تساهم الانتخابات ونتائجها عالميا في تعزيز الاستقرار السياسي، ولكن في العراق تساهم الانتخابات في تحقيق عدم الاستقرار والفوضى، ولذلك فعلى الجميع ان يبحث في الاسباب ويعطي حلول حقيقية تساهم في معالجة هذه المشكلة التي تساهم في اعاقة مسار العملية السياسية في العراق، صحيح ان التحليل العلمي المنطقي قد يتقبله البعض عندما يصب في مصالحه الشخصية والحزبية ويرفضه الاخر اذا ما حقق العكس، ولكن تبقى الامانة العلمية تحتم على الباحث الاكاديمي ان يعطي الحقائق كما هي دون مجاملة، لان تحقيق الاستقرار اعتقد هدف وطموح الجميع وثماره الايجابية سوف يقطفها الجميع وانعكاسات الاستقرار سوف تساهم في رسم مستقبل امن للبلد للسنوات القادمة.
العراق اجرى خمسة انتخابات (2005، 2010، 2014، 2018، 2021)، ولكن ثمرة النتائج لم تحقق الطموح المنشود، حيث كل الحكومات تأخر تشكيلها، وفي اغلب الدورات تم خرق الدستور من حيث المدد الدستورية، واخرها انتخابات تشرين لسنة 2021 التي مر عليها ثمانية اشهر دون تشكيل حكومة منتخبة من قبل البرلمان، مما استوجب دراسة الاسباب التي نعتقد انها تنحصر في النقاط التالية:
1- الكتلة الاكبر: وهي من ابرز المشاكل التي ساهمت في عدم استقرار العملية الانتخابية، حيث ان الانتخابات من حيث المبدأ هي سباق انتخابي يفترض ان تكون نتائجه تحتوي على فائز وخاسر، ولكن تفسير المحكمة الاتحادية عام 2010 وتأكيد ذلك في تفسير عام 2022، اكد على ان الكتلة الاكبر ليست الكتلة الفائزة بل الكتلة التي تتشكل بعد التحالفات وتُسجل في مجلس النواب انها الكتلة الاكبر، ولو كانت المادة الدستورية (76) من الدستور العراقي واضحة بشان الكتلة الاكبر وتحديد الكتلة الفائزة لتم اختصار وقت كبير وتم تحديد المسؤول عن تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن، مما يساهم ذلك في الاستقرار السياسي.
2- غياب الاغلبية: جميع نتائج الانتخابات في العراق لم تنتج عن كتلة فائزة تحقق الاغلبية السياسية بمعنى (نصف زائد واحد)، لذلك تجد جميع الكتل صعوبة في صنع التحالفات، لذلك سوف تفشل الكتل السياسية في تشكيل حكومة الاغلبية السياسية المنشودة بسبب عدم استطاعة كتلة واحدة بمفردها ان تحقق الاغلبية، لذلك نجد الكتلة الصدرية الفائزة بالانتخابات الاخيرة عام 2021 والتي حصلت بموجبها على (75) مقعد تحتاج الى ضعف المقاعد لكي تشكل الاغلبية السياسية، مما جعلها مضطرة للتحالف مع كتل اخرى لغرض الوصول الى تحقيق نصاب الاغلبية السياسية، ولو قدر لكتلة واحدة تحقيق الاغلبية السياسية لتحقق الاستقرار السياسي.
3- الصراع بدل التنافس: في كل الانتخابات السياسية التي تجري في الأنظمة الديمقراطية يتم التعامل مع الاخر بأنه منافس وليس عدو مفترض، لذلك فان العلاقة بينهما قائمة على اساس التنافس وليس الصراع، لذلك نجد ان الخاسر يتقبل الخسارة ويعترف بالفشل ويوعد جمهوره بانه سوف يراجع افكاره وممارساته لغرض الاستعداد للانتخابات الاخرى بل الاكثر من ذلك يبادر الى تهنئة الفائز ويتمنى له تحقيق ما يصبه له، بل ويؤكد الوقوف الى جانبه لغرض تحقيق المصالح العليا للبلد، لكن في العراق الصراع حاضر والتشكيك وعدم الثقة بين الكتل السياسية والاحزاب هي السمة السائدة.
4- رفض المعارضة السياسية: جميع الكتل السياسية اليوم ترفض الذهاب للمعارضة وتهدف على ان تكون ضمن الحكومة، ولذلك فان غياب المعارضة السياسية في النظام البرلماني يؤثر تأثيرا كبيرا على مسار العملية السياسية، حيث الجميع مشارك والجميع معارض، مما يؤدي الى ضياع تحديد المسؤولية مما جعل الجميع يدعي الانتماء الى النجاح والجميع يتبرأ من الفشل، لذلك لا يمكن تحقيق الاستقرار دون تفعيل المعارضة السياسية باعتبار ان دورها الرقابي اساسي وليس ثانوي، ودونها لا يمكن اصلاح النظام البرلماني بالمطلق.
5- الثلث المعطل/ الضامن: بغض النظر عن التسمية يبقى هو ثلث رافض للتصويت لغرض اختيار رئيس الجمهورية، للعلم ان هذا الثلث هو ليس حكراً على الاطار، بل سوف يستعمل بالمستقبل من جميع الكتل السياسية، بمعنى لا نستغرب اذا ما شكل السنة او الاكراد بالمستقبل ثلث معطل ولا نستغرب اذا ما شكل التيار الصدري ثلث معطل مستقبلا، الاساس ان الفكرة من حيث المبدأ تساهم في عدم الاستقرار وتؤدي الى التعطيل، وهنا تساؤل مهم قد يتساءل عنه البعض، لماذا لم نشهد ثلث معطل سابقاً في الانتخابات منذ 2005 ولغاية 2018، الجواب يرتبط بتفسير المحكمة الاتحادية حيث كان التفسير سابقا يعتمد على ضرورة حصول رئيس الجمهورية على اغلبية اصوات الثلثين في الجولة الاولى حسب المادة 70 اولا واذا تعذر ذلك يتم تمريره بأعلى الاصوات حسب الفقرة ثانياً من نفس المادة، ولكن التفسير الاخير للمحكمة الاتحادية اكد على نصاب الحضور يجب ان يكون ثلثين وليس عدد المصوتين.
ونتيجة للأسباب آنفة الذكر نقول ونؤكد على: "إن اعادة الانتخابات ليست حل مطلقاً ولو تم اعادة الانتخابات الف مرة سوف تبقى المشاكل العالقة ذاتها ما لم يتم معالجة الاسباب التي تساهم في عدم الاستقرار الانتخابي، لذلك نجد ان هناك تشابه كبير بين كل المشاكل والازمات السياسية التي تنشا بعد كل انتخابات منذ عام 2005 ولغاية الان، وهذا يعني ان الجميع سوف يبقى يدور في حلقة مفرغة ما لم تعالج الاسباب الحقيقية للازمة".