حلقات نقاشية

مركز المستقبل ناقش الضغوط القصوى على إيران وخيار تغيير المواقف

    ناقش مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية وضمن نشاطاته الفكرية الشهرية موضوعا حمل عنوان (ما بين الضغوط القصوى الأمريكية وضغط الرأي العام المحلي.. إيران وخيار تغيير المواقف) بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يعقد بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.

اعد الورقة النقاشية الحوارية الدكتور قحطان حسين طاهر أستاذ جامعي، وقدم الجلسة حيدر الاجودي باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، وابتدأ حديثه قائلا:

"بعد خروج الولايات المتحدة من خطة العمل المشتركة الشاملة وانسحابها من الاتفاق النووي مع ايران عام 2018 فرضت ادارة ترامب عقوبات مكثفة على ايران ضمن ما يسمى سياسة الضغوط القصوى كان الهدف منها الضغط على ايران لاعادة التفاوض بشأن البرنامج النووي الايراني واعادة صياغته لفرض المزيد من القيود على برنامج ايران النووي وتوسيع نطاق الاتفاق ليشمل الصواريخ البالستية الإيرانية. وادت العقوبات الاقتصادية والمالية الامريكية على ايران الى الحاق ضرر كبير بالاقتصاد الايراني اذ تشير التقديرات الى انخفاض كبير في اجمالي الاحتياطيات النقدية لإيران من متوسط 70 مليار دولار في عام 2017 الى 4 مليار دولار في عام 2020.

وعن مدى تأثير هذه العقوبات على القرار السياسي في ايران يرى المحللون ان سياسة الضغوط القصوى لم تنجح في اجبار ايران على الخضوع للاشتراطات الامريكية في زمن ترامب إذ دفعت ايران الى استئناف برامجها النووية ضمن حملة الضغط المضاد الإيرانية لإحباط حملة الضغوط القصوى الأمريكية بالتزامن مع ابقاء الدول الاوروبية على علاقاتها التجارية مع ايران الامر الذي ادى الى الاعتقاد بأن سياسة العقوبات ضد ايران بمفردها لن تنجح ما لم تكن بالتزامن مع حوارات دبلوماسية وتفاوض جاد.

ومن الواضح ان حملة العقوبات الأمريكية ذات الطابع الاقتصادي كانت بالتوازي مع عمليات استهداف لعلماء البرنامج النووي الايراني وعمليات تفجير محدودة في عدد من المنشآت العسكرية. ورغم ان الولايات المتحدة واسرائيل لم تعلن صراحة عن مسؤوليتها عن هذه الاستهدافات لكن هذه الاعمال قد تكون ممنهجة امريكيا ضمن حملة الضغوط القصوى ضد ايران.

كان هناك امل لدى الايرانيين بأن وصول بايدن الديمقراطي الى البيت الابيض قد يؤدي الى انفراج التوتر بين البلدين خصوصا ان بايدن قد صرح في اكثر من مناسبة عن نيته احياء الاتفاق النووي مع ايران لكن يبدو ان الجهود الدبلوماسية بشأن ذلك قد تعثرت في ظل عدم التوصل الى تفاهم مشترك بين طهران وواشنطن بعد اتهام واشنطن لطهران بعدم ابداء اي مرونة واتهام طهران لبايدن بانه استمر في تطبيق سياسة سلفه ترامب القائمة على فرض الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية القصوى ضد ايران وهو ما يتناقض مع اعلانه الرغبة بإحياء الاتفاق النووي.

ورغم استئناف المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وطهران برعاية أوروبية منذ شهر نيسان 2021 الا ان اصرار الطرفين على مواقفهما حال دون تحقيق اي تقدم، كما ان الاصرار الايراني على عدم الاستجابة للشروط الأمريكية واهمها تحجيم دور الحرس الثوري وتفكيك ما يسمى بمحور المقاومة وعدم التدخل في شؤون دول المنطقة وعدم التعرض للمصالح الامريكية فيها فضلا عن اخضاع البرنامج النووي الايراني للرقابة الدولية في مقابل رفض واشنطن تخفيف اي عقوبات على ايران قبل التوصل الى تفاهم مشترك.

قد ادى الى استمرار سياسة الضغوط القصوى الأمريكية ضد ايران على المستوى الاقتصادي والدبلوماسي وحتى العسكري آخرها الهجوم بطائرات مسيرة على منشأة لصناعة الصواريخ في اصفهان يبدو ان اسرائيل والولايات المتحدة تقف خلفه رغم عدم اعلانهما ذلك بشكل رسمي. وحسب رأي المراقبين فإن هذا الهجوم يرتبط بتداعيات الحرب الروسية الاوكرانية والموقف الايراني الداعم لروسيا.

بالتزامن مع ذلك اندلعت المظاهرات الشعبية في ايران في ايلول 2022 أثر وفاة الشابّة الإيرانية (مهسا أميني) لتشكّل ضغطا جديدا على الحكومة الإيرانية وهذه المرة من الداخل الايراني بعد ان عمت المظاهرات عدة مدن إيرانية، والواقع ان هذه التظاهرات جاءت في ظل بيئة داخلية متوترة ومحتقنة تعكس استياء شعبيا واضحا من الصعوبات المعيشية التي يواجهها الايرانيون بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على بلدهم وفي ظل تراجع شعبية حكومة رئيسي بسبب عدم قدرتها على الايفاء بوعودها المرتبطة بتحسين الاوضاع العامة في البلاد بسبب التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها.

وتأتي هذه التظاهرات لتعكس حقيقة واقعية تتمثل بتزايد الفجوة بين فئات شعبية واسعة وبين النظام السياسي المحكوم من قبل التيار الديني المتشدد الذي يتهمه الاخرون بالتشدد في فرض قيمه على الاخرين وسط رغبة بالحصول على المزيد من الحريات والحقوق في المجالات كافة.

كما ساد انطباع لدى المتظاهرين بأن الحكومة فشلت على المستوى السياسي كونها لم تنجح في مواجهة الازمات الداخلية كما انها لم تحسن التعامل والتفاوض مع واشنطن لإنهاء أزمة الملف النووي ورفع العقوبات الأمريكية التي ادت الى وضع اقتصادي ومعيشي متدني تمثل برفع الدعم والبطالة العالية والتضخم والعجز المالي وانهيار العملة الإيرانية وارتفاع اسعار المواد الغذائية.

ورغم وجود تهويل لحجم التظاهرات وتداعياتها من قبل جهات مناوئة لإيران لكن الحقيقة ان الحكومة الإيرانية الحالية والنظام السياسي برمته يواجه أزمة حقيقية وتحدّيا كبيرا على المستويين الخارجي والداخلي يجعله امام خيارات صعبة ومحدودة فالبقاء على المنهج السياسي التقليدي المتمثل بالاستمرار بالمواقف المتشددة سوف يقلل من فرصه في تحقيق اهدافه ويزيد من اعبائه ويؤثر سلبا على شرعيته. في حين ان ادراك حقيقة المخاطر الكبيرة التي تواجهها ايران والتعامل معها بعقلانية وبراجماتية قد يؤدي بالنتيجة الى تبلور قناعة لدى النظام السياسي في ايران ان وقت تبنّي منهجا سياسيا جديدا ومختلفا قد حان اوانه".

وللاستزادة من الآراء والمداخلات حول الموضوع تم طرح السؤالين الآتيين:

السؤال الاول/ ما الذي دفع إدارة بايدن لتفعيل سياسة الضغوط القصوى ضد إيران؟.

السؤال الثاني/ هل ستضطر طهران لتغيير منهجها السياسي لإحتواء الضغوط الداخلية والخارجية؟.

المداخلات

الدكتور محمد مسلم الحسيني:

"منذ أن قامت الثورة الإسلامية في إيران نشأت معها عقد أمريكية مركبة تجلت بمظاهر حرب باردة أمريكية إيرانية امتدت على عقود. اهم هذه العقد المحسوسة هي عقدة الخوف وعقدة الكراهية. عقدة الخوف من ضرر ايران على مصالح وسلامة أمريكا وحلفائها في المنطقة، خصوصا الهواجس المتعلقة بملف إيران النووي. أما عقدة الكراهية فهي ردة فعل أمريكية ضد دولة (مارقة) لا تطيعها ولا تخشاها وانما تناصبها العداء وتتضارب مع مصالحها. على أمريكا أن توازن بين مخاوفها وردود أفعالها الناشئة عن عواطفها في التعامل مع إيران.

نظرية الموازنة هذه تباينت مظاهرها بتباين السياسيات في امريكا، فسياسات الرئيس الأسبق باراك أوباما أولت اهتماما أكثر بتخفيف الهواجس والمضاعفات الناشئة عن نشاطات إيران النووية وذلك من خلال إبرام اتفاقية تكون فيها هذه النشاطات النووية تحت السيطرة والمراقبة وذلك تجنبا لحيازة ايران على السلاح النووي. غير أن هذه السياسة سرعان ما تبددت بعدما نقض الرئيس السابق دونالد ترامب هذا الإتفاق سائرا وراء موجة الكراهية، فراح ساعيا بتشديد الحصار الاقتصادي على إيران من أجل خنقها حتى أنفاسها الأخيرة، ضاربا المخاوف عرض الحائط. أما سياسات الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن في هذا الشأن فقد اتسمت بازدواجية السلوك. فهو يرفع شعار الحوار والتفاوض من أجل الرجوع إلى الاتفاق النووي السابق من جهة، والى إبقاء العقوبات الإقتصادية وترسيخها على إيران من جهة أخرى. وهكذا فتتسم السياسة الحالية للإدارة الأمريكية بالتعامل مع الملف النووي الايراني بالخواص الآتية:

اولا: سياسة كسب الوقت/ اتسمت سياسة بايدن في التعامل مع الملف النووي الايراني بالمماطلة من أجل كسب الوقت الذي من خلاله تجني أمريكا فوائد عديدة منها: خداع إيران باحتمالية توقيع اتفاق نووي مما يجعلها لا تمضي قدما في مشروعها المشكوك فيه في صنع القنبلة النووية, انتظارا لاتفاق ينهي معاناتها بسبب العقوبات من جهة، والإبقاء على العقوبات التي بدأت تنخر في أسس كيان النظام وقابلياته مما يضعف قواه وينهكها من جهة أخرى. اللعب على عامل الوقت ينذر باحتماليات تصب بالفائدة للامريكان وتلحق الضرر بالايرانيين حيث أن طول معاناة الشعب تلهب الشارع وتحفزه على التمرد والثورة وهذا ما نشهده في الشارع الايراني بين الفينة والأخرى. هذه السياسة في ازدواجية سلوك إدارة بايدن برفع شعار التفاوض والاتفاق والعمل على إبقاء الأمور على حالها جعل إيران كالمثل القائل: "لا أرضا قطع ولا ظهرا ابقى" وهذا هو الهدف المرجو من هذه السياسة.

ثانيا: كسب رأي جميع الحلفاء/ انقسم الرأي بين الحلفاء في طريقة التعامل مع الملف النووي الايراني منذ البداية. فالاوربيون شجعوا الاتفاق وحفزوه ووقعوه وحلفاء أمريكا في المنطقة وخصوصاً إسرائيل، خالفوه وعارضوه وتمردوا عليه. في سلوك بايدن المزدوج برفع شعار الاتفاق والتفاوض من جهة ومخالفته بالفعل والغرض والحقيقة من جهة أخرى، برزت علامات الرضا والقناعة عند جميع الحلفاء. أوروبا تمضي سعيدة مع مفردات الشعار وأعداء إيران ضمنوا وسائل عرقلة الاتفاق وعدم تحقيقه ومن ثم عدم رفع العقوبات والحصار!.

ثالثا: الحرب الروسية الأوكرانية/ اتهام إيران بتزويد روسيا بالمسيرات والصواريخ ربما يكون المسمار الأخير في نعش الإتفاق النووي على أقل تقدير في الوقت الحالي. إذ كيف يمكن لأمريكا أن توقع اتفاقا نوويا مع إيران ترفع بموجبه العقوبات الاقتصادية والحصار عنها وهي تصنع السلاح وتزود به أعداءها في ظروف حساسة للغاية وخطيرة!؟.

على قاعدة هذه الأسس وغيرها لا يرى المراقب إمكانية توصل إلى إتفاق نووي بين أمريكا وإيران في الوقت الحالي حتى وان عادت الرسائل والمخاطبات بين الأطراف، خصوصاً إن بقي كل طرف متمسك بموقفه أو إن لم يحصل تنازل كبير من الطرف الإيراني وهذا ما لا يتوقعه المحللون. أما الضغوط المكثفة التي يسلطها بايدن على إيران في الوقت الحاضر فهي سلاح ذو حدين أولهما إثراء كفة الكراهية والامعان في صنع الألم عند الجانب الإيراني الذي زادت معاناته مؤخرا داخلياً وخارجيا، وعقوبة له على مساعدته لروسيا عسكريا، عسى أن يحصل الخلل وتنفجر الأمور نحو تحقيق ارادات أمريكا ومساعيها في التخلص من هذا النظام.

وثانيهما أن تجعل هذه الضغوط إيران تشعر بقوة الأزمة وشدة الأسى فتتقبل الشروط الأمريكية للاتفاق النووي الجديد على مضض وتمضي في التوقيع مكرهة غير راضية".

 

الدكتور اسعد كاظم شبيب، استاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة:

"يبدو ان الموضوع الإيراني يكاد يكون العقدة المسيطرة على الإدارة الامريكية بغض النظر عن حزبية الرئيس بين ما هو ديمقراطي او جمهوري، صحيح كان هناك تقارب كبير بين ايران من جهة، والرئيس الأمريكي الديمقراطي باراك أوباما من جهة أخرى لكن الملاحظ أيضا هو الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن تعامل شديد وحذر مع الملف الإيراني بل ان الإدارة الامريكية قبل أيام أعلنت عن وفاة الاتفاق النووي الإيراني، يأتي ذلك بعد ان كان هناك بادرة امل إيرانية في احياء المشروع ورفع العقوبات وتداعياتها عن ايران التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي الجمهوري ترامب، يبدو ان الولايات المتحدة تعد الموضوع الإيراني موضوعا خطرا ومهددا لها ولحلفائها في الشرق الأوسط، وهذا هو بارز في التحذير الإسرائيلي والتوقف في المفاوضات الخليجية او السعودية مع ايران رغم نية السعودية في المضي بإحياء التفاوض مع ايران حول نفوذها وعلاقتها في المنطقة.

من جانب ثاني يبدو ان الضغوطات الامريكية تأتي بثمارها في الداخل الإيراني فلا تنفك ايران عن استمرار التدهور الحاصل في اقتصادها والتذمر الشعبي المتصاعد ضد النظام في الوقت الذي يعجز النظام عن إيجاد الحلول وإقناع الشارع الإيراني لاسيما الشبابي منه وهو ما ينذر بخطر على مجمل النظام الإيراني الحالي".

 

الباحث حسن كاظم السباعي:

"الإدارة الاميركية بشكل عام وإدارة بايدن بشكل خاص ليست جادة في ممارسة أي ضغوط ضد إيران وهذا ما شوهد خلال فترة ٤٤ عاما من عمر الحكم القائم في إيران، حيث لم تتجاوز ضغوط الإدارة الأميركية بشقيها الجمهوري والديمقراطي حدود الإعلام. إذ كلما اقترب موسم الانتخابات اشتعل هذا الإعلام ثم يأخذ في الخمود شيئا فشيئا. على سبيل المثال: حتى في ذروة أزمة الرهائن واحتلال السفارة في طهران أو الحالات المشابهة الأخرى لم يتجاوز الضغط الأمريكي حدود دائرة الإعلام ولم يكن التدخل العسكري حينها إلا في إطار المنافسة الإنتخابية بين الحزبين.

أيضا؛ كانت هنالك علاقات ودية وزيارات مكوكية في الظل، بل وفي بعض المواقف كانت الإمدادات الأميركية تنقذ النظام الإيراني من الأزمات التي تواجهه. ولا توجد أي دلالة تدل على أن هنالك تغيير في السياسة الأميركية تجاه إيران تختلف عن سياستها خلال العقود الأربعة الماضية. وبالإضافة إلى ذلك؛ فإن نفوذ الإدارة الأميركية قد تضاءل رغم كونها لا تزال القوة العظمى في العالم لكن تعاملها مع بعض الملفات؛ كالأفغانية والعراقية والسورية تدل على أنها قد فقدت التأثير المطلوب في رسم أو تغيير المعادلات.

وفيما يرتبط بتغيير طهران لمنهجها السياسي فإن نظام الحكم لم يشعر بعد بأي خطر جدّي يهدد وجوده رغم كل الصخب والضجيج الذي يوحي أن هنالك أمر ما في حالة حدوث. وبالمقابل نجد أن نظام الحكم يشعر براحة بال أسفرت عن سنّ قانون جديد يمنع من كتابة أي تعليق أو وجهة نظر أو حتى علامة إعجاب لمقال أو مقطع في مواقع التواصل الإجتماعي يوحي إلى معارضة أو نقد الوضع الراهن. وإن حصل وشعر النظام بأن هناك خطر ما يهدده فله من الأوراق ما يغنيه عن ممارسة أي تغيير في المنهج السياسي.

كل ما هنالك؛ هو الأزمة الاجتماعية بين أفراد المجتمع وبعيد عن أروقة نظام الحكم، والتي تتزايد يوميا وبشكل ملحوظ وهذا ما قد يسبب انفجار من النوع الذي كانت تعاني منه المجتمعات ذات التمييز العنصري حيث تقوم فئة بمواجهة فئة أخرى بدرجات متفاوتة من العنف. إلا أن للمفاجئات دورها الأهم والذي هو خارج عن مدار التنبؤ".

 

الباحث محمد علاء الصافي:

"ان الذي دفع بايدن لتفعيل سياسة الضغوط القصوى ضد ايران هي تدخلها المباشر بالحرب الروسية الإيرانية عن طريق دعم الجيش الروسي بالطائرات المسيرة التي اشتركت بالحرب وغيرت جزء من المعادلة في فترة من الفترات، اما السبب الثاني هي الاستراتيجية التي اتبعتها الولايات المتحدة الامريكية في السنتين الأخيرتين في منطقة الشرق الأوسط هي اختبار للشركاء ومعرفة مواقفهم في اتجاه الميل نحو الصين او ما بعد روسيا، بخصوص المحاور الجدية التي تتشكل بالعالم وواحدة من الأساليب التي استخدمتها ودعت الى تشكيل احلاف بالنتيجة جمعت احلافها القدماء والتاريخيين مثل المملكة العربية السعودية وغيرها، وإعلان موقف واضح من قضية التمدد الصيني في المنطقة والتمدد الروسي بعد الحرب الأوكرانية، لذلك احبت أمريكا معرفة المواقف من معي ومن ضدي.

وكذلك الضغط الداخلي الأمريكي بسبب المشاكل الاقتصادية بعد ازمة كورونا التي أجبرت بايدن استخدام نفس المنهج الذي كان يستخدمه سلفه ترامب رغم انهم كانوا معارضين لترامب وخروجه من الاتفاق النووي وقضية الصراع مع ايران والسياسة استمرت نفسها مع ايران حتى في عهد الديمقراطيين، وبعض البوادر تبينت من خلال الاتفاق الذي حصل في لبنان في ترسيم الحدود مع إسرائيل في ظل وجود حزب الله الذين يعتبرون اهم الحلفاء الإيرانيين في المنطقة، كذلك المؤشر الثاني الذي بدأت تظهر ملامحه بقضية انفتاح أمريكا على حكومة العراق التي هي مدعومة من ايران بشكل كبير، اما القضية الثالثة هي قضية الاحتجاجات الداخلية واحتواء هذه الاحتجاجات وضعف الاقتصاد داخلياً فكل هذه الأسباب تجبر النظام الإيراني يخفف من الحدة تجاه معاداة الولايات المتحدة الامريكية".

 

المحامي صلاح الجشعمي:

"موقف أمريكا والضغوطات الامريكية ضد ايران هو ليس موقف ضد العراق او الشرق الأوسط بل هو موقف دولي، حيث ان ايران تعتبر القاعدة والركيزة الأساسية لدولتين هما روسيا والصين، ومع روسيا هناك اتفاقيات بناء قواعد ومعسكرات روسيا في الخليج ومع الصين اتفاقية طريق الحرير وتمدده الى الشرق الأوسط والى اوروبا الشرقية، وامريكا ذهبت الى ابعد حدود من الضغوط المختلفة واستخدموا حتى الضغوط الداخلية، لان السياسية الخارجية بشكل عام اذا تريد ان تضعفها تضعف السياسة الداخلية وتجعل ارباك في النظام الداخلي ولكن ايران لديها حرفية في تصدير المشاكل لكي تسيطر على إيقاع الوضع الداخلي في ايران، إضافة المعروف عن العقلية السياسية الإيرانية هي عقلية عنيدة وصلبة ولا اعتقد ان ايران ستغير من مواقفها، نعم هي تناور في الموقف وتوهم الغير بتغيير موقفها ولكن هي عبارة عن مناورات ترجع الى اصل الالتزام هو التمدد والتوسع شرقاً في أفغانستان وغرباً في الدول العربية، ولا أتصور ان الضغوط الامريكية ستكون حلول ناجعة في تغيير الموقف الإيراني لان الإيرانيين مدعومين دولياً من الصين وروسيا".

 

الحقوقي احمد جويد:

"السنن التاريخية في اي نظام شمولي بالعالم يبدأ بثورة ويواجه تحديات داخلية وتحديات خارجية، والتحديات الداخلية يتخلص منها في حال تصدير مشكلته خارجياً وكانت بدايتها الحرب العراقية الإيرانية كانت طوق النجاة الى الثورة والقائمين عليها في ايران واستطاعت توحيد صفوف الشعب الإيراني تحت قيادته، وكذلك هذه الأنظمة في شيخوختها عندما تواجه مشاكل سياسية واقتصادية وغيرها ايضاً تحاول إيجاد عدو خارجي وتحاول تصدير مشاكلها خارجياً حتى تستطيع اقناع الداخل بحجة التآمر وغيرها من الشعارات التي عرفت بالشرق الأوسط، وكانت ايران تعتبر انتصار الديمقراطيين بالانتخابات نصر لهم وكانوا ينتظرون على مضض هذه الانتخابات وكانوا يجرون انفاسهم الى ان هزم ترامب بانتخابات كانت عليها الكثير من الشكوك وغيرها، وكانوا يظنون ان الحكومة الديمقراطية سوف ترجع الى الاتفاق النووي بشروط وبنفس المعطيات السابقة وكل القضايا التي كسبوها بحكومة الإصلاحيين، ولكن تفاجئوا كذلك بوجود ضغط إسرائيلي وضغط اخر على الإدارة الديمقراطية ولا يمكن الرجوع الى نفس الاتفاق، وايران بالتالي تحاول ان تثبت الى شعبها وحلفائها انها غير خاضعة وكانوا يظنون ان الديمقراطيين اخف عليهم من الجمهوريين ولذلك بدأ هذا التصلب لديهم واكبر خسارة كانت لهم بخسارة الحليف الأوروبي لهم في هذه المفاوضات، ونجحت روسيا بتوريط ايران معها بهذه القضية وبدأت روسيا هي التي تتحكم في سوق الطاقة الأوروبي لكن بالنتيجة الشعب الإيراني هو الذي يدفع الثمن والضغوط الاقتصادية الهائلة".

 

الدكتور حسين السرحان:

"طبيعة التفاعلات في النظام الدولي اختلفت كثيراً بعد كورونا، وكذلك التفاعلات الأمنية والفواعل الإقليمية بالداخل سلوكهم السياسي والخارجي والأمني ايضاً اختلف، وان الدوافع التي دفعت إضافة الى التمسك بالاتفاق النووي والمباحثات التي حدثت بجينيف شهر ايلول الماضي وفشلها وعدم وصولها الى نتيجة رغم الوسائط الاوربية وغيرها، وهناك ثوابت بالسياسة الخارجية الإيرانية على الصعيد الامني الامن الإقليمي هو جزء من الامن القومي الإيراني وهي مثبتة بالدستور الإيراني، وان هذا الامن الإقليمي لا يتحقق الا بعنصرين عنصر قوة الردع النووي على المستوى الإقليمي والعنصر الثاني هو البرنامج الصاروخي، وايران غير مستعدة ان تتعرض الى نوع من الانكشاف الأمني، بمعنى ان البرنامج الصاروخي واذرعه ومليشياته بالمنطقة هي الأساس في تغيير موازنة المنطقة وبدون الامرين ايران تتعرض الى انكشاف امني كبير وتتعرض الى هزة قوية ولا أتصور ممكن ان يستمر النظام السياسي ويحافظ على هذا الوضع الداخلي وليس ممكن لإيران ان تتخلى عن البرنامج الصاروخي او المليشيات ابداً، ولذلك لا يمكن ان يكون هناك اتفاق نووي بمعنى صانع القرار الإيراني مخير بين سلاح نووي والميليشيات ممكن ان يضحى بالسلاح النووي ويحتاج الى اذرعه بالمنطقة.

عالمياً الولايات المتحدة تدرك ان ايران وجودها بهذا المحور الى الجانب الروس والصين ممكن ان يقوي شوكة الصين بالنظام الدولي في جنوب اسيا والشرق الأوسط وليس من الممكن ان تسمح أمريكا لإيران ان تكون بجانب الصين في هذا الموقف، ووفق هذه المعطيات لا أتصور وجود تغيير بالمواقف وفلسفة النظام الإيراني الأمنية قائمة على أساس منطقة الشرق الأوسط وبرنامج صاروخي بعيد المدى يغطي منطقة الشرق الأوسط".

 

وفي ختام الملتقى تقدم مدير الجلسة الاستاذ حيدر الاجودي بالشكر الجزيل والامتنان إلى جميع من شارك برأيه حول الموضوع سواء بالحضور او من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2023 Ⓒ

http://mcsr.net

اشترك معنا على التلجرام لاخر التحديثات
https://t.me/infomscr
التعليقات