نالت حكومة محمد شياع السوداني ثقة مجلس النواب العراقي على رغم المؤشرات الكثيرة حول عودة المحاصصة مرة اخرى كمتغير اساس في تشكيل هذه الحكومة او اعتبارها حكومة انتخابات مؤقتة، فأنه يعول على رئيسها وعلى مجلس النواب وبعض القيادات السياسية الوطنية مواجهة تحديات سياسية واجتماعية واقتصادية وامنية عدة، ولعل التحديات الاقتصادية تعد الابرز في الوقت الحاضر فرغم ارتفاع اسعار النفط لازال الاقتصاد العراقي يعاني ونسب الفقر والبطالة مرتفعة، والفساد والتهريب والاستحواذ على المال العام وضياع الموارد وعدم استثمار الفرص المتاحة كالسياحة والاستثمار الاجنبي نتيجة سوء الادارات السابقة وضعف التنظيم والتهاون في تنفيذ القرارات والقوانين الداعمة والمشجعة للاقتصاد الوطني اضافة الى مشاكل واسعة ترتبط بالأوضاع العامة؛ يشكل اعباء كبيرة وتحديات معقدة امام الحكومة الحالية ويقيدها من القيام بالإصلاحات في المجال الاقتصادي، بما ينعكس على الاستقرار السياسي والامني، ولهذا من اهم اولويات الحكومة الحالية ومجلس النواب في تحقيق الاصلاح الاقتصادي القيام بالأولويات التالية:
1- توفير بيئة سياسية تخلق المناخ الملائم والسليم المُهيأ للترتيبات الادارية واللوجستية والقانونية المتكاملة للإصلاح الاقتصادي، وهذا لن يتحقق مالم تتطابق الرؤية الاصلاحية في المجال الاقتصادي بين السلطة التشريعية والحكومة فيما يخص تشريع القوانين والمصادقة على الموازنات التنموية ذات التأثير الايجابي الداعم للاقتصاد العراقي فوحدة العمل وسلامة المنهجية في تكريس روح الفريق الواحد في الاداء بين مؤسسات الدولة كافة مع توفير غطاء سياسي ونيابي يشكل لحظة ضرورية للتمكين الاقتصادي.
2- على الحكومة اقامة قطيعة مع الجهات السياسية التي تتعكز على الوسطاء والمضاربين، وما يعرف بالهيئات واللجان الاقتصادية للأحزاب وابعادهم عن كل استراتيجيات الاقتصاد الوطني وابعادهم عن مؤسسات الدولة كافة ومنع الزبائنية السياسية فيها من حيث احالة المشاريع وتنفيذها وانهاء النزعات الانتفاعية لتلك الجماعات وهذا يحتاج الى قطيعة مع الفساد السياسي الذي يدر المنافع والمصالح والامتيازات للفئات المحدودة المذكورة اعلاه.
3- استكمال تشريع قانون مجلس الإعمار وتنفيذه بأسرع وقت لإقرار ومتابعة وتنفيذ المشاريع الاقتصادية الاستراتيجية الوطنية، على ان يكون هذا المجلس مستقلا وتخصصيا وبعيدا عن المحاصصة وله صلاحيات واسعة ويضطلع بوضع خطط اعادة الاعمار والبناء والتنمية واستكمال المشاريع التنموية للدولة، يعمل على تحقيق نهوض اقتصادي متواصل.
4- التأكيد على شفافية العقود الحكومية ونزاهتها وتضطلع بذلك جهة استشارية مستقلة ومختصة لمراجعة العقود ومدى نجاعتها وفعاليتها وفرص تنفيذ تلك العقود وتدقيق الجهات المتعاقد معها ومصداقيتها والقدرة على المتابعة والاحاطة والمحاسبة القانونية.
5- تنفيذ مشروع البصرة عاصمة اقتصادية للعراق واعطاء البصرة والمحافظات المنتجة للنفط وذات القدرات التنموية صلاحيات اقتصادية واسعه للتنمية وتقوية الاقتصاد مع حفظ التنسيق مع الحكومة الاتحادية وضمان الرقابة وتأمين غطاء مالي ضمن الموازنة القادمة لدعم الطموحات التنموية للبصرة وبقية المحافظات لتستثمر بشكل مباشر قدراتها ومواردها وكل هذا يحتاج الى قانون ينظم اليات العمل الاقتصادي لتلك المحافظات اضافة الى اقليم كردستان.
6- اعتماد سياسة مائية جديدة للبلد تأخذ بعين الاعتبار شحة الموارد المائية والمشاكل مع الدول المتشاطئة مع العراق وطرح آليات وبدائل لتراجع القطاع الزراعي نتيجة ذلك وتنامي الاستيراد بهذا القطاع على حساب المنتوج المحلي وهذا يحتاج الى قرار سياسي سيادي وطني قوي يواجه السياسات المائية لتركيا وايران وسوريا ويضمن الحصص المائية، اضافة الى الحاجة الى خُبرات قادرة على طرح آليات شراكة مع تلك الدول تربط التحكم بمنسوب الحصص المائية بالاستيراد عبر اقامة شركات زراعية موازية ضخمة مع تلك الدول تقنن الاستيراد وربطه بالمياه.
7- تطبيق وتفعيل اتفاقيات النفط مقابل البناء والاعمار بما يخدم الشعب العراقي، ويتضمن التعاقد مع شركات عالمية متخصصة لبناء محطات الكهرباء وتنشيط القطاع الصناعي الوطني وبناء المدن وصيانة الطرق وكل ما يتعلق بالبنى التحتية دون اعطاء بدل نقدي بل نفط بشكل مباشر لدول تلك الشركات خارج التسويق بالاتفاق مع اوبك، وتشمل عملية المبادلة استيراد الغاز والسلع والخدمات المهمة التي يتم استيرادها بشكل دائم مع ضمان تشغيل الايدي العاملة المحلية لمواجهة البطالة وايقاف نزيف هجرة الكفاءات الوطنية الشبابية وعدم هدر الطاقات والامكانيات.
8- الشراكة مع القطاع الخاص المحلي الرصين والاجنبي ذات الصيت العالمي، واطلاق دور القطاع الخاص لا يعني الخصخصة وبيع بعض مؤسسات القطاع العام، بل اخذ دوره في خلق افكار جديدة والاستثمار فيها والاسهام في نمو الاقتصاد الوطني، وتفعيل فكرة القطاع المختلط والمساهم في كل المشاريع التنموية والاستثمارية، كذلك تفعيل فكرة دعم القطاع الحكومي ليكون قطاع استثماري او خاص في الدول الاجنبية خصوصا ما يتعلق بالأسهم والسندات وشراء الاراضي وزراعتها خارج العراق لتحريك عجلة الاقتصاد العراقي واستعادة عافيته الدولية وكذلك الاستفادة فيما يخص سد حاجة السوق المحلي عبر الاستثمار في الدول المنتجة لبعض السلع الاجنبية بدل الاستيراد.
9- تطبيق آلية التبادل النقدي مع دول العالم عبر المبادلة بإيداع العملة الاجنبية مقابل العملة المحلية واعطاء تلك الدول مشاريع تنموية في العراق بشكل استثمارات يعمل على دعم السياسة النقدية والمالية للعراق وقوة الدينار العراقي وتأمين احتياطي من العملة الصعبة، والعمل على توجيه المصارف الحكومية على تسهيل الائتمان بما يعزز اداء الاقتصاد المحلي.
10- اصلاح السياسة المالية والنقدية للدولة العراقية وطرح افكار لتقنين مزاد العملة وشركات الصيرفة وضبط عمل المصارف الاهلية واعادة النظر بسعر صرف الدينار العراقي ازاء الدولار بما يخدم السياسة المالية والاقتصادية عبر المختصين، وكذلك دعم المصارف الحكومية لتكون شريك اقتصادي فاعل للاستثمار في المشاريع النافعة الداخلية والخارجية وخاصة الاستفادة من المغتربين العراقيين لفتح نوافذ مصرفية لهم للإيداع دون ضرائب او رسوم بدل ان توضع مدخولاتهم في المصارف الاجنبية مع وضع خطط وضمانات لنجاح تلك الاستثمارات والايداعات على ان تكون العوائد للموازنة العامة وتخصص الارباح لبند دعم التنمية واعادة الاعمار وتحسين مستوى الخدمات.
هذه الرؤى والاليات تحتاج الى ارادة سياسية قوية من قبل الحكومة الحالية ومجلس النواب، كما تحتاج الى اعادة تقييم المراحل السابقة وتشخيص نقاط الضعف ومكامن القوة واستثمارها وتجسيد تلك المعطيات في تشريع استراتيجية وطنية جديدة تتضمن تلك المقترحات واي مقترحات اخرى ساندة. يتولى مجلس النواب اقرار تلك الاستراتيجية وجعلها ملزمة للحكومة الحالية واي حكومة قادمة، وقابلة للتنفيذ وبمديات منظورة الاجل وتمنح السلطة التنفيذية صلاحيات التعديل والتطوير حسب الحاجة وتحاسب على تنفيذها بان تكون معيار للنجاح او الاخفاق.