اقدمت اسرائيل على اغتيال قيادي بارز في حركة حماس، واعلنت الحركة في بيان لها إن انفجارا وقع في إحدى ضواحي بيروت أدى إلى مقتل صالح العاروري، الرجل الثاني في قيادة المكتب السياسي لحركة حماس، ولم تعلن إسرائيل حينها مسؤوليتها عن الاغتيال، لكن مسؤولين من لبنان والولايات المتحدة نسبوا الهجوم إلى القوات العسكرية الإسرائيلية.
مسارات واتجاهات الحرب على غزة ستشهد متغيرات ومنعطفات وديناميكيات جديدة بعد هذه الحادثة التي سبقتها عملية اغتيال رضي موسوي الجنرال في الحرس الثوري الإيراني، المستشار العسكري المسؤول عن تنفيذ مهمَّة تنسيق التعاون العسكري الإيراني-السوري.
في ضوء هذه الاحداث المتزامنة مع طبيعة التحول في سياق الحرب الاسرائيلية على غزة، تؤشر احتمالات تراجع حدة القصف وامكانية ايقاف مسألة الاجتياح، خاصة ان القوات الاسرائيلية نفذت منها قائمة بنك الاهداف واستخدمت كل الاوراق العسكرية في الاستهداف والقصف والاجتياح، وكأنها حرب شاملة دون ان تحقق اي اختراق عسكري او سياسي او دولي، لكن بالمقابل ستكون إحدى نقاط المناقشة المستمرة منذ اندلاع الحرب هي التوجه نحو امتدادها إلى ارجاء المنطقة، وتوسيع الصراع على المستوى الإقليمي وهذا ما يحصل بالفعل الان، ويمكن ملاحظة وتأكيد ذلك بشكل واضح في اغتيال العاروري خارج غزة، اذ تشهد الحرب مساراً مختلفا وقواعد اشتباك جديدة ترتبط بمسألة (الشخص والمكان) لعملية الاغتيال، والدلالة المؤكدة من هذه الحادثة ان مسارات الصراع الاسرائيلي الفلسطيني ستتغير بشكل كبير، والحرب الدائرة مجرد بوابة لهذا التغيير الذي سيرتبط بالملفات الاقليمية وتحديدا جبهات وساحات المقاومة، والغرض من ذلك جر ايران الى بؤرة الصراع بشكل مباشر وتوحيد الجبهات لمواجهتها، وتصوير حالة هذا الصراع على انه مواجهة غربية داعمة للكيان الصهيوني ضد ايران نتيجة هذا التدخل في حال حصوله.
مؤشرات هذه المسارات المختلفة يمكن تأكيدها من خلال الهجمات التي شنتها حركة انصار الله الحوثية اليمنية على السفن التجارية في البحر الأحمر وتهديد حركة الملاحة في مضيق باب المندب، فهي احد اهم دلالات ومعطيات هذه الفرضية ومواجهتها وما تحمله من مخاطر على المصالح الاسرائيلية والامريكية في قبال توحيد المواقف الغربية ضد ايران ومحورها المقاوم.
لا شك أن توسيع رقعة وجبهات الحرب لغاية الان تشكل مسارا منخفض الوتيرة، اذ اقدم الكيان الصهيوني بالتنسيق مع واشنطن لاستدارة عسكرية خارج غزة، لكن وفق مخاطرات محسوبة، فاختاروا العمليات العسكرية التي تهدف إلى تجنب دفع الجانب الآخر إلى التصعيد.
ومن جانب إسرائيل كان هذا يعني حتى قبل ايام على ما يبدو حصر الصراع مع حزب الله في تبادل إطلاق نار محدود، ولكن قد يشكل هذا المسار رادع كبير الى حد ما على طول الحدود الشمالية للأراضي المحتلة مع لبنان، حيث تتمركز قوات حزب الله، رغم ان هذه الضربات ادت إلى مقتل أكثر من 100 من مقاتلي حزب الله، وتشريد عشرات الآلاف من الأشخاص في جنوب لبنان وشمال الاراضي المحتلة، لكنها لم تتصاعد حتى الآن إلى صراع واسع النطاق.
ويظهر الهجوم الذي وقع في الضاحية الجنوبية -على افتراض أن إسرائيل هي المسؤولة عنه- أنها مستعدة بالفعل لمهاجمة قادة حماس اينما كانوا، اضافة الى استهداف قادة من كل الاطراف الداعمة والمشاركة في عملية طوفان الاقصى، كما إن وعد حزب الله بالرد سوف يشكل الآن اختباراً إضافياً لقدرة الجانبين على إبقاء المواجهات بينهما عند مستوى خاضع للرقابة والضبط، خاصة وأن حملة القتل المستهدف التي تشنها إسرائيل من المتوقع أن تكون طويلة.
وفي الواقع، يمكن قول الشيء نفسه عن رد واشنطن الحازم بشكل متزايد على هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، اذ شكلت الولايات المتحدة بالفعل قوة عمل بحرية لتأمين الممر المائي، وفتحت مروحية تابعة للبحرية الأمريكية النار على الزوارق السريعة للحوثيين في وقت سابق من الأسبوع الماضي، مما أدى إلى إغراق ثلاثة منها وقتل 10 مقاتلين من حركة انصار الله.
ومن المتوقع جدا ان تقرر الادارة الأمريكية مهاجمة مواقع الحوثيين التي تنطلق منها الصواريخ والطائرات بدون طيار في اليمن، وهو القرار الذي من شأنه أن يؤدي على الأرجح إلى تصعيد الحرب بين إسرائيل والولايات المتحدة مع محور المقاومة في المنطقة لتشمل الحوثيين وحزب الله وفصائل الحشد الشعبي المقاومة بشكل مباشر، خاصة بعد الاستهداف الاخير لحركة النجباء وقتل احد قادتها مع مرافقيه في العاصمة بغداد.
ايضا يؤكد ذلك في سياق متغيرات مسارات الحرب واتساعها اقليميا ما حصل من توترات متصاعدة، اسفرت عن هجوم إرهابي في مدينة كرمان الايرانية في وقت سابق ادى إلى مقتل ما لا يقل عن 70 شخصا في تجمع لآلاف المشيعين لإحياء الذكرى الرابعة لاغتيال الولايات المتحدة للجنرال قاسم سليماني ورفاقه. ورغم اعلان تنظيم داعش عن الحادث المذكور في ايران، الا ان المؤشرات والمعطيات الزمانية والمكانية تؤشر ضلوع واشنطن وتل ابيب في الحادث رغم عدم اعلان أحد منهما مسؤوليته عن الهجوم حتى الآن.
هذه الحوادث مجتمعة تذكر بأن الحرب في غزة تجري في بيئة محفزة للاتساع وبمثابة شرارة تشعل برميل البارود اقليمياً، فقبل أربع سنوات، عندما اغتيل الجنرال قاسم سليماني، تمكنت جميع الأطراف من تجنب التصعيد، لكن اليوم، وفي السياقات التي لجأت اليها اسرائيل والولايات المتحدة في هذه الحرب تؤكد وجود تحول في مسار الصراع الإقليمي الذي يخوضه كلا الطرفين ضد ايران واذرعها في هذه المنطقة، قد لا يكون مثل ما حصل بعد حادثة مطار بغداد من ضبط مستويات الصراع، وقد ينفد صبر ايران هذه المرة، لكن الواقع يشير الى ردود افعال متوقعة بدأت بوادرها في اتساع دائرة الاستهداف للمصالح الامريكية في العراق وسوريا وستمتد لمنطقة البحر الاحمر عبر الحوثيين، وابطاء ورقة اشعال حرب مفتوحة في الجبهة اللبنانية ضد الكيان الصهيوني مع جاهزيتها في اي وقت.