مرت العملية السياسية في العراق بتعرجات كثيرة من التوافقية وتشعباتها كالتقاسم والمحاصصة مرورا بالطائفية السياسية ومع كل الإشكاليات في العملية السياسية العراقية التي رفضها المجتمع العراقي كالفساد المالي والإداري، والسلاح السائب، والتغول الحزبي، وغياب لسيادة القانون، وقد مثل حراك تشرين مع بدايات عام 2019 رفضاً واضحاً لكل اشكال العملية السياسية في العراق، وكان للتغيير النسبي مع نتائج انتخابات تشرين الاول 2021 اثراً مباشراً من اثار الحراك الاحتجاجي ضد الطبقة السياسية التي فشلت في إدارة الدولة.
وفي ضوء هذه التحديات تطرح خلال هذه المرحلة مشاريع سياسية مغايرة كإدارة الدولة بحكومة قائمة على أساس الأغلبية الوطنية عبر تحالف سياسي يضم كيانات معينة من مختلف التوجهات سياسية ودينية وقومية في قبال ذلك تحاول قوى أخرى ان تطرح مشاريع مغايرة أيضا بدأت بالتهديد الخشن في رفض نتائج الانتخابات، ومن ثم التهديد بالانسحاب من العملية السياسية او المقاطعة، وبعد التفسيرات القانونية والقضائية كتلك التي جاءت بها المحكمة الاتحادية العليا القائلة بالتصويت بالأغلبية القائمة على اغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب، وابرزها التصويت على انتخاب رئيس الجمهورية، وهو ما اعطى مجالاً للقوى السياسية الخاسرة في الانتخابات النيابية الأخيرة ان تحاول افشال انعقاد جلسات مجلس النواب خاصة تلك المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية التي تحتاج الى ثلثي أعضاء مجلس النواب حسب تفسير المحكمة الاتحادية بالعدد (١٦/اتحادية/٢٠٢٢) المتضمن بيان نصاب انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية والذي حددته بثُلُثي عدد اعضاء مجلس نواب الكلي حيث أن نص المادة (٧٠/أولا) قطعيّ الدلالة بشأن اغلبية انتخاب الرئيس (الثُلثين) وبالتالي فان النصاب المطلوب لانعقاد الجلسة هو الثُلُثين، استنادا للقاعدة الأصولية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، ووجه الاستدلال بأن حضور الثلثين مقدمة للفوز بالثلثين، وحيث ان المشرع الدستوري اوجب الفوز بالثلثين، فالحضور بالثلثين كنصاب للانعقاد يكون واجب من باب أولى حسب خبراء في القانون الدستوري.
من هنا وجدت القوى الخاسرة في الانتخابات النيابية الأخيرة ان هناك فرصة لتعطيل عمل مجلس النواب من اجل الضغط السياسي في هذه المرحلة وبالتحديد على التحالف الثلاثي الذي يضم (الصدر، الحلبوسي- الخنجر، البرزاني) من اجل تشكيل الوزارة على أساس التوافقية السياسية وهو ما رفضه الصدر مرارا وتكرارا، وهنا تطرح أسئلة هامة حول ماهية الثلث المعطل من حيث المفهوم والسند القانوني، وتطبيقه في بيئة سياسية مثل العراق التي هي مختلفة الى حد ما عن البيئة السياسية في لبنان من حيث السياقات القانونية والدستورية، والى أي حد يشبه الثلث المعطل في لبنان الثلث المعطل الذي تريد تحقيقه بعض الكتل السياسية في العراق؟.
في الإجابة عن ذلك من خلال الاتي اولاً تأصيل مشروع الثُلث المُعطل ترجع في أصلها الى التجربة السياسية في لبنان، وتحاول القوى والكتل السياسية المشار اليها في العراق ان تطبقه على التجربة السياسية في العراق، اذ قد تستفاد منه على المستوى البرلماني فقط اما على مستوى السلطة التنفيذية فالأمر مختلف ما بين النظام الداخلي للحكومة في لبنان عن العراق، في لبنان اذا ما استطاعت كتل سياسية تحقيق ثلث عدد الحقائب الوزارية في الحكومة فانه قد يسمح لها بالتحكم في قرارتها، وتعطيل انعقاد اجتماعاتها، في حين ان التصويت داخل الحكومة العراقية قائم على أساس أغلبية المصوتين في أي قرار او مشروع معين، فاذا نجحت الكتل السياسية من تحقيق الثلث المعطل على مستوى مجلس النواب فان ذلك لا يحقق لهم على مستوى السلطة التنفيذية، هذا اذا ما وافقت الكتل السياسية الفائزة بالمراكز الاولى على ضم القوى الخاسرة في الانتخابات الى تحالف تشكيل الوزارة، حيث لا يزال الصدر مصر على موقفه بتشكيل حكومة اغلبية وطنية قد تضم جزءا من قوى الاطار التنسيقي او عددا من نوابها وهو ما ترفضه قوى الاطار التنسيقي.
من جانب ثاني لم تتضمن أدبيات الفقه الدستوري تعريفا لمفهوم الثلث المعطل، ويُمكن وصفه بانه ثُلُث المعارضة البرلمانية المُعطل لتحقق نصاب انعقاد البرلمان في جلسةٍ يتطلب لانعقادها حضور الثُلثين وعن مدى انسجام مشروع القوى السياسي في تحقيق الثلث المعطل يقول الباحث علاء الدين إن: الثلث المعطل سوف يبقى ملازماً للبرلمان؛ حيث إنه من مجموع النواب هناك نحو (75) نائباً يمثلون الإطار التنسيقي، وهو ما يعني أن المتبقي من عدد النواب لن يزيد على 250 نائباً، وفي حال غاب 29 نائباً من الكتل الأخرى والمستقلين فلن يكون هناك نصاب الثلثين داخل البرلمان، ولن يحصل التصويت، مما يوجب على التحالف الثلاثي كسب نواب من كتل سياسية ونواب مستقلين حتى يستطيع توفير اغلبية الثلثين لانعقاد جلسات مجلس النواب التي يتطلب انعقادها اغلبية الثلثين.
ومثلما اشرنا ان الانتخابات الأخيرة جاءت كمطلب شعبي من اجل التغيير للأفضل على كل المستويات خاصة الجانب الخدمي والعمراني وتحقيق الاستقرار، هذه الأهداف لا تنسجم تماما مع ما يسمى بأهداف وغايات الثلث المعطل كون الحالة العراقية والمطالب الجماهيرية والشعبية حالة ضاغطة، وتريد معالجة الواقع ومشاكل الدولة بعد مرور ثمانية عشر عام من التحديات والمشاكل والخلل الذي اصاب العملية السياسية كما ان هدف المواطنين من الذهاب الى صناديق الاقتراع هو من اجل تحقيق الأفضل، ومعالجة المشاكل، وتقديم الخدمات، وما الى ذلك من برامج سياسية وعمرانية وخدمية مدروسة واستراتيجية.
استنتاجا لما تقدم، ان مشروع الثلث المعطل الذي يطرحه في هذه الفترة قوى واقطاب الاطار التنسيقي جاء في قبال مشروع الأغلبية الوطنية التي يريد تطبيقه التيار الصدري، القوى السياسية التي تريد تحقيق الثلث المعطل كنسخة مستوردة بحدود معينة من التجربة السياسية في لبنان لكن اللافت ان القوى السياسية التي تضغط بمشروع الثلث المعطل على مستوى جلسات انعقاد مجلس النواب في حين ان الثلث المعطل في التجربة السياسية اللبنانية يشمل عمل السلطة التنفيذية إضافةً الى تعطيل عمل مجلس النواب عبر تعطيل تمرير المشاريع الواجب توفر اغلبية الثلثين من أعضاء مجلس النواب، من جانب اخر ان التجربة اللبنانية قائمة على قيود قانونية واعراف سياسية تقوم على أساس التوافقية الطائفية السياسية منذ اتفاق الطائف والى يومنا، وهذا ما ثبته الدستور اللبناني، في حين ان الدستور العراقي على اشكاليته يختلف عن الدستور اللبناني او ما يعرف باللبنة لكن هناك عرف بموجبه يتم تقاسم وتوافق طائفي وعرقي وحزبي في تقاسم المناصب السياسية والدرجات الخاصة اذ لم يقر الدستور العراقي النافذ الحالة التوافقية ما عدا اشارات في بعض المواد الى المكوناتية المجتمعية، ومن الجدير بالإشارة أيضا ان الثلث المعطل في هذه المرحلة لا ينسجم مع ما يطمح اليه الشعب العراقي في التغيير وبناء الدولة وتقديم المصلحة العامة على المصالح المكوناتية والحزبية والسياسية.