شنت اسرائيل مطلع بداية العام الجديد ٢٠٢٣ غارات استهدفت مطار دمشق الدولي ووضعته خارج الخدمة لساعات، قتل خلالها اربعة اشخاص اثنين منهم سوريين في حين لم تحدد هوية الشخصين الاخرين، وتعد هذه الحادثة رسالة من المتشدد اليمني المحافظ بنيامين نتنياهو الذي استلم مهامه رئيسا للوزراء حديثا الى إيران تتضمن نمطا تصعيديا ضدها خاصة ان هذه الغارات كما صرحت وسائل اعلام اسرائيلية والمرصد السوري لحقوق الانسان استهدفت مواقع لحزب الله اللبناني ومجموعات موالية لإيران داخل مطار دمشق وفي محيطه بينها مستودع أسلحة.
هذه الرسالة بمثابة تأكيد على أن إسرائيل لن تسمح أبدا لإيران ببسط نفوذها على سوريا المجاورة لها، كما تمثل هذه الغارات جزءا من تطلعات الجيش الإسرائيلي لعام 2023 وتعبير عن توجهات الحكومة الجديدة.
فوز بنيامين نتنياهو المعارض المتشدد للاتفاق النووي مع إيران، في الانتخابات التشريعية الأخيرة كان بتحالفه مع حزبي الصهيونية الدينية، والقوة اليهودية، وبالتالي ستكون حكومة ذات خط محافظ للغاية بشأن قضايا الهوية والأمن القومي، وبالتالي الضربات الإسرائيلية تفسر على أنها رسالة حازمة تجاه إيران في بداية العام الجديد.
من المرجح ان نتنياهو سيصعد من حملته ضد إيران عندما يلتقي الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد عدة ايام قليلة، إذ سيواصل الدفاع عن سياسة الضغوط القصوى في مواجهة طهران مع جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة وأنصاره في الكونجرس وخاصة الجمهوريين.
أما بالنسبة لإيران فإن التوجه سيكون بمواصلة العمل على تخصيب القنبلة النووية بشكل علني خاصة أن تخصيب اليورانيوم بلغ نسبة 60٪ مما يقلل من وقت التخصيب المخصص لصنع الأسلحة إلى أسابيع قليلة.
إسرائيل تخشى جدا عواقب هذا التخصيب وتعرف جيدا ان ايران تمتلك وسائل ردع قوية وحيوية في المنطقة لهذا تهدد تل ابيت بضرب منشآت ومصالح ايرانية متعددة في سوريا ومناطق اخرى، وتسعى إلى تشكيل تحالف مناهض لإيران يضم الولايات المتحدة وأوروبا ودول الخليج لتعزيز ردعها. لكن لا يبدو هذا الخيار قريب من التحقق، خاصة بعد التقارب الروسي الايراني المتصاعد في الحرب ضد اوكرانيا اذ زودت ايران روسيا بمئات الطائرات المسيرة من طراز (شاهد) التي اسقطت أوكرانيا اكثر من خمس وأربعين طائرة من هذا الطراز أطلقتها روسيا ليلة رأس السنة الجديدة، فلم تتحرك واشنطن واوروبا او يقلقوا حتى من صعود العلاقة بين روسيا وايران، ولم يكن هنالك اي تحرّك واضح من قبل المجتمع الدولي، ولم تتمخض اي جبهة دولية مضادة لهذا التعاون والشراكة الدفاعية المتكاملة بينهما. خاصة ان ايران تستفيد من قيام روسيا بتزويدها بأنظمة دفاع جوي تعزز قدراتها الدفاعية والعسكرية، وبالتالي فإن حصول ايران على تلك الأنظمة سيجعلها أكثر قدرة على تشكيل تهديد وجودي ضد اسرائيل واكثر قدرة ايضا على حماية البنية التحتية لتطوير سلاحها النووي المرتقب، الذي ما زالت القوى الغربية والولايات المتحدة تراوح مكانها في اتخاذ موقف حاسم تجاهه، كما الحال تجاه سلوك إيران التوسعي في المنطقة.
اسرائيل متخوفة من الصوت الخافت تجاه إيران غربيا والذي يبدو لها انه سلوك غير مفهوم، ولهذا عليها ان تتحرك لتغيير ميزان التوازن الاقليمي في منطقة الشرق الاوسط لصالحها، وبدأت بخطوات تصعيدية ليس ازاء ايران وسوريا فحسب، انما ازاء القضية الفلسطينية وبدأت الحكومة الجديدة بالاستعراض الاستفزازي لمشاعر المسلمين في الاراضي المحتلة وايضا الدول العربية بما فيها دول بدأت بخطوات التطبيع مع اسرائيل كالإمارات العربية المتحدة، اخرها اقتحام باحة المسجد الاقصى في القدس الذي قام به إيتمار بن غفير وزير الامن الوطني في حكومة نتنياهو، في محاولة لزعزعة الاستقرار الدبلوماسي الاقليمي ومحاولة افتعال أزمة دبلوماسية واحراج المجتمع الدولي الداعم لإسرائيل، وارغام الغرب للسكوت عن الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للقانون الدولي، مثل إنشاء وتوسيع المستوطنات وغيرها والتي كانت من بين الأسباب التي دفعت وشجعت الوزير المتطرف على القيام بهذه الخطوة وفرض أمر واقع جديد على الفلسطينيين، في حالة تعطي دلالات عديدة منها محاولة اسرائيل دفع واشنطن لدعم حكومة نتنياهو الجديدة وعدم التسامح مع ايران وسلوكها في المنطقة اضافة الى عرقلة الاتفاق النووي الايراني مع الغرب، عبر الاستمرار بشن غارات مباشرة ضد المصالح الايرانية وحلفاءها في المنطقة.
عودة نتنياهو الى السلطة في ظل تحالف يميني متشدد وفي ضوء المتغيرات الاقليمية والتحولات الدولية الجارية من المحتمل أن تتأثر المنطقة بحالة عدم الوضوح وعدم الاستقرار، وستؤثر على التزام الولايات المتحدة تجاه دول الشرق الأوسط وبحالة المنافسة بين الولايات المتحدة وروسيا والصين والموقف من ايران واسرائيل، خاصة ان عديد من دول هذه المنطقة تعتمد أمنياً على واشنطن بشكل أساسي، ما يضع صانعوا السياسات الحكوميين في منطقة الشرق الأوسط في موقف اضطراري مرة بعد أخرى إلى الموازنة بين الأمن الخارجي والداخلي وضروراته من جهة، وبين الاهتمامات القومية والعرقية من جهة اخرى، ما يعني اعادة النظر بالعديد من المواقف والثوابت، وتغيير في موازين القوى صوب الانزياح بشكل جذري عن توازنه السابق أحادي القطب، نحو نظام عالمي متعدد القطبية يختل فيه ميزان القوى، ما يعني استمرار التحديات المتصاعدة في المنطقة والعالم.