يمكن للمتابع في الشأن العراقي ان يقيم حجم التنافس بين الدول الكبرى في العراق من خلال تحركات سفراء الدول الأجنبية، فمن خلال زيارة سفراء هذه الدول يتضح ان هناك تنافساً ملحوظاً في بلد صغير بحجمه، كبير بطاقاته وثرواته وموقعه الجيوستراتيجي مثل العراق من خلال مجموعة عناصر، فبحكم التحركات مثلاً التي يقوم بها سفراء كل من الولايات المتحدة من جانب والصين من جانب اخر تدلل على حجم التنافس بين الدولتين على العراق، مثلاً خلال فترة اقل من عام التقت السفيرة الامريكية ألينا رومانوسكي اكثر من سبعين مرة بشخصيات عراقية من مختلف المشارب والانتماءات لاسيما الشيعية المحافظة منها مثل قوى الاطار التنسيقي والمؤسسات التي ينتمون لها خاصة على مستوى الوحدات الفاعلة في البلد سياسياً واقتصادياً وحتى اجتماعياً حيث هناك لقاءات حتى على مستوى شيوخ القبائل والعشائر في البلد.
من جانب ثاني يشارك السفير الصيني في العراق تسوي وي أيضا في فعاليات سياسية واقتصادية واجتماعية، اذ تشير الصين ضمن رؤيتها للعالم وشأنها في ذلك شأن اغلب الدول الصاعدة لاسيما روسيا من ان العالم غادر الأحادية القطبية، واتجه الى عالم متعدد الأقطاب وبالتالي لا يحق للولايات المتحدة الامريكية وغيرها ان تتحكم بمفردها في العالم مستفيدة -أي الصين- من حالة التراجع التي تشهدها الولايات المتحدة داخلياً وخارجياً منذ حرب العراق في عام 2003 وصولاً الى يوما هذا لاسيما تراجع نفوذها في عدد من الدول مثل الخليج، وخسارة أخرى في عدد من الدول مثل العراق، حيث لم تكن تتوقع ان يكون العراق مثلاً ان يصبح محل نفوذ خصومها مثل الصين وروسيا ودول إقليمية مثل ايران وتركيا وما الى ذلك، فالولايات المتحدة تنطلق من العراق كونها تعد البلد المحرر له من الديكتاتورية، وارادت من خلال العراق ان يكون نقطة نفوذ باتجاه دول الشرق الأوسط او في اطار ما كان يسميها بعض رؤساء البيت الأبيض بدول الشر مثل ايران إضافةً الى اللحاق العراق ضمن الدول الحليفة بالمحور الأمريكي لكن يبدو ان توقعات الولايات المتحدة لم يكتب لها ما ارادت حيث اصبح العراق ضمن اطار المحاور الدولية والإقليمية، وربما الدور الذي تقوم بها السفيرة الامريكية هو رسم سيناريوهات جديدة للعراق من خلال وضع العراق ضمن قائمة حلفاء الولايات المتحدة.
وهي هنا تحقق مكسبين في وقت واحد: الأول احراج حلفاء ايران في العراق وبالتحديد قوى الاطار التنسيقي الذين يمسكون بزمام الحكومة في البلد كون اغلبهم يرفعون لواء المقاومة ومناهضة الوجود الأمريكي بكل اشكاله في العراق، من جانب ثاني تجبر السفيرة الأمريكية الأطراف السياسية على المضي بالاستراتيجية الامريكية في العراق، وهنا يكون امام حلفاء ايران مواجهة عدد من السيناريوهات وفي مقدمتها اما الرفض وهنا يكون محل تصادم مع الولايات المتحدة لاسيما في ظل التكهنات عن نية المجتمع الدولي بتعديل مسار العملية السياسية واقصاء الأطراف الحاكمة منذ عام 2003، او القبول الحرفي بأجندات الولايات المتحدة.
يأتي ذلك في ظل تصارع المشاريع الدولية في العراق فالولايات المتحدة تريد ان تربط العراق ضمن الاستراتيجية الامريكية في منطقة الشرق الأوسط في حين ترى الدول الأخرى مثل الصين وروسيا وحتى ايران بقاء العراق ضمن اطار النفوذ الشرقي، وهذا ما عبر عنه السفير الصيني في العراق مؤخراً بأن الصين لديها علاقة تاريخية مع العراق وترتبط معه بمصالح تجارية وأخرى تتعلق بالنفط والطاقة وان العراق مهم بالنسبة للصين في مبادرة الحزام والطريق، والصين تريد من العراق ان تستثمر ببعض الاجندات التي تريد ربط العراق بالصين عبر ما يعرف بمبادرة الحزام والطريق الصينية والاستفادة من ابعادها وأهدافها، يأتي ذلك في ظل هلامية هذه المبادرة بالنسبة للعراق والحكومات العراقية وهذا ما صرح به عدد من المسؤولين داخل حكومة السيد السوداني ذاتها من انها لا تمتلك أي وثيقة او اجندات لهذه المبادرة وما الذي تعنيه للعراق.
وبالأخص الحضور الكبير للشركات الصينية في العراق بمختلف القطاعات لاسيما قطاع الطاقة والكهرباء، منوها الى التعاون التجاري العالي بين العراق والصين حيث تشكل الصين أكبر مصدر تجاري للعراق. وفي ذات السياق أشار السفير الصيني من ان هناك عدة مشاريع اقامتها الصين في قطاع الكهرباء، ومجال الطاقة المتجددة، ويمكن للحكومة العراقية تطوير مختلف القطاعات الاقتصادية ومنها قطاع الطاقة.
كما لم يخفي السفير الصيني في العراق التنافس المتصاعد بين مشروع الولايات المتحدة الامريكية وجمهورية الصين الشعبية في منطقة الشرق الأوسط عموماً والعراق على وجه الخصوص، في الوقت ذاته ان الصين لا تفكر في تعكير العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية لكنها لن تقف مكتوفة الايدي امام محاولات ما وصفها السفير الصيني بالهيمنة، ففرض العقوبات على الصين مثلاً في مجال التكنولوجيا المتطورة امر ترفضه الصين، وتأمل في ذات السياق بان يكون هناك تعاون وتعايش سلمي مع الولايات المتحدة الامريكية.
ومما تقدم، يتضح ان هناك تنافساً دولياً لاسيما بين الولايات المتحدة الامريكية من جانب، والصين من جانب اخر حول العراق ويتراوح هذا التنافس ما بين الاجندات الاقتصادية والاستثمارية والنفوذ السياسي والمهم بالنسبة للعراق الذي لا يزال بعد مرور عشرون عاماً من تغيير نظامه الشمولي بالقوة الدولية التي قادتها الولايات المتحدة الامريكية، معالجة الكثير من المشاكل الخدمية والعمرانية وعدم الاستقرار السياسي وغياب المشاريع الاستراتيجية، ومن المفترض في ظل هذا التنافس ان يوظفه لصالح تطوير وبناء البنية التحتية والقطاعات الحيوية لاسيما قطاع الطاقة من نفط وغاز وما الى ذلك وان تكون سياسته الخارجية نابعة من ايمانه داخليا بالعلاقات المتكافئة القائمة على أساس الحياد واحترام سيادة العراق والمعاملة بالمثل والا يبقى مرتهن بالقرارات الخارجية التي هي ذات سيناريوهات غير واضحة المعالم وقد تجعل العراق في نقطة البداية او اخطر من ذلك.