الاتفاقية العراقية الامريكية بعيدة المدى بين الرفض والتأييد

 

 

لطيف القصاب

 

شهدت الساحة العراقية السياسية والفكرية في الآونة الأخيرة حديثا واسعا حول الاتفاقية العراقية الاميركية بعيدة المدى المزمع ابرامها بين الطرفين قبل حلول موعد الحادي والثلاثين من شهر تموز المقبل، وهو موعد خفض عديد القوّات الأميركية من العراق، بحسب الجدول الزمني الذي حدده الرئيس الامريكي في أيلول الماضي.

 وقد اشترك في تناول الحديث عن هذه الاتفاقية نخبة من السياسيين واساتذة الجامعات وبعض فقهاء الدين, وتعاطت معه وسائل الاعلام المختلفة كل بحسب وجهة النظر التي يستند اليها في بيان وتحليل ملابسات القضايا مثار النقاش, وعلى هذا الصعيد فان الاحزاب والتجمعات وحتى الاشخاص الرافضين للتواجد الاميركي في البلاد رأوا ان وجود مثل هذه الاتفاقية يقف بالضد من مصلحة الشعب العراقي واصفين الاتفاقية بحبل غليظ سيكبل الارادة الوطنية الى ازمنة متطاولة ويسلب ما تبقى للعراقيين من ماء وجه او كرامة..

 وبعبارة اكثر دقة فان موقف المتخوفين من عقد هذه الاتفاقية يتجلى بالنقاط التالية:

1- تحول العراق الى تابع للدولة الامريكية في جميع شؤونه السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية, ونهب خيرات البلاد وموارده القومية سيما النفط بطرق ممنهجة, وتحويل الشعب الى مجرد مستهلك للفتات الذي يقتر به عليه المستعمر الامريكي.

2- احتمال موافقة مجلس الأمن في حال ما اذا طلب العراق رسميا من هذا المجلس اخراجه من البند السابع الذي لم تعد مبرراته السابقة موجودة, وفي حالة استعمال الولايات المتحدة الامريكية لحق النقض في دحض القرار الاممي المقدم من قبل العراق فان ذلك سيؤدي الى احراج الادارة الامريكية امام شعبها اولا وقبل شعوب العالم الاخرى, لان الحجة الامريكية التي دأبت تقول ان وجود القوات الامريكية في العراق هو بطلب ملح من قبل قيادات هذا البلد لم يعد لها أي سند موضوعي.., وقد لاحظ العالم بأسره المظاهرات الحاشدة التي انطلقت من امريكا نفسها منددة باحتلال العراق من قبل الجيش الامريكي لمناسبة الذكرى الخامسة لبداية الحرب في العراق عام 2003.

3- ان الولايات المتحدة الامريكية تريد ان تكون هذه الاتفاقية اتفاقية عسكرية وامنية فقط، اي ان صبغتها صبغة عسكرية لا اكثر ولا اقل, وخلافا لما يروج لها المؤيدون من انها اتفاقية سياسية اقتصادية في المقام الاول. بالاضافة الى ان ادارة البيت الابيض تحاول الاستعجال بتوقيع الاتفاقية من اجل توظيفها في خدمة الانتخابات الرئاسية الحالية لمصلحة الحزب الجمهوري الحاكم ومرشحه جون مكين الذي زار العراق قبل ايام وقد ادلى بتصريح سابق مفاده ان امريكا ستبقى في العراق مدة مائة عام.

4- ان الولايات المتحدة الامريكية ستستفيد من هذه الاتفاقية في استثمار موقع العراق الاستراتيجي من اجل تأمين وحماية مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة سيما اسرائيل.

5- ان هذا النوع من الاتفاقيات الامريكية، لن يقتضي المصادقة عليه من قبل مجلس الشيوخ..، ما يعني انها ستبقى اتفاقية سرية حتى بالنسبة للمشرعين الامريكيين فضلا عن رجل الشارع الامريكي والعراقي بطبيعة الحال.

6- إن هذه الاتفاقية تشرع لعملية استمرار الاحتلال الأمريكي للعراق إلى ما لا نهاية.

واما الاطراف التي لا تجد في الوجود الامريكي غضاضة او يكن البعض منها في نفسه شعورا بالعرفان للطرف الامريكي فقد كان لها موقف ودي بشكل عام فيما يخص السعي لابرامها بشكل ونوع وحجم استراتيجي بعيد المدى..

 ونستطيع ان نجمل الرأي الموافق مبدئيا على ضرورة عقد مثل هذه الاتفاقية بالنقاط التالية:

1- ان اقرار مثل هذه الاتفاقية سيمكن الدولة العراقية من الخروج من اسر الميثاق السابع للامم المتحدة والذي اصبح العراق بموجبه دولة تحت الوصاية العالمية.

2– الاتفاقية ستنظم عمل القوات متعددة الجنسيات في داخل البلاد بما يضمن احترام حقوق السكان وخضوع هذه القوات الى لوائح وانظمة القضاء العراقي في حال ما اذا حدث خرق من قبلها لتلك اللوائح والانظمة, الامر الذي لا تستجيب له هذه القوات حاليا.

3- ضمان عدم تجاوز الدول المحيطة بالعراق على سيادة هذا البلد لانه سيتحول بشكل او باخر الى محمية امريكية على غرار ما هو موجود في دول خليجية كالكويت او دول اسيوية مثل كوريا الجنوبية وغيرها والمعروف ان امريكا ترتبط باتفاقيات من هذا النوع بدول عديدة في العالم يحددها البعض بـ(115) اتفاقية.

4- ضمان تحول العراق الى بلد يعج بالاستثمارات الاجنبية والامريكية بوجه خاص مما يعود بالخير العميم لجميع شرائح المواطنين.

5- دعم العراق وتقوية وتعزيز موقفه في المنظمات والمؤسسات الإقليمية والدولية، بما يمكنه من لعب دور إيجابي وبنّاء في المنطقة والعالم.

6- دعم المؤسسات الاقتصادية والبنى التحتية العراقية عن طريق المساعدات الامريكية المالية منها والفنية.

7- مساعدة العراق على استرداد الأموال والممتلكات التي تم نقلها إلى الخارج بشكل غير قانوني، وبالذات تلك التي تم تهريبها بواسطة عائلة النظام السابق وشركائها، إضافة إلى استعادة الارث الثقافي العراقي والتي تم تهريبها قبل وبعد عام2003. ومساعدة العراق في الحصول على إعفاءات من الديون والتعويضات المترتبة عليها بسبب الحروب التي شنها ضد جيرانه.

10- دعم العراق في الحصول على شروط تجارية إيجابية وتفضيلية ضمن السوق العالمي بما في ذلك الالتحاق بمنظمة التجارة العالمية، واعتبار العراق البلد الذي يتمتع بالأفضلية لدى الولايات المتحدة الأمريكية.

11- دعم العراق في جهوده لمحاربة الجماعات الإرهابية والخارجة على القانون، بغض النظر عن انتماءاتها، وتحطيم شبكاتها اللوجستية ومصادر تمويلها وهزيمتها واستئصالها من العراق.

12- دعم العراق في تدريب وتجهيز وإمداد وتسليح قواته الأمنية بما يمكنه من حماية نفسه بنفسه.

ووفقا لما ادلت به المتحدثة باسم السفارة الأمريكية في العراق "ميرمبي نانتونجو" فإن الجانبين الأمريكي والعراقي بصدد تشكيل لجان التفاوض التي ستتولى مهام مناقشة الأسس والأطر العامة لاتفاقية الصداقة والتعاون طويلة المدى التي ستوقع بين حكومتي البلدين، وأن الاتفاق الأمريكي العراقي سيعلن في حينه، وسيتعرف العراقيون وممثلوه في البرلمان على تفاصيل بنوده ويناقشون أبعاده، لأنه يعد مهماً جداً ليس بالنسبة للعراقيين فحسب وإنما للشعب الأمريكي وحكومته التي وقعت اتفاقيات مماثلة مع دول مختلفة، وأشارت المتحدثة الأمريكية إلى أن هناك تفاصيل كثيرة يجب حسمها قبل توقيع هذه الاتفاقية، بخاصة ما يتعلق منها بالجانب الأمني، إذ تحتاج القوات الأمريكية إلى إطار قانوني جديد ينظم وجودها في العراق، إلى جانب ضرورة تحديد صلاحيات هذه القوات عقب خروج العراق في نهاية هذا العام من وصاية الأمم المتحدة والإشراف الدولي بموجب البند السابع، ويصبح بالتالي دولة مستقلة وذات سيادة بموجب المواثيق الدولية ومن حقها إقامة علاقات طبيعية وثنائية مع جميع دول العالم ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية.

بين الاراء المذكورة تبقى شريحة كبيرة من المواطنين لا تفقه شيئا مما قد يحدث او انها في احسن الاحوال لا تملك تصورا مستقلا حول هذه الاتفاقية يقودها سلفا الى توقع النتائج المحتملة والتداعيات التي قد ترافق العمل بها او ببعض بنودها, وكما هو ملاحظ فان عمليتي الرفض او التأييد بالمطلق تفتقران الى الموضوعية في الطرح, ذلك ان الاتفاقية لكي يتم الانتهاء منها لابد ان تمر بمراحل كثيرة في الحكومة والبرلمان ومجلس الرئاسة فضلا عن الشعب الذي ينبغي له عاجلا او اجلا ان يقول كلمته في موضوع خطير كهذا , هذا من جانب ومن جانب اخر فلابد من معرفة وجهة النظر الامريكية بصورة مفصلة سواء منها الشعبية والرسمية وعدم الاكتفاء يدلي بها ما بين الحين والاخر مسؤولون امريكيون سواءً كانوا مدنيين او عسكريين ليتسنى الوقوف عمليا على نسبة الحظوظ الحسنة والسيئة التي تحيط بالاتفاقية المذكورة والتي قد تنتهي بها الى احد المصيرين المنتظرين والمقصود هنا النقض والابرام بطبيعة الحال.

 ومن اجل تحقيق غاية بهذا الحجم فلابد من بيان الامور التالية:

** اطلاع الشعب على فحوى هذه الاتفاقية علنا وعدم تضمين الاتفاقية بنود سرية. وبيان حقيقة الاهداف الحقيقية التي تقف وراء القبول او رفض هكذا اتفاقية.

** الاتفاقية في حال ابرامها لابد ان تتحول الى جسر يربط مصالح جميع مكونات الشعب العراقي بدون استثناء بما يجعل منها صمام امان اجتماعي يقود الى مصالحة وطنية حقيقية بدلا من ان تتحول الى حقل الغام يمكن ان ينفجر على الجميع او القسم الاكبر في اية لحظة.

** ضرورة أن تكون الاتفاقية العراقية الأميركية طويلة الأمد مطمئنة لدول الجوار سيما من يتوجس خيفة من هذه الاتفاقية كسوريا وايران ودول اقليمية وعربية اخرى.

** اشراك خبراء في السياسة والقانون لبحث بنود الاتفاقية وعدم الاكتفاء بالطاقم السياسي والقانوني الرسمي.

** ينبغي الاخذ بنظر الاعتبار حقيقة ان البلد منقوص السيادة الى حد يعده البعض منزوع السيادة بالكامل, وعليه لابد من الانتهاء سلميا من العلاقة الشاذة التي تربط بين الطرفين الاميركي من جهة والعراق من جهة اخرى. كما ان البديل عن الحلول السلمية لن يكون في مصلحة عموم الشعب, مع ملاحظة ان تفاقم الوضع في العراق يخدم العدو المشترك والاكثر خطورة على العراقيين الا وهو تنظيم القاعدة.

** ينبغي الايمان بان خير الحلول ما كان ناظرا بعين الانصاف الى جميع الاطراف ذات العلاقة.., وان الحلول الوسطى هي الحلول الاكثر جدوى من سواها في عالم السياسة الراهن.

** ينبغي التعامل مع التحفظات التي يتبناها البعض بروح ديمقراطية وعدم الركون الى منطق الاكراه او الاقصاء واتخاذ وسيلة الحوار هدفا لايمكن التنازل عنه.

** ضرورة التعامل بحرفية وذكاء مع الجانب الامريكي اثناء المفاوضات حول الاتفاقية موضوعة النقاش, وفهم طريقة الخصم في التفكير, واخذ الضمانات الملزمة منه, وعدم الانسياق وراء الوعود المزيفة او غير قابلة التنفيذ بحسب العرف السياسي السائد في هذا البلد, والاطلاع الكامل على النصوص المشابهة لهذه الاتفاقية والتي ابرمها الجانب الامريكي مع دول العالم المختلفة, ودرجة التزامه ببنوده ومعرفة وجهة النظر المخالفة, واختيار ما يوافق العراق في ظرفه الحالي الدقيق.

 

 

 

 
 

 

الصفحة الرئيسية | نشاطات المركز | مقالات | عن المركز | بحوث مستقبلية | إصدارات المركز | الهيئة الإستشارية | منار المستقبل | مجلة المستقبل | إتصل بنا

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

 جميع الحقوق محفوظة لمركز المستقبل للدراسات والبحوث / 1426هـ / 2005م

info@mcsr.net