كربلاء الصورة الجميلة والظل المروع

 

أحمد جويد

حينما يطرق السمع اسم كربلاء يتبادر إلى الأذهان تلك الصورة الرائعة التي جسدت معها أروع المعاني الروحية والتي تشد الفكر والروح خارج الجسد بالتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وحينما يقول الشخص إني قادم من مدينة كربلاء يُحتفى به من قبل أهله ومعارفه على غير عادة وليس لمقدمه منها كمقدمه من أي مدينة أخرى، وحينما تقول هذه تربة كربلاء فإنك تجد لها قدسية خاصة في نفوس المؤمنين بحيث يهوى لها الإنسان ليعفر بها جبينه، وحينما تذكر واقعة كربلاء تدمع العين لصورة في مخيلة المحب والعاشق لهذه الأرض حتى وإن لم يصلها أو يرها طوال حياته، هذه كربلاء التي يرومها عشاق ومحبو أهل البيت (عليهم السلام) من كل حدب وصوب، صورتها مطبوعة في القلوب قبل العقول، يقصدها الناس باذلين كل غالٍ ونفيس من أجل النظر والـتأمل في عراصاتها، معفرين جباههم بترابها.

   ومع تلك الصورة الرائعة التي تحملها النفس لهذه المدينة وفي أثناء التوجه نحوها نرى ظلها يتكسر على الحواجز (الكونكريتية) التي تعلوها الأسلاك الشائكة والسواتر الترابية التي تحيط بجميع منافذها، وبالاقتراب شيئاً فشيئاً باتجاه الحرم المقدس يتشوه الظل الذي تعكسه الصورة الجميلة لكربلاء على كتل أشد سمكاً وأكثر ارتفاعا وعلى أبنية تحيط بالحرمين وتتمترس عليها مجاميع مدججة بالسلاح وسط أكياس من الرمل، فيبدو لك في الوهلة الأولى وأنت تنظر إليها وكأنك في ثكنة عسكرية على الحدود في مجابهة جيش قادم إلى اقتحامها....... لتختفي الصورة من الذهن ويبقى الظل مشوها لا تعرف ماذا يعني لك!.

  أما بالنسبة لسكانها فلهم نظرتهم الخاصة بهم حول كل ما يحيط بالمدينة من مظاهر غير مألوفة،  حيث تشكو منافذها من تزاحم الكتل والاسيجة الضخمة والتي شغلت حيزاً واسعاً يمتد ليشمل مركز المدينة القديمة بكامله، ومع وجود تلك الظاهرة غير الحضارية التي تفقد المدينة قدسيتها وأجوائها الروحية من خلال رؤية المظاهر العسكرية فوق أسطح الأبنية وأمام المطبات والبوابات التي تم تشيدها حديثاً نجد أن معظم أبناء المدينة في داخل الأسوار مستاءون لرؤيتهم تلك الظاهرة الدخيلة على مدينتهم والتي حولتها إلى شبه معسكر يستعرض فيه المسلحون قدراتهم العسكرية، بدلاً من كونها مدينة دينية لها خصوصيتها وقدسيتها، إضافة إلى معاناتهم اليومية لمن يريد أن يأتي ببعض الأغراض إلى بيته أو محله أو من يريد إدخال سيارته الخاصة قريباً من منزله، فمن يريد إدخال عجلة تحمل الغاز -على سبيل المثال- إلى الساكنين في تلك المنطقة فعليه أن يحصل على عدد من الموافقات لوصول تلك المادة إلى المواطن الأمر الذي يعاني معه أبناء تلك المدينة من صعوبات كبيرة في حياتهم اليومية.

 فما هو الغرض من إنشاء كل تلك الأسيجة إذا كانت تشتمل على كل تلك السلبيات؟

*-الجميع يعرف مدى تربص القوى التكفيرية باستهداف أضرحة أهل البيت عليهم السلام ومنها ضريح الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس(عليهما السلام)، والجميع يدرك أيضاً مدى حاجة الساكنين في جوار هذه المقدسات للأمن والأمان أكثر من حاجتهم إلى الحصول على أي شيء آخر، وكم هي حاجة الزائر للأمن وحمايته من خطر السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة، لكن رغم ذلك فالأمن يمكن أن يطبق بآليات أفضل تحفظ للمدينة قدسيتها وأجوائها الروحية ولساكنيها الأمان مع مرونة أكبر لحركتهم من منازلهم أو محالهم إلى خارج المدينة أو لمن يريد دخولها لغرض الزيارة أو السياحة الدينية، الأمر الذي يستوجب إعادة النظر بكل تلك المظاهر والتخلص منها, وأصحاب الفكر الأمني ولاستخباراتي يعرفون أكثر من غيرهم كيف يتم حماية هذه المدينة وزائريها وسكانها سواء من كانوا على مقربة من الأضرحة المقدسة أم في الأحياء البعيدة دون اللجوء إلى هذه الوسائل.

 *-الشيء الآخر الذي يجب معرفته، هو أن دخول العجلات إلى داخل المدينة المسيجة يسبب حالة من الزحام والإرباك في حركة المارة بشكل عام والزوار بشكل خاص،ً كونها تقصد طوال أشهر السنة بزيارات مليونية، فإذا لم يتم إغلاقها بوجه المركبات أو العجلات فسوف تضيق بالزوار القادمين إليها، ولكن هذا لا يمنع من وجود حلول أخرى  تسهل حركة الزوار إلى المرقدين الطاهرين ولساكنيها حرية التنقل من أماكن عملهم خارج المدينة إلى محال سكناهم أو بالعكس بأقل جهد، فلو استغلت تكاليف الكتل (الكونكريتية) والحواجز الأخرى لبناء عمارة –مثلاً- تتكون من عدة طبقات مخصصة لوقوف ومبيت السيارات مع تطوير شارع خاص بها يربطها مع الشوارع المؤدية إلى خارج المدينة لتمكنا من تخفيف حدة الازدحام الحاصل أثناء الزيارة بالإضافة إلى الحصول على مردود مالي كبير يجبى كرسوم على وقوف ومبيت السيارات.

  إن من يشاهد الطريقة التي تعاملت بها السلطات المحلية في محافظة النجف الأشرف والمشرفين على إدارة الروضة العلوية المطهرة من توسيع للطرق المؤدية إلى مرقد الإمام علي(عليه السلام) وجعل المدينة مفتوحة أمام حركة الزوار في الوقت الذي تحظى به مدينة النجف الأشرف بقدر واسع من الأمن والهدوء هو أمر يستحق الذكر والإشادة بالقائمين عليها.  

   إن المكانة التي تحملها كربلاء في نفوس المسلمين تعدها من بين أهم المدن المقدسة في العالم وتجعل منها وجه العراق الحضاري الذي يمثل ماضيه المشرف ومستقبله الواعد، وهذه القدسية لا تقتصر على أضرحة أهل البيت فقط وإن كانت هي أهمها وأكبرها منزلة وشرفاً إلا أن هناك حوزة كربلاء العلمية الدينية والتي يمتد عمرها إلى مئات السنين والتي لها باع كبير في رفد الحركة الفكرية والعلمية والإصلاحية في المجتمع والأمة وفق نهج نهضوي متجدد شيده أفذاذ العلم والدين من رجالات ومراجع هذه المدينة.

  فكيفما تقلب صورة كربلاء فإنك تجد عبق الرسالة المحمدية وروح القدس قد تجلت بين ثناياها يزيدها شرفاً إلى شرفها ذلك المرقد الطاهر لسبط النبي المختار(ص)، ألم تستحق تلك المدينة أن تحفظ بتلك الصورة الرائعة التي تميزها عن باقي مدن العالم وأن تعكس الظل الأجمل الذي تجسده تلك الصورة الرائعة؟

 

 
 

 

الصفحة الرئيسية | نشاطات المركز | مقالات | عن المركز | بحوث مستقبلية | إصدارات المركز | الهيئة الإستشارية | منار المستقبل | مجلة المستقبل | إتصل بنا

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

 جميع الحقوق محفوظة لمركز المستقبل للدراسات والبحوث / 1426هـ / 2005م

info@mcsr.net