تسعى الحكومة الحالية والقوى المشكلة لها الى وضع طريقة انتخابية وتوقيت اولي تمهيداً لتشريع قانون لانتخابات مجالس المحافظات، يحدد آلية وتوقيت وشكل الدوائر الانتخابية، بعد ما يقارب ثلاثة سنوات من حل مجالس المحافظات إثر الحراك الاحتجاجي في تشرين 2019، حيث صوت مجلس النواب على أثرها بإلغاء مجالس المحافظات بعد فشل اغلب مجالس المحافظات في تأدية عملها إضافة الى العيوب الكثيرة التي سادت عمل المجالس وتحولها الى أدوات بيد الكتل والقوى السياسية النافذة.
يبدو ان الأطراف المشكلة للحكومة لا تريد ان تمضي في اجراء انتخابات مجلس النواب الا بعد جس نبض الشارع من خلال انتخابات مجلس المحافظات، والامر الثاني هي ترى ضرورة إعادة رسم خارطة المحافظين من جديد لاسيما في ظل المتغيرات الكثيرة التي سادت عمل المحافظين وأبرزها مدة تسنم إدارة المحافظة من قبل بعض المحافظين تصل الى أكثر من عشرة أعوام، وكذلك تعيين محافظين جدد في بعض المحافظات.
ولغرض مناقشة جدلية اجراء انتخابات مجالس المحافظات وابعادها هناك عدة أوجه ينبغي ذكر أبرزها وكما يلي:
الوجه الأول: جدلية المشروعية الدستورية وتأكل الشرعية الشعبية
ذهب الدستور العراقي النافذ في المادة 122 الى ان انتخاب مجالس المحافظات والمحافظ ينظم بقانون، بمعنى ان الدستور اقر انتخابات مجالس المحافظات بطريقة او بأخرى، وفعلاً جرت أكثر من دورة لانتخاب مجالس المحافظات لكن هناك كثرة من الإشكاليات والعيوب التي رافقت مجالس المحافظات الى جانب تحولها الى حلقة فارغة تعيق عمل المحافظ، من هنا كانت مجالس المحافظات في كل العراق ما عدا إقليم كردستان طالتها الإصلاحات عبر تصويت مجلس النواب في تشرين الأول من عام 2019 على حلها، واذا ما علمنا ان المواطن العراقي بسبب سوء إدارة الطبقة السياسية الحاكمة بات لا يشترك في أي عملية انتخابية، وهذا ما هو واضح في النسب المتدنية في انتخابات مجلس النواب الأخيرة اذ وصلت نسبة المشاركة في اخر انتخابات نيابية في تشرين الاول 2021 اقل من 40% حسب الاحصائيات الرسمية. من هنا فالامتعاض الشعبي سيظل ساري مع انتخابات مجالس المحافظات المفترضة إذا ما ظل الإخفاق السياسي حاضرا بجميع اشكاله وجوانبه.
الوجه الثاني: فشل التجربة وتعويمها
يرى الكثير من المراقبين ان مجالس المحافظات سجلت عليها الكثير من المؤاخذات، وأثبتت فشلها، ونقلت نظام المحاصصة من الوزارات إلى المحافظات التي أصبحت مورداً للمكاتب الاقتصادية للأحزاب على حساب المواطنين وجودة تقديم الخدمات. وهناك خشية من استمرار مجالس المحافظات مرة أخرى الى أبواب للفساد والمزايدات واعاقة عمل المحافظين ذاتهم، إضافة الى حقيقة تمثيلها لأبناء ومناطق وقرى ونواحي المحافظة خصوصا اذا ما جرت بطريقة الدائرة الواحدة لكل المحافظة، وبطريقة التمثيل النسبي والانتخاب للقائمة او ما يعرف بطريقة سانت ليغو 1.9 او 1.7 المطروحة بقوة الآن في مشروع القانون المزمع عرضة على مجلس النواب قريباً، وسط تجاهل القوى الرافضة لهذه الطريقة ومن ابرزها المرجعية الدينية التي نددت اكثر من مرة في خطب الجمعة بضرورة تغيير طريقة الانتخابات الا ان القوى السياسية يبدو انها لا تريد ان تدخل الانتخابات مثلما دخلتها في انتخاب مجالس النواب 2019 بعد التراجع الكبير لعدد مقاعدها داخل مجلس النواب.
الوجه الثالث: المواقف السياسية المتباينة من اجراء انتخابات مجالس المحافظات من حيث الزمان والمكان والكيفية
تتباين مواقف القوى السياسية من اجراء انتخابات مجالس المحافظات فمن حيث الشكل ترى بعض القوى الشعبية ان مجالس المحافظات هي حلقة زائدة تساعد على استفحال الفساد وعدم النهوض بعمل المحافظات وتطويرها، وترى قوى أخرى أن إلغاءها مساس باللامركزية التي بني عليها النظام الإداري في العراق، ولذلك حسم المسألة سيكون على عاتق مجلس النواب الحالي، ويرى اخرون من أعضاء القوى السياسية المؤيدة لأجراء انتخابات مجالس المحافظات ان أغلب الأعمال التي تجرى في المحافظات من قبل المحافظين بحاجة إلى رقابة فعالة وقوية، ومثل هذا الأمر لا يتوفر إلا من خلال مجالس المحافظات، وهذا ما يفسر عدم وجود توافق سياسي حتى الآن على آلية تغيير قانون الانتخابات، وماهي الصيغة المطروحة حاليا بالإضافة الى تغيير المفوضية والكلف المادية بشكل عام والتي ربما تصل الى 400 مليون دولار.
في حين يرى مراقبون ان الأرضية السياسية والتقاطعات الحزبية والمكوناتية لا تساعد على اجراء انتخابات مجالس المحافظات الى جانب المسائل الفنية الا بحدود عام 2024 وربما هذا ما تدركه حتى بعض القوى المؤيدة بقوة لأجراء انتخابات مجالس المحافظات لكنها تحاول تكتيكيا إطالة عمر الحكومة الحالية بدعوى إقامة انتخابات مجالس المحافظات ومن ثم الذهاب الى الانتخابات البرلمانية خاصة اذا ما علمنا ان الانتخابات البرلمانية او ما عرف بالانتخابات المبكرة هي مطالب أساسية قبل تشكيل الحكومة وقد وردت أيضا في البرنامج الحكومي لحكومة السوداني. فبالتالي تريد هذه القوى استهلال الوقت لتحقيق رضا شعبي من هنا وهناك.
اما من حيث الجوهر فهناك اختلاف حول الطريقة التي تجري فيها انتخابات مجالس المحافظات فاغلب القوى السياسية المشكلة للحكومة مثلما أشرنا تريد ان ترجع الى قانون سانت ليغو في حين تندد أخرى بهذه الطريقة بضرورة طرح طريقة جديدة هذا اذا ما علمنا ان تمثيل الاغلبية تنسجم تماما مع انتخابات مجالس المحافظات حتى أكثر من الانتخابات الوطنية العامة او انتخابات مجلس النواب.