عدنان عباس سلطان
رغم التماهي الكبير بين صوت المثقف وبين الصوت السياسي خلال
السنوات الخمس المنصرمة الا ان الرؤى التي ابانها الصوت
الثقافي كانت ذات صدى كبيرا في الوسط الحكومي والسياسي لم يكن
من السهولة التغاضي عنة كذلك لم تنفع حالات التهميش والتوظيف
للمثقف العراقي كمحاولات اغراءه واستغلال الحاجة الضاغطة لزجه
في الاطر الحزبية والتنظيمات المتنوعة على غرار ما كان يحدث في
زمن النظام السابق قبل 2003 من خلال الكم الهائل لوسائل
الاعلام المملوكة لاحزاب ومنظمات لدى بعضها غايات ضيقة او
غايات اقليمية معروفة في الساحة العراقية ولذا لم يكن من
صالحها ان يعلو الصوت الثقافي الحر ويباشر تاثيره على القرار
السياسي ومن هذا المنحى فقد دأبت بعض تنلك الاحزاب والمنظمات
بالتصفيات الجسدية للمثقفين ورجال الاعلام والزموز الاكاديمية
المتميزة واجبار تلك الكفاءات الثقافية على الهجرة او السكوت
كذلك ترسيخ القناعة لمن هم خارج العراق بالبقاء حيث هم في
منافيهم المعتادة الى اجل غير محدد.
ويظل المثقف العراقي مرسلا الخطاب الذي لا ينضوي تحت اي من
المؤثرات سواء كانت المغرية منها او تلك التي تتخذ من الاغتيال
وسيلة مباشرة في تصفية المشهد الثقافي من عناصره الفاعلة.
وقد كانت مهمات المثقف كبيرة وخطيرة ايضا لكنه ظل على طول
الفترة السابقة يرسل الخطاب لصالح العراق وشعب العراق بنفس
نبيل من اجل انجاح العملية السياسية ليس من موقف المهادنة
والمماحكة وانما كان المرآة الصادقة لابانة الحقائق كما هي
واقتراح الحلول العقلانية الممكنة للحالة العراقية رغم انه
لايمتلك الوسائل الاعلامية الكافية لارسال الخطاب لكنه استطاع
ان يركب جميع السفن الممكنة وايصال صوته المؤثر في الطرف
السياسي والحكومي والشعبي وكان طرفا فاعلا في كشف الفساد بجميع
انواعه وتشكلاته على الجوانب الاقتصادية والسياسية من خلال
النشرات والمطبوعات المتيسرة ووسائل الاعلام كذلك من خلال
مطبوعات ونشرات بعض الاحزاب المعتدلة حيث يعمل بعض المثقفين
ويدلون بآرائهم ورؤاهم ويقترحون الحلول للمعضلات التي اعترضت
العملية السياسية والاقتصادية ومسائل الانتخابات وتداول السلطة
وما يتصل بها من فكر وحكمة.
ولا شك بان مهام المثقف في عام 2009 هي ذاتها التي مارسها في
المرحلة المنصرمة من عمر العراق في التصدي للافكار والخطط
الاقليمية التي يراد من ورائها تشتيت الجهد الوطني في قضايا
جانبية وتعطيل وافشال العملية السياسية او تاجيل سبل النجاح
كذلك فضح الفساد الحكومي والسياسي وكشف التلاعبات الاقليمية
ونصل الى ان المثقف العراقي انما هو المميز في رسم خارطة واعية
لمستقبل العراق السياسي والاقتصادي وهو من بين الفاعلين في
النجاح العام للحالة العراقية بكل مستلزماتها للنهوض المرتقب
في اليوم القادم، وعلى الدولة ان تتخذ كل التدابير العملية
لاعادة من يرغب بالعودة الى العراق من الكفاءات العلمية
والثقافية من المنافي العالمية وتهيئة المستلزمات الصحية
والامنية والمادية لهم في وطنهم لكي يبقوا فيه فاعلين ومؤثرين
من اجل الصالح العام.
كذلك فان الاتحادات والمؤسسات والمنظمات المعنية بالمثقف
العراقي يقع على عاتقها مهام كبيرة لتمكين المثقف من اداء
وظيفته الجليلة انطلاقا من كون تلك المنظمات والمؤسسات
والاتحادات تهدف الى التاثير والعمل لايجاد افضل الظروف
الممكنة لحياة الشعب العراقي من ضمن الهدف الانساني العام الذي
هو احترام حياة الانسان ودفع الظلم عن اي من الشعوب وعدم
استغلال الانسان لاخيه الانسان.
فهذه البنى الثقافية مسؤولة بالدرجة الاساس عن احداث التغيرات
التالية لكي تكون بمستوى
مسؤوليتها:
1ـ ان تكون جهة استشارية او كطرف في القرار السياسي باعتبارها
جهة تخطيط لاختصاصها الثقافي والسياسي.
2ـ ايجاد الوسائل الاعلامية المستقلة الخاصة بها .
3ـ ابعاد المثقف قدر الامكان عن ضغط الحاجة والاستفادة من اقصى
جهده الثقافي والابداعي.
ومعلوم بان هذه الظروف لا تتم الا من خلال التعضيد الحكومي بل
ان هذه البنى لايمكن ايجادها الا بالجهد العام حيث ان الثقافة
العراقية لم يكن لها في يوم من الايام بنية تحتية ومن هذا فان
الثقافة انما هي حق جماهيري ومن ضمن المستلزمات المهمة
والضرورية للشعب العراقي وان مسالة بناء للمؤسسات الثقافية تقع
على عاتق الدولة شانها شان اي من المؤسسات الضرورية الاخرى.
واخيرا فان للمثقف الممتلك لمقدرة ارسال الخطاب الثقافي دورا
مستقبليا يمكن ان يلعبه بمقدرة عالية ومؤثرة سياسيا واقتصاديا
واداريا في الدولة العراقية المامولة والتي تكتنفها كثير من
المشاكل والعراقيل وتصد تقدمها كثير من القوى في الدخل والخارج
وهي تعبر الطريق الطويل.
|