بقلم: د. راشد والي جانجوا/ مدير معهد إسلام آباد للبحوث السياسية
تنتهك الهند قوانين مكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال الصادرة عن مجموعة العمل المالي لتضييق خناق المعارضة، حيث أدى مقتل المواطن الكندي هارديب سينغ نيجار، بموافقة الدولة الهندية على الأراضي الكندية في حزيران 2023، إلى إثارة صرخة من قبل رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو في مجلس العموم الكندي وكذلك في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة حول مزاعم الاغتيال الموجهة إلى عملاء الحكومة الهندية. كانت لهجة ومضمون رئيس الوزراء المتضرر توحي بالسخط أثناء مطالبته بالتعاون مع الحكومة الهندية (للوصول إلى جوهر القضية). كان رد الحكومة الهندية ردا كلاسيكيا في إيجازه وغطرسته، كذلك الحال عندما اختارت الحكومة الهندية كلمة (سخيف) ردآ محترما لطلب رئيس الوزراء الكندي والذي يعتبر في جوهره ردآ فظا.
الرد كان متوقعا من دولة ترفض أن تكون جزءا من النظام الدولي والقانون الدولي. لسوء الحظ، منحت المنافسة على القوى العالمية دورا إقليميا للهند في السعي لتحقيق تفوق جيوسياسي في جنوب آسيا ومنطقة المحيط الهادئ الهندية، والذي وصل الى التباهي وهو نتاج سياساته الداخلية كما هو نتاج علاقاته الخارجية. فعلى المستوى الداخلي، تقع الهند في قبضة إيديولوجية دينية تعمل على إعادة تعريف القومية الهندية من خلال نبذ الأقليات، ولقد استحوذت سلالة غير متسامحة من قومية الهندوتفا على السياسة الهندية، حيث أصبح حزب بهاراتيا جاناتا وجها سياسيا لها. وعلى المستوى الدولي، فقد تم منحها تفويضاً مطلقاً لتحريك أي مشورة عاقلة بسبب وضعها كبيدق في خدمة قوى عالمية لاحتواء قوى عالمية أخرى.
الحقيقة الاخرى هو أن الهند تنتهك باستمرار قوانين مكافحة الإرهاب ومكافحة غسيل الأموال الصادرة عن مجموعة العمل المالي لخنق المعارضة ومهاجمة المنظمات غير الحكومية الدولية التي تعمل من أجل حماية حقوق الإنسان للأقليات. فقد أوصت منظمة العفو الدولية (AI) في تقرير صدر مؤخرا بضرورة استشارة مجموعة العمل المالي (FATF) مع جميع المنظمات غير الحكومية الدولية التي عانت من سوء استخدام الهند لقوانين مجموعة العمل المالي (FATF) أثناء التقييم الأخير لامتثال الهند للمبادئ التوجيهية لمجموعة العمل المالي (FATF)وذكرت منظمة العفو الدولية على وجه الخصوص القوانين الصارمة مثل قانون منع الأنشطة غير المشروعة، وقانون منع غسيل الأموال، وقانون تنظيم المساهمة المالية، والتي ينبغي إلغاؤها لصالح نظام استثمار أجنبي شامل وعادل.
يأتي هذا التقرير قبل وقت قصير من بدء عملية التقييم المتبادل التي تقوم بها مجموعة العمل المالي للهند في الأسبوع الأول من شهر كانون الاول، ويعد بمثابة إدانة دامغة لسجل الهند في مجال حقوق الإنسان وإساءة استخدام قوانين مجموعة العمل المالي. لقد وضعت حكومة ناريندرا مودي نفسها بالفعل في مرمى التدقيق الدولي فيما يتعلق بغسيل الأموال بسبب الامتيازات الممنوحة لأصدقائها من الشركات، مثل غوتام أداني، الذي تم الكشف عنه باعتباره أكبر منتهكي نظام مكافحة غسيل الأموال من خلال تقرير هيندنبورغ الأمريكي. ولذلك يبدو أن النظام القائم على القواعد والقانون الدولي يشكلان لعنة في نظر الهند التي لديها الجرأة للإستهزاء بتقرير منظمة العيون الخمسة الذي تم التحقق منه حول اغتيال نيجار. وبدلاً من إظهار الندم والحزن، اختارت الهند اتهام كندا بإيواء الإرهابيين على أراضيها.
وسحبت كندا بالفعل 41 دبلوماسيا بعد أن هددت الهند بتجريدهم من حصانتهم الدبلوماسية وأوقفت نشاطها القنصلي في شانديغار ومومباي وبنغالورو. أدانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إصرار الهند على تقليص الوجود الدبلوماسي الكندي في الهند وحثتاها على التعاون مع كندا في محاولات التحقيق في مقتل السيخي الكندي. ولكن من المؤسف أن النفعيات الجيوسياسية منعت الغرب من ممارسة الضغوط اللازمة لإجبار الهند على التعاون مع الحكومة الكندية في التحقيقات بجريمة القتل. والأمر واضح بجلاء هو أن الهند لن تبدي أبدا مسؤوليتها عن جريمة القتل، وسوف تعرقل دائماً كل الجهود الدولية الرامية إلى تقديم القتلة إلى العدالة.
فما هي إذن الخيارات القانونية وفقا للقانون الدولي مع كندا؟ لقد تم الكشف عن القانون الدولي كأداة فعالة لتوفير العدالة للمتضررين وخاصة الضعفاء. ووصف رئيس الوزراء ترودو جريمة القتل بأنها (انتهاك غير مقبول للسيادة الكندية). والسؤال هو: ما الملاذ القانوني الذي يمكن أن تسعى إليه كندا بموجب القانون الدولي؟ إن التركيز على السيادة وليس على حقوق الإنسان الفردية، يدل على الموقف الكندي المناهض لتطبيق القانون الإنساني الدولي خارج الحدود الإقليمية. وهذا يترك كندا لتستدعي المادة 2 (4) من ميثاق الأمم المتحدة التي تحظر على الدول التدخل بالقوة في السلامة الإقليمية للدول الأخرى، بالإضافة إلى المادة 51 التي تسمح بأي إجراء بموجب (الحق في الدفاع الفردي أو الجماعي عن النفس)، إذا كانت الادعاءات الكندية ذات مصداقية فإن الهند قد انتهكت (حق نيجار في الحياة) بموجب المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ومع ذلك، فإن الهند ليست من الدول الموقعة على البروتوكول الاختياري الأول للعهد الذي يمكن بموجبه عرضها على لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. والخيار الآخر هو محاكمة القتلة بموجب القانون المحلي الكندي، حيث يتعين على الحكومة الكندية تقديم طلب لتسليم المشتبه بهم في جرائم القتل على الرغم من وجود معاهدة لتسليم المجرمين بين كندا والهند، إلا أن كندا أعادت ستة هاربين فقط إلى الهند حتى عام 2020، مما يجعل التعاون الهندي غير مرجح إلى حد كبير.
والخيار التالي المتاح هو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، ولكن موافقة أحد الطرفين ضرورية لتحقيق ذلك وهو أمر غير متوقع في حالة الهند. إن الاحتجاج بالولاية القضائية العالمية من قبل دول مثل أستراليا وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى في الماضي وحاليا من قبل ليتوانيا وألمانيا وإسبانيا والسويد يجسد هذا الخيار. قد يواجه استخدام خيار محكمة العدل الدولية مشكلة فيما يتعلق بمسألة الموافقة، لكن رفع القضية من قبل عائلة نيجار في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لا ينبغي أن يعترض عليه قانون الحكومة الكندية الذي يمنع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في الخارج من رفع دعاوى ضد حكومات أجنبية وعملاء أجانب في كندا.
بالنسبة لجميع الخيارات المذكورة أعلاه، فإن أهم شيء هو الدليل، حيث تحتاج الحكومة الكندية أولاً إلى إثبات إسناد الجريمة إلى الحكومة الهندية. تنعكس قواعد الإسناد بموجب القانون الدولي في المقالات المتعلقة بمسؤولية الدولة الصادرة عن لجنة القانون الدولي. وتحدد المادتان 5 و8 من فقرات القانون الدولي الظروف والسيناريوهات التي يمكن بموجبها إسناد الجريمة إلى طرف ما، ويجب أن تحدد هذه الشروط بوضوح ما إذا كان الشخص يتصرف بناءً على تعليمات الدولة أو تحت سيطرتها وبعد إثبات الإسناد، ينبغي أن تكون الأدلة المقدمة مقبولة قانونية وملموسة.
في هذه الحالة، تواجه كندا احتمالات كبيرة لتلفيق تهمة لدولة قاتلة، ويبدو كما لو أن الدبلوماسية والدعاوى القانونية لن تجعل الأمور سهلة بسبب الجغرافيا السياسية للنفعية المتبعة في النظام السياسي الدولي.