ارتبط الكيان الإسرائيلي بعد انتقاله من مرحلة الاستيطان الى مرحلة تأسيس كيانه الخاص او ما يعرف بالدولة من طور الحماية البريطانية الى طور الحماية الأمريكي، اذ كانت الولايات المتحدة الامريكية الراعية والحامية للكيان الإسرائيلي منذ تأسيس ذلك الكيان في أيار/مايو 1948، وأخذت المسألة الإسرائيلية في تصاعد الاهتمام بالسياسات الداخلية والخارجية الامريكية، ويعود هذا الاهتمام الى جملة أسباب أهمها الجانب الأيديولوجي، ووجود اللوبي الإسرائيلي المؤثرة في الولايات المتحدة، صحيح ان هناك تباين امريكي من الموقف الاحتلالي لإسرائيل تجاه الأراضي والمدن الفلسطينية، وهناك اختلاف تاريخي تصارعي ما بين اليهودية والمسيحية الذي نشب في الغرب في حقب تاريخية مختلفة قبل تأسيس الكيان الإسرائيلي، ولا يتخلف الامريكيون عن غيرهم تجاه ذلك الصراع.
فقد اتسم الموقف الأمريكي بالحماية والدفاع تجاه إسرائيل لأسباب ربما لأن الكيان مزروع في منطقة مثل الشرق الأوسط التي تكثر فيها الاضطرابات الى جانب كونها بلدان تشكل أهمية جيواستراتيجية بالنسبة لدول العالم لاسيما الدول الكبرى، من هنا عكف الرؤساء الأمريكيون في الإدارات الأميركية المتعاقبة على إلقاء خطب أمام المؤتمر السنوي للجنة الأميركية للشؤون العامة لإسرائيل (آيباك)، تأكيداً لدعمهم للحليفة إسرائيل، وكسباً لأصوات اللوبي اليهودي المتغلغلة في دواليب السلطة بالولايات المتحدة.
وعلى الرغم من اختلاف او تباين الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول التعامل مع ملفات الشرق الأوسط لكنهما يتفقان حول أولويات دعم الكيان الإسرائيلي، وقد حاولت اكثر من إدارة أمريكية في البيت الأبيض من إيجاد تسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومن ذلك مبادرات السلام وما تمخض عنها من حلول ومنها مسألة حل الدولتين على ان تكون القدس مدينة دولية لكن سرعان ما يكون هناك بطأ او اخفاق في تحقيق ذلك سواء من إسرائيل نفسها او من الولايات المتحدة، ومن ذلك ما فعله الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل وما عد خروج عن كل التسويات السابقة إضافة الى الانحياز الكامل لإسرائيل ومحاولته الى المضي بما سمي بصفقة القرن التي احدى اهم أهدافها اخضاع الدول العربية بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي.
ومع استمرار العدوان الإسرائيلي بالقتل والاعتداء والاستيطان والدعم اللامحدود من الإدارات الامريكية طورت المقاومة الفلسطينية من ادواتها لترد على الكيان الإسرائيلي وتمثل ذلك بما سمي بعملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين اول 2023 حيث هاجمت كتائب القسام التابعة لحركة حماس عدة اهداف إسرائيلية منها اهداف عسكرية ومخابراتية ليقابله مباشرة ردة فعل إسرائيلية غير مسبوقة أيضا تمثلت بالاستهداف الشامل للأرواح والبنية التحتية في قطاع غزة فيما تمثلت الأهداف الكبرى لديها باجتياح القطاع والسيطرة عليه والعودة بالقطاع لما كان عليه قبل عام 2005 حيث السيطرة الإسرائيلية بعد نكسة 1968، والقضاء على حركة حماس بالكامل، ويأتي الموقف الأمريكي هنا بكل وضوح بالدعم للعمليات الإسرائيلية بالقضاء على مصادر حركة حماس العسكرية فيما تباين موقف إدارة بادين من خطة حكومة نتنياهو من احتلال والسيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة مع ان كل اقطاب حكومة بايدن قالوا في عدد من التصريحات بانهم يقفون بالكامل مع إسرائيل ووصلت تلك التصريحات الى حد التطرف بتبرير الهجمات العدوانية وأدوات القتل الإسرائيلية بحق العزل من قتل الأطفال والنساء لكن يبدو ان إدارة بايدن تدرك مخاطر اهداف حكومة نتنياهو وما قد تثيره من تداعيات أولاً على المستوى الداخلي الإسرائيلي، وثانياً على المستوى الإقليمي من توسع دائرة الحرب وانتقالها من الدائرة المحلية الى الدائرة الإقليمية، وما قد تبعها من تداعيات عالمية.
من هنا قد صرح الرئيس الأمريكي جو بايدن اكثر من مرة من إن إسرائيل سترتكب خطاً كبيراً إذا احتلت غزة، وأشار بايدن الى أن إسرائيل لديها واحدة من أفضل القوات مشددا على أن بلاده ستمدها (بكل ما تحتاجه). وأضاف سنبذل كل ما في وسعنا للعثور على من لا يزالون على قيد الحياة من الأسرى الذين تحتجزهم حماس في غزة وإطلاق سراحهم. وفي ذات الوقت أكد بايدن على القضاء على حركة حماس بالكامل لكن يجب أن تكون هناك سلطة فلسطينية وطريق لدولة فلسطينية. وأضاف القضاء على حزب الله في الشمال وحماس في الجنوب ضرورة. وحذر بايدن إيران وحزب الله من تصعيد الحرب أو عبور الحدود إلى شمال إسرائيل.
ومما تقدم فأن الموقف الأمريكي بقدر ما يراعي الحفاظ على إسرائيل لأسباب مصلحية وايديولوجية وسياسية فأنه بذات الوقت يدرك مخاطر استمرار وتطرف حكومة نتنياهو في تعاملها ونهجها مع الجانب الفلسطيني، ومن ذلك العملية البرية الإسرائيلية باجتياح غزة التي لم تمكنها من السيطرة على القطاع بالرغم من مرور شهرين من الهجمة الإسرائيلية، واذا نجح الخيار الإسرائيلي من السيطرة على قطاع غزة سيضع الجانب الإسرائيلي والمنطقة العربية والوضع الإقليمي امام مشاهد أخرى ابرزها توسع دائرة الصراع وهذا ما لا يريده الجانب الأمريكي، وسيضعه بحرج كبير كما لا ترغب فيه الأطراف الإقليمية مثل ايران.