بقلم: د. راشد والي جانجوا - كندا

 

لقد شن الكيان الاسرائيلي هجوماً انتقامياً على إيران ليلة 25-26 أكتوبر/ تشرين الاول، ووفقاً للمتحدث العسكري الإسرائيلي الأميرال البحري دانيال هاغاري فإن الهجمات على إيران كانت رداً على الإجراءات الإيرانية المستمرة ضد إسرائيل، ووفقاً لنبرة المتحدث الرسمي، كانت الهجمات دقيقة وموجهة ضد الأهداف العسكرية، ولا يزال من المنتظر صدور بيانات تقييم الأضرار، ولكن على ما يبدو في ظاهره هو رد إسرائيلي ضد الأهداف العسكرية.

ما يبدو معقولاً هو النجاح المحدود الذي حققته الإدارة الأميركية في ثني الكيان الاسرائيلي عن استهداف المنشآت النووية والنفطية الإيرانية، وهو ما كان من الممكن أن يخلف تأثيراً مدمراً على الاقتصاد الإقليمي والعالمي فضلاً عن إزالة آخر بقايا القيود المفروضة على إيران من أجل الحصول على القدرة النووية.

إن الهجمات الإسرائيلية قد تأتي على شكل موجات وقد تتبعها هجمات أخرى بعد أيام قليلة بمعزل عن الهجمات الأخرى أو مصحوبة بهجمات إلكترونية، ويعزو المحللون والمراقبون الغربيون ضبط النفس الإسرائيلي المفترض إلى خضوعها لنصيحة الولايات المتحدة بالحفاظ على الحرب مقتصرة على الأهداف العسكرية، ولم يكن الهدف استفزاز إيران لعبور نقطة اللاعودة النووية لاحقًا، وكذلك عدم مواجهة العالم بأزمة طاقة مرهقة.

هذه هي المرة الأولى التي يشن فيها الكيان الاسرائيلي هجمات عسكرية واسعة النطاق ضد إيران، وتأتي هذه الهجمات الإسرائيلية تحقيقا لطموح نتنياهو القديم، بمهاجمة إيران والذي أصبح ملحا بسبب عدم شعبية نتنياهو في أعقاب حرب غزة، لقد استفزت إسرائيل إيران من خلال الهجوم على سفارتها في دمشق في شهر نيسان ثم اغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران في تموز 2024.

يشعر الكيان الاسرائيلي في مواجهته وكلاء إيران في المنطقة مثل حماس والجهاد الفلسطيني في غزة، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، ولواء فاطميون وفرقة زينبيون في سوريا، وكتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، وحركة النجباء وكتائب سيد الشهداء في العراق، بالتهديد من الاستراتيجية الإيرانية المتمثلة في استنزاف الكيان الاسرائيلي بآلاف الجروح، مع الاحتفاظ بعنصر من الإنكار المعقول والقابل للتصديق، إن هجوم الكيان الإسرائيلي هو محاولة لإعادة تأسيس الردع الرادع والذي شهد انحدارا بسمعته أعقاب الهجوم الذي شنته إيران في الأول من تشرين الأول ضد الكيان الإسرائيلي.

إن الهدف السياسي لهجمات الكيان الإسرائيلي هو طمأنة شعبها بشأن قدرة إسرائيل على رد الهجمات الإيرانية وتعزيز الشعبية المتداعية لرئيس الوزراء نتنياهو، في حين أن الهدف العسكري هو إلحاق أقصى قدر من الضرر بالحرس الثوري الإيراني والمنشآت العسكرية الإيرانية، وخاصة مواقع بطاريات الصواريخ الباليستية، وهذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها الكيان الاسرائيلي محور المقاومة الذي تقوده إيران بالكامل في وقت واحد من خلال مواجهة حماس وحزب الله والحوثيين ووكلاء إيران في سوريا.

إن إيران ووكلائها منخرطون في (حرب غير متكافئة) ضد الكيان الاسرائيلي بالاعتماد على الحرب غير التقليدية، وفي الحرب غير المتكافئة يفوز الطرف المتحارب الذي يتبنى نهجاً غير تقليدي بمعظم المواجهات، ووفقا لنظرية التفاعل الاستراتيجي الشهيرة التي وضعها إيفان اريجوين توفت، فإن المواجهة بين الأطراف القوية والضعيفة، بغض النظر عن الأسلحة والتكنولوجيا، سوف تسفر عن انتصار الضعيف إذا اتبع الضعيف النهج الاستراتيجي المختلف وانتصارا للقوي عندما يستخدم الضعيف نفس النهج الاستراتيجي الذي يستخدمه القوي، فإن النهج الاستراتيجي للضعيف يكون غير مباشر بشكل عام في حين أن نهج البطل القوي في معادلة الصراع يكون مباشر بشكل عام.

إن تحليل إيفان اريجوين توفت لمائتي عام من الصراع البشري يخلص إلى استنتاج مفاده أن الضعفاء كانوا دائماً يفوزون عندما يستخدمون نهج الحرب غير المباشر أو غير المتكافئة، كما يشير مفهوم (العقلانية الآلية) الذي قدمه كلاوزفيتز إلى نتيجة مماثلة للتفاعل الاستراتيجي بين النهجين الاستراتيجيين المختلفين، كان كلاوزفيتز يعني بـ"العقلانية الآلية" استخدام الوسائل العملية كأدوات للتأثير على كائن حي، أي إرادة المنافس كما يشرح برافمان وبيكستروم مفهوم الحرب غير المتكافئة في كتابهما (نجم البحر والعناكب)، حيث يرى المفهوم أن القوة التقليدية تشبه العنكبوت الذي يتمتع بنظام عصبي مركزي واستجابات يمكن التنبؤ بها، في حين أن القوة المتحاربة التي تستخدم تكتيكات غير تقليدية تشبه نجم البحر الذي يتمتع ببنية لامركزية، حيث يمكن لأي مجس مقطوع من الجسم أن يتجدد ويبدأ في العمل بشكل مستقل، بناءً على توجهه الأيديولوجي والعملي.

الإسرائيليون هنا هم العنكبوت الذي يستخدم النهج المباشر ضد نجم البحر اللامركزي والمتجدد، أي حماس وحزب الله الذي على الرغم من النكسات العرضية التي تعرضوا لها في شكل اغتيالات وهجمات بأجهزة اتصال مدعومة بالتكنولوجيا (أجهزة النداء)، يستمر في شن حرب ضد الكيان الإسرائيلي.

تشير النتيجة طويلة الأجل للتفاعل العنيف بين الكيان الاسرائيلي ومحور المقاومة الإيراني إلى هزيمة الكيان وفقا لنظرية التفاعل الاستراتيجي لأريجوين، إذ يجب النظر إلى الصراع الحالي بين إيران والكيان الإسرائيلي في هذا السياق المذكور أعلاه، لقد هاجم الكيان الاسرائيلي إيران بهدف تهدئة المشاعر المحلية واستغلال الفرصة السانحة نتيجة الشلل السياسي الناجم عن الانتخابات في واشنطن، وتجنب الإسرائيليون المنشآت النووية والنفطية في الموجة الأولى من الهجمات هي محاولة لإرضاء الحساسيات الأميركية، وربما تكون إسرائيل تنتظر ضربة أخرى بعد صعود ترامب المحتمل إلى السلطة.

وبالعودة الى مفهوم العقلانية الآلية لكلاوزفيتز، فإن الاستجابة الغريزية للإرادة الإيرانية من شأنها أن تحدد مسار الصراع، قد تتبع هيمنة التصعيد المحتملة لسلم التصعيد من قبل كلا الخصمين النموذج الأفقي على عكس نموذج هيرمان كان الخطي حيث تؤدي خطوة إلى أخرى استجابة لخطوات الخصم المضادة، في نموذج هيمنة التصعيد الأفقي، تُستخدم الدبلوماسية والعقوبات والحروب التجارية وضغوط التحالف كخيوط غير خطية لسلم التصعيد، ومن المرجح أيضا أن تتبع حرب إيران والكيان الإسرائيلي الحالية هذا النموذج.

وبصورة واضحة، سوف تمتص إيران الضربات دون أي رد فعل، وستزن كل الخيارات المتاحة في القائمة في مجال غير متماثل، مستفيدة من نقاط قوتها في الحرب بالوكالة، ولن يتم شن هجوم صاروخي انتقامي إلا بعد تقييم معادلة التكلفة والفائدة للرد، وفي معادلة التكلفة والفائدة لا تحتاج إيران إلى التصعيد في نموذج التصعيد الخطي، بل إن نموذج التصعيد الأفقي باستخدام استراتيجية غير مباشرة من شأنه أن يعود عليها بأقصى فائدة.

إن الصراع التقليدي باستخدام استراتيجية مباشرة لا يصب في مصلحة إيران لسببين: الأول هو قدرتها التقليدية المتواضعة نتيجة للعقوبات، والثاني هو قدرتها النووية في مواجهة الكيان الإسرائيلي، هناك شائعات تدور حول تحقيق إيران لقدرات تخصيب اليورانيوم إلى الدرجة اللازمة لصنع القنابل، مما يعني أنها تقترب من القدرة النووية التشغيلية، ولكن لا يوجد دليل على مثل هذه القدرة حتى الآن، وحتى إذا تم تحقيق مستويات التخصيب المطلوبة، فإن إيران بعيدة كل البعد عن تحويل اليورانيوم المخصب إلى منصة قابلة للتسليم جنباً إلى جنب مع كل آليات التحريك والزناد المعقدة، في حين أن حالة القوات الجوية الإيرانية لا تجعلها أيضًا منصة مناسبة لإيصال الأسلحة النووية، فلا يمكن تكوين الصواريخ الباليستية للاستخدام النووي بسبب افتقار إيران إلى القدرة على التصغير.

لذا في غياب الردع النووي وواقع حالة عجز القوات التقليدية الإيرانية الناجم عن العقوبات، لم يتبق للإيرانيين أي خيار سوى الاستمرار في الاعتماد على الحرب غير المتكافئة، إذا قامت إيران بالرد بشكل غريزي وأطلقت صواريخها الباليستية (وفقًا لمصادر أمريكية، لديها 3000 صاروخ باليستي وصواريخ كروز بما في ذلك صاروخ ماخ 5 وصاروخ فاتح 1 فائق السرعة)، فإن لدى نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي المكون من ثلاث طبقات، ومن خلال المساعدة النشطة من حلفائها، القدرة على اعتراض عدد كبير من هذه الصواريخ، إذ يتألف نظام الدفاع الإسرائيلي متعدد الطبقات من القبة الحديدية (4-70 كم) وصاروخ أرو 2 الباليستي متوسط المدى (100-150 كم) وصاروخ أرو 3 الباليستي العابر للقارات (2400 كم).

كما أن بطارية الدفاع الجوي ثاد التي سلمتها الولايات المتحدة للكيان قادرة على توفير دفاع فعال في مدى متوسط الارتفاع تماما مثل أرو 2، وكما هو واضح مع قدرات المراقبة الفضائية والجوية للولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى متحالفة، فإن فرص الصواريخ الإيرانية في اختراق درع الدفاع الجوي الإسرائيلي ضئيلة، خاصة عندما تكون في حالة تأهب قصوى، إننا نعود إلى الحرب غير المتكافئة التي تشنها إيران وحلفاؤها باعتبارها العقلانية الوحيدة الفعالة في معادلة الصراع ضد الكيان الإسرائيلي المجهز نووياً والمتفوق تقليدياً، وفي حين أن التكتيكات غير المتكافئة التي تنتهجها إيران وشبكتها بالوكالة سوف تستمر في إزعاج إسرائيل إلى أن تفشل في حل السبب الأساسي للصراع، فإن الغطرسة النووية والقدرات التقليدية التي تدعمها الولايات المتحدة سوف تستمر في تشجيع إسرائيل على تجنب معالجة السبب الجذري للصراع، إن المساعدة الأميركية والقدرات النووية تمنح إسرائيل الجرأة على السعي إلى نهاية العالم دون أن تدرك العواقب.

قد تهدأ دوامة التصعيد الحالية للصراع الإيراني الإسرائيلي مؤقتاً، ولكن من الذي سوف يمنع الكيان الاسرائيلي من البدء فيها مرة أخرى؟ إن أعظم المخاوف هو أنه إذا فُقدت الثقة في قدرة المجتمع الدولي على كبح جماح الكيان الإسرائيلي، فإن أحد أعدائها (ربما إيران) سوف يتبنى نفس الدليل الذي يستخدمه الكيان الإسرائيلي ويحصل على القدرة النووية فضلاً عن رعاية قوة عالمية، مكرسة لقضية الدفاع الإيرانية بنفس القدر الذي تكرسه الولايات المتحدة لقضية إسرائيل، والسؤال المهم هنا: هل بقي في العالم أي حاضرة للحنكة السياسية قادرة على تجنب السيناريو المروع المذكور أعلاه؟.

.............................................

الآراء الواردة في المقالات والتقارير والدراسات تعبر عن رأي كتابها

*مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2024 Ⓒ

http://mcsr.net

اشترك معنا على التلجرام لاخر التحديثات
https://t.me/infomscr
التعليقات