مر على عام كامل على الهجوم الذي قامت به المقاومة الفلسطينية عبر فصيل عز الدين القسام التابع لحركة حماس في قطاع غزة بمهاجمة عدد من المواقع في مناطق غلاف غزة الواقعة في جنوب فلسطين والمحتلة من قبل الكيان الإسرائيلي، حيث استطاعت حماس ان تهاجم عدد من المستوطنات ومقار عسكرية واستخباراتية تابعة للجانب الإسرائيلي وسميت تلك العملية بانتفاضة طوفان الأقصى، وقد عدت تلك العملية من قبل الجانب الإسرائيلي تشبه بما حدث في يوم الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 الامر الذي يستوجب ردت فعل غير تقليدية من الجانب الإسرائيلي مثلما اتخذت الولايات المتحدة الامريكية بعد هجمات سبتمبر خطوات عسكرية غزت بموجبها عدة دول مثل: أفغانستان والعراق.
من هنا يأتي تشبيه نتنياهو رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي ذو الخلفية السياسية المتطرفة لإحداث السابع من أكتوبر بما حدث في الولايات المتحدة حتى يبرر خطواته المستقبلية وهو ما حدث بالفعل فوضع أولاً اهداف يريد ان يسحق من خلالها قطاع غزة عبر القضاء على حركة حماس وطردها من القطاع، وارجاع ما تسميهم إسرائيل بالمختطفين الذين يفوق عددهم الثلاثمائة شخص، ومن ثم إعادة قوة الردع الإسرائيلي انطلاقاً من قطاع غزة، وقبل ان يكمل العام الأول لإحداث سبعة أكتوبر ومع تزايد المشاركة العسكرية من قبل حزب الله تجاه المدن الشمالية لإسرائيل حدد رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي نتنياهو هدفا اخر، وهو ارجاع سكان شمال إسرائيل الى مدنهم بعد ردع قوات حزب الله والقضاء على قوتهم الصاروخية وبعد ان شهدت الجبهة الجنوبية من لبنان عدة اختراقات إسرائيلية شملت اغتيالات عديدة طالت قيادات في المقاومة مثل اغتيال السيد فواد شكر الرجل الميداني في حزب الله بعد الأمين العام، والعاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وغيرهما ومن ثم تفجير أجهزة البيجر في وقت واحد، وكان الجانب الإسرائيلي يهدف الى إيقاع مئات القتلى في أعضاء حزب الله مثلما صرح السيد حسن نصر الله في خطاب بعد حادثة التفجير.
واللافت بالأمر ان نتنياهو في خطاب امام الجمعية العامة للأمم المتحدة وقبيل ساعات من اغتيال السيد حسن نصر الله في السابع والعشرين من أيلول/سبتمبر 2024 رفع خارطتين: احداهما اسماها بالأمم المباركة وتضم سبعة دول ومنها دول مصر، والسعودية، والامارات، والبحرين، والأردن، وقطر، وبالمقابل رفع خارطة دول مضللة باللون الأسود اسماها بالأمم الملعونة وتضم ثلاثة دول وهي: إيران، وسوريا، والعراق. ومع اغتياله للسيد حسن نصر الله في قصف صاروخي طال ستة مباني في حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت صرح نتنياهو قائلاً: العالم امام شرق أوسط جديد، وبعد ساعات قليلة صرح وزير دفاعه غالانت بأن لبنان ليست مقبلة على التغيير فحسب وانما التغيير سيطال الشرق الأوسط.
من هنا تضع تلك الاحداث والمواقف عدد من التساؤلات حول قوة الردع في المنطقة واهداف نتنياهو في السيطرة والوصول على المجال الحيوي الاستراتيجي للكيان الإسرائيلي ولتحليل تلك المعطيات نبدأ من موضوعة اهداف نتنياهو منها الاجتياح البري للبنان، والرد الإيراني على اسرائيل والتهديد برد اقوى من قبل الجانب الإسرائيلي.
يصنف مراقبون العملية التي هاجمت بها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بالحدث النوعي والكيفي ويعد بمثابة تغيير في موازين الردع سيقابله ردع إسرائيلي اقوى وهو ما حدث بتصفية كل قادة المقاومة وصولا الى اغتيال السيد إسماعيل هنية في قلب العاصمة الإيرانية طهران ومن ثم اغتيال السيد حسن نصر الله في عملية استخباراتية دقيقة، رافق ذلك رد صاروخ إيراني غير مسبوق بتاريخ المنطقة وإسرائيل طال اغلب المدن الإسرائيلية واستهدف عدد من المواقع الاستراتيجية في الكيان، ومع الضغط الأمريكي على تل ابيب في التخفيف من شدة الرد الإسرائيلي على ايران خوفاً من تداعيات كبيرة ستطال المنطقة ومنها المصالح الأمريكية، وقد تتجه المنطقة صوب مشهدين اذا ما كان هناك ردا إسرائيليا كبيرا وشديدا تجاه ايران احدى هذين المشهدين هو الحرب الإقليمي، والثاني وصول نتنياهو الى تحقيق هدفه بالشرق الأوسط الجديد الذي يريد من خلاله خلق بيئة إقليمية مطبعة مع الكيان الإسرائيلي على غرار ما اسماهم نتنياهو في خطابه امام الجمعية العامة للأمم المتحدة بالأمم المباركة.
هذه الأهداف التي يسعى نتنياهو الى تحقيقها عبر توريط واشنطن واستغلال الظروف السياسية وصراع الانتخابات بين الحزب الديمقراطي ومرشحه هارس نائب الرئيس بايدن، والحزب الجمهوري ومرشحه دونالد ترامب الرئيس الأمريكي السابق، الذي يعد الأقرب الى الذهنية الحاكمة في الكيان الإسرائيلي في قبالة ذلك يبدو ان طهران تدرك تلك المخاطر وهي الآن تضغط دبلوماسيا باتجاه وقف إطلاق النار في لبنان والوصول الى تفاهم مع واشنطن على مجمل القضايا الخلافية.
ومما تقدم تبقى كل السيناريوهات المتوقعة في ضوء الذهنية السياسية والعقائدية الحاكمة في إسرائيل مع ان هناك فواعل دولية وإقليمية على المستوى الرسمي تسعى باتجاه تخفيف التصعيد في المنطقة، ويبدو ان ذلك لا يحدث الا ما بعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة اذا ما استطاع الحزب الديمقراطي الظفر في الانتخابات، اما اذا استطاع الحزب الجمهوري من الانتصار في الانتخابات ووصول دونالد ترامب مرة أخرى الى إدارة البيت الأبيض سيكون الوضع في منطقة الشرق الأوسط بأتجاه المضي بتحقيق سيناريو نتنياهو بهدفه الذي اسماه بالشرق الأوسط الجديد مما سيزيد من اشتعال المنطقة وسيكلفها الكثير من الضحايا والخسائر وقد لا يسلم منها طرف فاعل ومؤثر في المنطقة.