لمن ستقرع أجراس الانتخابات
غداً
مع انقضاء كل يوم نكون قد اقتربنا شيئاً فشيئاً
من ساعة الصفر. وساعة الصفر هذه المرة هي ليست البدء بعملية
انقلاب عسكري جديد كالذي حصل في يوم 17 تموز1968 وجاء بالنظام
السابق إلى السلطة نظام اقل ما يقال عنه انه أوصل العراق ارض
السواد وسلة حبوب آسيا حسب قول ضابط استخبارات بريطاني
عام1916، إلى حالة من الفاقة والعوز لم يعشها شعب من قبل، كما
أنه أوصل ناس هذه البلاد إلى حالة من الجهل والتخلف، لكن ساعة
الصفر التي اعنيها هي لحظة أن يرمي أول عراقي بطاقته
الانتخابية في صندوق الاقتراع (الانتخاب) ليعلن بذلك للعالم
بدأ مرحلة جديدة تعيشها هذه البلاد وهي مرحلة الحياة
الديمقراطية رغم كل المحن التي عاشتها والتي جاءت كنتيجة
لسياسة النظام السابق أو تلك التي أسسها الاحتلال.
لقد عرف العراقيون الديمقراطية من خلال
قراءاتهم للكتب سواء منها كانت مدرسية أو خارجية، حيث عرفوا
مفردات مثل (اثينا)، أول مكان مارس فيه الإنسان هذا الأسلوب من
الحكم، و(الماكنا كارتا) أول وثيقة لحقوق الإنسان ظهرت في
أوربا بالعصور الوسطى ومن ثم حفظنا وعن ظهر غيب وبكل اعتزاز
وحب وتقدير أسماء من المفكرين والفلاسفة الذين وقفوا ضد الظلم
والاستبداد وطالبو بالحرية والديمقراطية للإنسان في كل مكان.
ظلت تلك الأسماء والمفردات تراود العراقيين بأحلامهم في منامهم
وكانت الديمقراطية بالنسبة لهم هي صورة من صور (اليوتوبيا).
بعد ذلك مرت على العراقيين حقبة من الزمن توقفوا عندها حتى عن
الأحلام.. خوفاً من بطش حكامهم الذين فاق طغيانهم كل ما سطر
التاريخ لأسوء الحكام من سطور.
وها نحن اليوم نقترب من ساعة صفر تحقيق ذلك
الحلم (السري) المحظور ولكن من أجل أن تغدو تلك اللحظة حقيقة
جميلة كالتقاء نهري دجلة والفرات، وساطعة مشرقة كضحى يوم
تموزي، علينا إن نتوقف قليلاً عند بعض المحطات، لنجيب عن بعض
الأسئلة غاية بالأهمية وأول تلك الأسئلة هي:-
ما هو غاية هذه الانتخابات.
صحيح وكما ذكرنا بأننا بممارستنا عملية
الانتخابات، سننتقل إلى حالة حضارية متقدمة، لأن الإنسان
وبانتقاله إلى الحياة الديمقراطية سيجسد ادميته وبكونه بشراً
حراً يمتلك كل أرادته التي من خلالها سيتمكن من صنع مصيره
ومستقبله ومستقبل أطفاله القادمين بنفسه، من دون تدخل من
الآخرين. غير أننا وبسبب السنين الطوال من القمع والقهر والجهل
والتجهيل والخوف التي عاشها العراقيون في ظل سلطة النظام
السابق، وبسبب الوضع الأمني المتردي الذي حصل وبرز بعد سقوطه
وحتى هذه اللحظة يضاف إلى ذلك كله قصر الفترة الزمنية بين
تأسيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق التي
تولت مهمة التهيئة والتحضير والأشراف والمراقبة على تلك
الانتخابات وبين مباشرتها لاعمالها الكبيرة والكثيرة، وبين
أنجاز تلك المهام والواجبات وبين الموعد المحدد لأجراء
الانتخابات كل هذا وذاك أدى إلى أن تظل الغالبية الساحقة من
العراقيين الذين يحق لهم الاشتراك بتحقيق ذلك الحلم الجميل
والبالغ عددهم حوالي (13,9) ثلاثة عشر مليون وتسعة بالعشرة من
المليون، يجهلون الهدف الرئيس من تلك العملية، فالكثير منهم من
يعتقد بأنه سيجري في ذلك اليوم انتخاب كل من رئيس الجمهورية
ورئيس الوزراء وأعضاء الحكومة أيضاً، كما أن آخرين يتصورون
بأنه سيتم تحديد طبيعة النظام السياسي، علمانياً أم إسلاميا،ً
وكذلك نوعه ملكياً أم جمهورياً، وشكله رئاسياً أم برلمانياً،
وتصورات واعتقادات أخرى خاطئه كثيرة.
عليه فأن الواجب الشرعي والوطني يقضيان في هذه
الأيام القلية المتبقية على أجراء الانتخابات، أن يجري
الأهتمام والتركيز على مسألة توعية الناس العامة لكي يتم توضيح
ذلك الموضوع بالغ الخطورة وحتى يعرفوا لأجل ماذا يذهبون يوم
الثلاثين من شهر كانون الثاني وعلى ماذا يصوتون. من الضروري أن
يعرفوا بأنهم سوف لن ينتخبوا رئيساً للجمهورية أو أنهم ذاهبون
لأختيار نوع أو شكل النظام السياسي القادم بل أنهم سيصوتون
لأجل انتخاب جمعية وطنية تتشكل من (275) عضواً ستتولى إنجاز
العديد من المهام، وأول تلك المهام وأخطرها هو وضع صياغة دستور
دائم للعراق، والدستور وحده هو من سيحدد طبيعة ونوع وشكل
النظام السياسي لهذا البلد في المستقبل. والمهمة الأخرى التي
ستضطلع بها الجمعية الوطنية المنتخبة، هي اختيار مجلس رئاسة
سيشكل من رئيس ونائبين للرئيس، سيقومون باختيار رئيس الوزراء
ومجلس الوزراء، كما نصت على ذلك العديد من مواد (قانون إدارة
الدولة) ومنها على سبيل الخصوص المواد 36 ، 37 ، 38 من ذلك
القانون، الذي كان يجب أن يتم شرح مواده واحدة، واحدة بشكل
واضح ومستفيض منذ تاريخ صدوره وحتى اليوم، باعتباره القانون
الأساس المؤقت والذي بموجبه جرت وتجري كل الإجراءات القانونية
السياسية التي منها ما يخص الحكومة الانتقالية الحالية أو تلك
التي تخص المرحلة اللاحقة بعد الانتخابات التشريعية العامة
التي هي محور اهتمام مقالتنا هذه.
إن واجب إنجاز هذه المهمة الوطنية وهي عملية
التوعية الجماهيرية لا يقتصر فقط على المفوضية العليا المستقلة
للانتخابات، بل أن القيام بها يتطلب تظافر جهود كل الحركات
السياسية من أحزاب ومؤسسات المجتمع المدني وكذلك دوائر وأجهزة
الحكومة الانتقالية والجامعات والمدارس بل حتى المساجد
والحسينيات كافة. وعن طريق مختلف الطرق والوسائل المتوفرة
والمتاحة لهم من صحافة وفضائيات وإذاعات وعقد الاجتماعات
والندوات الجماهيرية الواسعة والمحددة ضمن المناطق السكنية
وأيضاً عن طريق الكتب والكراسات والنشرات والملصقات الجدارية
وغيرها من وسائل اعلام.
أما ثاني الأسئلة فهو:
حسم الجدل حول أجراء الانتخابات في موعدها
المقرر، أم تأجيلها لموعد آخر؟.
حيث كثر الكلام بالأيام الأخيرة عن هذه المسألة
التي نتمنى أن لا تغدو معضلة، فلقد انقسمت ما تسمى بالكيانات
السياسية (حركات- أحزاب- منظمات- أشخاص مستقلين)، بعد أن كان
معظمها متفقاً بل مصراً على أن تجري الانتخابات في موعدها
المقرر والمعلن من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات
والذي جاء تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي المرقم (1546)
والذي نص على وجوب أجراء الانتخابات قبل نهاية كانون
الثاني2005 ، فتم تحديد يوم 30 كانون الثاني من العام القادم
كموعد لإجرائها.
نقول انقسمت الجماعات بين مؤيد للبقاء على
الموعد المقرر الحالي وهم الغالبية، وبين مَنْ يدعو إلى تمديد
ذلك الموعد إلى عدة أشهر أخرى، أقصاها ستة أشهر، بحجة عدم توفر
الأجواء والظروف الأمنية المناسبة وخاصة في بعض المناطق التي
شهدت أعمالاً مسلحة الشهر المنصرم، وهؤلاء يشكلون الأقلية .
ولقد جاءت هذه الدعوات للتأجيل بعد انعقاد
مؤتمر شرم الشيخ في مصر والتي حاولت بعض الدول الجوار ودول
المنطقة من الضغط لأجل ذلك التأجيل بحجة حرصها على المشاركة
الجماعية بالعملية الانتخابية وعدم عزل طائفة كبيرة وحرمانها
من الاشتراك في تلك العملية.
إن محاولة بعض دول الجوار وبعض القوى السياسية
هنا داخل البلاد، إضفاء الطابع الطائفي على الاختلاف حول هذه
المسألة، وأيضاً محاولتها للتدخل بالشأن الداخلي العراقي
ومحاولتها إعطائها دوراً في رسم مستقبل العراق السياسي، كل ذلك
يندرج ضمن النشاط المعادي المحموم الذي تقوم به تلك الجهات
وأخرى دولية وداخلية من أجل عرقلة العملية السياسية الجارية في
العراق منذ سقوط النظام الدكتاتوري السابق وحتى هذه اللحظات
وبمختلف الوسائل والأساليب والتي كلفت وتكلف العراقيين المزيد
من النزف والدماء والآلام، وكذلك خوفاً من أن ينبثق في هذه
البلد الذي هو قلب هذه المنطقة الحيوية من العالم نظام
ديمقراطي حقيقي يمثل كل الأديان ومختلف القوميات وحتى الطوائف
والاتجاهات العقائدية والسياسية.
نظام سيغدو بتكاليف أهل هذا البلد من
العراقيين، وبتوحيدهم وتآزرهم وتحابهم وتعاونهم، دون تدخل من
الآخرين، أياً كانوا أولئك الآخرين.
نقول سيغدو العراق نموذجاً يحتذى به ليس لشعوب
هذه المنطقة فقط بل ويمكن أن يكون ولما يملكه العراقيون من إرث
وخزين حضاري عريق ومجيد، بأن يصبح مثال لكل شعوب الأرض قاطبة،
وسيبنوا ويشيدوا صرحاً للحرية يكون مناراً لكل التائهين،
وملجأً لكل الباحثين عن السلام والأمان والعيش الكريم.
فياليت ارنست همنغواي حياً ليرى ويسمع صوت
الأجراس وهي تقرع للعراقيين غداً. |