تزداد في عالم اليوم الرقمي التهديدات السيبرانية، في وقت تشاع فيه الرقمنة والاعتماد على الانترنت، مما أصبحت الحاجة إلى الأمن السيبراني أمرا بالغ الأهمية لحماية البيانات الحساسة لارتباطنا وعملنا في شبكة عالمية، لذلك حكومات ومؤسسات تتبنى استراتيجيات للأمن السيبراني لحماية نفسها ومواطنيها ومنشآتها، فالأضرار الناجمة عن هجوم سيبراني قد لا تختلف كثيرا عن أضرار هجوم عسكري.
فالأمن السيبراني يعد من أكثر المسائل أهمية في العصر الحديث، حيث يشكل التحدي الذي يواجهه عالم الاتصالات الحديثة وتكنولوجيا المعلومات، ويهدف إلى حماية الأنظمة الإلكترونية والبيانات المتصلة بها من التهديدات والهجمات الإلكترونية، كما انه يقوم على عدة مكونات أساسية مثل الحماية من الاختراق والكشف عن الاختراقات والاستجابة السريعة للهجمات والتوعية والتدريب للمستخدمين على سلوكيات آمنة في الإنترنت.
سيناريوهات الهجمات السيبرانية
قبل الخوض في سيناريوهات الهجمات السيبرانية، علينا تعريف الجهات التي تشكل التهديدات السيبرانية، عندنا الدول بأفرع عسكرية واستخباراتية توجه عمليات سيبرانية وفق المصالح والاستراتيجية. هناك مجرمو الإنترنت (هاكرز), جهات غير حكومية سواء كانوا أفرادا أو جماعات تقوم بعمليات إلكترونية بدافع الربح، هناك الهاكرز الناشطون وجهات غير حكومية ذات دوافع سياسية وقد يكونوا متعاطفين مع الدولة أو مع حراك معين.
الجماعات الارهابية أيضا لها نشاطات سيبرانية تعمل بدوافع إيديولوجية تنشر الحملات وتقوم بهجمات إلكترونية إلى جانب أنشطتها الأخرى، وهناك مرتزقة سيبرانيون، عملاء يتم التعاقد معهم من قبل الدولة أو جهة ما لتنفيذ عمليات اختراق.
جميع الأعمال التخريبية مثل التجسس ومهاجمة البنية التحتية وسرقة المعلومات كلها أصبحت ممكنة عبر هجمات سيبرانية مثلاً يمكن لهاكرز أو جيش سيبراني اختراق شبكة التحكم بهذا السد وتعطيل الآليات المتحكمة بتدفق المياه عبر التوربينات وتدمير المولدات، لكن السيناريو الأسوء إذا كانت بوابات الفيضانات مرتبطة في شبكة تحكم رقمية فيمكن لهجوم سيبراني فتحها وإغراق المناطق المجاورة للسد، ولو كنا في ميناء يستطيع هجوم سيبراني تعطيل كافة عملياته مثلما حصل في ميناء شاهد رجائي الإيراني في 2020 اختراق لشبكة التحكم في الميناء عطلت نظام تنظيم حركة السفن والحاويات، وسبب الهجوم فوضى عارمة ادت الى اكتظاظ الممرات المائية المؤدية للميناء واضطرت السفن للانتظار أياما لتفريغ حمولتها فضلاً عن طوابير شاحنات خارج الميناء امتدت الى كيلومترات.
حتى الأقمار الإصطناعية عرضة للهجمات السيبرانية فقبل بدء الحرب الروسية الأوكرانية بساعات حصل اختراق لسلسلة من الأقمار الإصطناعية تتهم روسيا بتنفيذها أدى إلى تعطيل اتصالات عسكرية أوكرانية بالإضافة إلى انقطاع الانترنت في عدة مناطق أوروبية، وحسب المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية يمكن استخدام العمليات السيبرانية لتعطيل مراكز قيادة عسكرية وأنظمة أسلحة ودفاعات وسرقة بيانات أمنية.
أما الهاكرز الذين يعملون بهدف الربح يستخدمون برمجيات خبيثة وبرامج فدية لاختراق شبكات ومنشآت ومؤسسات حكومية وشركات ثم التهديد بتسريب معلوماتها أو تعطيل شبكاتها والمطالبة بفدية لوقف الهجوم، مثل اختراق أنظمة التحكم المرورية في مدينة ما وتعطيل نظام إشارات المرور أو اختراق شبكة الكهرباء في مدينة وقطعها حتى دفع فدية، سيناريوهات كهذه قد تؤدي إلى توقف حركة مدينة بشكل تام، وأبرز اختراقات الفدية كانت ضد حكومة كوستريكا وشركة كولونيال بايبلاين للطاقة وميرسك للشحن وخدمة الصحة الوطنية البريطانية.
الامن السيبراني درع الدولة
يعد الأمن السيبراني من مسؤولية الدول مثلما تحمي الجيوش سيادة الدول وحدودها صارت تحمي فضائها الرقمي وحسب مؤشر الأمن السيبراني للإتحاد الدولي للاتصالات التابع للأمم المتحدة تتصدر القائمة الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية وإستونيا وكوريا الجنوبية وسنغافورة واسبانيا وروسيا والإمارات كالدول الأكثر جاهزية وقدرة في مجال الأمن السيبراني من ناحية قانونية وتقنية وتنظيمية وتعاونية.
وقد تؤدي الهجمات السيبرانية والاختراقات الى خسائر مادية هائلة، وترجح cyber security ventures وصول خسارة الاقتصاد العالمي الى 10,5 ترليون دولار بسبب الهجمات السيبرانية بحلول 2025، وحسب مؤسسة Astra للأمن السيبراني هناك اختراق سيبراني كل 39 ثانية.
التهديدات السيبرانية ليست موجهة فقط نحو اللاعبين الكبار بحسب Terranova security 60% من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تتعرض إلى هجوم سيبراني تضطر إلى الإغلاق خلال 6 أشهر من الهجوم، وهناك رغبة وتوجه من جهات عدة عرضة للخطر في تأمين شبكاتها الإلكترونية مما أدى إلى سوق منتجات أمن سيبراني نشط ومهم يقدر حجمه بنحو 183 مليار دولار بحلول نهاية 2024 حسب Mordor intelligent ومن المتوقع أن تصل قيمته إلى 314 مليار دولار بحلول 2029.
ان الأمن السيبراني ذات أهمية بالغة في عالم تكنولوجيا المعلومات الحالي، فقد تطورت أساليب الهجمات السيبرانية بشكل كبير، مما يشكل تهديدا جديا على الأفراد والشركات والمؤسسات، ومن خلال تحقيق الأمن السيبراني، يتم حماية البيانات والشبكات والأنظمة من الاختراق والاستغلال غير القانوني، وتعتبر اتخاذ سياسات أمنية قوية وتوظيف التكنولوجيا المتقدمة مثل تحليل الضوابط وانترنت الأشياء والتعرف على السياق واسعة النطاق، ضرورةً ملحّة لمكافحة التهديدات السيبرانية، كما تعزز الوعي والتدريب في مجال الأمان السيبراني قدرة الأفراد والمؤسسات على التعامل مع التحديات الأمنية الرقمية بفعالية.
