علي احمد فارس
ظاهرة الفساد الاداري ليست وليدة اليوم وليست مرتبطة بزمان او
مكان معينين. فقد عثر فريق الاثار الهولندي عام 1997 في موقع
(داكا) في سوريا على الواح لكتابات مسمارية تبين موقعا اداريا
بدرجة (أرشيف دائرة الرقابة حاليا) يكشف عن قضايا خاصة بالفساد
الاداري وقبول الرشاوي من قبل الموظفين العاملين في البلاط
الملكي الأشوري قبل آلاف السنين....
وثمة لوح محفوظ عن الحضارة الهندية (حوالي 300 عام ق.م) كتب
عليه العبارة الاتية: يستحيل على المرء ان لا يذوق عسلا او سما
امتد اليه لسانه، وعليه فأنه يستحيل ايضا على من يدير اموال
الحكومة الا يذوق من ثروة الملك ولو نزرا قليلا.
والفساد لغةً يشير الى التلف وخروج الشئ عن الاعتدال ونقيضه
الصلاح.
اما تعريف الفساد الاداري اصطلاحا بحسب صندوق النقد الدولي في
تقريره لعام 1996 فانه -أي الفساد الاداري – هو سوء استخدام
السلطة العامة من اجل الحصول على مكسب خاص يتحقق حينما يتقبل
الموظف الرسمي الرشوة او يطلبها او يستجديها او يبتزها.
وقد عرفه البعض بكونه استغلال الموظف العام لموقع عمله
وصلاحياته للحصول على كسب غير مشروع او منافع شخصية يتعذر
تحقيقها بطريقة مشروعة او أنه سلوك غير رسمي وشرعي تفرضه ظروف
معينة وتساعد عليه ويقتضيه التحول الاجتماعي والاقتصادي
والسياسي والثقافي..
ان ظاهرة الفساد تحكمها مجموعة عوامل متداخلة ومتفاعلة فيما
بينها وهذه العوامل تمثل بطبيعتها المباشرة او غير المباشرة
الجذور الاساسية التي تنبت عليها فروع واغصان شجرة الفساد ومن
ابرز تلك العوامل ما ياتي:-
1- العوامل السياسية / تؤدي هذه العوامل الى خلق ظاهرة الفساد
وذلك انطلاقا من فساد النظام السياسي(المنتخب) او المتسلط -
وهذا ما حدث ويحدث حاليا في بلدنا العراق- وخلاصة تلك العوامل
تلاحظ من خلال تدخل النخب والاحزاب في عمل اجهزة الدولة.
2- العوامل الاقتصادية / سوء التخطيط لعملية التنمية
الاقتصادية وفقا لأسس علمية وغياب دراسة الجدوى لأغلب المشاريع
وسوء توزيع الثروة وتدني مستوى الدخل الفردي.
3- العوامل الاجتماعية والثقافية / قد نجد كثيرا من القيم واطر
البناء الاجتماعي للمجتمعات تشكل بمجموعها عوائق في بناء نظام
او جهاز اداري متطور مثل الولاء للعشيرة والطائفة والمذهب وضعف
الولاء للوطن كل ذلك يتسبب بممارسات غير عادلة وغير اخلاقية
مثل المحاباة في انجاز الاعمال والتفرقة في تقديم الخدمة
لافراد المجتمع. ومن المعلوم ان انعدام المساواة الاجتماعية هي
سمة بارزة في مجتمعات العالم الثالث ناجمة بطبيعتها عن تفشي
التخلف الثقافي وتدني مستوى التعليم
4-العوامل التنظيمية (الادارية) ويمكن ايراد خلاصة لها من خلال
تشخيص امراض المركزية والبيروقراطية المفرطة وضعف اجهزة
الرقابة وفسادها وتخلف الاجراءات الادارية وعدم مواكبتها لروح
العصر وحاجات المجتمع فضلا عن ضعف سياسات التوظيف وفسادها وعدم
الاخذ بنظرية وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
5- عوامل خارجية او ما يصطلح عليه بالفساد العابر للحدود وقد
شهدت البلاد في الاونة التاريخية الاخيرة شيوع هذه العوامل على
نحو واسع من خلال دخول الشركات الاجنبية السرية منها والعلنية
على خط الاحداث في عراق ما بعد 2003
وعلى اية حال فانه يغدو من المستساغ التمييز بين ثلاثة اتجاهات
يسير بمقتضاها تعريف الفساد الاداري جنبا الى جنب مع العوامل
المذكورة انفا:
اول هذه الاتجاهات ينظر الى الفساد بوصفه أنحرافا عن مسؤوليات
الوظيفة العامة مثال ذلك الرشوة والمحاباة في اعطاء المناصب
وسوء توزيع الموارد.
الثاني / ينظر الى الفساد كتطبيق لنظام السوق او المشروع
الأقتصادي وهذا الاتجاه قائم على اساس ادخال منطق المتاجرة
والسوق على الوظيفة العامة ويتجسد شكل الفساد فيه عندما ينظر
الموظف العام الى منصبه كمشروع اقتصادي من حقه استثماره
والحصول على اكبر عائد منه.
ثالثا:- ينظر الاتجاه الثالث للفساد بوصفه خروجا عن مفهوم
المصلحة العامة وتغليب المصلحة الخاصة.
والاتجاهات المذكورة اعلاه لا تخرج بدورها عن انواع الفساد
الاداري التي يمكن حصرها بالاتي:
1- الفساد العرضي و هو الفساد الذي يحدث عند قاعدة الهرم
الحكومي من قبل صغار الموظفين ويعبر غالبا عن سلوك شخصي اكثر
منه تعبيرا عن نظام عام كحالات الاختلاس على نطاق محدود او
تلقي الرشوة الخفيفة او سرقة ادوات مكتبية وما الى ذلك.
2- الفساد المنتظم او النظامي
systematic
corruption:
وهو الذي يحدث حين تتحول ادارة المنظمة الى ادارة فاسدة بمعنى
ان يدير العمل برمته شبكة مترابطة للفساد يستفيد ويعتمد كل
عنصر منها على الاخر مثال ذلك شبكة الفساد التي تضم مدير
الدائرة ومدراء المشاريع والمدير المالي والتجاري.
3-الفساد الشامل / وهو النهب الواسع للمال العام عن طريق
الصفقات الوهمية وتحويل الممتلكات العامة الى مصالح خاصة وبحجم
كبير و ويمارس هذا النوع من قبل القمة المتربعة على راس الهرم
ويشمل:
1- الفساد السياسي
Political
Corruption:
أي السلوك السياسي الفاسد والمخالف للقانون واستخدام المال
العام لتحقيق اهداف معينة من خلال التأثير في العملية السياسية
ويتجلى في فضائح الحملات الانتخابية.
2- الفساد المالي /
Financial
Corruption:
والمراد به السلوك غير قانوني المتسبب في هدر المال العام
وتحقيق منافع شخصية من وراء ذلك.
3-الفساد الاداري
Managerial
Corruption: ويتضمن الممارسات او الانشطة التي
تتم داخل الجهاز الاداري الحكومي والتي تؤدي فعلا الى انحراف
الجهاز عن اهدافه الاساسية المتمثلة بتحقيق المصلحة العامة
وهذا الانحراف قد يكون بشكل فردي او منتظم.
واجمالا فان القاسم المشترك بين هذه التقسيمات هو (وحدة الهدف
المتمثل بتحقيق اقصى المنافع الخاصة من الوظيفة العامة وبطرق
غير مشروعة).
ولا يخفى فان اخطر انواع الفساد هو ذلك النوع المنظم والمدار
من رأس الهرم الحكومي وان كانت جميع الانواع المتقدمة تحدث
اثارا ضارة وانعكاسات سلبية على المجتمع.
وهذه يمكن إجمالها بالآتي:
* هناك اتفاق عام على ان التنمية والنمو الاقتصادي يصيبها
الضرر من جراء ممارسات الفساد من حيث انخفاض معدل العائد
الاستثماري اذ ان المبالغ التي يدفعها المستثمر كعمولات ورشاوى
على كلفة المشروع ستجد ما يعوضها من خلال ذلك الانخفاض...
* الخلل الكبير الذي يصيب اخلاقيات العمل وقيم المجتمع وسيادة
حالة ذهنية لدى الافراد والجماعات تبرر الفساد وتجد له من
الذرائع ما يبرر استمراره.
* فقدان الثقة لدى الفرد باهمية العمل الفردي وقيمته طالما ان
الدخول المكتسبة عن الممارسات الفاسدة تفوق في قيمتها المادية
الدخول المكتسبة عن العمل الشريف.
* فقدان هيبة القانون في المجتمع لأن المفسدين يملكون تعطيل
القانون وقتل القرارات في مهدها وبالتالي يفقد المواطن العادي
ثقته بهيبة القانون وتصبح حالة التجاوز على القانون هي الاصل
واحترامه هو الاستثناء وزيادة فجوة عدم الثقة بين الجمهور
ومنظمات الدولة.
* يؤدي الفساد الى تمايز طبقي حيث يوسع الفجوة بين من يملكون
وبين من لا يملكون..
* توليد شعور عدم المبالاة والاهمال وعدم الاخلاص والحرص على
المصلحة العامة.
وتنامي الروح العدوانية تجاه النظم الحاكمة.
* نشر ثقافات فاسدة تصبح بمرور الوقت جزءاً من قيم العمل
الخاطئة ومنها:-
1- عدم احترام وقت العمل
2- امتناع الموظف عن اداء العمل المطلوب منه
3- التواني والتراخي
4- عدم الالتزام بأوامر وتوجيهات الرؤساء
5- افشاء اسرار العمل
6-الغش بانجاز الاعمال
7- عدم تحمل المسؤلية
8- اصدار اوامر وتعليمات مخالفة للنظم والتعليمات بهدف الاضرار
بالصالح العام وتحقيق المصلحة الشخصية.
ب- الانحرافات السلوكية
1- عدم المحافظة على كرامة الوظيفة وهيبة الوظيفة العامة
2- الجمع بين وظيفتين في نفس الوقت وهذا الامر لم يلق حلولا
جذرية حتى الان في تشريعات قوانين مجلس النواب العراقي في
دورته الحالية
3- سوء استعمال السلطة
4- الوساطة والمحاباة
5- عدم العدالة في التعامل مع الجمهور
ج- الانحرافات المالية
1- عدم الالتزام بالاحكام والقواعد والنصوص المالية العامة
والخاصة بالمنظمة
2- الاسراف واهدار المال العام.
د- الخروقات الجنائية
1- الرشوة
2- الاختلاس للمال العام
3- التزوير
4- التصرفات الاجرامية والجريمة المنظمة وتجاوزاته الوظيفية
ولمن يتسائل عن الجهات التي يمكنها التصدي لهذه الظاهرة
الخطيرة فاننا نقول ان طبيعة الظاهرة وتعقيداتها تحتاج لتضافر
جهود الجهات التالية:
*- البرلمان والحكومة الوطنية والمحلية / باعتبارها تمثل الشعب
ومصالحه.
*-منظمات المجتمع المدني بما تبثه من توعية ضد حالات الفساد
السائدة في المجتمع.
*- افراد المجتمع كل حسب موقعه.
*- القطاع الخاص كونه جزء من الجتمع وبحكم مسؤوليته الاجتماعية
تجاه المجتمع.
*- المؤسسة الدينية / يعد الخطاب الديني اذ انه يعد عاملا
مؤثرا في صحوة الضمير الانساني.
*- اجهزة الاعلام النزيهة والهادفة.
اما سبل مكافحة الفساد فانها تدور حول المحاور التالية:
1. تقوية انظمة المساءلة والشفافية داخل المنظمات والمجتمع.
2. تقوية دور المستفيدين من خدمات المنظمات بالحفاظ والرقابة
على تنفيذ برامج هذه المنظمات.
3. تبني ما يسمى بالميثاق الاخلاقي من قبل المنظمات والمجتمع
والذي يشتمل على جملة من المبادئ الاخلاقية.
4. التأكيد على ان يكون نظام الادارة في المنظمات نظاما قائما
على اساس الانفتاح والديمقراطية.
5. تطوير الاجراءات والنظم الادارية الخاصة باداء الاعمال
واختيار العاملين.
6. فصل السلطة التشريعية عن التنفيذية ومنع تدخل الجهات
الخارجية في عمل اجهزة الدولة.
7. المساواة امام القانون ومحاسبة المفسدين الكبار قبل الصغار
وعدم منح حصانة لمثل هؤلاء على حساب المجتمع.
8. تفعيل الجوانب الروحية والدينية التي تشجع على الاستقامة
والسلوك الجيد.
9. تصريح كبار المسؤلين عن ما لديهم من اموال وتطبيق (قانون من
اين لك هذا).
10. نشر سياسات وبرامج اجهزة الدولة ونتائج اعمالها بصورة
شفافة امام الجمهور.
11. حرية الصحافة والرأي والتعبير كأداة للرقابة.
12. تحسين الوضع الاقتصادي والمعاشي وتوفير الحياة الكريمة
لابناء المجتمع.
13. فضح الفساد والمفسدين كي يسقطوا بأنظار المجتمع.
14. تفعيل دور منظمات المجتمع المدني في مكافحة الفساد.
15. تفعيل دور المؤسسات التربوية بكل مراحلها من اجل خلق قيم
وسلوكيات تؤثر على اهمية العمل والكسب الشريف وبيان عواقب
الفساد
16. التركيز على العامل البشري فالمواطن هو الغاية...،والموظف
خادم لمجتمعه من خلال وظيفته العامة ويجب ان يكون هذا الامر
الاخير مبدأ لا شعار. |