منذ اليوم الذي أعلن فيه بابا الفاتيكان يوحنا فرانسيس زيارة العراق، وما شهده البابا اثناء نزول طائرته الخاصة في مطار بغداد الدولي من ترحيب شعبي ورسمي كبيران، وحتى بعد مرور عاما على الزيارة، وهو يوم عدته السلطات الرسمية في العراق يوما للتسامح الديني، لا تزال ابعاد الزيارة الدينية والروحية والسياحية وحتى السياسية محط اهتمام وتساؤل وتوقع، وقد حملت التوقعات الكثير من التكهنات حول أهمية الزيارة العراق، والمتوقع منها خاصة على المستوى السياحي.
صحيح ان الزيارة كانت دينية بالدرجة الأولى حيث مدينة اور الدينية الاثرية، ومدينة النجف الاشرف حيث المرجعية الدينية العليا، وزيارة عدد من الكنائس في بغداد العاصمة، واربيل، والموصل، بالتأكيد اذ ما سوقت بشكل صحيح فمن الممكن ان يكون لها صدى كبير في تنشيط قطاع السياحة، طبعا لا نريد ان ندخل في هذا المقال عن الابعاد والقراءات التي تشير الى الابعاد السياسية للزيارة ومنها تلك التي تذهب الى تنشيط ما يعرف بالدبلوماسية الروحية وقيام الولايات الابراهيمية المتحدة في إشارة الى التقريب والحوار الديني بين الأديان الثلاثة الكبرى اليهودية، والمسيحية، والإسلام وارتداداتها السياسية.
وان زيارة البابا الى مناطق ذات اثر ديني جامع مثل مدينة اور في محافظة الناصرية في جنوب العراق التي تمثل محط صلاة النبي إبراهيم بحسب الروايات الدينية في الأديان الثلاثة، هذه القراءة وان كانت محط اهتمام في ظرف زماني ومكاني غاية في التعقيد وصعود النزعات التطبيعية في عدد من البلدان العربية لكن بالنسبة للعراق لا تزال تلقى رفضا قاطعا من قبل التيارات المرجعية والدينية وحتى القوى السياسية الإسلامية وكذلك الشرائح المجتمعية والشعبية.
عموما مثلت زيارة بابا الفاتيكان للعراق إنعكاسة مهمة في رسم صورة مغايرة عن تلك التي اعتادت وسائل الإعلام عليها من نقل صور الموت، والدمار، والتفجيرات، والدماء والسبي، والخطف، وعمليات القتل الجماعي التي قامت بها التنظيمات الإرهابية من العراق خاصة مع اجتياح داعش للعراق مع بدايات عام 2014، صحيح ان البيئة الأمنية والسياسية لم تكن تشهد استقرار كامل لكن وفرت الزيارة انعكاس إيجابي في إمكانية العراق بأن يشهد احتفالات وزيارات دينية عالمية تضاف الى الزيارات الدينية الموسمية التي يشهدها العراق مثل: زيارة عاشوراء في محرم، وزيارة الأربعين في صفر التي تشهد كثافة جماهيرية محلية، ووفود بعشرات الالاف من مختلف دول العالم، وفي سياق ذي صلة وصفت الزيارة بأنها تأكيد على أهمية الحوار بين الأديان، ومفاهيم الأخوة.
وعن زيارته للنجف قال بابا الفاتيكان: "إنه شعر بالحاجة لأن يقوم بزيارة حج وتوبة، وبلقاء رجل حكيم، وشدد بعد الزيارة على أهمية أن يعيش الناس حياتهم ويمارسوا الأخوة بشكل ينسجم مع إيمانهم".
ومن الإيجابيات المتوقعة بعد الزيارة ان يكون هناك تنشيط للجانب السياحي، ومثلما قلنا في وقتها ان زيارة تمثل مكسب مهم للعراق وهي تعادل بالمقياس الروحي والمادي قيمة ورمزية كبيرة لا توفرها أموال طائلة واعلانات ضخمة عبر ما تضيفه الزيارة من دعم ودلالة في تطوير الاقتصاد السياحي القائم على الاثار والمقامات الدينية لكن للأسف وبعد مرور عاما كاملا لم نلاحظ تطور ملموس في تطوير هذا القطاع، وكل الذي حدث هو زيارات محدودة من هنا وهناك. صحيح ان هناك شلل كبير أصاب كل القطاعات ومن ضمنها القطاع السياحي بفعل مسببات داخلية، واختصارا لما تقدم يمكن اجمال الأسباب بالآتي:
1- ان مسألة التقارب والتعايش الديني لها جذور دينية عند المؤسسات الروحية الدينية العليا في العراق، وقد تكون زيارة بابا الفاتيكان عنصراً داعماً إضافيا، ومعترفا رسميا من سلطة روحية عليا بأهمية التعايش الديني بين اتباع الأديان والمذاهب في العراق.
2- ان زيارة بابا الفاتيكان جاءت بعد سنوات مما تعد الكنيسة من سنوات الاضطهاد من قبل التنظيمات الإرهابية للمواطنين الأقل عددا في العراق، واراد البابا التأكيد على أهمية دعم بقاء هؤلاء المواطنين في بلادهم الاصلية، وتضع السلطات الرسمية امام المطالبة برفع الحيف عن هؤلاء.
3- على الصعيد السياسي هناك كثير من التكهنات طرحت قبل واثناء الزيارة عن الابعاد السياسية للزيارة في المستقبل القريب، ومنها ما يعرف بمشروع الدبلوماسية الروحية، وتكوين الولايات الابراهيمية المتحدة مروراً من العراق وعبر مرجعياته العليا، لكن بعد مرور عاما كاملا لا يزال موقف المرجعية الدينية ذاته من قضايا العرب والمسلمين والمنطقة ومنها القضية الفلسطينية بالرغم من كثرة الاحداث والمواقف السياسية المتغيرة في المنطقة ومنه الموقف من الصراع العربي الإسرائيلي.
4- على صعيد تطوير قطاع السياحة في زيارة الاثار والمعالم التاريخية، والاهوار، والارث الديني والعتبات المقدسة والمقامات ودور العبادة فان زيارة من شخص البابا ممكن ان تمثل بابا كبيرا في معرفة العالم بالعمق السياحي والديني الذي تمثله عدد من المحافظات العراقية ومنها مدينة اور في محافظة الناصرية في جنوب العراق إضافة الى محافظات أخرى كالنجف وكربلاء، وبغداد، وسامراء، والموصل وغيرها.
لكن انعدام البيئة السياحية من مرافق سياحية وبيئية قابلة للتعايش مع السياحة بطرق غير تقليدية تعد عناصر مفقودة الى الان في تطوير قطاع السياحة في العراق، من هنا نجدد التأكيد على وضع الخطط الستراتيجية من قبل المؤسسات ذات الصلة وأبرزها وزارة الثقافة والسياحة والاثار من اجل تطوير الجانب السياحي بكل ما تمثله مفهوم السياحة من لفظه ودلاله وعمق انساني وتاريخي وترفيهي واقتصادي وديني وشعبي.