الانتخابات التشريعية العراقية وما بعدها

 

أ.د. حسان محمد شفيق العاني

كلية العلوم السياسية/ جامعة بغداد

سلسلة من القرارات والأوامر تولت سلطة التحالف المؤقتة إصدارها تباعاً في شهر حزيران لعام 2004 فمنها ما خص تعريف (هيئة العراق الانتخابية المستقلة) وهو أمر أصدرته برقم 92 كما كان هناك ملحق خاص بالميليشيات التابعة للأحزاب والتنظيمات العراقية.

ففيما يخص القانون الانتخابي فقد صدر وفق الأمر المرقم 96 ويتكون من 8 أجزاء، ويمثل كل جزء مادة واحدة اتبعت بفقرات، وهذا ما يشكل لنا أطار دراستنا بخصوص الانتخابات التي تم تحديدها بموجب قانون الحكم الانتقالي لكي تجري في 30 كانون الثاني 2005.  ومتابعة لمجريات العملية الانتخابية بأكملها أي منذ إنشاء الجهة المشرفة على الانتخابات وخلال عملية تسجيل الكيانات والأحزاب فقد اعتبر العراق دائرة انتخابية واحدة وفق هذا القانون، وهذا أمر لم يدركه الكثيرون من المعنيين وغير المختصين بأمور الانتخابات، إذ لم يعهدوا هذه الطريقة حيث حددت مهمة التصويت للدوائر أو المناطق الانتخابية المحددة سلفاً لا بالشكل الذي أريد به التصويت للمرشح أو الحزب في أي مركز من المراكز الذي يصوت به الناخب مع الأخذ بنظر الاعتبار أن التمثيل النسبي هو الذي اعتمد لإيصال المرشحين لمقاعدهم في الجمعية الوطنية، حيث أرادت سلطة التشريع أن يتم انتخاب 275 نائباً، وأنيطت مهمة إعداد الدستور إلى الجمعية الوطنية ليصار بعدها عرض مشروع الدستور الدائم على الاستفتاء الشعبي.

فإذن: المرحلة حالياَ هي مرحلة انتقالية أولاً، وثانياَ: إن هناك خطوات عديدة يجب اتباعها للوصول إلى الصورة المنشودة التي خطها قانون الحكم الانتقالي وهو بدوره عد دستوراً مؤقتاً، لهذا نرتأي ومتابعة لشأن الانتخابات أن نحدد بعض الملامح التي استوقفتنا ونرغب في أن نبدي ملاحظاتنا عليها عسى أن نستطيع بيانها ومحاولة وضع الحلول المستقبلية لها.

1  ـ الإشراف على الانتخابات

أنيطت مهمة الإشراف على الانتخابات للمفوضية الوطنية العليا التي عدت سلطة مستقلة عن بقية السلطات الثلاثة التشريعية، التنفيذية، القضائية، هذه الاستقلالية جاءت لإعطاء مصداقية وشفافية للانتخابات عن تأثير أي من الجهات الثلاثة أعلاه وجاءت امتثالاً لرغبة المشرع في أن تجري الانتخابات على ضوء قراري مجلس الأمن بخصوص نقل السيادة للعراق، كما أن المشروع شجع مساهمة الأمم المتحدة بالعملية الانتخابية، ولكن الأمم المتحدة كانت قد اتخذت موقفاً ابتعدت فيه عن الشأن العراقي جراء ما أصابها من فقدان لسفيرها سيرجيو دي ميللو منذ آب عام 2003 وسحبت كامل ممثليها، فالخوف كان وراء موقف الأمم المتحدة المتواضع في المساهمة على الإشراف على الانتخابات، حيث أن مساهمتها تجلت بوجود 20 مندوباً لها كمراقبين، وقد قضوا وقتهم في المنطقة الخضراء في الوقت الذي ساهمت الأمم المتحدة بمئات من المراقبين في مناطق انتخابية قليلة السكان كفلسطين على سبيل المثال عند إجراء الانتخابات الرئاسية فيها، وكأريان الغربية، كأمثلة وليس للحصر، علماً أنه كان هناك 364 رقماً للتنافس ككيانات أو كأحزاب، لذا فقد أوكلت التهيئة للانتخابات بواسطة المسؤول الأممي الكولومبي الجنسية (د. كارلوس فنزويلا) الذي قام من مقره في قصر المؤتمرات بازداء النصح والمشورة بلا كلل، وهذا الأخير قد أشرف على أكثر من 200 انتخابات متنوعة ومختلفة في العالم، وهو أحد المساعدين المقربين للخبيرة الدولية (كارينا بيريلى). فالمفوضية تولت إعداد أنظمة على ضوء الأوامر التشريعية التي صدرت من قبل سلطة الائتلاف فالمرشحون يتقدمون إليها لتسجيلهم ضمن سقف زمني حدد مسبقاً، وبخطوات أريد بها التعريف بالمرشحين وبرامجهم، إلا أن أموراً فنية عدة تدخلت و لم تسمح بشفافية العملية التحريرية أصلاً للانتخابات:

أ. لم يكن هناك متسع من الوقت، ناهيك عن الانقطاعات المستمرة للتيار الكهربائي وتوقف الاتصالات والمواصلات التي تؤثر في عامل الزمن.

ب. كون القوائم مغلقة جعل منها قوائم سرية لا يعرف تفاصيل شخصيات مرشحيها.

ج. إن بعض القوائم استعملت رموز هي أصلاً بعيدة عن أشخاص القوائم أنفسهم، على سبيل المثال وجود صورة عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء الأسبق على إحدى القوائم، أو وجود صورة الملكة شبعاد على قائمة أخرى، قد لا يكون مسايراً مع الاتجاه أو الرأي الذي تمثله القائمة وهو سعيٌ أملته المفوضية على المرشحين ككيانات أو أحزاب أن يكون لهم رمز مع رقم القائمة أو المرشح.

2 ـ التعريف بالمرشحين

مما لا ريب فيه أن الدعاية الانتخابية تعتبر في المجتمعات المركبة خاصة ضرورية جداً لكي يتعرف الناخبون على المرشحين، وكذلك قوائم الأحزاب السياسية وما تتضمنه من برامج مستقبلية، فقد توقفنا عند بعض هذه البرامج التي لا تحمل في طياتها إلا حلولاً لقضايا كبرى تخص الوطن والمواقف من الاحتلال والدعوة لمكافحة الفساد، ومع قلة البرامج فإنها تبدو بعيدة عن هموم المواطنين الآنية، فلم يتوضح فيها الكيفية ولا الإجراءات الكفيلة لرفع المستوى المعيشي للأفراد، ولا كيفية توفير الضمانات الأساسية للعيش الكريم، ولا كيفية النهوض اللائق بالتعليم والصحة وتوفير المستلزمات الضرورية التي يفتقدها الأفراد كقضية الشحة في الوقود على اختلاف أنواعها، مع النقص في المياه النقية وفي توفير الكهرباء اللازمة للحياة الاعتيادية، علماً بأن النقص حاصل منذ سنوات كما أن توفير السكن ضروري لمختلف شرائح الناس وهو مفقود ومنذ سنوات ولم تتولى الدولة ومنذ أكثر من عقدين بناء ولو وحدة سكنية واحدة، هذا ناهيك عن فقدان الأمن في الشارع العام وفي الأماكن الخاصة لمأوى المواطنين، وقد يكون مرد هذا إلى حل الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية التي كانت مسؤولة عن توفير الأمن الداخلي. كما أن الملف الأمني لا يزال في يد سلطة التحالف، إذ لم يسلم هذا الملف إلى الأجهزة الحكومية المسؤولة بعد نقل السيادة في 30 حزيران عام 2004 فظلت الأوضاع المتردية أمنياً هي التي لم تسعف المرشحين في أن يتولوا من خلال أنفسهم أو معاونيهم أو حتى بالنسبة للأحزاب السياسية أن تتولى مهمة الدعاية الانتخابية كما هو منتظر، بينما رأينا في المقابل الملصقات الجدارية وهي ليست كافية ولا تنم إلا عن إعلان جزئي وليس موضوعي ولا كاف للدعاية الانتخابية التي شابها التردد والمواقف السلبية أحياناً والايجابية أحياناً أخرى في وجوب إجراء الانتخابات وتحديد المواقف من المرشحين المستقلين ككيانات سياسية أو كأحزاب سياسية.

 3 ـ  الموقف من الانتخابات

في الوقت الذي تقدم فيه أكثر من 7000 (سبعة ألاف) مرشح لخوض الانتخابات لشغل 275 مقعداً فإن عدد المتنافسين يبدو كثيراً لحد ما، إذ لا يتناسب هذا العدد مع عدد التيارات التي تمثلهم، فالتيارات تقتصر بعدد لا يزيد عن أصابع اليدين وبتحديد أكثر ما يمكن الكلام عن وجود 6 تيارات، البعض منها معروف منذ عهد طويل كالتيارين الإسلامي والشيوعي، أما البعض الأخر فقد عرف في المهجر وبأسماء شخصية ارتبطت بها، وهذه الأسماء لا يعرف عنها إلا بكونها عارضت النظام السياسي السابق، لا بل أن أحد المجاميع عرفت بترأسها من قبل أحد البعثيين السابقين.

إن وجود البعثيين السابقين ضمن المناوئين للنظام السابق ليس أمراً مستغرباً إذ أن مجيء الرئيس السابق صدام حسين جاء في أعقاب تصفية واسعة على مستوى قيادة الحزب نفسه، وحينما تشكل النظام الجديد بعد سقوط بغداد في التاسع من نيسان عام 2003، فإن رموز النظام الجديد أصبحوا في سدة الحكم، وتولى مجلس الحكم الانتقالي الذي ضم الأطراف المؤتلفة بعد اجتماعي لندن وصلاح الدين الذي لم يجمع كافة الأطراف المناوئة لنظام حزب البعث، إذ كانت هناك أطراف لم ترتضِ أن تكون رأس الحربة لإسقاط النظام.

بقي أن نشير أن طرح قضية إقامة الانتخابات كبديل شرعي للحكم كانت هاجس الأطراف الحاكمة التي حاولت الاستفادة من الأمم المتحدة لكي تتولى مهمة المساهمة في إجراء الانتخابات. فبعض أطراف الحكم الجديين حاولوا التعجيل بالانتخابات وذلك تظافراً مع الموقف الديني بوجوب إقامة الانتخابات، وعلى ضوء اجتماعات عقدت وأريد للجامعة أن تكون طرفاً فيها ونقصد ـ جامعة بغداد ـ الذين تولوا زيارة المرجع الديني الكبير السيد علي السيستاني، حيث طرحوا عليه وجهة نظرهم التي تبين موقفهم المؤيد للانتخابات شريطة توفير الأجواء المناسبة لها، وقد اقتنعت المرجعية بهذا الرأي السديد، فالانتخابات كمبدأ غير مرفوضة وأنما مستحبة بتوفر الإجراءات الفنية لها والأمنية وقد تسبق الوحدة وتتلازم معها، ففنيو الأمم المتحدة المختصون بإجراء الانتخابات كانوا قد حبذوا إجراء الانتخابات بعد سنتين وربطوا هذا الوقت كسقف زمني لتناسبه مع قلة المخاطر، حيث ذكروا بأنه يستلزم توفر120 ألف شخص على الأقل لمتابعة مصداقية الانتخابات من خلال تخصيص أربعة أشخاص لمراقبة المركز الانتخابي الواحد، حيث أن عدد المراكز الانتخابية قد افترض، وحسب توزيع السكان وكثافتهم فأنه يستلزم وجود 30 ألف مركز انتخابي، وقد افترض المختصون أن عدد المشاركين سوف لا يقل عن 14 مليون من بين 23 مليون هم عدد سكان العراق المسجلين وحسب البطاقة التموينية، ولكنه وبمرور الوقت بدا الهاجس الأمني والتوتر الاجتماعي أعلى فأعلى، حيث أن الوضع الأمني قد تدنى أكثر، وهو ما أضاف بعداً جديداً في تباين المواقف من الانتخابات، حيث أن الأصوات بدأت تشير إلى ضرورة تأجيل الانتخابات لفترة أخرى، علماً بأن قانون الحكم الانتقالي قد حدد لإجرائها سقفاً زمنياً هو 30 من كانون الثاني عام 2005.

إن الموقف من الانتخابات وضرورة إجرائها وتأجيلها انصرف ليكون محط اهتمام إقليمي وعالمي، والدول المجاورة كانت الأقرب تأثراً بالانتخابات أو بتأجيلها لهذا نرى أنها تولت عقد اجتماعاً حول الموضوع، فالمسؤولون الايرانييون حبذوا إجرائها، بينما تحفظ المسؤولون الأردنيون عليها، وأما المسؤولون الأمريكان والبريطانيون فقد حبذوا إقامتها وانتهى الأمر باجتماع وزراء خارجية الدول المجاورة إلى الإعلان عن تحبيذها، وكذلك ما ذكرته مصر ومن ثم سوريا على لسان مسؤوليها. هذا إذا ما علمنا أن الرئيس العراقي الحالي كان قد شكك في مشاركة واسعة للعراقيين بسبب الهاجس الأمني مع دعمه ورغبته في إجراء الانتخابات، وهذا الإعلان جاء في مؤتمر صحفي قبل يوم واحد من بدئها، مع أن رئيس الوزراء كان مؤيداً لإجرائها، أما المفوضية العليا للانتخابات فقد ذهبت إلى إعطاء رقم شكل 57% من الذين يحق لهم أن يشتركوا في الانتخابات في المشاركة فيها، بينما ذهبت استطلاعات رأي أمريكية بأن نسبة المشاركة سوف لا تقل عن 67% مع التدليل والإشارة إلى أن نسبة 80% من الطيف السني سوف لا يشارك وأن هناك نسبة أغلبية من الطيف الشيعي يفضل عدم تأجيلها.

أما بالنسبة للطيف الكردي فقد جمع النسبة العالية المرجحة لإجراء الانتخابات في وقتها مع تحمس إليها، وهذه المواقف المتباينة أتت من الموقف من مصداقية الدعم الأمريكي للانتخابات حيث نجد أن الطيف الكردي لوحده يركز على هذه المصداقية بينما الطيف السني والشيعي يرفضها.

4 ـ انتهاء الاقتراع والبدء بفرز الأصوات

بنهاية ساعة الاقتراع في الثلاثين من كانون الثاني 2005 كان على المفوضية أن تتولى مركزياً فرز الأصوات وإعلان نتائج الانتخابات، وهذه ليست بالمهمة اليسيرة وإنما تخللها العديد من التساؤلات والملاحقات الإجرائية من قبل المصوتين والمرشحين، فالمفوضية سارعت إلى الإعلان بأن نسبة المشاركة كانت حوالي 72% ولاحقاً قالت أن نسبة المشاركة هي 60% أي بمعنى أن الذين شاركوا في الانتخابات هم بعدد يزيد على الـ 8 مليون مواطن من بين ما افترضته المفوضية من أن عدد المسجلين يفوق 14 مليوناً، إلا أن المفوضية نفسها تداركت هذه النسبة لتقول بأن الوقت لم يحن لإعلان نسبة الانتخاب للمشاركين في هذه الانتخابات، أما توزيع الأصوات المشاركة فيبدو أن البعض من المراكز لم تستلم أصلاً صناديق الاقتراع وهذا ما حصل في مدينة الموصل، أما بعض المراكز الانتخابية في محافظة الرمادي على سبيل المثال، فيبدو أنها كانت خالية كما هو الحال بالنسبة إلى مدينة سامراء. أما في مدن كالبصرة فقد حدث العكس من ذلك إذ أن الإقبال كان شديداً ومثله كان الإقبال على الاقتراع في إقليم كردستان، وأياً كانت نسبة الاقتراع فأن الذي يهم ولمصداقية الانتخابات التشريعية أن تتعدى نسبة المشاركين والذين يحق لهم أن يشتركوا في الانتخابات الـ 50%، وهذا لا يعني أن الانتخابات سوف لا تكون شرعية بدون توافر هذا العدد ذلك لأن الانتخاب هو حق وليس واجباً، كما أن قانون الانتخاب لم يحدد نسبة معينة للمشاركة لتحديد مدى شرعية أو مصداقية الانتخابات وهذا الأمر متروك للجهات المعنية في الانتخابات ألا وهي الأطراف الشعبية والحزبية ذات الاتجاهات السياسية المتعددة، التي أعلنت موقفها من الانتخابات سلباً أو إيجابا حسب الرؤية التي ترى بها وتبنتها للمشاركة أو عدم المشاركة، ومن السهولة بمكان أن نشير إلى التوزيع الطائفي والقومي الذي تبنته كسلعة سياسية في السوق السياسي وكالات الأنباء والعديد من الصحف وحتى المسؤولين، عراقيين كانوا أم عرب أم أجانب، فببساطة وزعوا الأطراف العراقية على عرب وكرد قومياً وتركماناً أحياناً أخرى، لا بل آشوريين وكلدانيين وأضافوا بعداً طائفياً بالنسبة إلى العرب بأنهم سنة وشيعة، هذا التوزيع المبسط للاقتراع قد يسهل أمر تحليل المجتمع العراقي الفسيفسائي الذي هو نتاج مجتمع تقليدي يتعايش على ضوء ولاءات وانتماءات ضيقة قائم على أساس المحاصصة كل حسب عدده، وهكذا لا يمكن أن يستقيم مع فكرة أوسع لمجتمع مركب كما هو الحال مع المجتمع العراقي الموغل في القدم والقائم، وبغض النظر عن هذه التقسيمات المبسطة، فأن المجتمع العراقي إذا أريد له الديمقراطية والمدنية ومواكبة العصرنة، فلا بد أن يتعامل رموزه مع فكرة أوسع وهي فكرة المواطنة التي هي المحك الأساسي للدولة الحديثة، فليس هناك مجتمع صافي نقي يضم أثنية أو عرقية أو معتقد واحد، بالعكس أن أحدث الأمم كما هو الأمر فيما يخص الولايات المتحدة الأمريكية جمعت وبحصص كافة الانتماءات الجنسية والعرقية والاثنية، إلا أن التعامل لا يقوم على أساس هذه التقسيمات بقدر ما يقوم عل݉ أساس الامكانات والخبرات والمقدرات التي يمكن أن تمثلها المواطنة في مرافق الدولة العليا والدنيا.

 5 ـ  ما بعد الانتخابات

إن قيام الانتخابات بحد ذاتها أمر ذو أهمية في طريق الشرعية الدستورية، ويتطلب الأمر بعد أن تم فرز الأصوات وإعلان النتائج أن يكون هناك تمثيل للجمعية الوطنية لمقاعد تسع لـ 275 نائباً، وهؤلاء النواب يترتب عليهم واجب وبموجب قانون الحكم الانتقالي أن يتولوا تهيئة مشروع الدستور ليطرح على استفتاء شعبي، والإشكالية التي أوقع المشرع نفسه فيها، فبحسب المادة الثامنة والخمسون من قانون الحكم الانتقالي وهو دستور مؤقت فإن ثلاث محافظات إذا صوتت بعدم رغبتها في الدستور المُعد كمشروع، فإن الأمر يقتضي عدم التصديق عليه، وهو أمر يفترض حصوله، وبالتالي فمن المتوقع أن الشأن العراقي ككيان عراقي يسير في ضوء بناء دستوري مستقر قد لا يرى النور، ولذلك يتطلب الأمر إلى توافر مسؤولية كبرى لعاملي السياسة الوطنية في أن يتوصلوا إلى إيجاد صيغ تسوية توفيقية تحافظ على المجتمع العراقي بمكوناته آخذة في نظر الاعتبار أن الأهم هو ضروري وليس المهم.

 فألاهم هو:

أ. الحفاظ على المجتمع العراقي الموحد مع الاعتراف بوجود الاختلافات، ولكن في دولة القانون الكل يتساوى أمام القانون.

ب. لا يستقيم المجتمع الحيوي مع الحفاظ على قيم مجتمع يتعامل ويقتات على مكونات ضيقة ومحددة، لذا يتعين أن يصار في المرحلة المقبلة  أن يتولى المجلس المنتخب وهو الجمعية الوطنية إعداد مشروع الدستور، أي بمعنى أن الجمعية الوطنية ستكون بمثابة سلطة تأسيسية وهذه السلطة التأسيسية الأصلية هي التي يعهد إليها صياغة الدستور التي يجب أن يقترن عملها النهائي بالموافقة الشعبية باستفتاء شعبي على مشروع الدستور الدائم قبل الخامس عشر من تشرين الأول 2005.

إن مهمة المجلس الوطني ابتداءً يجب أن تتم بتخويل المجلس نفسه لإحدى لجانه وهي اللجنة القانونية، وهذه اللجنة القانونية يجب عليها تهيئة مختصين لصياغة مشروع الدستور، فهي مفوضة من خلال قانون التفويض الذي سوف يتضمن مبادئ عامة لكي يتسنى للمختصين أن يسيروا على نهجه أي قانون التفويض، وهذا يتطلب موافقة الأغلبية الموصوفة لهذا التفويض. فما هي الخطوط العريضة أو المبادئ العامة التي سوف تقررها الجمعية الوطنية؟

بادئ ذي بدء أن مشروع الدستور الدائم قد ارتبط أساساً بقانون الحكم الانتقالي الذي اختط لنفسه قواعد تولت إلزام مسبق للدستور الدائم الذي يتعين (للسلطة التأسيسية أن تكون أصلاً مقيدة وهذا غير مالوف دستورياً) ومع هذا ولمراعاة تسوية تاريخية لمؤسسات دستورية مستقبلية لعراق موحد ومتحد فإنه يتطلب الأخذ بالمبادئ الآتية:

1. إن أساس السلطة هي الشعب من خلال ممثليه أو من خلال مواطنيه مباشرة بالانتخابات أو بالاستفتاء الشعبي.

2. إن الإرادة العامة هي التعبير عن الشعب أو أغلبيته التي يعبر عنها بالقانون.

3. إن السلطات الثلاثة تمثل الإرادة الشعبية بشكل مباشر أو غير مباشر للتعبير عن الديمقراطية التي هي أساس الحكم.

4. إن الدولة هي دولة القانون يحكمها مبدأ الفصل بين السلطات مع وجوب التعاون بينها تحقيقاً للوئام والوفاق الاجتماعي.

5. تداول السلطة والتعددية هي أساس التعامل المجتمعي خدمة للنظام العام والخير العام.

6. إن المعتقد الديني ذو علاقة بين الله سبحانه وتعالى والمؤمنين، والدولة حافظة ومؤمنة لكافة المعتقدات وتتولى المحاكم الشرعية مهمة الفصل في المنازعات والمشاكل المتعلقة بالحياة الفردية لأفرادها من حقوق وواجبات.

7. إن الحريات العامة مكفولة للأفراد والمواطنين بغض النظر عن معتقداتهم وانتماءاتهم وأجناسهم بشكل يكفل المساواة لهم أمام القانون وحسب المحاكم المختصة.

8. تتولى السلطة القضائية والممثلة بمجلس القضاء الأعلى مهمة الحفاظ على ضمان الحريات العامة والفصل في المنازعات التي قد تحصل بين الدولة وأطرافها، إن كانوا على شكل أقاليم أو محافظات أو كيانات شخصية أو معنوية لإقرار القانون الأعلى في البلاد والعمل بموجبه، أما القانون الأعلى في البلاد فيتمثل بالدستور الذي سيتم إقراره من قبل الجمعية الوطنية والتصديق عليه من قبل الشعب باستفتاء شعبي، على أن يتم ذلك في حدود الخامس عشر من شهر تشرين الأول 2005، وأن هذه المهمة الملقاة على عاتق من تم انتخابهم هي مهمة تاريخية في تاريخ ومستقبل العراق، وفي طريق الديمقراطية والحرية والسيادة الشعبية لعراق المستقبل الموحد والمتحد طوعياً وبلا انفراط.

 

الصفحة الرئيسية | نشاطات المركز | مقالات | عن المركز | بحوث مستقبلية | إصدارات المركز | الهيئة الإستشارية | منار المستقبل | إتصل بنا

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

 جميع الحقوق محفوظة لمركز المستقبل للدراسات والبحوث / 1426هـ / 2005م

info@mcsr.net