لكنها قوبلت لاحقًا باعتراضات واسعة، خاصة بعدما تبيّن أن الاتفاقية تُمكن الكويت من التوسع في السيطرة على مجرى الخور، وتهدد قدرة العراق على استخدام ميناء الفاو بشكل حر.

الإشكال القانوني يتمثل في أن الاتفاقية لم تجرِ فيها مشاورات وطنية كافية، كما أنها لم تأخذ بالحسبان التوازن بين المصالح العراقية والكويتية، اذ تؤكد الاتفاقية المبرمة في 2012 بشأن تنظيم الملاحة في خور عبد الله أنها لا تمسّ الحد البحري بين العراق والكويت وفق قرار 833 الصادر عن مجلس الأمن عام 1993، وبحسب المقال الذي نشره رئيس مجلس القضاء الأعلى السيد فائق زيدان والموسوم بعنوان (أمواج خور عبد الله بين قرارين متناقضين) ونشر بجريدة الشرق الاوسط اللندنية في يوم 23 تموز/ يونيو 2025، ناقش فيه الحيثيات القانونية لتوقيع الاتفاقية، مشيراً الى أن اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله، المُبرَمة بين العراق والكويت في 29 نيسان/ ابريل 2012، تمثل معالجة فنية وإدارية لآثار جريمة دخول النظام الدكتاتوري للكويت عام 1990، وتستند إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم (833) لسنة 1993، الذي حدّد الحدود البحرية بين البلدين، دون أن تخلّ الاتفاقية بهذه الحدود كما نصّت مادته السادسة.

وأوضح أن المحكمة الاتحادية في العراق ردّت الدعوى مؤخراً بشأن الاتفاقية لعدم استنادها إلى أساس دستوري أو قانوني، مما ثبت شرعيتها داخليًا، وحماها من أي طعن لاحق، في وقت اعتبرت فيه المحكمة نفسها، لاحقًا، القانون رقم (42) لسنة 2013 غير دستوري لعدم تصويته بأغلبية الثلثين، من هنا ناقش القاضي فائق زيدان قرارات المحكمة الاتحادية من خلال البعدين الآتيين:

1- قرار المحكمة الاتحادية الأول (2014)

أصدرت قرارها (21/اتحادية/2014) في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2014، وميّزت بوضوح بين: قانون التصديق العام على الاتفاقيات (يتطلّب ثلثي الأغلبية دستوريًا، بموجب المادة 61)، وقانون التصديق على اتفاقية معينة (يُقر بالأغلبية البسيطة وفقًا للمادة 59 من الدستور)، وبناءً عليه، رفضت المحكمة الطعن، مما أكسب الاتفاقية قوة حكم مصدق، ومنحها ثباتًا قانونيًا داخليًا وخارجيًا.

2- قرار المحكمة الاتحادية الثاني (2023) وعدول المبدأ

حيث عدلت المحكمة في 4 كانون الأول/ سبتمبر 2023، عدلت المحكمة عن قرارها السابق، قضت بعدم دستورية القانون رقم 42 لسنة 2013 بسبب عدم حصوله على أغلبية الثلثين، واستندت نتيجة لذلك إلى مادّة داخل تنظيمها الداخلي (المادة 45) التي تسمح "بالعدول عن مبدأ سابق لمصلحة دستورية أو عامة"، وهو ما اعتبره زيدان توسيعًا غير دستوري للسلطة حيث ان المشكلة كانت في اعتبار هذا (عدولًا) بينما الواقع كان "نقضًا لحكم قطعي"، مما تجاوز حجية الأمر المقضي وحطم الاستقرار القانوني والمعاهدات الدولية المعتمدة.

ومما تقدم، عد القاضي فائق زيدان ان الانسحاب من الاتفاقية التي قررت المحكمة الاتحادية في قرارها الأخير ارجاعها الى مجلس النواب العراقي مرة اخرى، وسط تباين بالمواقف السياسية والقانونية، عد ان أي قرار بالعدول عن الاتفاقية بمثابة نسف منظومة الاتفاقيات الدولية وتطبيق نفس المقاييس سيبطل أكثر من 400 اتفاقية دولية صدّقها العراق بالأغلبية البسيطة خلال العقدين الماضيين، وقد يمثل ذلك فراغ تشريعي واضطراب دبلوماسي، حيث ان نقض الحكم المنظم لنظام دولي المثبت لدى الأمم المتحدة، يولّد ثغرة قانونية ويضرب المصداقية الدولية للعراق، وكذلك الخروج عن مبدأ التسلسل التشريعي: لم تتمتع المادة 45 بصلاحية أعلى من القانون أو الدستور، مما يجعل توسيع صلاحيات المحكمة عبر النظام الداخلي أمرًا غير مقبول قانونيًا.

ويرى القاضي فائق زيدان أن القرار الأول (2014) كان متّسقًا مع دستور القانون الدولي، بينما القرار الثاني (2023) جاء بدون أساس دستوري أو قانوني، وبحسبه، فإن ما سبق يعد "لغوًا قانونيًا لا يُعتدّ به"، ويهدد سيادة القانون، وثقة الدولة، والتزاماتها الدولية، محذّرًا من أن التمادي في هذا التوجه قد يدفع العراق إلى مواجهات قانونية ودبلوماسية في المحافل الدولية، خاصة أمام المقرر لدى الأمم المتحدة.

وفي ضوء كل تلك التعقيدات، خصوصا تلك التي صدرت من اعلى جهة قضائية في البلاد، فان الخيارات باتت صعبة، لكن مع ذلك هناك من يرجح خيار اللجوء إلى التحكيم الدولي استنادًا إلى سوء تفسير الاتفاقيات من جديد، وهذا الخيار ليس سهل التطبيق خصوصا في ضوء ما يعده البعض بتفوق كويتي واضح في هذا المجال او التوجه إلى محكمة العدل الدولية بدعوى تعارض الاتفاق مع المصالح العليا للعراق الى جانب التنسيق مع قوى دولية صديقة لإعادة التوازن في إدارة هذا الملف.

.............................................

الآراء الواردة في المقالات والتقارير والدراسات تعبر عن رأي كتابها

*مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2025 Ⓒ

http://mcsr.net

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز المستقبل