اهم مخرجات القمة التي ضمت عدة دول عربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية من جانب وبين الصين من جانب آخر، التوقيع على استراتيجية شاملة بين السعودية والصين ويعد هذا تحول نوعي في منطقة الشرق الأوسط ومن ضمنها المنطقة العربية التي ظلت لسنوات تحت سيطرة ونفوذ الغرب وبالخصوص الولايات المتحدة الامريكية سياسيا واقتصاديا وامنيا.
كل المؤشرات والبروتكولات والاتفاقيات التي سارت عليها المملكة العربية السعودية في عهد إدارة بايدن تدل على تحول في العلاقات الخارجية للسعودية باتجاه الولايات المتحدة وخصومها من الصين الى روسيا وربما حتى إيران او ربما يكون عامل مساعد لتقارب امريكي- إيراني في قبالة التقارب الصيني الروسي- الخليجي، لأول مرة في تاريخ السعودية تعقد قمة تضم عدة دول عربية مع الصين تستمر لمدة ثلاثة أيام من 7 الى 10 من شهر كانون الثاني عام 2022، كما تشير حفاوة الاستقبال للرئيس الصيني من قبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على حجم الاهتمام السعودي بالجانب الصين.
تشير المعطيات الى ان السعودية بدأت في التحول منذ اللحظات الأولى من سطوة الولايات المتحدة التي مثلتها إدارة ترامب، وإدارة بايدن رغم ادواتها الناعمة في التعاطي مع المسائل الخارجية، ومن ثم وقوف دول الخليج على الحياد من الحرب الروسية من جانب، وأوكرانيا من جانب ثاني المدعومة من الغرب والولايات المتحدة وصلت الى حد زيارات لروسيا من قبل بعض دول الخليج في الوقت الذي تمثل الحرب هذه عدوانا على حلف الناتو، وتريد الولايات المتحدة معاقبة روسيا ووضع حد لعدوانها وتدخلها في شؤون الدول الغربية ومنها الولايات المتحدة أيضا في قضية الانتخابات الرئاسية في عهد ترامب.
الجانب الثالث الذي يدلل على التحول في العلاقة هو إصرار السعودية عبر منظمة أوبك بلس، تخفيض الصادرات النفطية للدول المصدرة للنفط وهو ما يعني زيادة حجم الصادرات النفطية فقد اتفقت السعودية وروسيا في إطار أوبك بلس على خفض الإنتاج، وهو الأمر الذي هدد برفع أسعار النفط العالمية وبالتالي أسعار الوقود داخل الولايات المتحدة، وهو أمر محرج سياسيا لبايدن، واضطر الاخير إطلاق كميات كبيرة من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي الأمريكي لطمأنت الأسواق والسيطرة على الأسعار لكنه عبر عن استياءه من القرار السعودي، وبالتالي يعني المساهمة في تقليل العقوبات الغربية المفروضة على روسيا ومما يعني أيضا عدم تأثر روسيا بهذا العقوبات أثر زيادة صادراتها من الطاقة.
وتأتي القمة الصينية العربية برعاية سعودية لتمثل نقطة تحول بارزة في تراجع العلاقات الامريكية السعودية، في وقت تحاول الولايات المتحدة ان تمنع تواصل التمدد الصيني خصوصا في مجالات الاقتصاد والاستثمارات في منطقة الشرق الأوسط مما يعني ذلك تفوق الصين رسميا على الولايات المتحدة. من هنا يعرض التساؤل الأساس عن تداعيات القمة الصينية في السعودية على مستقبل العلاقات الخليجية الامريكية، ومستقبل الدعم والنفوذ الأمريكي في هذه الدول؟ قبل الإجابة عن هذه التساؤل لابد من عرض ملامح استراتيجية الموقع عليها من قبل الصين والدول العربية وفي مقدمتها السعودية.
وقعت السعودية والصين مجموعة من الاتفاقيات بحسب مواقع إخبارية ومراكز بحثية، التي شملت مجالات من بينها الطاقة والبنية التحتية، بقيمة حوالي 30 مليار دولار، حيث تسعى الصين إلى النهوض باقتصادها الذي تضرر بفعل جائحة كوفيد 19، بينما تتطلع السعودية إلى تنويع تحالفاتها الاقتصادية والسياسية، وبثت وسائل إعلام سعودية صورا للقاء بين الزعيم الصيني وولي العهد السعودي في قصر اليمامة بالرياض. وقالت وكالة الأنباء السعودية إن الزعيمان أشرفا على توقيع اتفاقيات في مجال الطاقة تتعلق بالهيدروجين، بالإضافة إلى خطة لـ"التوفيق بين الإصلاح الاقتصادي والعمراني في السعودية المعروفة باسم "رؤية 2030" ومبادرة الحزام والطريق الصينية التي تكلف تريليونات الدولارات، وقالت وكالة الأنباء السعودية أيضاً إن الاتفاقيات الموقعة تشمل مشروعا للبتروكيماويات وتطوير مشاريع إسكانية وتعليم اللغة الصينية، دون أن تقدم تفاصيل حول مضمونها أو القيمة المالية لها. ويعتبر ولي العهد السعودي الصين شريكا مهما في أجندة رؤيته الشاملة "رؤية 2030"، حيث يسعى إلى مشاركة الشركات الصينية في مشاريع طموحة عملاقة تهدف إلى تنويع مصادر الدخل بعيداً عن أنواع الوقود الأحفوري.
وبقدر توقيع العديد من الاتفاقيات والتفاهمات، ولكن الملف الذي لم يكن حاضرا بقوة في الإستراتيجية السعودية- الصينية الجديدة هو الملف الأمني والعسكري. صحيح أن للسعودية تعاونا أمنيا وعسكريا مع الصين ولكنه لا يقاس بدرجة علاقتها التاريخية في هذا المجال مع الولايات المتحدة، والمنافسة الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة هي من أبرز العوامل المؤثرة على حركة السياسة العالمية في القرن الحادي والعشرين.
اما على مستوى انعكاسات الاتفاقيات والتفاهمات الاستراتيجية بين الصين والسعودية على مستقبل العلاقات السعودية الامريكية فقد لا تريد الولايات المتحدة لهذه المنافسة أن تؤدي إلى تراجعها إلى ما دون المركز الأول الذي تحتله وتتربع عليه منذ نهاية الحرب الباردة بحسب خبراء. اذ كان الرئيس الأمريكي جو بايدن واضحا عندما زار السعودية الصيف الماضي فقد قال إن الولايات المتحدة لا تنوي الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط وترك فراغ تحتله الصين أو روسيا أو إيران. وللصين طبعا منزلة خاصة بين تلك الدول المنافسة للولايات المتحدة، فهي الأقوى اقتصاديا بفارق كبير، والاقتصاد الصيني هو ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الاقتصاد الأمريكي ومن حيث الردود الرسمية من قبل الولايات المتحدة فقد اشار جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، لوسائل إعلام أمريكية إن واشنطن تدرك أن الصين تحاول مد نفوذها إلى الشرق الأوسط وتعزيزه. وفي عبارة متحفظة ولكن مثيرة للاهتمام، ينتقد الطريقة التي تفعل بها الصين ذلك، قال إنها لا تشير إلى مراعاة المحافظة على نظام دولي يستند إلى القواعد.
ومما تقدم نستطيع القول ورغم كل العبارات الدبلوماسية ومحاولة تجنب التعليق العلني، فإن الزيارة تمثل واحدة من المحطات الكبيرة التي يقاس بها موقف العلاقات الدولية بين القوى المؤثرة في العالم ودرجات نفوذها في منطقة الشرق الأوسط الحيوية. والخطاب الذي تقدمه إدارة بايدن في علاقتها التنافسية مع الصين يقوم على أنه من الممكن إدارة التنافس بطريقة غير عدائية، لكن ذلك ليس سهلا بالتأكيد. من هنا فأن الصين من اليوم تعد الشريك الاقتصادي والاستثماري الأكبر لمملكة العربية السعودية وهذا ما يثار حفيظة الولايات المتحدة رغم تحاشي السعودية الدخول في التفاهمات الأمنية لكن حتما سيكون لمثل هكذا اتفاقيات استراتيجية تداعيات على المملكة العربية السعودية والدول المتقاربة مع الصين في هذا الوقت العصيب بالنسبة للولايات المتحدة حيث التقدم الصيني اقتصاديا وجغرافيا والحرب الروسية على أوكرانيا التي تريد هذه الدول عالم متعدد الأقطاب وقد أعلنت عن وفاة القطب الواحد المتمثل بالقطب بالأمريكي، وفي مقدمة تلك التداعيات اذا استمرت السعودية في سياساتها الخارجية في ظل تشبت محمد بن سلمان بالحكم واقصاء منافسيه من العائلة الحاكمة، او ان تضطر الولايات المتحدة الى تغيير سياساتها الخارجية وتوقيع تفاهمات واتفاقيات جديدة في عالم ما بعد التفوق الصيني حتى في منطقة الشرق الأوسط ومناطق نفوذ الولايات المتحدة.