ناقش مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية وضمن نشاطاته الفكرية الشهرية موضوعا حمل عنوان (تأثير الصراعات السياسية على العلاقات الاجتماعية) بمشاركة عدد من مدراء مراكز دراسات بحثية، وشخصيات حقوقية وأكاديمية وإعلامية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يعقد بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.
قدم الورقة النقاشية وأدار الجلسة الحوارية الاستاذ حيدر الاجودي باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، وابتدأ حديثه قائلا:
"يشهد العالم اليوم الكثير من المتغيرات الاجتماعية في المناطق التي تشهد النزاعات او الصراعات، والتي احيانا او غالبا تكون بسبب التعددية والتنوع التي جاءت نتيجة السياسات الخاطئة او الفاشلة التي تتبعها الحكومات في تعاملها مع التنوع والتعددية. وأضحت تلك السياسات سببا في حدوث النزاعات وتغيير البنى التحتية الاجتماعية للكثير من البلدان ودول الربيع العربي على السواء ومنها بالخصوص العراق.
فالمقصود بالصراع السياسي هو حالة من التنافس الخاص بين الافراد على الحكـم أو السـلطة أو الحصـول على الميزات الخاصة، حيث يكون أطرافه على علم بوجود الاختلافات في المواقف المستقبلية المحتملة ويضطر أحد الأطراف إلى تبني واتخاذ مواقف لا تتوافق مع مصالح الطرف الآخر، نظرا لاختلاف الأفكار السياسية، ويتأثر حجم الصراع بحجم أهدافه؛ فكلما كان الهدف كبيرا كان الصراع أكبر، كما تتحكم الإمكانيات والموارد المتاحة للأطراف في مدة الصراع واتجاهه، فهناك مجتمعات تكون قادرة على الصمود في الصراع بينما بعضها يتفكك وينهار أمام أول مواجهة. ولا يمكن الفصل بين أنواع الصراعات المختلفة، فالصراعات الاقتصادية تقـود إلى وجود نوع من الصراعات السياسية، كما أن وجود الصراعات السياسية يقود إلى وجود الصراعات الثقافية وهكذا، لذلك فالمجتمع وحدة متكاملة، وما يؤثر في أحد موازين القوى فيه يؤثر في القوى الأخرى.
وعلى هذا الاساس تشهد المجتمعات التي تخرج من النزاعات وتصبح في مراحل انتقالية طويلة كما هو الحال في العراق، تشهد الكثير من التأرجح وظهور اتجاهات فكرية وسياسية لا تراعي الوضع الذي عليه، فتظهر رؤى مختلفة، ويبتعد الفرد عن المؤسسات العلمية والفكرية، وتكون هناك اتجاهات فكرية مناهضة لتوجه المؤسسات، وتفعل وسائل الاعلام تأثيرها بالشكل السلبي لأنها تستخدم هذه الرؤى والافكار والتوجهات باعتبارها توجهات الاكثرية.
وقد تختلف النتائج المرتبطة بالصراعات السياسية؛ وقد يكون بعضها إيجابياً مثل عدم احتكار السلطة بيد فئة فاسدة، فوجود الاختلافات في الأفكار السياسية يقود إلى عدم القبول بالسيادة للأشخاص غير المناسبين في المناصب، كما أنه يحفز ابناء المجتمع على البحث دائماً عن الحقيقة التي تلبي احتياجاتهم السياسية وتشحذ قدراتهم على القيادة، وقد تقود هذه الصراعات السياسية إلى انتشار العنف، والفساد، والفوضى، والحروب والنزاعات خاصة إذا كانت مصحوبة باستخدام السلاح، مما يفقد المنطقة الأمان والسلام، وهذا يؤدي إلى تدميرها اقتصادياً واجتماعياً، كما أن امتلاك أحد الأطراف للإمكانات أو دعمه من قبل جهات مختلفة يؤدي إلى حسم الصراع لصالحه على الرغم من فساده أو عدم صلاحية أفكاره وسلوكياته، وأثبتت الأيام هذه النتائج. عند التوصل لاتفاق بين القوى السياسية المتعاكسة فإنّ ذلك قد يقود إلى نوع من الهدوء السياسي في المجتمع على الرغم من أنّ هذا الاتفاق يبنى على بعض التنازلات بين الأطراف المتنازعة المتخاصمة.
كما ان استخدام العنف والقوة في فض النزاعات عبر التاريخ ادى إلى سقوط الحضارات والويلات والدمار، ولم يكن في يوم من الايام وسيلة لنشر السعادة بين الانسان واخيه الانسان. وقد ادرك أصحاب الرسالات خطورة استخدام العنف في عدم ايصال رسائلهم وانعكاساتها السلبية، وفي المقابل وجدوا أهمية ثقافة اللاعنف وتقبل الآخرين لرسالاتهم. وقد عانوا ما عانوا من اعدائهم شتى أنواع التعذيب والشتم حتى وصل الامر بهم إلى ترك موطنهم وبلدانهم. ولو رجعنا إلى النصوص الموجودة في الاديان السماوية نجد الكم الهائل من الآيات والادلة تحث أتباعها والمؤمنين على نبذ العنف وقبول الآخر، يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم لنبيه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
ومن الاسباب التي تؤدي الى نشوب الصراعات اما ان يكون سببها تعارض حقيقي أو متخيل للاحتياجات والقيم والمصالح، ويمكن أن تكون الصراعات داخلية (في الشخص نفسه) أو خارجية (بين اثنين أو أكثر من 9 الافراد). وتساعد الصراعات كمفهوم على تفسير الكثير من جوانب الحياة الاجتماعية، مثل الاختلاف الاجتماعي وتعارض المصالح والحروب بين الأفراد والجماعات أو المنظمات. ومن الناحية السياسية يمكن أن تشير الصراعات إلى الحروب أو الثورات، وهذه تنطوي على استعمال القوة كما هو الحال في الصراع المسلح، والصراع في البيئة الإجتماعية تمكن تأثير التوترات عند عدم وجود الحل السليم لها أو ترتيب للتعامل معها.
ومن الاسباب الاخرى الشائعة لظهور الصراعات تتمثل بما يلي:
- اسباب تتعلق بالمشاعر أو الآراء أو الأفكار المتعلقة باحترام الذات والكبرياء وهوية الشخص، وكذلك الفرق في العادات والمشاعر التي تمكن الاستياء والغضب بداية الى وقوع الصراع.
- اختلاف الخلفيات الثقافية حيث يتشكل كل شخص داخل الأسرة والمجتمع ثقافيا وعلميا بشكل غير متساوي بعضهم لبعض، ولكل قبيلة او فرقة ثقافةٌ مختلفة، إذ لم تكن هذه كلها موحدة مما يؤدي الى اندلاع الصراع.
- الاختلافات في المصالح، فلكل فرقة مصلحة مختلفة مع الأفراد أو المجموعات الأخرى، كلهم يتوقف على احتياجات حياتهم، هذه الاختلاف متعلقة بالمصالح الاقتصادية والسياسية، والاجتماعية، والثقافية.
- عدم التطابق بين توقعات الأفراد أو الجماعات مع الواقع الاجتماعي التي تنشأ نتيجة للتغيير الاجتماعي.
- سوء الفهم أو يساء فهم المخاطب بسبب فشل اسلوب المتحدث في ايصال رأيه.
- منافسة كل شيء محدود مثل عنوان العمل والوظيفة.
- اختلاف من هم برأس السلطة والمسؤولية لتنعكس على اختلاف افراد المجتمع.
- تفسير مختلف لشيء واحد، ونفس الحدث.
- افتقار التعاون.
- ربما يراد من الصراع هو الإساءة لشخصية معينة.
مما تقدم يتضح ان العمل على قضايا التماسك الاجتماعي بات الان من الضروريات الملحة في مجتمعاتنا بسبب التعددية والتنوع في بعض المناطق الذي فجأة اصبحت مجتمعات ذات ملامح جديدة فيها الكثير من الاشياء والمظاهر الجديدة التي تتطلب اسس عمل جديدة مما يتطلب العمل عليها وفق اسس مهنية.
وللاستزادة من الآراء والمداخلات حول الموضوع نطرح السؤالين الآتيين:
السؤال الأول/ كيف تؤثر الصراعات السياسية في تعميق وتوسيع الانشطارات الاجتماعية؟.
السؤال الثاني/ كيف يمكن إدارة الصراعات السياسية بما يؤدي إلى تحقيق التوافق والتعايش الاجتماعي؟.
المداخلات
الدكتور حميد مسلم الطرفي/ باحث سياسي:
"الصراع السياسي راكز في النفس البشرية منذ خلق الله آدم وحواء فحب الجاه والسلطة مغروزة في تلك النفس فكانت الخطيئة الكبرى الأولى أن قتل قابيل أخاه هابيل حسداً وتنافساً، الصراع والتعاون مظهرين متلازمين من مظاهر العلاقات الدولية والمنافسات الحزبية، فالصراع السياسي على قسمين إما داخلي وإما خارجي، ونتائجه على مستوى الدول عداء الشعوب لبعضها البعض حسب درجات الصراع وأثره على المجتمعات الداخلية هو الآخر انقسام وعداء حسب شدة الصراع، إذا كان هناك من آثار سلبية للديمقراطية الحديثة هو الانقسام المجتمعي لأن الديمقراطية تعني التعددية الحزبية، ولأن جوهر الديمقراطية يتمثل بالانتخابات، ولا انتخابات حقيقية بدون حرية التعبير واستخدام الدعاية، ولأن التنافس الانتخابي بجوهره صراع سياسي للوصول الى السلطة، ولأن الأساس في اقناع الناخب هو تغيير قناعاته، وأفضل وسيلة لتغيير قناعاته هي مخاطبة غرائزه، مذهبه، دينه، عرقه، لونه، قوميته، فئته، طبقته، وتحت كل ذلك تكمن الفتن.
هناك جدل قائم بين تيارين في كل المجتمعات الديمقراطية الحديثة، احدهما يدعي أن إظهار هذه النوازع عبر مخاطبتها وتنظيمها سياسياً هو الحل الأمثل فبقاء هذه النوازع تحت السطح سيظهر على السطح على شكل براكين تهدد الأمن والسلم المجتمعي تماماً كالدُمّل الذي ينبغي شرطه وتشريحه لإخراج القيح منه والا فانه سيقضي على كامل الجسد، في حين يرى تيار آخر أن الفتن نائمة، وكلما تجنبنا ايقاظها كلما كان ذلك أفضل، ولهذا يجب عدم الحديث عن كل ما من شأنه أن يثير الكراهية بين الشعب ويعمق انقساماته.
الغرب اليوم يعاني من آثار الصراع السياسي بين اليمين واليسار في قضايا السود والبيض في امريكا، والمواطنين الاصليين والمهاجرين في معظم دول اوروبا، وفي قضية المسلمين والمسيحيين في فرنسا، ولا تحتاج هذه الانقسامات الا القليل لكي تتحول الى حروب أهلية تعصف بالدولة والمجتمع.
عندنا في العراق تأسست الدولة عام 1921 والصراع السياسي بين المكونين الشيعي والسني منذ ايام الدولة العثمانية قائم أمام انظار المؤسسين من البريطانيين فعمدوا إلى تكوين الأقلية السنية هي الحاكمة لكنها لم تعلن ذلك بشكل فج وصريح، واستمر الحال في الجمهوريات المتعاقبة حتى سقوط النظام الديكتاتوري على ايدي قوات الاحتلال الامريكي، فما كان لتلك الصراعات الخفية الا أن تتفجر بشكل علني وسافر وتبنت الحركات التكفيرية عبر حاضنتها السنية الاعلان عن صراع طائفي مرير أدى الى مصرع عشرات الألوف من العراقيين ومن مختلف الطوائف.
التفريق بين التنافس الانتخابي السياسي تحت سقف الدستور، وبين الصراع السياسي السلبي، الذي يستثمر في الفتن والفرقة لا يحتاج الى كثير من المعاناة (من وجهة نظري القاصر)، فالخط الفاصل بينهما هو المواطنة التي تعني أن الاعتزاز بالهوية الفرعية (الدين أو المذهب أو القومية) يتوقف حين يشكل ذلك الاعتزاز ضرراً بالهوية الوطنية، فكل ما من شأنه أن يضعف الوطن والدولة كوحدة سياسية منتجة لشعبها وقادرة على التفاعل في المجتمع الدولي يجب أن يتوقف.
أربعة عوامل أساسية تساهم في تقليل الآثار السلبية للصراعات السياسية في ظل حكم ديمقراطي وهي: حياد الدولة اتجاه الأديان والمذاهب والقوميات، اللامركزية الادارية، الانتخابات المحلية، والعدالة في توزيع ثروات البلاد".
الباحث حسن كاظم السباعي:
"إن كان للصراعات السياسية أثرا سياسيا على المناسبات أو العلاقات الاجتماعية فإن أثرها يمتد ليترك أثره في جميع الأصعدة ومنها الاقتصاد والفن والثقافة والعلم والدين والمذهب، وذلك سواء على مستوى الدول أو على مستوى الأحزاب أو الأفراد، ولكن إن مورست السياسة في موقعها الخاص فإنَّ الاختلاف أو حتى الصراع لا يفسد للود قضية.
مثال ذلك: انه رغم ما يحصل بين الدول من تقلبات سياسية إلا ان ذلك نادرا ما يؤثر مثلا على شركات الطيران من أن تقلع أو تهبط في عواصم الدول ذات الاختلاف والصراع ويمكن تعميم ذلك في العلاقات الاجتماعية والتعايش بين الأفراد، فإن حصرت السياسة في إطار السياسة ستبقى سائر الأمور سليمة، وإضافة إلى ذلك فإن للخائضين في السياسة دورهم في كيفية إدارة الصراع وذلك لثقتهم بأنفسهم مما يؤدي بهم أن لا يعبِّؤوا جميع الطاقات في سبيل نيل مبتغاهم السياسي فيخلطوا الحابل بالنابل. ومثال ذلك: يتركون الاستعانة بمقولات غير مهنية لئلا تستولي غيوم السياسة السوداء على جميع مناسبات المجتمع الذي بدوره يدل على ضعف السياسي وعدم حنكته حينما يستعين بمجالات غير سياسية -دينية مثلا- كوسيلة للوصول إلى مبتغاه السياسي أو السلطوي".
الاستاذ حامد الجبوري/ باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية:
"ان قضية المؤسسات لها دور في زيادة الانشطارات السياسية وخاصة في البلدان الريعية التي تعتمد على الموارد النفطية مثل العراق، وان استقرار المؤسسات في أي دولة يؤدي الى عدم احتكار الثروة النفطية وتوزيعها بشكل عادل بما يخدم الاقتصاد الوطني والشعب باعتبار الثروة ملك للجميع، وكذلك ان المؤسسات تلعب دور كبير في عدم انتقال الصراع السياسي الى الواقع الاجتماعي وبالاحرى نوع من صراع ضمن قواعد اللعبة، ويجب ان تكون المؤسسات المستقلة مثل القضاء محصور دورها في تنظيم الأمور الفضائية والابتعاد عن الاشتراك بانتقال الصراع من الجانب السياسي الى الجانب الاجتماعي".
الاستاذ محمد الصافي/ باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:
"ان الصراعات الموجودة في الساحة العراقية لا يمكن ان نطلق عليها صراع سياسي بالدرجة الأولى فهي صراعات حزبية وصراعات بين جماعات وليست صراعات سياسية، فإن كل دول العالم التجارب السياسية والصراع السياسي فيها يتم بين أحزاب حاكمة وأخرى معارضة، اما بالعراق فليس لدينا هذا النمط من الحكم وليس هناك لون واضح للأحزاب السياسية في العراق، وان العلاقة التي تجمعهم هي علاقة زبائنية بين الأحزاب والجمهور من علاقات وعقود وغيرها من الأمور، ونحن نفتقد لوجود المؤسسة في العراق وان المؤسسة السياسية هي حزب والأحزاب العراقية لا تطبق النظام المؤسسي الصحيح الذي يتضمن وجود نظام داخلي حتى يتم محاسبة احد افرادها اذا ما تورط بقضية فساد او غيرها من الأمور، فبالنتيجة الصراعات السياسية في العراق وتأثيرها على العلاقات الاجتماعية لا يمكن ان نصنفها ضمن هذه المصطلحات في العراق والعلاقات الاجتماعية أصبحت المصلحة هي الحاكم فيها، والفساد الموجود بطبقة الأحزاب تم نقله الى طبقة الجماهير حتى يتورط اكبر عدد ممكن من الناس بهذه العملية حتى يكون النقد والثورة على هذا المنهج الفاضح صعب، وان إدارة الصراعات السياسية تتم بصورة جيدة من قبل الأحزاب والدليل ان الأمور لم تصل الى الاقتتال الى الان لان نسبة كبيرة من الناس مستفيدة من هذا الصراع".
الدكتور قحطان حسين/ باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
"الصراعات السياسية وان كانت موجودة في كل المجتمعات لكنها تختلف من مجتمع الى اخر، وتتصاعد حدة هذا الصراعات بالمجتمعات التي تؤمن بالثقافات التقليدية والمبنية على أفكار يغيب عنها الوعي والتقدم الفكري، وعندما تكون مجتمعات تسودها ثقافات معينة لا تؤمن بالاندماج ولا الهوية الوطنية الموحدة، وهناك صراعات متعددة هناك صراعات دينية وصراعات اجتماعية وقومية وكذلك ثقافية، ولكن تأتي الصراعات السياسية في المقدمة لأنها الأخطر لان هذه الصراعات تنصب على السلطة والاستحواذ على السلطة، وبالتالي التجارب والسوابق التاريخية في هذه المجتمعات التي يغيب عنها الوعي تشكل هاجس لدى هذه الأطراف الاجتماعية، وكذلك تسهم الصراعات السياسية في الانقسامات الاجتماعية للأسباب الاتية:
اولاً: قلة الوعي وعندما يكون لدينا مجتمع فيه افراد يعانون من قلة الوعي ومن قلة الخبرة التاريخية والمعرفية المتراكمة في إدارة هذه الصراعات السياسية ويتصورون ان الصراع السياسي يجب ان يدار بطريقة الحرب وبطريقة العمل على اقصاء الاخر وتحقيق الغلبة على الاخر دون ان يفكروا بطريقة العقل والمصلحة التي تؤمن بالحوار كآلية لإدارة الصراع وبالتالي تجنب كل الأطراف مأساة حقيقة تتمثل في إمكانية تصاعد هذا الصراع الى حرب أهلية مدمرة.
ثانياً: دور القيادات والنخب سواء كانت سياسية او دينية والتي تتصور بقائها او ووجودها ونفوذها الاجتماعي مرهون بوجود الصراعات والانقسامات الاجتماعية لذلك تسعى هذه القيادات الى توسيع الخلافات الاجتماعية وبالتالي خلق نوع من الشعور لدى افراد هذا المكون او ذاك الطرف ان الصراع قائم دائما ولابد من الاستعداد لمواجهة الطرف الآخر.
ثالثاً: وجود عوامل وسوابق وتجارب تاريخية وهذه التجارب تضمنت وجود صراعات بين مكونات اجتماعية كانت النتائج سيطرة طرف على طرف اخر وكانت النتيجة اقصاء وتدمير وتهجير وهذا ما خلق نوع من عدم الثقة بين المكونات الاجتماعية داخل الدولة الواحدة وبالتالي هم يؤمنون بحقيقة ان الصراع هو قائم ولا ينتهي ويجب ان نستعد له لمواجهة أي طارئ في المستقبل.
وان الصراعات السياسية في المجتمعات غير الواعية تدار بطريقة العاطفة وليس بطريقة العقل واذا ما ادار الأمور بالعقل سوف يصل الى حلول واقعية هادئة سليمة تؤدي الى السيطرة وإدارة الصراع ضمن الحلول المتاحة وتجنيب المجتمع صراعات مدمرة وتعليم الأجيال حب الاخر واحترامه والتأكيد على مسألة مهما كان الاخر فهو يشترك معك في الإنسانية والوطن".
الاستاذ احمد جويد/ مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:
"لا يمكن القول ان الصراع المؤثر على الصراعات الاجتماعية هو صراع سياسي بل يجب تسميته بالصراع المصلحي، ويبدأ هذا الصراع المصلحي بين الأحزاب الحاكمة او الأحزاب التي تطمح بالوصول الى سدة الحكم بين بعضها وبعض، ويأتي بعد ذلك تدريجيا حكم المصالح الى ان يؤدي الى تخندق بصبغة سياسية وان خطورته تكمن اذا ما تغلف بغلاف ديني او صبغة طائفية مما يؤدي الى صراع كبير، ولو كان الصراع يتضمن أفكار سياسية واضحة وفكر رأسمالي مغلف بغلاف اقتصادي لا يمكن ان يكون هناك صراع، بل يكون الصراع بين نطاق المفكرين وليس بنطاق العلاقات الاجتماعية بالتالي لا يكون التخندق وراءه خطر وكبير، والخطر الاخر هو غياب العدالة في الدولة وغياب مؤسسات الدولة بحيث يشعر الافراد او المجتمع بعدم الحماية مما يدفعهم الى التخندق خلف هويات ضيقة فكلما شعر الفرد بعدم حمايته من قبل مؤسسات الدولة يحاول اللجوء الى المؤسسات السياسية حتى يحمي نفسه وهنا تكمن خطورة الموقف".
الشيخ مرتضى معاش:
"خلال مراحل حياتنا وقراءتنا دائما ما تطل علينا عبارة (الناس على دين ملوكهم)، وكذلك عبارة (كيفما تكونوا يولى عليكم) وكلاهما عبارتين متضادتين، فكيف تتحقق المعادلة وهل السبب هو المجتمع ام السبب هو الحاكم؟ القرآن الكريم يجيب عن هذه المعادلة المتضادة بقوله تعالى "فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ" أي انه المجتمع الذي يقبل بالحكم الاستبدادي ويركن الى الظالم وينشغل بملذاته الخاصة ومنافعه الشخصية، غالباً ما ينحرف أخلاقيا ويخرج عن طريق الحق ويلتحف بالباطل والخوف والنفاق والكذب والانتهازية والعنف.
فالمعادلة هي من جانبين، جانب الصراعات السياسية في النظام السياسي الذي يؤدي الى انشطارات سياسية وذلك لعدة أسباب منها:
اولاً: السلطوية هي دائما تؤدي الى توتر العلاقات الاجتماعية بالنتيجة الى صعود هيمنة واستبداد الاقطاع.
ثانياً: التفكك الاجتماعي لان مع وجود الحاكم المستبد دائما يرغب بتفكيك المجتمع وانقسامه وعدم توحيده ليسهل الهيمنة عليه، بالإضافة الى ظهور سوء الإدارة واستفحال الفساد وسوء الاقتصاد وهذا يؤدي الى انشطارات اجتماعية وانشقاقات اجتماعية.
ثالثا: الايديولوجية والنظام الايديولوجي الذي يستخدمه الحاكم للهيمنة دائما يحاول ان يشطر المجتمع او يقوم بإلباس المجتمع لباسا ايديولوجيا معينا مقولبا حتى يكون تابعا له بشكل مطلق، عبر عملية غسيل ثقافي وتمييع أخلاقي، مثل الأنظمة الشمولية والشيوعية والاشتراكية والنازية سابقا، والان بعض الايديولوجيات الموجودة التي تعتمد اللبرلة والعلمنة وحتى الاسلمة لتشكيل المجتمعات في هوية قسرية واحدة.
رابعاً: والصراعات السياسية التي تنشأ في مجتمعات متنوعة تؤدي الى اختلال التعددية وخلق انشطارات اجتماعية، وحينئذ تصل الصراعات الى مرحلة صفرية وانشطار المجتمع الى توجهات متحاربة، بمعنى غياب التعقل المصلحي الذي يحمي الوجود المشترك للجميع للحفاظ على هذه السفينة التي يبحر بها مختلف التوجهات. فالعقل المصحلي ينظر الى المصلحة العامة التي تحقق الأمن والاستقرار للشركاء مع غض النظر عن القيم والمبادئ والأخلاق التي يمكن ان تحقق ابعاد أعمق وأوثق في بناء الشراكات الاجتماعية.
ومن جانب الأسباب الاجتماعية التي تؤدي الى تصدع النظام السياسي والواقع السياسي:
اولاً: المجتمع البدائي الذي لا يمارس عملية التطور الاجتماعي والاكتساب الاجتماعي حتى ينشأ لدى الجميع قيم متقدمة ضمن العلاقات الاجتماعية فهي علاقات ليست عشوائية او ارتجالية بل هي علاقات قائمة على وجود ترصين ونظام متماسك وتراكم ايجابي، وخصوصا في الفترة الأخيرة التي هبت على مجتمعاتنا عملية حداثة حادة أدت الى صراع كبير بين الأجيال، فالمجتمع التقليدي يريد ان يحافظ على كونه محافظ بشكل متصلب رافضا التقدم في عملية استيعاب الحداثة واحتواء الأجيال الحديثة التي تعتبر من جهتها ان تطلعاتها تختلف عن تطلعات الإباء، فيؤدي ذلك الى الصراع العنيف بين الأجيال، لذلك نرى ان في بعض المجتمعات الإباء هم من يقفون مع النظام السياسي الحاكم، والشباب متمردون يقفون مع الثورات وهذا دلالة على وجود فجوة بين الأجيال.
ثانياً: التشطّر الاجتماعي وصدمة التجديد والتحديث وهذا يؤدي الى تزلزل القيم ودخول قيم غير منسجمة مع تفكيره واسلوبه واخلاقياته، وكذلك غياب القواسم المشتركة في المجتمع بالإضافة لعدم وجود وعي لإيجاد هذه القواسم المشتركة.
ثالثاً: عدم وجود عقد اجتماعي يؤدي الى توافق سياسي وهذه نقطة مهمة ومتطورة في بناء المجتمعات، وما لدينا اليوم هو عقد سياسي وليس عقد اجتماعي والعقد السياسي هو العقد الذي تبنيه الطبقة الحاكمة والأحزاب والكتل حتى تؤسس لحكم توافقي فيما بينها للهيمنة وتقسيم الغنائم بينها.
رابعاً: غياب ثقافة المشاركة الاجتماعية بل ما موجود في مجتمعنا هو الاستلاب والتبعية.
الاستاذ عدنان الصالحي/ مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
"ان اغلب العوائل العراقية تعيش في صراعات سياسية كبيرة قد تصل الى التنازع والاقتتال بسبب صراعات الأحزاب ما بعد 2003، ووصلنا الى هذه المرحلة بسبب الأسلوب المتيبس في الأداء السياسي للأحزاب على مستوى العراق انعكس سلبا على المجتمع العراقي، وكذلك الخطاب الذي تنتهجه الأحزاب والقيادات السياسية وتخوين الاخرين وتكفيرهم وفي نفس الوقت تقديس الأحزاب من جانب اخر، بالنتيجة هذا الامر يخلق طبقات ضيقة وهذا الموضوع يؤثر في العلاقات بشكل كبير وتشنج المجتمع حتى في معيشته اليومية وبالنتيجة انكفاء الشخص على ذاته وعدم التواصل مع الاخر ومحاولة إيجاد عالم خاص به، بالنتيجة خلق لدينا مجتمع متيبس ويرى نفسه سياسيا اكثر من السياسيين انفسهم وهذا اثر بشكل سلبي حتى في بناء الحياة السياسية في العراق، وكذلك وسائل الاعلام كان لها دور كبير في اثارة هذه الأمور، لذلك نحتاج الى قيادة متعقلة في الجانب السياسي ووسط ناقل حقيقي وصحيح يراعي اللحمة الاجتماعية قبل كل شيء وعدم السعي للسبق الصحفي واثارة الصراعات الاجتماعية".
الدكتور خالد العرداوي/ مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية:
"الصراع بحد ذاته هو حالة مرضية وعندما نتكلم نقول ان الصراع معناه ان الازمة وصلت الى ذروتها، وعندما نتكلم عن صراع سياسي معناه ان الازمة واصلة لذروتها داخل المجتمع، والمطلوب هو التعايش وليس الصراع مما يعني وجود ازمة كبيرة داخل المجتمع لذلك نحتاج الى تجاوز حالة الصراع بالتعايش بين الجميع بلا افراط وتفريط، وهذا الامر يدل على خلل في منظومة القيم سواء كان لدى السياسي او لدى الافراد فبالنتيجة لا افراط ولا تفريط من خلال الاعتدال وهو ما سيوصلنا الى حالة التعايش بين الجميع، وكذلك يجب ان تكون المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة واذا طغت مصلحة على مصلحة سيؤدي الى انهيار النظام ويجب ان تكون الإدارة مؤسسية لا إدارة فردية والدولة هي مؤسسة قبل كل شيء اخر، وان هذه المؤسسة تحتاج الى إدارة مؤسساتية وليس إدارة فردية وحكم القانون العادل لا حكم الفوضى ويخضع الجميع للقانون من اعلى سلطة الهرم لحماية المجتمع ككل".
وفي ختام الملتقى تقدم مدير الجلسة الاستاذ حيدر الاجودي بالشكر الجزيل والامتنان إلى جميع من شارك برأيه حول الموضوع سواء بالحضور او من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.