الصعوبات المتوقعة والمعطلة لأجراء الانتخابات ونزاهتها

 

مهما اختلفت الحجج المسوغة.. أو المبررة لما يمر به شعبنا من وقائع وأحداث وفواجع.. فمن الثابت القول، إن الحال بكل ما حمل أو حُمّل من أوصاف انتقالي، مؤقت، استثنائي.. يبقى مثار تساؤل متعدد الوجوه.. هل نحن أمام نتيجة توقعناها.. أم أمام مطب صنعناه بأنفسنا؟ وهل نحن بحاجة فعلاً لمن يرشدنا إلى استثمار ما حصل.. أو بناء ما دمّر عبر عقود وعقود.. أم نحن بحاجة إلى من يتولى كل ذلك نيابة عنا؟ وهل نحن مدركين لما يقع علينا من واجبات؟.. وقبل كل ذلك ما هي الحقوق التي تنادينا للوفاء بها بعد "أن استهلكنا الجزء الكبير منها؟.. أسئلة أقل ما تفصح عنه.. البعد عن إدراك الذات والمحيط، الحاضر والمستقبل.

ذلك هو حق العراقيين في بناء وطنهم بعد أن عجزوا عن تفعيل إرادتهم واستثمارها في محاكمة المكاسب الجزئية بالأهداف الكلية، تلك الكلية التي لا يمكن أن تكون قادرة على حمل عنوان الوطن وتطلع أبنائه لصياغة نظامهم السياسي ما لم تبنَ- وهذه هي حسنة الديمقراطية كخيار عندما تفرض نفسها- على تقسيم عمل محدد الصفات والجهات والمسؤوليات لا أن ينشغل الجميع بقضايا بذاتها دون الالتفات للقضايا الأخرى التي يترك للزمن وحده صلاحية الحكم فيها، كما حصل في الفترة القصيرة الماضية التي لم تكن ألا لتزيد محن العراقيين.. محنة مضافة حيث ترهل الخيار الجمعي لديهم رغم اتفاقهم عبر، قانون إدارة الدولة العراقية المؤقت، على حيثيات التوجه نحوه(74).

وعلى وفق ما تقدم، يمكننا القول إن أولى الصعاب التي تواجه تحفز العراقيين لخوض الانتخابات لا تكمن في طبيعة الحكومة المقبلة.. بل في التزام العراقيين بالهوية الموحدة لهم، فالديمقراطية لا تنبت ولا تنمو ولا تزدهر دون تحديد لنظم بناء متواترة.. وأولى هذه النظم.. الهوية عنوان الأمة وعماد شعورها بذاتها ومستودع المواطنة وحصنها، ولهذا نستطيع تفسير تأريخية الديمقراطية، كظاهرة، عبر ما يتحقق لها وعبرها من توازن مشهود بين السلطة والالتزام السياسي، بين المجتمع المدني والحرية، بين شرعية الوجود وشرعية بناه المؤسسية.

معضلة أخرى تقف بوجه خوض العراقيين لاستحقاقهم الانتخابي بثقة وكفاءة ومسؤولية، تلك التي تنص على أن الأطر السياسية وربما الجموع لم يطمئنا بعد إلى المراد من الانتخابات.. أو التبشير ليلاً ونهاراً بالديمقراطية دون توعية لحدودها وأصولها، شروطها وواجباتها، حتى بدا لراصد الواقع السياسي العراقي أن الخلاف الجاري عراقياً يدور حول الديمقراطية كنظرية وليس كنظام، لذا ترى الجميع وهو معتصم برؤى معينة سواء كانت دينية أم علمانية ترك تأصيل ما يدعي ويبشر لينجر خلف سراب التوفيق بين الاتجاهين لعله يقبض على موقع في السلطة، وإذا عذرنا هؤلاء في سعيهم، فإن الواقع والتجربة، القيم والتأريخ.. تظل تطالب الجميع بالمحافظة على الحق في الاختيار ليس كممارسة لنشاط هادف لحل المشاكل.. بل كتأسيس لقواعد تسيير المجتمع.. وذلك هو الهدف الذي ينبغي تأصيله لا ندع الآخر يجتهد في تفصيله حسب هواه.

وهكذا يبدو أن الالتزام بالديمقراطية كمبادرة للتغيير.. والتغيير كهدف مجتمعي سامٍ من أجل النهوض الحضاري الشامل.. يشتركان في قانون حركي عماده (75) الأمور الآتية:

أ- الإرادة كقيمة عليا لها نظامها الأدائي السلمي المفصح عنها الذي يستهدف إرساء قواعد ديمقراطية مرشدة لنظام الحكم أو قيّمة عليه.

ب- المرجعية بما تفصح عنه من مبادئ إيمانية وقواعد تنظيم ليس للأداء بل للحقوق والحريات وحاضنة لها.

ج- الأطر السياسية.. أحزاباً وحركات ومنظمات المجتمع المدني ليس كمثال للتعددية بل لأنها البارومتر الذي يكشف لنا عن أن الشعب هو مصدر السلطة وهو أداتها وممارسها يقرر ما يشاء من قرارات منطلقاً من قناعة صناع سياساته العامة، وإذا ما تمكنت تلك الأطر من صياغة رؤاها للتغير وجعل نتائجه بمثابة الحكم الشعبي الذي سيكون فيما بعد الرقيب والمرجع للحكومة سواء بصيغة الإسناد أو المحاسبة، فإنها ستحقق انجازا تاريخياً تنقذ عبره المواطن من حيرته وهيامه في اختيار مرشحيه خاصة وأن الواقع العراقي لم يزل متخماً بالكثير من المؤثرات التي لم تزل فاعلة ومغرية للوصول إلى عكس المرام، لذا بدا من الواجب على هذه الأطر، صياغة مشروع مجتمعي وأن كان بصيغة التوعية، تصف للمواطن العراقي ما يقوم به من وظائف مقابل زرع الثقة لديه بتلمس الإنجاز وتواتر فرصه ومناسباته طمعاً في إعادة التحامه ببيئته كي نضمن مشاركته بالانتخابات، ولا نتركه يصارع ذاته ونجلده على مقاطعته للانتخابات.

وإذا كنا غير واثقين بقدرة الأطر السياسية على مختلف أطيافها في صياغة ما تقدم، فلنعاود أعتصامنا بالدين الإسلامي ومرجعياته ليس بمعنى الملاذ الأخير.. بل بمعنى المقوم الأزلي لاتجاهات الأداء على مستوى الشعب والمواطن على حد سواء، فالشعب الذي يجد له سنداً.. أخذ يحتكم لله وشريعته والناطقين بها لا لكي تخرج جموعه من الحاضر لتتلمس من التأريخ منفذاً، بل لتدخل عليه لعلها تجد فيما تحييه من دفائن الضمائر(76) ما يعينها على إدارة حالها سواء بأعادة التمثل بالثقافة الإسلامية وشروط أدائها لا سيما السياسي منها باعتباره محطة للقاء والبناء ومرضاة الله أو في ترسيخ القناعة بأن المرجعية الدينية بمختلف أنماطها ومراتبها وفعالياتها هي المؤسسة التي تمثل قيادة الأمة، ليس بصيغة التصلب أو التطرف أو الحديّة بل بصيغة التوسط والوفاق وتدبّر الأمور.

وإذا ما تم صياغة منظومة علاقة أدائية بين الحكومة والمرجعية الدينية... وبين الأطر والمرجعية الدينية وفقاً لشروط اتفاق، مهمتها صياغة نمط ممارسة للانتخابات، فإن ذلك التدبير سيدر بنتائج غاية في الأهمية ستكون بلا شك مقدمة لتسهيل الكثير من الأمور، لا سيما وأن المرجعية الدينية كانت ولم تزل صاحبة المبادرة في تسيير الانتخابات كوسيلة للوصول بالعراقيين إلى بر الأمان خاصة، وهي محملة برؤى لما ينبغي أن يكون لا لتصريف الأمور فحسب، كقضايا الدستور، والفيدرالية، وانتخاب الحكومة الدائمة، كما نص على ذلك قانون إدارة الدولة الموقت، ومن هنا كان الإمام الشيرازي محقاً في وضع ثقته بما يحققه ائتلاف المرجعيات تحت يافطة "شورى الفقهاء"(77) كإطار عام تتداول فيه كل الأمور، وتصاغ فيه كل الحلول طالما بدا الجميع مالكاً لأرادته، ومتقرباً لتحقيق التناسق مع ما يحمله النظام الإلهي من منظومات إيمان وأداء تديم القدرة على التفكير والتعقل والحوار، بدلاً من التطرف وتعلية اللجوء للعنف كوسيلة مذوبة ومفرطة بحقائق التوازن التي يرغب الجميع بالوصول إليها، عند ذاك ستكون الانتخابات مراسيم دفن من الدرجة الأولى لصبر عقود وسنين عجاف.

ولكي نرسم صورة بانورامية لما يواجه شعبنا، جموع وأطر وقيادات، من صعاب قبل توجهه للانتخابات، لا بد لنا من التلميح وربما التذكير بما يأتي:

1- إن الأطر السياسية الفاعلة الآن في الساحة العراقية، وأن أجمعت على ضرورة إجراء الانتخابات لما تمثله من جوهر الأداء السياسي في هذه المرحلة، لم تزل تعاني من ترهل سواءً بمتابعتها للإجراءات المرصودة للتهيئة للانتخابات أو في قدرتها على تسويق مظاهر التأثير التي تمتلكها لضبط مسار التفاعلات السياسية الدافعة باتجاه الإقرار بإجراء الانتخابات كفيصل للمنافسة الجارية الآن وبما يحد من تأثير القوى المسيطرة أو المعنية بإجرائها رسمياً.

2- أن الأطر السياسية التي أجمعت على ثقل الأثر الذي ستتركه الانتخابات في إيقاف سيولة البناء الديمقراطي في العراق، لم تخلص النية بعد في بلورة الزخم الذي تبديه إزاء الانتخابات كخيار سواء لعدم امتلاكها القدرة على التكييف دون التنازل عن المبادئ والأهداف.. أو لعدم امتلاكها للأفق الذي يمكن لها ومن خلاله المناورة بين التكيف والمواجهة.. وهو ما شاهدناه في الكثير من محافظات العراق ومدنه، التي أخذت حوادثها تدار من قبل فئات معنية دون دعم مشهود من قبل الأطر السياسية التي انقسمت مواقفها بين المدين والساكن، الأمر الذي أدى إلى انتقال ذلك الانقسام إلى المدرك الشعبي الذي شهد هو الآخر تفتتاً حتى داخل الاتجاه أو العنوان الواحد.

3- واتصالاً مع ما تقدم، فإن الحال الذي تعيشه جموع الشعب العراقي، لم يزل دون المستوى الذي ينبئ بالتعايش الخلاق والمشاركة الفعالة، والتعامل مع ما يجري كفرص دفع جديدة لتحقيق المطالب. وهذا ما لاحظناه ونلاحظه يومياً سواء بتواتر الحوادث أو المواجهات وما تستدعيه من إدارة حكيمة لنزع فتيلها.. أو بالضعف الذي تتصف به الساحة السياسية على صعيد الأداء المتنوع الموّلد لمقتربات اللقاء.. حتى إذا ما بدأ إطار سياسي يطرح مشروعه تكالبت عليه الأطر الأخرى المفسدة لمشروعه.. خوفاً أو تحسباً لتعديل الموازين.. أو خوفاً من تطورات لا تصب في صالحها، لذا لا غرو في أن نجد البعض وقد اتخذ من خيار فرض الأمر الواقع استراتيجية لأدائه، وبقدر ما تفصح عنه استراتيجية كهذه من مخاطر تهميش لقوى متطلعة نحو السلطان والمشاركة في عنونته، فإنها بكل تأكيد تغلق كل المنافذ المتصور انفتاحها لاستيعاب أكبر قدر من الرؤى والمعطيات فضلاً عن جموع الشعب.. أس التهيئة للانتخابات وشرط نجاحها، وعليه لا بد للأطر السياسية والمدنية من التحذير من مغبة مخاطر كهذه.. وتعمد للمطالبة بتهيئة الأجواء الملائمة لانتخابات حقيقية خالية من المفاجآت والتطورات المقوّضة للآمال المعقودة عليها فضلاً عن الاستعداد المتحسب كي لا تسرق إرادة الناخبين أو تصادر أو تزور.. من خلال التهيؤ الجدي لمراقبة الانتخابات أولاً وعملية تداول السلطة ثانياً.

4- إذا ما أوفت الجهات القيّمة على الانتخابات بوعدها احتراماً لحقوق الإنسان وإرادة الشعب العراقي بمختلف عناوينه في التعبير عن خياراته، فإن الهاجس الذي سيثيره الاستخدام المزدوج والمتراوح لحق الانتخاب(79) فيما يتعلق بالأطر السياسية والأوضاع التي يعاني منها المواطن العراقي.. والوطن على حد سواء، سيبقى هو المسيطر في تقرير خاتمة الرأي بخصوصها، وهذه نقطة مهمة للغاية ستفعل فعلها التعويقي ما لم يصار إلى تبني جبهة ممهدة في أدائها لقدرة العراقيين على تحقيق الانتخابات كهدف لا كمجرد آلية، لأن الانتخابات هنا تعد مدخلاً للبناء الديمقراطي وللعملية السياسية والشرط الأول لتحقيق عقد اجتماعي جديد بل ستكون البودقة التي تنصهر فيها المطالب وتندمج بها المرجعيات الدينية بالمرجعيات السياسية، والمرجعيات العرقية التي تمثل الأقلية.. بالمرجعيات الوطنية التي لم تعد تشكل الأغلبية بل النسغ الموحد للتمثيل.. عندئذ سيكون الفرد أمام رؤية مرجعيتها القيم المكونّة للهوية الواحدة والمتسقة لمفرداتها بحيث يكون التعويل على جهد المواطنة المدام لا على الأكثرية.. وهنا نكون قد وضعنا أنفسنا على عتبات الطريق لإنشاء ما يسميه البعض بـ "الدول العاقلة".

5- ولما كانت الديمقراطية كظاهرة وكعملية تقوم على أساس الحوار والذي يتم زرعه عن طريق التنشئة والتعليم، فإن أية محاولة لتقويضه أو محاصرته ستكون مدعاة لإثارة الشكوك لدى المواطن، فخوفه من أن يقوّم من قبل الآخرين بشكل ليس كما يجب عليه أن يكون وإنما كما هو كائن... يخلق لديه نوع من الكراهية لما حوله وعدم الثقة بهم، وبذلك يتحول الحوار إلى صورة من الخلاف المدام الذي يحاول الإنسان الرد عليه بالتمسك المفرط بآرائه وغلق الأبواب في وجه كل الآراء المطروحة من قبل الآخرين، ومتى ما تم الوصول إلى هذه النتيجة فإن الإحجام عن المشاركة في الممارسة الديمقراطية لا سيما الانتخابات سيصبح هو القانون الوحيد الذي يتناغم مع بروز ظاهرة الديكتاتورية(80).

وهذه النتيجة المتوقعة ليس سببها الفرد- المواطن بل سببها تجاهل الأطر السياسية للظروف النفسية الناتجة عن المشاكل التي يعاني منها الأفراد نتيجة لوضعيتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولهذا فإن علاقة الفرد بالسياسة ومنها ممارسة حقوقه الانتخابية ستتصف بنوع من العصابية حيث يبقى الواقع لا دخل له في تكوين الشعور السياسي الذي هو أصلاً متواضع في العراق لا قياساً للمجتمعات الأخرى فحسب بل قياساً للآمال المرصوفة من العملية الديمقراطية ككل. وعليه لا بد لـ :

أ- الأطر السياسية من الأهتمام باستحضار الحوار في أجندتها كوسيلة لضبط الأمور وتقويمها طالما بقي الهدف هو إصلاح الحال... لا تحقيق المكاشفة المقيتة التي لا توصلنا ألا للنزاع بل والتعسف في مفرداته ومدلولاته.

ب- وسائل الإعلام، وكجزء من المسؤولية الملقاة على عاتقها في إتمام عملية الانتخابات بجد وحيوية وسلام، أن لا تستغل الفرد- المواطن  لمصالح بعينها تزيد من عدائيته لنفسه وللآخرين من خلال ما تنشره أو تبثه من معلومات.. بل عليها أن تؤهل المواطن لكي يتعامل مع المعلومات التي يتسلمها بفهم وبحذر وتترك له مهمة تفسيرها وتبريرها كجزء من ممارسته لحريته في تقدير المواقف وتبريرها.. لا التسلط عليه بمجموعة من الافتراضات المسبقة التي تقوده للوقوع بالمغالطات التي تمارس تأثيرها المعاكس فتغريه لكي يحيد عن الحوار في فهم الوقائع والظروف كمقدمة للتطرف في فهمها، وهناك لا يخطئ شارل روجزمان بقوله "أن الشعور بأزمة الفهم لدى المواطن التي ربما تأخذ شكل القلق والاكتساب من الأوضاع التي يعيشها، يمكن أن يتحول إلى تراجع كبير يأخذ شكل الكراهية وسيطرة التصورات الوهمية"(81) التي تنعكس بدورها على استعداده ورؤيته للانتخابات والمشاركة فيها.. التي تصل إلى حد مقاطعتها ليس لعدم ثقته بها.. بل عدم ثقته بالخيار الديمقراطي كخيار موصوف لحل المشاكل التي تعاني منها.. وهذا هو بحد ذاته ارتداد تتحمل الحكومة والأطر السياسية مسؤوليته.

6- واتصالاً بما تقدم، لا يمكننا الترويج للانتخابات من زاوية حقوق الإنسان فحسب باعتبارها درباً مجتمعياً لنقاش عملياتي مع الذات للوصول بها إلى مرتبة القدرة على إيجاد الحلول لكل المشاكل. ذلك لأن تحديد الانتخابات بفكرة حرية الإنسان في اختيار ممثليه وحريته في التعبير عن نفسه فقط.. إنما هو تعبير عن تزييف لإرادة الإنسان بالتحايل عليه باستغلاله وفقاً لرؤى تطلعه دعائياً.. كما أن التأكيد على شعور الخوف أو أي شعور آخر من أجل دفع المواطن للارتماء في حضن الساسة، فإذا لم يتمتع المواطن مسبقاً بمحتوى اقتصادي يفسح له المجال للتفتح الفكري والتعليم والإبداع، ويساهم في تقوية أرضيته النفسية والاجتماعية وحمايتها من كل اضطراب، فإن تلك المحاولات الرامية لتسييسه أو إعلامه وهو في حالة الجهل أنما تعبر عن خرق لكل الحقوق الإنسانية.

وبعد كل ما تقدم، نجد أنفسنا مضطرين لخوض الحديث عن الصعاب الإجرائية- القانونية التي تصادف العراقيين في ممارستهم للانتخاب بعد أن وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه أمام استحقاقات إدارة الدولة التي يستدعي إتمامها كرزمة واحدة لا يجوز تأجيل بعضها أو التمويه على البعض الآخر، ومن بين تلك الاستحقاقات ما يأتي:

أ- حسم قضية التجنس، فالدستور العراقي المؤقت لعام1970 الذي لم يزل نافذاً لحد هذه اللحظة بدا قاسياً جداً حيال هذه القضية التي رتبها قرار666 لعام1980 فأقر عدم جواز احتفاظ العراقي المتجنس بجنسية أجنبية بجنسيته العراقية، الأمر الذي يسقط حق الملايين من العراقيين في خوض الانتخابات قانوناً.

ب- حسم قضية العسكريين التي نصت مختلف القوانين وربما أجمعت على عدم أهلية هؤلاء للترشيح للانتخابات، ولما كانت سلطات الاحتلال قد حلّت الجيش والقوات المسلحة والمؤسسات الأمنية بمختلف صنوفها.. فإنها لحد هذه اللحظة لم تحسم أمرهم.. سواء في إخلاء سبيلهم أو تسريحهم أو تحويلهم إلى وظائف مدنية أخرى يواصلون خلالها أداء رسالتهم في الحياة.. لذا يتوجب حسم هذا الأمر قانونياً قبل الانتخابات لأنه من غير المنطقي أن يترك هؤلاء دون تكييف قانوني لحالهم.

ج- الإصرار على مشاركة القضاء العراقي في حل كل الإشكالات التي يمكن أن تثار بخصوص قضايا الانتخاب والترشيح واحتمالات الإقصاء أو الإبعاد أو التزوير.. لا إهماله كما حصل مع انتخابات المؤتمر الوطني العراقي التي تركت الإشكاليات التي صادفتها تلك الانتخابات إلى الهيئة التحضيرية للمؤتمر المذكور(82)، الأمر الذي سببّ الكثير من المشاكل التي كانت نتيجتها تشويه سمعتها وتثبيط الهمّم حيال تلك الممارسة.

د- حسم الخلاف حول المعايير المحددة للشروط الواجب توفرها لدى المرشحين والناخبين على حد سواء بما في ذلك الاتفاق على آليات الاقتراع والوصول إلى صناديقه وإقرار الوسائل المستخدمة في فرز الأصوات والإشراف عليها.. وحمايتها.. وإذا كانت الأخيرة قد عهدت للأمم المتحدة ومفوضيتها العليا.. فإن الأمر لا يسلم من بعض الاختلالات والاختناقات سواء بسبب اختلاف الرؤى أو عدم قناعة الإطراف المتحاورة بجدوى تدابيرها.

وتبقى أهم صعوبة تواجه العراقيين في انتخاباتهم.. هي الأمن كمرجعية ضمان لممارستهم إياها.. وهو المرآة التي تظهر فيه الحرية بأنصع صورها، وإذا ما أردنا الحق، قياساً للظروف التي مر بها شعبنا، فلا بد لنا من القول إن الأمن والحرية عنصران متلازمان بصورة لا ينالها الخلل(83)، ففقدان الأمن مثلاً يشكل بيئة مختارة لنمو الزيف الذي ينال الحرية بمختلف صورها.. وجوهر الحرية الذي يكمن في حق الاختلاف على أمور تلامس صميم المطالب المتوخاة إذا ما اختل أو فهم بصورة مغايرة لما يعنيه... اختل الأمن، لذا نحذر هنا وبشدة من احتمالات تأجيل الانتخابات بحجة عدم استقرار الأوضاع الأمنية.. لأن ذلك يعني خشية الحكومة مما لا يحمد عقباه بل تعمد لمصادرة الحريات تحت هذه الحجة.. فالأمن ليس شرطاً ابتدائياً لخوض الانتخابات.. بل هو نتيجة لإطلاق الحريات وطمأنة مشاغل دعاتها.. وتلك هي المعضلة.

 

الصفحة الرئيسية | نشاطات المركز | مقالات | عن المركز | بحوث مستقبلية | إصدارات المركز | الهيئة الإستشارية | منار المستقبل | إتصل بنا

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

 جميع الحقوق محفوظة لمركز المستقبل للدراسات والبحوث / 1426هـ / 2005م

info@mcsr.net