ناقش مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية وضمن نشاطاته الفكرية الشهرية موضوعا حمل عنوان (التموضع العراقي في ظل التفاعلات والتطورات الاقليمية والدولية) بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يعقد بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.
اعد الورقة النقاشية الدكتور احمد عدنان الميالي باحث وأستاذ جامعي، وقدم الجلسة الحوارية الباحث في المركز حيدر الاجودي، وابتدأ حديثه قائلا:
شهدت الساحة الاقليمية والدولية للعراق تطورات وتفاعلات سياسية مختلفة بشكل متزامن ولعل اهمها على المستوى الاقليمي، تمثلت في الوساطة الصينية بين الجمهورية الاسلامية في ايران والمملكة العربية السعودية لإحلال التقارب والتفاهم بين الطرفين ومالها من تداعيات، ويعول العراق ان يكون وسيطاً لتقارب ايراني سعودي تكون له مفاتيح وتفاعلات ايجابية ليس داخل العراق فيما يتعلق باستقراره فحسب، بل ينسحب على الملفات الاخرى واهمها حرب اليمن والازمة السياسية في لبنان وسوريا، وصولا الى امكانية حصول تقارب امريكي ايراني معلن، تحقيقاً لعدم استخدام العراق كورقة مواجهة وتوازن بين النفوذين الايراني والامريكي، بما يعزز مسارات الاستقرار وتمكين العراق من استعادة فاعليته ودوره عبر اعادة ضبط العلاقات والمصالح مع كل الاطراف وفق مقاربات التعاون والتكامل بدلا عن مقاربات التنافس والصراع.
في ظل حكومة محمد شياع السوداني وبعد اكثر من ستة اشهر من عمر هذه الحكومة، تبدو المتغيرات والمعطيات والانطباعات عن اداءها وروابطها ايجابية نحو امكانية تحقيق دور جيوسياسي قادر على استثمار هذه الظروف بما يخدم المصالح الوطنية للعراق من جهة، ومن جهة اخرى الاستفادة من المتغيرات والتطورات الاقليمية والدولية والتموضع البراغماتي ازاءها بما يجعل البلد مستقرا واستغلال ذلك لعملية استكمال بناء الدولة ودعم مكانتها الخارجية.
اذ ركز السوداني على العلاقات مع الدول العربية، فكانت سفرته الأولى خارج العراق الى الأردن والكويت، ثم قام بزيارة المملكة العربية السعودية في نهاية العام الماضي للمشاركة في القمة الصينية العربية الأخيرة، بالإضافة الى ذلك قام السوداني بزيارة الامارات العربية المتحدة ومصر، اكد في زياراته الى الدول العربية على القيام بأعمال مشتركة مع الجوار العربي للعراق، وعلى تطبيق اتفاقيات في مجال الطاقة والتجارة والتي تم التفاوض بشأنها من قبل الحكومة السابقة.
ورغم ان السوداني سافر الى ايران أيضا، لكن لا يمكن الجزم بأن ايران ستتفهم وتتسامح مع السوداني اذ ذهب بعيدا عن مصالحها لأنها تعلم بأن بناء روابط اقتصادية واسعة مع الدول العربية سيقلل من اعتماد العراق على وارداتها من الغاز الإيراني وغيرها من المنتجات الاخرى، الامر الذي سيضعف بدوره من القوى والفصائل التي تمتلك روابط سياسية وعقائدية معها.
ومن جانب آخر، فقد أعطت بطولة كأس الخليج التي أقيمت في البصرة للسوداني فرصة أخرى للتأكيد على التضامن العراقي العربي، لكن استخدام مصطلح الخليج العربي خلال افتتاحية البطولة اثار الاعتراضات الإيرانية، والتي تشير اليه بالخليج الفارسي.
ايران راقبت وتراقب تحركات وتصرفات السيد السوداني في لقاءاته المتكررة مع السفيرة الامريكية في بغداد، وتصريحاته الايجابية حول مستوى الشراكة مع واشنطن ومع تجنب الحديث عن انسحاب القوات الامريكية من العراق، هذه المقابلات والتصريحات اثارت الشكوك والانتقادات بين الجماعات المسلحة الشيعية الموالية لإيران، والتي استمرت بالدعوة الى المغادرة الشاملة والفورية لكل القوات الامريكية من العراق، على الخلاف من الموقف المعلن للأجنحة المتشددة ضمن الإطار التنسيقي والتي اثارت التساؤل فيما اذا كان السوداني يتصرف وفق سياق مضاد من رغبات تلك الأجنحة داخل الاطار التنسيقي او بتخويل وتنسيق مسبق معهم.
ومن الملاحظ ان حدوث تطورات في المحيط الدولي والاقليمي لها دلالات اشرتها حصول بدايات لتعديل واضح في قواعد النظام الدولي من خلال وجود تراجع وانكفاء تدريجي للدور الامريكي في الاهتمام بقضايا الشرق الاوسط وتصاعد الدور الصيني والروسي الذي اعطى مساحة لحلفاء واشنطن التحرر نسبياً من الضغوط والقيود الامريكية في التحرك والتقارب مع ايران والعراق وسوريا.
هذه المعطيات خدمة بشكل كبير حكومة السوداني، واستطاع الاخير ان يوظف ويطوع هذه التطورات بشكل هادئ وناجح.
في ضوء ذلك ناقشت الورقة البحثية الاجابة عن السؤالين الآتيين:
السؤال الاول: هل سينجح السيد السوداني في التعامل مع المتغيرات الدولية والإقليمية الحالية؟
السؤال الثاني: ما هي المسارات المستقبلية للوضع العراقي في حال طرأت تغييرات دولية وإقليمية؟.
المداخلات
الدكتور قحطان حسين طاهر:
"في ظل هذه التطورات المتلاحقة والسريعة محلياً واقليمياً ودولياً لا زال العراق يواجه تحديات كبيرة وهذه التحديات افقدته الزخم اللازم لبناء قوة ذاتية تمكنه من تجاوز هذه التحديات بنجاح وبناء اطار مستقبلي يؤمن للعراق وجود فاعل في اطار العلاقات الإقليمية والدولية، ولا زال العراق يفتقد لعوامل القوة الستراتيجية التي تمكنه من لعب دور محوري مهم في العلاقات الإقليمية والدولية، فمن ناحية القوة الأكبر المؤثرة في العلاقات الدولية وهي القوة العسكرية ولا زال العراق بفعل تأثيرات إقليمية ودولية عاجز عن بناء قوة عسكرية تمكنه من ردع كل تهديد خارجي وبالتالي طالما ان القوة العسكرية هي القوى الأولى من القوى الاستراتيجية التي تحفظ للبلد هيبته وتمكنه من الدخول بحلبة الصراعات الدولية بقوة ويكون موقفه قوي، بالإضافة للقوة العسكرية هناك القوة الاقتصادية والعراق من الناحية النظرية بلد ثري من ناحية الموارد والخيرات والثروات الطبيعية، لكن طبيعة الصراعات الداخلية وطبيعة المطاعم الإقليمية والدولية بهذه الثروات حرمته من استغلالها بشكل امثل وحرمته من بناء قوة اقتصادية يتمكن من خلالها من الدخول الى حلبة التنافس الاقتصادي والتجاري الدولي بحيث تجعل منه رقماً صعباً في دائرة العلاقات التجارية والاقتصادية.
والعراق من ناحية القوة الاستراتيجية والتموضع الجغرافي لديه الإمكانيات لكن لم يحسن توظيف هذه الإمكانيات بشكل صحيح نتيجة الظروف العسيرة التي يمر بها وغياب حكومة قوية موحدة تحظى بدعم شعبي كبير وبالتالي كل الطرق والوسائل التي تدار بها هذه الثروات وهذه الموارد وعوامل القوة هي طرق متلكئة ومرتبكة وبالنتيجة افقدته الكثير من عوامل القوة، بل حتى في موضوع العلاقات بين السعودية وايران والتقارب الأخير بين البلدين نلاحظ رغم ان العراق لعب دورا في هذه المفاوضات وفي التقريب بين وجهات النظر للبلدين لكن عندما أراد البلدان ان يعلنا عن الاتفاق اختاروا الصين كمقر لاتفاقهم وهذا دليل على انهم لا يولون أهمية للعراق ولا لدوره ولا لمكانته في العلاقات بين دول الإقليم والعلاقات الدولية، وهذا مؤشر على ان العراق لا زال دولة لا تحظى باهتمام ولا تحظى باحترام المجتمع الإقليمي والدولي.
والتحديات التي يواجهها السوداني قد تكون اكبر لان طبيعة التركيبة السكانية في العراق وطبيعة الصراع السياسي بين الأحزاب وبين المكونات حقيقة لا تهيأ له الأرضية المناسبة لبناء منهج استراتيجي ناجح وان كان الرجل قد وضع برنامجاً حكومياً طموح وهادف لكن العقبات المحلية التي يواجهها هذا البرنامج كبيرة جدا، ونلاحظ بين الحين والأخر بروز دعوات ورؤى تطرح من هنا وهناك تحاول الغاء كل منجز تحقق على ارض الواقع خلال هذه الفترة القصيرة خلال حكومة السوداني.
أيضا مشكلة الحكومة في العراق وقت تحديد رئيس وزراء انه في ظل الصراعات المحلية وحتى الإقليمية انه لجأ او اضطر الى اتباع سياسة إرضاء الجميع وهذا بحد ذاته هي مشكلة في السياسة الدولية وإدارة الشؤون المحلية لان سياسة إرضاء الجميع هذه السياسة نوعا ما ستكون ضعيفة وتحرم القائم بها من الكثير من الإنجازات لأنه قد يكون مضطرا بفعل عوامل ذاتية نفسية وسياسية كما ان طموحه الشخصي في البقاء في المنصب يدفعه الى عدم التصادم مع جهات معينة تمتلك القوة والنفوذ في الأرض حتى لا تضعف سلطته هذه الفصائل او تلك الجهات الحزبية الى اخره تسعى الى الإطاحة به وازاحته من الحكم، بالتالي سياسة إرضاء الجميع تنعكس سلبيا على مصلحة العراق ومستقبله لأنه قد يتم التنازل عن جزء من مصالح البلد لإرضاء جهات أخرى.
كتقييم بسيط لهذه الأشهر البسيطة التي حكم بها السوداني العراق استطاع ان نؤشر نجاح ملحوظ للسوداني في التعامل مع التطورات الإقليمية كسب دعم وود عدة دول في المنطقة والعالم، أمريكا في الآونة الأخيرة رفعت كل القيود عن السوداني واتاحوا له التحرك بحرية لكن ليس بدون مقابل ايران كذلك والسعودية وحتى تركيا نوعا ما كل الدول أبدت التعاون مع حكومة السوداني وأعلنت انها ستدعم هذه الحكومة لتحقيق الانسجام والوحدة الوطنية في العراق.
قدرة العراق على تجاوز التحديات التي يواجهها مرهون بتوظيف الإمكانيات والقدرات التي يمتلكها العراق على الصعيد الاقتصادي والبشري وعلى صعيد الموارد الطبيعية والدبلوماسية مثلا ممكن يضع العراق برنامجا يستطيع من خلاله تصفير المشاكل مع دول الجوار من اجل الانطلاق نحو رؤية اقتصادية وسياسية ناجحة لكن ضعف الإمكانيات وعدم استغلال الإمكانيات وتوظيفها بالشكل الصحيح فإنها تواجه تحديات ليس من المتوقع في المستقبل القريب ان يتم تجاوزها بشكل كامل، استمرار الصراع بين اطراف العملية السياسية لا زال ومن الممكن ان ينفجر باي لحظة من اللحظات".
الدكتور علاء الحسيني:
"هناك الكثير من المقومات التي يفتقد اليها العراق كبلد وهناك كثير من التحديات الإقليمية والدولية، ولكن بنفس الوقت لاحظنا نجاح نسبي ممكن البناء عليه وممكن تطويره في المستقبل وممكن ان يتحول الى جانب إيجابي للدولة العراقية وهناك تقارب مع دول الجوار الى حد ما وهناك قبول لحكومة السيد السوداني من دول الجوار والدول العالمية، وهناك بعض الملفات التي أراد القدر لها ان تتحلحل في زمن السوداني منها ملف نفط إقليم كردستان وحكم المحكمة الاتحادية العليا لصالح الدولة العراقية، وتلى ذلك حكم غرفة باريس لمصلحة العراق ضد تركيا والذي قلب الطاولة على الكرد في قضية تصدير النفط خارج الحكومة العراقية، وكذلك قضية الوضع الاقتصادي العالمي الذي بدأ يتعافى لكن التعثر الأخير الذي حصل بسبب الركود والمخاوف من الركود والمشاكل التي حصلت في الصين حدت من حل المشكلة الاقتصادية في دول العالم، لكن في العموم هناك الكثير من الملفات التي ممكن ان نقول ان السوداني نجح فيها.
لازال هناك مخاوف من الحرب الروسية الأوكرانية وما تؤول اليه من افرازات من ملف الطاقة العالمية وملف الامن الدولي وما شاكل ذلك، وفي الأمم المتحدة الاطلاعات التي قامت بلاسخارت لمجلس الامن كانت في الغالب إيجابية بالنسبة للحكومة العراقية وهناك رضا وقبول للأداء بالنسبة للأشهر التي مضت لذلك نجد ان هناك نجاح نسبي لكن المشكلة الأكبر التي يواجهها السوداني هي ضعف بعض وزراء الدولة ولا زال بعضهم متمسك بالميراث القديم الذي يتعلق بخدمة الكتلة او الحزب الذي جاء منه والذي هو ملف المحاصصة الطائفية و الحزبية والفئوية والذي قد يضعف من دور العراق التفاوضي من كل الأصعدة".
المحامي صلاح الجشعمي:
"ان إدارة السوداني هي إدارة الهدوء الإقليمي والمتغيرات الإقليمية والدولية هي التي تلعب دور في الوضع الداخلي للعراق، والعراق خاضع لأمور فرضت عليه ان يكون في مرحلة هدوء ومن هذه الأمور هي التغييرات الاقتصادية والحرب الروسية الأوكرانية ومصادر الطاقة وانخفاض أسعار النفط.
اما المتغير الاخر فهو المتغير الأمني وحتى السيد السوداني ذكر بان الخطر الأمني على العراق هو الوضع في سوريا، والاخذ بنظرية خطوة بخطوة لكي يكسب المزيد من الوقت لكي ينعكس الاستقرار على الوضع لفسح مجال داخل العراق لتصفية الكثير من الأمور إضافة الى هدوء الوضع الأمني داخل العراق نفسه، ونلاحظ انخفاض مؤشر كبير في العمليات التي تحدث على المراكز الامريكية والسفارات الموجودة سواء في شمال العراق او في بغداد وخطوط النقل الممتدة.
العنصر الاخر هو العنصر السياسي وهو التقارب الإقليمي بين السعودية وايران وهذا لعب دورا كبيرا في هدوء المنطقة والعراق واتاح الفرصة للسيد السوداني لكي يدير الهدوء الموجود داخل العراق ولكن هل يمتلك الأدوات السيد السوداني لاستدامة هذا الهدوء واتصور هذا الامر صعب ولكن هل يملك كتلة قوية تسانده، اما المسارات المستقبلية للعراق غير واضحة لان المتغيرات الإقليمية مبهمة حالياً لذلك العراق غير واضح وضعه المستقبلي واتصور انه في خطر وسيدخل العراق في صراع جديد لا يعرف كمه او مستقبله".
الشيخ مرتضى معاش:
"من المشاكل الأساسية التاريخية بالنسبة للعراق هي انه يتموضع في جغرافية قلقة وتجعله منفعلاً وليس فاعلاً رئيسياً، فالكثير من الازمات والصراعات التي مر بها على مر التاريخ هي نتيجة لهذه الجغرافية، فالعراق سهل منبسط يحاط به من جميع الجهات والجوانب دول إقليمية عظمى لها جذور وتاريخ وتطلعات يمكن ان نقول فيها نزعات من الهيمنة الاستعمارية، لذلك دائماً ما كان العراق هو مكان ومحور للنزاعات وهذا أدى الى استيلاد أزمات داخلية جعلت من العراق ضعيفاً في السياسة الخارجية وفي التعامل الدولي مع القوى الخارجية.
ومن عناصر الضعف في السياسة الخارجية العراقية هي غياب الرؤية الاستراتيجية، لذلك كانت السياسية الخارجية يحوطها الانفعال والعشوائية والارتجال في التصرف كما يعبر هذا عن ضعف الجهاز الدبلوماسي، بالإضافة الى ان العراق نتيجة الظروف والأزمات التي يمر بها أدى به الى مزيد من التبعية وضعف الاقتصاد وغياب الاكتفاء الذاتي بالنتيجة دائما ما كان العراق محتاج الى جيرانه في قضايا اقتصادية وسياسية.
وكذلك من نقاط الضعف الانفعال الشعبوي الذي اصبح متحكما بالسياسة الخارجية، وهذا الانفعال هو من اهم امراض الدول في العالم خصوصاً في الدول الهشة والديمقراطيات الناشئة، فالسياسيون يحاولون دائما الاستفادة من الرأي العام الشعبوي من اجل تصدر المشهد السياسي في الصراع على السلطة خصوصا أيام الانتخابات، لذلك كان الانفعال الشعبوي صفة من مميزات التعامل من السياسية الخارجية وليست البرغماتية والمصلحة العليا للبلد، والانجذاب الكتلي للازمات الخارجية يعني ان هذه الكتل السياسية كانت من اجل ترسيخ وضعها الداخلي تحاول ان تستفيد من التموضع الخارجي بالتعكز على الخارج.
من ناحية عناصر القوة التي يمكن ان تستفيد منها حكومة السوداني واستثمارها في عملية بناء السياسة الخارجية الحكيمة والرشيدة التي تنظر الى المصالح العراقية العليا، هو عدم الانجذاب الى مصطلح (العراق أولا) فهذا المصطلح تفكير محلي ضيق يعبر عن ضعف النزعة الواقعية في التعامل مع السياسة الخارجية، ومعناه عزل العراق عن العالم الخارجي، فالحكومة الرشيدة تبحث عن حلفاء ولا تبحث عن انعزال او انغلاق مطلق على الداخل.
ومن عناصر القوة التي يمكن ان تستفيد منها (النفط) كما فعلت السعودية باستفادتها من النفط وأصبحت عاملا مهما في السياسة الدولية وليست فقط في الإقليمية، النفط سلاح اقتصادي فاعل ومؤثر في النظام العالمي ولكن يحتاج الى من يستثمره بطريقة حكيمة.
كذلك السياحة فهي من عوامل القوة الكبيرة في عملية بناء سياسة خارجية مع الدول والحكومات وأيضا الانفتاح على مختلف الشعوب، الشعب العراقي هو شعب قادر على استيعاب الأجنبي، وقد لا نجد تلك القدرة على استيعاب الأجنبي في دول اخرى بينما العراقيون يستوعبون الأجنبي نفسيا وعاطفيا، وهذا يعتبر من عناصر القوة الشعبية التي ممكن ان يستفيد منها السوداني في بناء سياسة خارجية خصوصا مع دول الإقليم والدول التي ترتبط دينيا ومذهبيا وقوميا مع العراق.
العلاقات الاقتصادية المتنوعة من اهم علامات وقوة الدبلوماسية والسياسة الخارجية فلديه طرق مفتوحة على جميع الدول وهذا ما يجعل العراق لديه تحالفات في السياسة الخارجية وهذا يعتبر من عناصر القوة الناعمة الاقتصادية مثل السياحة والنفط، فالقوة الصلبة لا تستطيع ان تبني سياسة خارجية متوازنة بل تبني عداءات وكراهيات وبالنتيجة تؤدي الى التآكل الإقليمي والضعف الداخلي، ومن الممكن الاستفادة من سياسة الحياد الإيجابي وليس الحياد السلبي كما قلنا في (العراق أولا) الذي هو حياد سلبي أي الانغلاق على الداخل او الارتباط بدول قليلة جدا، اما الإيجابي فهو الانفتاح على الجميع وبناء شراكات قائمة على التوازن في المصالح مع كل الأطراف وهذا يراد له حكمة وعقل وقيادة جيدة.
أيضا لابد من رفع كفاءة الجهاز الدبلوماسي بحيث يكون قادرا على فتح قنوات تواصل ومسارات جديدة مع كافة الدول، ولكن البعض يرى عدم كفاءة الجهاز الدبلوماسي بسبب المحاصصة والبيروقراطية غير الكفوءة".
الحقوقي احمد جويد:
"ان حكومة السوداني ولدت من مخاض عسير ومشاكل كثيرة وصراعات كادت ان تعصف بالبلد الى الحرب الاهلية، وهي حكومة محاصصة طوائف وكتل وقوميات وتشكلت على هذا الأساس ولكن المفارقة التي خدمت هذه الحكومة هي الازمات الدولية والتقاربات الإقليمية وفض النزاعات الإقليمية، وان الهدوء الإقليمي والدولي هو الذي انعكس على العراق وان هذه الحكومة ليست كتلة واحدة حتى نقول انها تستطيع التموضع سواء على المستوى الإقليمي او المستوى الدولي من خلال لعب عامل النفط عن طريق ورقة أوبك او عن طريق السياسة الخارجية بتقريب وجهات النظر بين الدول المتخاصمة. واراد ان يلعب هذا الدور الحكومة السابقة بقيادة الكاظمي حيث كان له دور فاعل في تقريب وجهات النظر واصبح عرابا لحل المشاكل. وما نستطيع ان نطلقه على حكومة السوداني هي انها حكومة خدمات اكثر منها حكومة سياسة خارجية او لعب دور خارجي لذلك نرى حركة السوداني في العراق هي حركة على مفاصل الدولة الاقتصادية والخدمية والنقابية ويتحرك بشخصه على هذه القضايا ومتابعتها، والعراق يعاني من أزمات وتحديات داخلية وخارجية من ضمنها تحديات الاقتصاد والحكومة التي استوعبت كم هائل من الخريجين في تعيينهم ولا نعرف كيف سيتم التعامل مع هذا الملف لان هذا الملف يمس الاقتصاد بشكل مباشر بالتالي هذه التحديات الداخلية تنعكس على الوضع الخارجي للعراق، وما خدم العراق هي قضية الحرب الروسية الأوكرانية وما جرى بالأزمة الدولية وكذلك تقارب وجهات النظر بين السعودية وايران فمن الممكن ان الحكومة تعمل على استثمار هذا الوضع بشكل ما".
الباحث محمد علاء الصافي:
"من اهم المشاكل التي يعاني منها العراق خلال عقدين الاخريين ان الحكومات التي تستلم ملف إدارة الدولة لا تكون مكملة للحكومات التي سبقتها لهذا سبب لنا بخصوص العلاقات الداخلية بين الطبقة الأحزاب السياسية وكذلك العلاقات الخارجية لذلك لا نرى رصانة بالعلاقات والعمل الدبلوماسي والاتفاقيات السياسية مع الدول الإقليمية والعالم وليس لها ثبات، لكن الحكومة الحالية مكملة تماما بالنهج والأسلوب لحكومة الكاظمي طبعا على عكس ما يتم تسويقه للشارع والاعلام الشعبوي الذي يمارسه بعض مستشاري السوداني والأحزاب التي شكلت الحكومة بان الكاظمي كان مع الجانب الأمريكي او الجانب الغربي، الحكومة الحالية تواصلها مع الجانب الغربي عشرة اضعاف حكومة الكاظمي لان حكومة الكاظمي لم تكن مع الروس ولا مع الامريكان بل كانت محايدة لكن بمجرد ان استلمها السوداني تم التصويت على ادانة روسيا في قضية أوكرانيا أي اتجهوا تماما للمحور الغربي، كذلك هو قد اعترف بنفسة قبل أيام بخصوص الهجمات على البعثات الدبلوماسية التي توقفت والهجمات على المطارات واصبحنا نرى سفراء الدول الغربية في العراق يتجولون بكل اريحية أي اصبح هناك اتفاق مباشر بين السوداني وبينهم انه لا يستهدفون البعثات الدبلوماسية بما معناه ان الحكومة الحالية هي تماما مع الجانب الأمريكي بجميع الاتفاقيات وهذا يحقق لها الاستقرار السياسي وبنفس الوقت ديمومة واستمرارية وليست مؤقتة بل تكمل دورتها بكل اريحية.
كذلك استفادت الحكومة من انسحاب التيار الصدري تماما من المشهد السياسي أي ليس لدى الحكومة شارع ضدها لا تظاهرات ضد الحكومة ولا احتجاجات بالنتيجة هذه تعطي وضع إيجابي داخلي بنفس الوقت الاتفاقيات الإقليمية كلها تصب في مصلحة الاتفاق بين الإيرانيين والسعوديين ومؤيد له وداعمة للحكومة، فلا أرى أي اختلاف بين الحكومتين وهذا شيء إيجابي.
اما السلبي في الحكومة لحالية هي عودتها بقوة الى الاقتصاد الريعي التام والان نرى سياسة التعيينات التي تتبعها بشكل مفرط تماما ونرى القطاع الخاص لم يحصل على أي دعم إيجابي في هذه الحكومة على الرغم من انه وعد بقانون العمل والتعديلات التي يرفعها للبرلمان لكن للان لا يوجد أي شيء على ارض الواقع بخصوص هذه الناحية.
وكذلك حتى قضية الموازنة تم تقديمها متأخرة وكذلك البرلمان سيعطلها لفترة أطول، لا اعتقد ان السيد السوداني سينجح في موضوع الجانب الاقتصادي ولا يقدر على حل المشاكل الداخلية او الخارجية كذلك قد خف الضغط الذي تم ممارسته على هذه الحكومة من الجانب الأمريكي بخصوص قضية نافذة بيع العملة وقضية الدولار وغيره نرى انه قد تلاشى بسبب التقارب الذي حصل مع الإيرانيين، السوداني بنفسة قد انتقد بيع الدولار واننا لسنا بحاجة الى بيعه واكثر من 30 مليون باليوم نافذة البنك المركزي واذا عبر هذا الرقم فمعناه ان هناك تهريب في حين اننا نرى الان ان النافذة قد تجاوزت 200 مليون و300 مليون وفي بعض الأيام وصلت 500 مليون وكمتوسط أي شهريا المبيعات فوق 220 مليون دولار يوميا للدولار، في حين ناقض كلامه تماما واعتبر الموضوع تهريب باعترافه الشخصي فهذه القضية سيستهلك الاحتياطي الموجود في البنك المركزي من العملة وتقريبا هذه السمة ملازمة لكل أحزاب الاطار انه يستلمون الخزينة ممتلئة ويسلمون الخزينة فارغة وهذه تجاربهم السابقة مع كل الحكومات".
الباحث حامد عبد الحسين الجبوري:
"في عام 2020 دخل الاقتصاد العالمي بركود اقتصادي بحكم جائحة كورونا وفي عام 2021 كان بداية الانتعاش الاقتصادي رافق هذا الازمة الروسية الأوكرانية وهذا أدى الى ارتفاع التضخم مما يؤدي الى زيادة الطلب وارتفاع أسعار الطاقة بحكم الضغط على الروسيين وكل هذا يؤدي الى ارتفاع التضخم مما دفع أمريكا الى مواجهة هذا التضخم من خلال رفع سعر الفائدة، حاليا توجد توجهات عالمية وتوقعات كثيرة حول توجه العالم نحو انكماش اقتصادي والسبب يعود الى ارتفاع سعر الفائدة يعني ارتفاع كلفة الإقراض للمشاريع الاقتصادية والاستثمارية وارتفاعه يعني انخفاض الاقتراض أي انخفاض الطلب على السلع والخدمات بما فيها أسعار النفط وبذلك يتم طرح السؤال هل يتأثر الاقتصاد العراقي مستقبلا؟
بالتأكيد من خلال ارتفاع سعر الفائدة وانخفاض أسعار النفط والطلب عليه سيدخل الاقتصاد العراقي في مشكلة خصوصا بالتزامن مع مسألة التعيينات الأخيرة، هذه ليست ازمة جديدة بل هي ازمة متأصلة في الاقتصاد العراقي نحن دائما نقوم بعلاجات ترقيعية وليست جذرية، النفط بحد ذاته هو دائما صناعة كثيفة رأس المال وليس كثيفة العمل واعتمادنا عليه فقط وبشكل اكبر يعني عدم خلق فرص جديدة وتركيز بطالة اكثر بالتزامن مع انخفاض أسعار النفط اي من جانب زيادة العجز والمديونية ومن جانب اخر زيادة البطالة، وبذلك نستنتج ان مستقبل العراق متشائم جدا والعودة في تفكير الحكومة باتجاه تفعيل القطاعات الاقتصادية وبناء بنية تحتية إضافة الى مناخ استثماري لتفعيل القطاع الخاص من جانب وجلب الاستثمار الخارجي لفتح مشاريع حقيقية واستيعاب البطالة هذا جزء رئيسي لحل المشكلة مستقبلا".
الدكتور خالد العرداوي:
"كل الحكومات العراقية لا تتعامل مع المتغيرات الإقليمية والدولية لأنها بالأصل ليست صانعة حدث والمتغيرات الدولية عندما تكون إيجابية هذا ينعكس على الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي العراقي اما اذا كانت المتغيرات سلبية تعود بنتائج سلبية على الحكومة العراقية أيا كانت بصرف النظر عن انتمائها سواء كانت اطارية او غيرها، أحيانا قد تكون المتغيرات الإقليمية والدولية صعبة لو كانت هناك حكومة صانعة حدث وحكومة لديها مهارة ووحدة قيادة وقرار في إدارة الأمور وستخدم الظروف الصعبة مصالحها بشكل اكبر لانه من الممكن انها تحاول ان يكون لها دور مؤثر في الأطراف المتعددة، نرى قطر على سبيل المثال انها دولة نانوية لكن الاحداث الإقليمية والدولية غير المستقرة أعطت لقطر دور دولي واقليمي اكبر من حجمها وبالعكس لو كان الوضع مستقر ستبقى قطر بوضعها الطبيعي لان الحكومة لها دور كبير والقيادة حاولت ان تفعل دورها بصرف النظر عن حجمها ومقومات قوتها، للأسف العراق اذا كانت المتغيرات جيدة تخدمه اما اذا كانت سيئة فضررها سيكون كبير على العراق، لان التحديات هنا فيها جانب داخلي وجانب خارجي للان الوضع العراقي في ظل المتغيرات الإقليمية المستقبلية هو غامض لأننا للان لا نعرف العالم الى اين ذاهب هل الى مزيد من الصراع ام الى مزيد من الاستقرار طالما ان هنالك قوة دولية طامحة الى تغيير النظام الدولي بالكامل وتعيد هيكلته فهذا معناه ان العالم ذاهب الى مزيد من الصراع بشكل او بآخر وهذا الصراع نحن لا نكون به صانعين الحدث وهذا يعتمد على تفكير القوى الدولية في حسم الصراع في ما بينهم.
لاحظنا في الحرب العالمية الأولى كيف ان القوى الدولية التي حاولت تغيير النظام الدولي قد تقاسمت الدولة العثمانية واتت بسايكس بيكو والكيان الصهيوني وما شابه ذلك، لو كانت الدولة العثمانية من ضمن الحلفاء وليست من ضمن دول المحور لربما الأمور ذهبت باتجاه آخر ولأنها اختارت الطرف الخاطئ في الحرب ووقفت الى جانبه أتت النتائج سلبية على المنطقة بالكامل كذلك الحال بالنسبة للمتغيرات الإقليمية والدولية الحالية تعتمد على طبيعة الصراع الدولي.
ربما الحدث الأكبر الذي يؤثر على الوضع العراقي هو قضية الاقتصاد العالمي واليوم وعود السوداني واستقرار الحكومة ومخططاتها وسكوت الناس معتمد على سعر برميل النفط اذا كان السعر مرتفع فسيسكت الموظفون وغيرهم عن رواتبهم طالما ليس هنالك تنكيل واعتقالات وطالما الناس تذهب للأسواق والبضاعات جيدة وتتسوق فإنها ستسكت لانه برميل النفط يساعدها لكن متى ما انهار سعر برميل النفط فسنشهد حالة الصدمة الكبيرة صدمة سياسية واجتماعية واقتصادية متعددة المستويات واليوم الحكومة لا تتنبأ بالمستقبل ولا تأخذ صورة المستقبل نحو الاسوء، يجب علينا الاخذ بصورة السيناريو الاسوء والأفضل للتخطيط الاقتصادي ويكون عمل الحكومة وفقهما لكن ما يحصل هو ان الحكومة تعمل على سيناريو واحد على انه المستقبل هو الأفضل وهذا غير صحيح لربما السيناريو الاسوء هو من يتحقق في المستقبل وهذا خطر كبير.
انا اعتقد ان التحديات التي ستواجه هذه الحكومة في المستقبل القريب هما تحديان الأول هو صعود نجم السوداني وهو يراد له النجاح كمرشح للاطار ولكن عندما يكون منافس للاطار سوف يتم وضع العقبات امامة وكل قيادة سياسية وكل رئيس وزراء اتى للسلطة من بعد 2003 كان يريد ان يصنع لنفسة كاريزما وبالنتيجة انقلاب حلفاءه عليه ونرى على سبيل المثال (اياد علاوي) اتى واصبح رئيس وزراء وذا كاريزما واصبح لديه تأثير بالشارع بالنتيجة حدث انقلاب عليه حتى قضائي (المالكي) أيضا صار عليه انقلاب وأيضا (حيدر العبادي) على الرغم من انه رجل كان ناجح لكنه اصبح لديه كاريزما بالشارع فلم يرغبوا باستمراره في الحكم فخلقوا له المشاكل واحتجاجات 2015، السوداني لدية طموح لانه لدية كتلة ومشروع سياسي لكن ان خرج هذا المشروع عن الاطار سيخلق له مشاكل كبيرة في المستقبل القريب، التحدي الاخر هو تحدي التيار الصدري لانه تيار غير ساكت وانما تيار متربص ينتظر اللحظة المناسبة حتى ينقض على العملية السياسية بالكامل وهذا الامر سيأثر تأثير كبير على حكومة السوداني في المستقبل القريب".
وفي ختام الملتقى تقدم مدير الجلسة الاستاذ حيدر الاجودي بالشكر الجزيل والامتنان إلى جميع من شارك برأيه حول الموضوع سواء بالحضور او من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.