اللامركزية الإدارية... علاج يثير المخاوف

 

 

عدنان الصالحي

 

  تُعرف اللامركزية الإدارية بأنها: طريقة من طرق الإدارة يتم بموجبها تقاسم الوظيفة الإدارية بين حكومة المركز، وبين هيئات أو إدارات منتخبة محلية تباشر سلطات ومهام ووظائف محلية بالتنسيق مع الحكومة المركزية.

   وفي هذا السياق هناك ثلاثة أركان في النظام اللامركزي الإداري:

1- الركن الأول: يقتصر النظام اللامركزي على وظيفة الإدارة ولا يشمل وظيفة الحكم، وعليه فان الوحدة التركيبية للدولة تبقى واحدة، أي أن الدولة تشهد وحدة واحدة في القانون، بمعنى آخر تقوم مجالس المحافظات بدور العمل الإداري فقط دون التدخل بالقرار السياسي أو التأثير فيه.

2- الركن الثاني: وجود مجالس محلية منتخبة تزاول إدارة المحافظة أو القضاء أو الناحية ويكون لها دور في وظيفة الحكم المحلي إضافة إلى إدارة الشؤون الداخلية.

3- الركن الثالث: الرقابة والإشراف، حيث إن قيام المجالس بإدارة المؤسسات والدوائر في المحافظة  أو القضاء أو الناحية يجب أن يخضع إلى رقابة المركز وإشرافه.

      وهنا تختلف الدول في طريقة وأسلوب الإشراف فبعضها يجعل الرقابة بيد القضاء والبرلمان مع رقابة بسيطة لحكومة المركز في حين إن البعض الأخر تجعل من الحكومة المركزية رقيباً أساسياً مع رقابة البرلمان والقضاء.

    في العراق بدأت اللامركزية الإدارية ومجالس المحافظات تأخذ اهتماماً متزايداً بعد التغيير السياسي في ابريل2003 ،  والسبب الرئيس في ذلك هو محاولة الإفلات من قبضة الحكومة المركزية التي كانت تجربتها سيئةً طيلة العقود المنصرمة، إضافةً إلى بعض الأسباب الأخرى .

   وحيث إن العراق مر بمراحل تأريخية حساسة للغاية، غُير في بعضها مفاصل مهمة من تركيبته الديموغرافية والإدارية، ولذلك فان البناء الجديد يشتمل على إمكانية واقعية لتغيير أخطاء الماضي واستبدالها بالنهج الصحيح ووفق برنامج سياسي وأداري متكامل يشترك فيه الجميع دون استثناء.

 فقد كفل الدستور العراقي لسنة 2005 النظام الإداري اللامركزي، كما كفل إدارة المحافظات التي لم تنتظم في إقليم من قبل مجالس المحافظات وهي مجالس محلية منتخبة .

وبيّن الدستور إن جمهورية العراق تتكون من عاصمة وأقاليم ومحافظات لامركزية وإدارات محلية (م/116 من الدستور) وبالتالي فان وضع الدولة مبني على شكلين:فيدرالي أو اتحادي، ولا مركزي .

  واشترط الدستور أن تكون تلك المجالس منتخبة انتخابا حراَ مباشراَ وبنفس الطريقة التي اشترطها قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية عندما نص على إجراء انتخابات المجالس بنفس اليوم الذي تجري فيه انتخابات الجمعية الوطنية في 31/1/2005 وتم ذلك بالفعل، إلا أن الانتخابات الثانية لم ترافق انتخابات مجلس النواب وأجُلت أسباب عدة.

 

 

أسباب قيام اللامركزية في العراق

 

 أسباب عدّة نتجت عنها الآلية الجديدة المتبعة في القيادة أو الإدارة بُعيد التغيير السياسي عام 2003 منها:

1- إدارة البلاد بعد سقوط النظام البائد بطريقة عسكرية تحكمها القوات الأجنبية مما شكل مجالس محلية و مناطقية تعمل مع تلك القوات على أساس تسيير الإعمال والخدمات اليومية والذي أنتج تقسيم مناطقي_ إداري يعمل كلاً على حدة.

2- محاولة الإفلات من قبضة المركز الحديدية ( حكومة المركز المطلقة) ومحاولة تحصين السلطة من إنفراد جهة معينة أو شخص محدد وتوزيعها بين أكثر من طرف ومنح صلاحيات أوسع لإدارات السلطة المحلية ضمانا منها لعدم عودة الاستبداد والتصرف الأحادي بالسلطة.

3- الإقصاء والتهميش والحرمان الواسع الذي عانت منه مناطق عدةّ أبان الحكومات السابقة على الرغم من احتواءها على الكثير من الثروات التي لم تنتفع بها،  بل اسُتخدمت بأساليب خاطئة وبشكل سلبي في سير الحكم وتشديد قبضته على حساب الخدمات والمنافع الاجتماعية، والتي ولدت ردة فعل بعد التغيير السياسي اتجه نحو محاولة  الاشتراك في الاستفادة من تلك الثروات الموقعية والتعويض عن الفترات السابقة.

4- التوسع والتشعب الإداري الكبير الناتج من الانفتاح على العالم عقب التغيير السياسي والذي يصعب على حكومة المركز مفردةٌ مواجهته، والتوجه العام الذي بدا يسود مناطق كثيرة في البلاد  والمطالب بضرورة الاشتراك في إدارة الأمور،  وتغيير صيغ التفكير من الارتباط المطلق بالمركز إلى إنشاء قيادات مساعدة،  وسريان مفاهيم جديدة في المجتمع العراقي من حيث التعامل القيادي ولاسيما بعد عودة أكثر المهجرين من سياسات النظام السابق واطلاعهم على أساليب الحكم في الدول التي كانوا يقطنوها ومحاولة الاستفادة من تجاربها.

5- محاولة التهرب من تطبيق الفدرالية من قبل بعض الأحزاب السياسية وتخوفهم منها، أدى إلى دعمهم الكبير لقضية (اللامركزية الإدارية ) و الاستمرار في تجربة مجالس المحافظات، وتأجيل البت في تطبق النظام الفدرالي في المحافظات إلى وقت أخر، وهذا بدوره كرس ودعم النظام اللامركزي بصيغة أو بأخرى.

6- محاولة الإسراع بتطوير المحافظات وإعادة أعمارها  ورفع مستوى العمل فيها الى أعلى طاقة ، وهذا لا يمّكن الحكومة المركزية بمفردها من إنجاحه ، في وقت يتطلب بناء سياسي وأداري جديد مضافا الى حاله الأعمار الشاملة في البلد.

 

مميزات اللامركزية الإدارية

 

يتمتع النظام اللامركزي الإداري بمميزات عدّة منها:

1- إن اللامركزية الإدارية تؤدي إلى الوصول لحسن الأداء الإداري لسببين: الأول: إن حاجات المحافظة سيتم تحديدها بوجه الدقة لان أعضاء مجلس المحافظة الذين يتولون الإدارة هم من أهل المحافظة نفسها ويملكون معلومات دقيقة عن احتياجات ومصالح محافظتهم.

      أما الثاني: فان أعضاء مجلس المحافظة سيكون لديهم ولاء وإخلاص بقدر ما،  يتفانون في تطوير محافظتهم أكثر من الأشخاص الآخرين الذين لا ينتمون إلى المحافظة.

2-     إن اللامركزية الإدارية تستجيب لواقع التفاصيل الإدارية المتشعبة،كما تؤدي إلى السرعة في الأداء خاصةً في مواجهة الأزمات الطارئة.

3- إن المجالس المنتخبة التي تؤدي المهام الإدارية في المحافظات لها الجرأة في العمل أكثر من الموظفين في النظام المركزي، والسبب في ذلك ناتجٌ من خوف الأعضاء من الفشل العلني أمام أبناء محافظتهم والثاني التوقع للنجاح أمامهم لكسب الرضا والقبول والتأييد مستقبلاََ.

عيوب اللامركزية الإدارية

 

في الوقت نفسه وجّه للنظام اللامركزية عيوب عدّة منها:

1-إنها تمثل خطراً و تحدياً للوحدة الإدارية داخل الوحدة الواحدة، وذلك لأن مجالس المحافظات المنتخبة في المحافظات ربما ستتولى إدارة مصالح ومرافق المحافظة على نحو مختلف في أسلوب الإدارة المتبع في المركز وباقي المحافظات.

2- تَعدَّ المجالس المنتخبة في المحافظات اقل خبرة وتفتقد إلى المهارات والمؤهلات الفنية التي يتمتع بها موظفو الإدارة المركزية.

3- تَعدّ المرافق اللامركزية الإدارية أكثر تبذيراً من المركزية وميلاً إلى زيادة عدد المصالح أو المرافق العمومية.

4- ربما يكون احد نتائج اللامركزية تشتيت وبعثرة السلطة إلى الحد  الذي يفقد الدولة هيبتها.

التحدث عن  قيام أو عدم  قيام اللامركزية في العراق أصبح في عداد المنتهي ، فالحالة تسير الى تركيزها في جميع النواحي وأصبحت على حالة من القناعة لدى الأغلب تقريبا.

  وما نحتاجه لهذه التجربة الجديدة هو تكيفها بطرق قانونية وإدارية تمنهج العمل بصورة صحيحة، قائمة على أساس الحاجة الفعلية ضمن المناطق التي تناط بها مسؤولياتها دون ترهل وتشعب غير مدروس في التعيين والإدارة ولا تضيق الحالة على فئة دون أخرى لتنتج دكتاتورية المحافظات بصورة مصغرة.

يجمع الأغلب على إن اللامركزية الإدارية هي الحل الأمثل للوضع العراقي وهي وان انطوت على بعض المشاكل الفنية والإدارية  إلا إنها ستنتج ثمرة طيبة في نهاية المطاف، إذا ما طبقت بصورة دقيقة غير منحازة لجهة معينة أو لأغراض سياسية.

 

 __________________________________________________________

المصادر:

1-اللامركزية الإدارية ومجالس المحافظات في العراق.... المنظمة العراقية لتنسيق حقوق الإنسان

 

 

 

 

 

 
 

 

الصفحة الرئيسية | نشاطات المركز | مقالات | عن المركز | بحوث مستقبلية | إصدارات المركز | الهيئة الإستشارية | منار المستقبل | مجلة المستقبل | إتصل بنا

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

 جميع الحقوق محفوظة لمركز المستقبل للدراسات والبحوث / 1426هـ / 2005م

info@mcsr.net