عقد مركز المستقبل للدراسات والبحوث صباح يوم السبت الموافق 24
أيلول 2005 الساعة العاشرة جلسة حول الحلقة النقاشية التي تحمل عنوان "السيادة
الوطنية وحل المسألة الأمنية في العراق".
وقد حضر الجلسة بالإضافة إلى السيد سمير الكرخي مدير المركز كل من
الأساتذة:
1. أ. د. متعب مناف/ الباحث والمفكر الاجتماعي، والذي أدار الجلسة.
2. أ.م. د. عامر حسن فياض/ أستاذ الفكر السياسي الحديث في كلية
العلوم السياسية جامعة بغداد.
3.أ.م. د. عبد الرسول جاسم/ أستاذ الاقتصاد في كلية المنصور الجامعة.
4. د. خليل الربيعي/ أستاذ الفكر الإسلامي بمركز الدراسات الدولية
جامعة بغداد.
5. السيد حكمت البخاتي، وعدد من الباحثين في قسم الأعلام بالمركز.
افتتحت الجلسة بمقدمة عن ابرز معطيات الساحة السياسية العراقية وما
تشهده من متغيرات خصوصاً بما يتعلق والمسألة الأمنية، إذ جرى التركيز
على ضرورة بحث ميكانزمات الحالة الأمنية ومدى ارتباطها بمسألة السيادة
الوطنية للدولة، حيث حُددت ابرز محاور النقاش بمسائل ثلاث جاءت على
هيئة مثلث علاقة على النحو الآتي:
حكومة
احتلال
أمن
حيث تكون مفردة كل ضلع مؤثرة ومتأثرة في الوقت نفسه بمدى قدرة وشكل
المفردة التي تقابلها وبذلك تمت مناقشة محاور الجلسة على وفق الجوانب
الآتية:
1. الجانب السياسي والاستراتيجي.
2. الجانب الاقتصادي.
3. الجانب الاجتماعي.
4. الجانب الإسلامي.
وقد تحدث د. متعب مناف أولاً عن أهمية التعريف بمسألة "السيادة"
وبحث ومناقشة الأفكار والتعاريف المقاربة لها، إذ طرح فكرة (Good
Governance) التي تعني الحاكمية الجيدة أو الحكم الصالح (العادل). وكيف
يكون شكل الحكومة في الشرق الأوسط. فكلمة Good هي كلمة ذات دلالة نسبية
تحوي معطيات كثيرة، أما Governance فإنها اصطلاح مبتكر يعني الحكم
الاحترافي الذي يعتمد على الخبرة في السياسية والإدارة.
أما د. خليل الربيعي فقد تحدث عن دور الحكومة في الإسلام قائلاً: في
الإسلام هناك فكرة التوازن (التوازن بين الإسلام والمجتمع) وطرح مسألة
الأبوة والرعاية، إذ إن من وظيفة الدولة في الإسلام الأخذ بيد المجتمع
نحو الصلاح.
كما أن السيد حكمت البخاتي تحدث أيضاً عن دور الحكومة في الإسلام
قائلاً: هناك الأمة، الجماعة، الرعية وهناك (فصل بين المفردات الثلاث).
ثم تساءل د. متعب عن شكل الحكم في الإسلام، وهل أن الأنبياء هم
رؤساء دول أم أصحاب مشاريع؟.
أجاب د. خليل الربيعي قائلاً: إن الأنبياء أصحاب مشاريع كبيرة وإنهم
أتوا بمشاريع إصلاح، لكن نفس المشروع أي (الحكومة) بحاجة إلى إصلاح،
وبذلك فأن السياسة تأتي بوجهين:
1. ترجمة المشروع إلى دولة.
2. استخدمت الدولة (وظفت) لهذا المشروع.
وهل أن المشروع = الدولة ؟
فدستور المدينة الذي وضعه النبي (ص) هو حماية كل طرف لطرف آخر (حماية
خصوصياتهم) أي صيانة الجانب الأمني. أما الجانب الثاني فهو إداري،
فالدستور الذي يحكم المسلمين وينظم علاقاتهم مع الآخرين هو القرآن.
وطرح د. متعب كلمة (ملة) في الإسلام ماذا تعني وما هي دلالاتها؟
د. خليل تحدث: الأمة هي الجماعة المتفقة على رأي واحد (أي الأمة
التي تجتمع على وحدة العقيدة) فالملة تشير إلى المنهج الذي تتبعه
الجماعة المعينة (دينياً).
أما د. عامر فقد تحدث عن مفهوم وماهية السيادة قائلاً: أن هناك
علاقة طردية ما بين السيادة والمسألة الأمنية (كلما نقصت السيادة نلاحظ
المسألة الأمنية تهبط باتجاه سلبي) فالنقصان في السيادة يدعو بطبيعة
الحال إلى نقصان في المسألة الأمنية وبالعكس (كلما زادت مساحة السيادة
أمكن تحقيق الأمن والاستقرار).
ويعرف د. عامر السيادة بأنها قرار سياسي وطني مستقل علينا أن نعرف
من الذي يصنعه ومن الذي يتخذه ومن يطبقه.
ويطرح د. متعب: متى يتم تحقيق السيادة؟
يجيب د. عامر: تتحقق السيادة عندما تكون هناك وطنية في صناعة القرار
وهنا يقترح أن يكون شكل المثلث كالآتي:
الحكم
احتلال أمن
فالسيادة تحتاج إلى صناعة وطنية بما في ذلك اتخاذ القرار... لكن كيف
تتحقق هذه السيادة كاملة من خلال:
1. وجود قواعد دستورية.
2. وجود مؤسسات سياسية (وطنية) فاعلة تتضمن حكومة، رئاسة الدولة،
مؤسسات مجتمع مدني ذات نفع عام باختصار مؤسسات (رسمية وغير رسمية)
وهاتان الاثنتان ممكن أن تحقق دولة قد تكون مع المواطن أو مع غيره (أي
ضد المواطن).
طرح د. عامر: من الذي يضع الدستور؟
وأشار د. خليل: هناك مؤسسات وطنية لكن الحكومة ضعيفة مثالها الكويت.
وأكد د. متعب على أهمية وطنية القرار وضرورة الحاجة لها.
ويتحدث د. عامر عن مسألة الوطنية ويقول: الوطنية قرار يتخذ بالداخل
وهنا تتغلب المعايير السياسية على الأخرى. فالمؤسسات الوطنية معيارها
بالداخل (معيار المواطنة) ويؤكد على مسألتين مهمتين هما:
1. أهمية الحاجة إلى دولة قوية مع المواطن تحكمها مؤسسات قوية
وفعّالة.
2. ضرورة حاجة عمليات الإصلاح إلى بناء داخلي (مؤسساتي).
وعن أهمية الجانب الاقتصادي تحدث د. عبد الرسول: نحن نعيش حالة من
الضياع متمثلة بغياب بناء مؤسساتي فعّال وغياب البنى التحتية القادرة
والفعّالة على النهوض بعملية التنمية بمفهومها الشامل (بما فيها عمليات
الأعمار)، ويؤكد أن الدستور هو الإطار العام الذي يحدد شكل ودور البناء
المؤسساتي، فالبناء المؤسسي ينطلق من الدستور لكي نستطيع بناء قواعد
(يتضمن التأكيد على مسألة الدستور) وتحديد معطياته الأساسية وإسناد
تطبيقه حتى نستطيع رسم المؤسسة وبالتالي نحقق الأمن والأمان.
ويتساءل د. عامر: لو لم يكن القرآن دستوراً للمسلمين: هل الإسلام
يستطيع نشر قاعدته؟.
يجيب د. متعب قائلاً: هناك مبدأ العراقية موجودة لدى العراقيين
جميعاً. ويؤكدها د. خليل: ما قبل الدستور يجب أن تكون هناك الوطنية أو
العراقية.
ومرة أخرى يتحدث د. عامر قائلاً: نتوقف عند الدستور (نرى أن هناك
قواعد دستورية يجب أن تطبق) فالدستور هو مبادئ وقواعد.
ويتحدث د. متعب: المشكلة في كتابة الدستور أن هناك خلطاً في كتابة
المادة نفسها فمسألة الأمن مرتبطة إلى حد كبير بزوال الاحتلال ومجيء
حكومة قوية قادرة على التعامل مع المسألة الأمنية بجدية.
وحيث أن الجانب الأمني يشكل عائقاً كبيراً أمام عمليات الأعمار
وبناء المؤسسات الاقتصادية الفاعلة يؤكد د. عبد الرسول: أن الإرهاب هو
شيء طارئ وبالتالي الدستور هو الذي يمحو كل هذه الأمور ويحقق إمكانية
رسم الأسس الأولية لبناء المؤسسات.
وقد اتفق معظم الأساتذة المشاركين على أن الدستور هو المسار الذي
يحدد ويرسم الطريق نحو بناء سياسة وطنية فاعلة.
د. عامر يتحدث قائلاً: أن القاعدة الدستورية وظيفتها تسوية النزاعات.
وهناك استثناءات في الدستور تعتبر بمثابة (عوامل قتل للدستور). فالمادة
(58) من الدستور تنص على (تصحيح الأوضاع في كركوك) وهنا مبدأ تصحيح
الأوضاع هو مبدأ عام يتضمن:
1. التطبيع ولا يعني عودة النازحين وتهجير
الآخرين.
2. الإحصاء وهي مسألة فنية.
3. الاستفتاء.
هل أن الدستور يضع قواعد أم يحل مشاكل؟
ويتحدث د. متعب: نحن نحتاج قواعد دستورية + مؤسسات لكي نبني حكومة.
ويتساءل د. متعب: هل أن القواعد الدستورية أو الدستور لا يشكل هذه
القواعد المطلوبة إذن هناك نقص في القواعد الدستورية. ( الدستور قاعدة
وليس حلاً).
أما د. عامر يقول: الدستور ممكن أن يحقق الأمن والأمان وأن يقضم من
الاحتلال فالدستور من الممكن أن يكون ركيزة باعتباره قاعدة من الممكن
أن تقوي جانب الحكومة وبالتالي تقضم من الاحتلال ومن ثم تحقيق مساحة
أمنية أفضل.
ويتحدث د. خليل عن طبيعة الدستور قائلاً: أن الدستور أنطلق من مبدأ
المحاصصة التي جرت وهذا ما قد يعكس اختلالات كبيرة؟ لأن القواعد
الدستورية تكون عرضة للمساواة.
أما السيد حكمت فقد تحدث: أن كل دساتير العالم جاءت كرد فعل لفعل
سابق، فالدستور الايراني مثلاً جاء كرد فعل على كل الاتجاهات السياسية
السابقة التي كانت سائدة آنذاك (الدساتير توضع بعد فترات من الانقطاع
والتغيير).
ويؤكد د. خليل: أن الدستور يفترض أن ينظر إلى المستقبل وأن لا يكون
كرد فعل للسابق ولا يعكس التناقضات في الداخل التي تأتي نتيجة القفز
على مشكلات الحاضر.
أما د. عبد الرسول فقد تحدث: كل الدساتير في العالم بنيت وجاءت ضمن
أوضاع غير طبيعية، فمجتمعنا يعاني من أزمة، والدستور هو مرآة الحالة
الاجتماعية للمجتمع وينبغي تضمين كل حقوق القوميات في الدستور لكي نخلق
حالة من التوازن.
أما د. متعب يتحدث: أن الدستور هو بداية سليمة لعراق جديد، فالدستور
كلما وضعت فيه تفاصيل كلما زادت الخلافات (وهنا ينبغي أن تكون اغلب
المواد تحمل صفة العمومية).
أما د. خليل يقول: أن الدستور بصيغته الحالية لا يستطيع تأمين إدارة
فاعلة لأنه أعطى للأقاليم سلطة، فقد تكون مؤسسات الأقاليم لها سلطات
تفوق سلطات المركز وهو ما يخلق مشكلة كبيرة ربما تقود مستقبلاً إلى
صيغة الانفصال والاستقلال.
ويشير د. متعب إلى أن السيادة تقوم على: مبدأ المواطنة والانتماء
إلى الارض.
أما د. عامر يتحدث عن الاستقلال بالقرار (في اتخاذ القرار)، ويشير
إلى أن السيادة الوطنية تتحقق من خلال:
1. وجود قواعد دستورية.
2. وجود مؤسسات ملزمة بتطبيق هذه القواعد
الدستورية.
ويتساءل د. متعب: هل أن القواعد الدستورية من الممكن أن تخلق مؤسسات
وطنية فعّالة وتقضم من الاحتلال وتحقق الأمن.
د. عامر يقول: لو لم تكن هناك قواعد دستورية ولم تخلق مؤسسات فأن
الاحتلال لن يبقى على ما هو عليه وأنما يتقوى، ثم تساءل د. متعب: هل أن
القواعد الدستورية والمؤسسات تستطيع أن تقضم من الاحتلال وبالتالي
إنهاء وجوده؟ ولماذا لم تتمكن لحد الآن؟.
يجيب على ذلك التساءل د. عامر: نعم باستطاعته لكن الميكانزمات +
الآليات + المؤسسات غير موجودة منها (الدستور) وهناك مشاكل بالداخل
والخارج، والمسألة الأخرى تكمن في انفتاح المشاكل العرقية إلى الخارج.
الحلول يعول عليها من الخارج رغم كونها ذات طبيعة داخلية لها خصوصيتها.
ويرد د. متعب قائلاً: هناك مشاكل الداخل والخارج: نحن نريد تقوية
دور الحكومة، فالمشكلة الأساسية تنحصر حول هل أن الحكومة اتجهت فعلاً
لحل المشاكل الداخلية.
أن العراق بالفترة الحالية محكوم بمشاكل داخلية صعبة تجعله باحتياج
كل دور أو مؤثر خارجي ويؤكد د. متعب: أنه كلما قللنا من المشاكل
الداخلية نستطيع أن نحجب التدخل الخارجي (إزالة المخاوف الداخلية بين
بعضنا البعض). ثم تطرق الحاضرون إلى مسألة الديمقراطية وهنا فقد تحدث
د. عامر قائلاً: بناء الديمقراطية تعطي للحكومة القرار والقوة. وهنا
نستطيع أن نحدد وظائف الحكومة بـ:
1. تعزيز الوحدة الوطنية (تنضيج عملية
المواطنة) عن طريق الديمقراطية والتعددية.
2. إزالة المخاوف الداخلية وبالتالي يمكن
تحقيق مجتمع الرفاهية.
وعن دور المحاصصة في الدستور يتحدث د. عامر قائلاً: علينا أن نميز
بين الطائفة والطائفية. فالأحزاب الموجودة حالياً تقوم على اطر سياسية
ضيقة إذ كان من الممكن أن ينص الدستور على أن مهمة الأحزاب تكون ضمن
إطار وطني وأن يحدد نظامها ومبادئها.
وأخيراً أتفق الباحثون على مبادئ أساسية هامة منها:
تستكمل السيادة والمؤسسات كلما تعزز دور الحكومة وتقليل حجم المشاكل
الداخلية، وهنا فأن تفعيل دور الحكومة لإنهاء الاحتلال يستلزم ما يلي:
1. وجود قواعد دستورية وإقامة مؤسسات سياسية فعّالة (رسمية وغير
رسمية).
2. موضوعة الأمن وتحقيقها هي عملية تدرجية واضحة أي كلما عززنا وجود
الدولة ذات القواعد الدستورية والمؤسسات أمكننا إنهاء الاحتلال
وبالتالي تحقيق الأمن.
3. الجانب العسكري من الممكن أن يعطي نتائج سريعة أي الأمن ولكنها
قصيرة المدى.
4. فكرة الوحدة الوطنية ولكل حكومة حتى تحقق الأمن أولوياتها في
تعزيز الوحدة الوطنية والمواطنة عن طريق الإنجاز بما في ذلك الإنجاز
الاقتصادي والاجتماعي، فالوحدة الوطنية تحتاج إلى آليات ولكن ما هي هذه
الآليات؟.
الآليات هي:
1. المستلزم الدستوري (القواعد الحاكمة والناظمة).
2. دور النخبة في المجتمع.
3. توسيع قاعدة المشاركة.
للمزيد من المعلومات عن الحلقة
النقاشية والمركز يمكن مراجعة موقع مركز المستقبل للدراسات والبحوث على
الانترنت:
http://www.mcsr.net |