لا يخفى على المراقب للحدث اليومي العراقي ان الواقع الراهن
بكل تداعياته السياسية والامنية والاجتماعية....الخ , انما هو
انعكاس واضح لشبكة معقدة من العوامل التاريخية سواء منها ما
يتعلق بالماضي القريب او البعيد, وعند تفحص ابرز خيوط تلك
الشبكة المعقدة يظهر لنا بوضوح شديد مدى ما للجانب الديني من
اهمية مباشرة ذات تاثير مباشر او غير مباشر على مجمل الخيوط
الاخرى.. فان ما نشهده اليوم من تشابك القوتين السياسية
والدينية فيما بينهما في العراق وظهور حركات دينية جديدة الى
حد ما في المعترك الاجتماعي تحمل بدورها مدعيات فكرية تصحيحية
من وجهة نظر البعض او تتبنى اطروحات شاذة في الفكر الديني من
وجهة نظر البعض الاخر..., يجعل لزاما على الباحث العلمي ان
يخوض في هذا المعمعان ليس من اجل اجترار الاقوال السابقة او
عرض الاراء على نحو تنظيري وانما من اجل غاية اسمى بكثير من كل
ذلك الا وهي مساعدة القوى الفاعلة في الحياة العامة للمجتمع
دينيا وسياسيا واقتصاديا في ان تنهض بمسؤولياتها وتنجز ما
بعاتقها من التزامات غير قابلة للتاجيل تجاه المنظومة
الاجتماعية التي تدين لها بالولاء, هذه المنظومة التي تتحمل -
في غالبيتها العظمى - الاثار السلبية التي تنشا من صراعات او
ممارسات يعدها البعض سليمة ويعدها البعض الاخر شاذة.
وتاسيسا على الطرح السابق فقد دارت الحلقة النقاشية الاخيرة في
مركز المستقبل للدراسات والبحوث في رحى المؤسسة الدينية
الاسلامية العراقية سيما في شقها الشيعي, حيث تم استعراض موجز
لتاريخ الحركة الدينية باطارها الشيعي قديما وحديثا, فضلا عن
تحديد ابرز النقاط التي قد تقود سيرورة البحث العلمي باتجاه
تقرير وجود مؤسسة فعلية لهذه الحركة من عدمه, والى أي حد منطقي
تنطوي الحملات التي يوجهها البعض ضد/ او مع الاطار العام
الموجه لهذه الحركة بالذات...
المحاور المذكورة انفا فضلا عن محاور اخرى, من قبيل تسييس
الدين او تديين السياسة..., وقضية مصادر التمويل والايرادات
الدينية المثيرة للجدل, وطبيعة الارتباطات الداخلية والخارجية
التي تضبط ايقاع العلاقة بين قمة الهرم الديني من جهة والقاعدة
الجماهيرية من جهة اخرى, تمت مناقشتها باسهاب نسبي على مدى
اكثر من ثلاث ساعات, ليخرج الباحثون المشاركون من حلبة النقاش
بالحصيلة الفكرية التالية:
ورقة (المرجعية الشيعية)
الباحث: عدنان عباس سلطان
في كثير من السجالات والمحاورات يطلق على الكيانات الدينية
الشيعية تسمية المؤسسة الدينية وهي تسمية كما يبدو من منطوقها
بان هناك هيئة موحدة تضم جميع الحوزات في اطار واحد على انها
مرجعية شيعية موحدة، والحقيقة أنه هناك تعدد مرجعي ولكل مرجعية
مؤسساتها الخاصة بها وتتمتع باستقلال تام اداريا وماليا عن
بقية المراجع وليس هناك هيئة محددة يمكن ان تلم جميع المراجع
في اطار تنظيمي موحد.
فكل مرجعية في الحقيقة تثقف بإرث علمائها الذين يمثلونها
والذين هم عادة ينتمون لنفس البيت العلمي ولهم مقلدون في شتى
مناطق العالم.
المرجعيات تختلف في رؤيتها السياسية فكل مرجعية لها رأي قد
يتعارض مع مرجعية اخرى, وعلى الساحة العراقية برزت مرجعيات
سوغت حمل السلاح، فيما ظلت مرجعيات اخرى تعول على مدى درجة
علمية علمائها كامتياز لها من خلاله يمكنها ان تكون هي
المرجعية العليا المتصدية للامور في الراهن والمستقبل.
فيما فضلت مرجعيات اخرى الوسطية والاعتدال الامر الذي يمكن ان
يؤشر للطابع الشيعي العام....
والمحصلة عما اوردناه ان ليس هناك مؤسسة بالمعنى الطبيعي او
التقليدي الذي يحدد تسمية المؤسسة الدينية بحسب الشروط والخواص
والمواصفات المتداولة، وانما مجموعة من المرجعيات تشترك معنويا
بالخطوط العامة وتختلف تفاعليا في السلوك وقد تحكم الظروف
السياسية او الاجتماعية ببروز مرجعية من المرجعيات في فترة ما
ويكون بامكانها ان تتفاعل مع القرارات السياسية او قيادة
القرار بصورة غير مباشرة او ارشاديا.
وعلى الساحة العراقية شواهد كثيرة وواضحة بغض النظر عن كون تلك
المراجع معترف بها ام لا من قبل المراجع الاخرى وذلك لان اكثر
المراجع لا ترجح سوى شخصياتها على انهم السائرون على الطريق
الافضل والمستحسن.
والمرجعية رغم تعددها الا انها تنطق بالفتوى وتتعامل مع
المتغيرات وتعطي الراي فيها بحسب الظرف.
اما ما يسمع في احيان كثيرة بان المرجعية تكون عادة بعيدة عمن
يحتاج مشورتها وان الناس تتعامل مع البطانة المحيطة بالمرجع
فهذا الكلام قد يكون بعيدا عن الصحة اذ لم يكن المرجع بعيدا عن
الناس ولم تمنعه الشخصيات وفق آلياتهم الادارية مهما كان نوعها
او نسقها من تأدية واجبه الشرعي بما هو مرجع ديني.
وبناء عليه فلا وجود لاشخاص يرجحون موقفا سياسيا معينا ويكون
بامكانهم ان يتلاعبوا بتوقيتات الفتاوى كان يؤخرونها او
يقدمونها او انهم لا يفعلون ما لا يرغبونه باعتبارهم جدارا
عازلا بين المرجع والناس المحتاجين للمشورة الشرعية، فهذا كلام
قد يحتاج الى ادلة حقيقية لاثباته ونظن انه مجرد تخمين ليس
اكثر من ذلك, ويمكن ان يكون ناتجا من ارتباكات الواقع العراقي
وتماهي الارادات السياسية مع القضية الدينية، فبروز تيارات او
كيانات دينية لها نفس الشعائر الشيعية والمراسم والتفاعلات
فيما تختبئ اراداتها خلف المضمر والتي عبرت عنه من خلال
استخدامها السلاح وعزمها على التغيير المسلح، هذا قد يعطي فكرة
او حكما مسبقا يمكن ان يسبغ لا شعوريا على المرجعية.
وامر الحركات المتماهية مع المكون الشيعي حدث على التوالي
لمناسبتين في العاشر من محرم وكأن الامر موقوت بصورة دقيقة.
ونظن بان جذر تلك الحركات هو جذر واحد يستطيع ان يحركها كيفما
شاء وبالظرف الذي يختاره لها فقبل جماعة اليماني كان جند
السماء، وقد يظهر آخرون في العام القادم او الذي بعده ممن يتخذ
طريقتهم باسم آخر, كل هذه الممارسات من شأنها أن تقلق استقرار
العراق وقد يكون الفاعل الاساس يبدو واضحا جلي القسمات عندما
نتساءل عن المستفيد من القلق والاضطراب العراقي؟.
من المستفيد من حالة عدم الاستقرار؟.
عندما نطلق هذا الطراز من الاسئلة ينبغي علينا الا نفكر بالدين
ومقدار تمسك تلك التكوينات بالعنوان الديني ابدا، ذلك لان
الكثير من الغايات والاهداف غير الدينية قد تكون هي الفاعل
الاساس في تلك التحركات التي يرى البعض أنها تتستر تحت عباءة
العنوان الديني الكبير، وان هناك دعما مفرطا لهؤلاء الجماعات
تشترك فيه قوى كبيرة من خارج الخارطة العراقية.
ورأي المرجعية كان واضحا منذ البداية اذ انها فضلت التفاعل
السياسي بالنسبة للسياسيين ورجال الحكم فيما اتخذت هي الجانب
التشاوري او اشبه ما يكون بالارشاد الروحي، وبذلك عارضت ضمنا
حمل السلاح والعنف باعتبار امكان معالجة الوضع العراقي من خلال
السياسة نفسها، وبهذا فان جميع القوى يكون حملها للسلاح انما
هو الخروج عن الموقف العقلاني في حل الامر وتسوية المشكلة
العراقية وهذا ما حدث فعلا اذ ان جميع من حمل السلاح بغض النظر
ان كان صادقا او جريا وراء غايات لم يتحصل له ان افاد القضية
العراقية بشئ ذي اهمية يمكن ذكرها، وقد عاد الكثير من القوى
التي حملت السلاح او هو بطريقه الى الدرب العقلاني وان الجهود
المبذولة والارواح التي ازهقت بلا جدوى ظلت على كاهل من تحمل
اصدار الفتيا الخارجة على الخط العقلائي.
اما بالنسبة للحركات التي تتماهى مع التكوين الشيعي فان لها
غايات استراتيجية وهو كما هو واضح خرق التكوين الشيعي وتدميره
من الداخل كذلك تشويهه بصورة مفرطة لكي يرى هذا التشويه في
المربع الشيعي اولا كذلك امام الرأي العام وتصدير الصورة
المشوهة اعلاميا في المربع الاسلامي.
ومثل هذه المحاولات كثيرة في الماضي البعيد والقريب وان كانت
على النطاق الاعلامي الا ان الاعلام ذاك لم يكن مؤثرا بما فيه
الكفاية وخصوصا في الجغرافية الشيعية هذا فضلا عن محدوديته
البسيطة في الخارج الاسلامي والاجنبي، فنقل المسرحية
التراجيدية عن البيت الشيعي ستكون اكثر تاثيرا وفاعلية بكونها
وتدا من اوتاد البيت الاثنى عشري بالتحديد.
ولعلنا في هذا الانسياق اغفلنا الاسباب الاساسية التي تدفع
بتكوين هذه الحركات وان تجد لها من يحترق في لهيبها ومن يستجيب
لها فان اول تلك الاسباب والعوامل الواضحة هو العوز.. ومن بعد
العوز يأتي التخلف والجهل والتهميش ومصادرة الارادة وبالتالي
ابتذال الكرامة حتى انها لتبدو لصاحبها بانها لا قيمة لها
وعندما يصدق ذلك فانه سوف يستجيب للشيطان اذا نعق ويلبي نداء
اي كان مقابل ان يعوض الفقد المادي والنفسي الذي يشكو منه
كمريض.
وهذا الامر ليس في صعيد مسؤوليات المرجع لكون المرجع مختصا في
امر ديني دنيوي تشريعي واذا كانت هناك مساهمات للمرجعية فان
مساهماتها ستبقى محدودة في نطاق الضرورات والاشياء التي لها
مساس شرعي فقط وذلك بكونه ليس حاكما.
فالامر في مربع الدولة ومنوط بارادتها السياسية وخططها في
التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتنمية البشرية والصحة وغير
ذلك كهدف ستراتيجي يمكنها من خلاله ان تقضي على الاسباب
المؤدية الى العنف والتطرف وخلق بيئة صحية لا تتقبل الخطابات
المغرضة.
فالفقر في حقيقته مثل جرح مفتوح يشجع على نمو الجراثيم
الفتاكة، حيث يرى بان غالب المحتفين بالارهاب والتطرف هم ممن
عشعش العوز في حاراتهم ليس في العراق وحده بل في اغلب الدول
التي يتواجد فيها اسكان بشري خارج النطاق المعيشي المعتاد او
ما يعرف بمدن الصفيح، وهي المدن او الحارات التي يعيش سكانها
على فتات المدن وعلى مزابل الثراء المفرط وفي الدول التي لا
يوجد فيها طبقة متوسطة فاما غنى فاحش او فقر مدقع.
وعند التجمعات الفقيرة تنسحب الصحة وينسحب التعليم كذلك تنسحب
بعض العادات الاصيلة والالتزامات الاخلاقية سواء المتاصلة او
المكتسبة لدى الغالبية ما يشجع بانبثاق مفاهيم وسلوكيات يسودها
الانحراف والكراهية وفقدان الاحساس بالذات ويكون مثل هؤلاء
الافراد صيدا سهلا لمثل الحركات التي ظهرت مؤخرا أو التي ربما
ستظهر في المستقبل.
اما في محور اموال السياحة الدينية وامكان استثمارها في
التنمية او اي مشروع ستراتيجي يكون لصالح العراقيين، او في اقل
تقدير ان يساهم المشروع الاستثماري المتكون من اموال السياحة
الدينية في تنمية اجتماعية اقتصادية للمنطقة التي تتحصل على
اموال السياحة الدينية،
فما من شك ان القوة المالية تتراجع قيمتها الفعلية
وانخفاض تاثيرها في السوق يوما بعد آخر ما لم تتفاعل مع
التنمية وتكون جزءا اساسيا منها.
فالمدخرات هي نوع من الاكتناز وربما الاحتراز الذي يكون محدود
الفعل وان كان يصرف منه على شكل اعانات او مساعدات وربما يمول
بعض التوجهات الثقافية كمؤسسات تعني بتنمية الوعي الجماهيري
إلا انها تبقى نشاطات صغيرة جدا قياسا للوارد المالي الضخم من
السياحة الدينية في العراق.
ان جميع اشكال المساعدات الجزئية التي تصرف من موارد السياحة
الدينية لا تحل اشكالات العوز الجماهيري الذي يضرب باطنابه
بارض المحرومين ويزيد في معدلات البطالة وتراجع الجانب الزراعي
الذي يعد في العراق الممول الرئيسي للغذاء.
والاموال المذكورة انما تصلح لهذا القطاع الحيوي ويقصد به
الزراعة وبالامكان مثلا استغلال مساحات واسعة من الاراضي التي
يمكن اصلاحها والاستفادة منها في التخفيف من البطالة وايجاد
فرص عمل امينة ودائمة لتكون مصدرا كبيرا من ضمن الغلة الكلية
للزراعة في العراق إضافة الى ان خطوة مثل هذه قابلة للتطور
والتوسع وتخلق نموذجا للقطاع الخاص في ان يشارك بجهده
واستثماراته في تلك التجربة التي تعد من منظور فرادتها تجربة
رائدة وعصرية للتنمية الاقتصادية والبشرية وتؤسس لعلاقات صحية
جديدة بين المجتمع تطبّع الحال الاجتماعي على الاصالة.
واستثمار من هذا النوع انما له مردودات عدا ما ذكرنا وذلك لأنه
يخلق علاقة حميمية ومتفاعلة مع المبدأ الاخلاقي الذي ينادي به
الدين او المؤسسة الدينية ومع القانون العام الذي ينظم الامور
الاقتصادية والاجتماعية ويحقق الرفاه والتآخي بين افراد
المجتمع ويقضي على ظواهر التدافع المصيري في العيش وسلوك السبل
الملتوية لإستحصاله.
ومن جملة الامور الأخرى انه يخفف من التكدس على المدن ويقطع
الهجرة الريفية كلما توسعت المشاريع الزراعية من هذا النوع.
ان الجهد الحكومي سيبقى محدودا في الزمن الراهن وحتى في الزمن
المنظور للعشر سنوات المقبلة ولا يتوخى بحكم الظروف الحالية ان
تنهض الدولة بالقطاع الزراعي بالصورة المرجوة ما لم تتظافر
الجهود الوطنية من خلال الاستثمارات الداخلية, والكل يعرف ان
استثمارات القطاع الخاص في القطاع الزراعي ستكون استثمارات
محدودة على وفق المقولة الشائعة (ان راس المال جبان) وعلى هذا
لابد من ايجاد نموذج ناجح ومثمر يسوق الاطمئنان والضمان
الحقيقي من خلال تنامي النموذج ومطابقته للتقديرات المحتملة،
وخصوصا وان النموذج يعني شكلا وتفاعلا معنويا يوحي بمضامين
روحية واخلاقية رفيعة المستوى وتلقى القبول الحسن لدى الجماهير
المسحوقة التي كانت على الدوام راس الحربة في نضال المرجعيات
والنضال الديني.
والسياحة الدينية لو انخرطت بجانب الاستثمار ونظرا لقدرتها
المتنامية كرأس مال مستمر ومداوم مع الزمن اي انه نام بذاته
بما تضخ عليه السياحة كل عام فانه يتطور بتسارع كبير ويكون هو
في كل الاحوال الفاعل القوي الذي لا يضاهيه جهد الدولة مهما
كان متوفرا على امكانات كبيرة وحقيقية.
ولعل هذا النموذج الزراعي يقبل التطوير ويمتد الى القطاع
الصناعي ويدير عمليات التدريب والتنمية لهذا القطاع البائس في
شكله الحالي.
ومن الممكن ايضا ان تستثمر بعض الاموال او انها تدخل كشريك مع
السياحة الدينية التي تمتلكها جهات متنوعة في المجتمع العراقي
كذلك قد يصار الى زج بعض المال العام كمشارك او كمعضد من قبل
الدولة.
ولا غضاضة من ان تشارك بعض المرجعيات في هكذا مشاريع طالما
يتوخى منها الصالح العام ويساهم في رفع الحيف ويقضي على
البطالة والهجرة الريفية ويحقق الرفاه الاجتماعي والعافية
الاقتصادية لهذا البلد الفقير في كل شيء.
ولعل ذوي الاختصاص لهم رؤية مختلفة في تنفيذ المشروع الرائد في
الزراعة وفي الصناعة والممول من قبل السياحة الدينية, وكلامنا
هذا لا يعدو كونه في الخطوط الاساسية والعامة من وجهة النظر
الانسانية والتاكيد على انه ممكن وقابل للتنفيذ وفق ما يراه
المهندسون الزراعيون وذوو الاختصاص ممن لهم اطلاع نظري او عملي
لهكذا توجهات ومقترحات عملية فليس هناك مستحيل اذا توفرت
النوايا والخروج من صندوق الانتظار والنظر بحرية خلاقة الى
الفضاء الفسيح.
ورقة (المؤسسة الدينية: المسؤولية التأريخية)
الباحث :أحمد جويد
يعد العامل الديني من أهم العوامل التي تؤثر في سلوك الافراد
بشكل خاص وفي حركة المجتمعات بشكل عام، وتعد مسألة العقائد
والاديان من المسائل المهمة والحساسة في معظم بلدان العالم،
ورغم المحاولات الكثيرة في جر المجتمعات وفصلها عن معتقداتها،
إلا ان الاديان لا تزال المؤثر الكبير والعامل الرئيس في أية
سلوك يراد منه الوصول الى حالة من التغيير والاصلاح الفكري أو
السياسي أو الاقتصادي.
إن وجود مرجعيات دينية على مستوى المسؤولية هو ما يميز الشيعة
الامامية عن غيرهم من ابناء الطوائف الاسلامية الاخرى، ولاجل
تسليط الضوء على مجمل ما تقوم به الحوزات العلمية من أعمال
ومهام شرعية، وبالتالي تحديد ما يمكن أن يدرج من إختصاص
المؤسسة الدينية أو ما هو خارج إختصاصها سنعمل على أن نساهم
ولو بشيء بسيط على دفع التشكيك والاتهامات الموجهة لرجالات
الخط العلمي الشيعي سائلين الله أن يتقبل أعمالنا وآملين أن
يؤخذ بالمقترحات والنتائج التي ينصب عليها هذا الجهد المتواضع.
هيكلية الحوزات العلمية الدينية
لا يمكن إعتبار الحوزات العلمية الحالية بوضعها الحالي وطبيعة
العمل الذي تتبعه بوصفها مؤسسة دينية، كون المؤسسات تبنى على
مجموعة من الضوابط التي تميزها عن غيرها من التجمعات والاندية
والمدارس، ومن بين تلك الضوابط والشروط:
1- أن يكون للمؤسسات نظام داخلي يُعَرِف بها وبطبيعة عملها.
2- أن يكون لها مجلس إدارة موحد يتفق على تسمية أعضائه عبر
الآليات التي ينص عليها النظام الداخلي للمؤسسة.
3- أن تحدد طبيعة العمل الذي تريد القيام به (ثقافي، خيري،
توعوي،.........الخ).
4- أن تتكون الهيكلية الادارية من مدير ومعاون على الاقل وعدد
من اللجان الخاصة بالاعلام والمالية و........الخ.
5- أن يكون لها ميزانية موحدة تشرف على الايرادات والنفقات
وتعلن عنها سنويا وعن مقدار الفائض أو العجز الموجود فيها، مع
بيان نوع الايرادات والنفقات.
6- أن تتخذ القرارات الهامة بالتشاور بين أعضاء المؤسسة
الواحدة ويتم التصويت عليها دون الانفراد بإتخاذها من قبل شخص
واحد.
هذه تقريبا أهم الامور التي تميز المؤسسات عن غيرها من
التجمعات الاخرى، والشروط الواردة أعلاه غير متوفرة في خطوط
الحوزات العملية أثناء قيامها بأداء أعمالها.
دخول المؤسسة الدينية في المعترك السياسي
الملاحظ على المرجعيات الدينية (الشيعية) إنها تنأى بنفسها عن
الدخول في معترك السياسة، وهذا النهج ليس بالنهج الحديث،
فالامام الصادق(سلام الله عليه) ترك الخوض في السياسة وأمور
الحكم واهتم اهتماماً منقطع النظير في تأسيس المدرسة الاسلامية
التي وصل تعداد طلابها وروادها الى عشرات الآلف من الطلبة
العرب وغير العرب وفي جميع أنواع العلوم والمعرفة، إلا أننا
نلاحظ في حالة الضرورة ولجوء الناس الى المرجعيات الدينية لأخذ
آرائهم في القضايا السياسية، نرى تلك المرجعيات لا تبخل
بالنصيحة والتوجيه مع بقائها في العموميات دون الخوض في
التفاصيل، فهم يرسمون الخطوط العريضة لمن يطلب رأيهم ويوجهون
الناس عبر التأكيد على العمل وفق الضوابط الشرعية والمصلحة
العامة دون إلزام أي أحد على عدم العمل برأيه ضمن شرطي المفهوم
الشرعي والمصلحة العامة.
ونرى أن دخول المرجعيات الدينية في التفاصيل السياسية يضعها
أمام مشكلة تحمل أخطاء الغير، فكل خطأ يرتكبه السياسي سوف تتهم
به المرجعية الدينية بالدرجة الاولى في وقت تتربص به جهات أخرى
لمحاولة النيل منها، وبذلك نرى أن تدخلها في حال تعرض المصلحة
العامة للخطر هو تدخل في محله.
المرجعيات والضغوط والاملاءات الخارجية
الشيء المميز لأبناء الطائفة الشيعية والذي يستحق الفخر
والعرفان وبكل أمانة وموضوعية، هو أن قياداتهم الدينية وعلى
طول خط التشيع والى الآن لم يخضعوا للإملآت والضغوط الخارجية،
ومن هو ذلك الخارجي المقصود من السؤال؟.
هو وبكل تأكيد من ذكره الله تعالى في كتابه الكريم بقوله (وَلَنْ
تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ
مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ
اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ
الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللهِ مِنْ
وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) آية
(120)
سورة البقرة، وهذه القوى هي اليوم من ينفرد بالتسلط على معظم
دول العالم وتريد استنزاف خيراته واستغلاله بابشع صور
الاستغلال، والتاريخ شاهد على خط التشيع بالوقوف بوجه اليهود
منذ زمن خيبر مروراً بالائمة الاطهار وصولاً الى المرجعيات
الدينية داخل العراق وخارجه، ولم نشهد للمرجعيات الدينية أن
ساومت في يوم من الايام على حساب أي من القضايا الوطنية أو
الثوابت الدينية، ومراجع الشيعة هم أكثر من رفض فكرة مصافحة
اليهود على مر الازمان.
أما إذا كان المقصود بالتبعية هي حمل جنسية دولة أخرى غير التي
يتخذها المرجع مقر لإقامته، فلا يمكن اعتبار ذلك بالتبعية
بدليل إن سلمان الفارسي (رضوان الله تعالى عليه) كان من أقرب
الناس منزلة عند رسول الله (ص) وحينما ولاه الامام أمير
المؤمنين على المدائن لم يكن لديه أدنى مستوى للشك بأن سلمان
سوف يقدم المصلحة القومية على المصلحة الدينية انطلاقاً من
واجب التكليف الشرعي.
دور المرجعيات في مواجهة الافكار الضارة والمنحرفة
إنطلاقاً من كون المرجع هو الحاكم الشرعي وهو الممثل للامام في
عصر الغيبة، وكونه أعلم من غيره بما يجب أن يتبع أو لا يتبع،
وفي وقت تتهافت به الفتن كقطع الليل المظلم كما عبر عن ذلك
الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يبقى أمام العالم إلا
التصدي لكل فكر منحرف وبخاصة تلك الافكار التي تخرج بلباس
الفكر الشيعي الاثني عشري، وعليهم معالجة الداء قبل أن يتحول
الى وباء، فعند ظهور أي حدث يثير الجدل والفتنة بين الناس
تشرئب الأعناق نحو مراجع الدين لسماع القول الفصل كي لا تشتبه
عليهم الامور.
فما حدث في زركة الكوفة وجنوب العراق، كان بدفع وتخطيط من
دوائر عالمية وبتنفيذ من استغلت مشاعرهم تجاه فكرة ظهور الامام
(عج)، وكان شيء يستحق الحزن والاسف، وهو نتيجة طبيعية كان يجب
أن يلتفت اليها من الجميع بما فيهيم المتدينون والمثقفون
والسياسيون ورجال الدين بالدرجة الاولى، فبعد أن أصبح العراق
سوقاً فتوحة - وبفعل فاعل- للرؤى والافكار التي تهدف لتحقيق
أهداف معينة متسترة بستار الدين، كان لابد من وقفة حاسمة
وخصوصاً من قبل الخطوط الدينية، لأن الامر يتعلق بصميم معتقدنا
الديني، ومع اعتزازنا الكبير وثقتنا العالية بمرجعياتنا، إلا
أننا نأمل أن لا يتكرر ما حدث في البصرة والناصرية وما سبقه في
الكوفة دون أن يكون له رد علني وعدم الخشية في الله، كون ذلك
الامر يحز في النفس وتضيق له الصدور، أن ما حدث في شهر محرم
لسنتين متتابعتين وبنفس اليوم والمناسبة، من قبل نفر ليس له أي
وجود استطاع استغلال اسم الدين والمذهب وفكرة الامام المهدي
(عج) وإقناع الناس باتباعهم، لا يمكن تصديقه بوجود أناس مؤمنين
وأصحاب مسؤولية يحسب لهم الف حساب - من البعيد والقريب - دون
أن يوضحوا للناس ما اشتبه عليهم من أمر دينهم ودنياهم.
وبرغم ذلك كله تبقى المرجعيات الدينية هي الموجه الأمين لبوصلة
الشرع والدين الى أن يأذن الله عز وجل لقائم آل محمد (عج)
ليملأها عدلاً وقسطا بعد أملئة ظلماً وجورا.
ورقة (المرجعيات الدينية و المسؤولية القيادية)
الباحث :عدنان الصالحي
من الأساسيات في أرضية وتكوين المجتمع الإسلامي بصورة عامة
والطائفة الشيعية بصورة خاصة هي المرجعيات الدينية وتفرعاتها
الحوزوية، وهذه القاعدة المتينة تأخذ من الاهتمام الكبير من
جميع الجوانب (حصة الأسد) كما يعبرون، فلا تكاد حركة اجتماعية
أو سياسية أو غير ذلك إلا وتكون ضمن غطاء يوفر لها الطريق
الشرعي وإلا اعتبرت خارجة عن نطاق الالتزام الشرعي والفقهي,
وهذا قد يتسبب بسقوطها من نظر المجتمع تماما أو تلاشيها، هذا
الكلام ينطبق على الأشخاص أيضا في مسرى التعامل.
من خلال التاريخ الطويل لهذه الخطوط والمدارس الفقهية نلاحظ
إنها تسير جميعها باتجاه واحد، غير أنها قد تسلك طرقا مختلفة
في ذلك ليس بالضرورة أن تكون متفقة في جميع الآراء، وعلى أساس
ذلك كانت ولم تزل هذه الخطوط والمرجعيات موقع جدير بالاهتمام
والبحث لملاحظة تلك القوة الكبيرة فيها وأسس البناء الصحيح
لها.
ان الحوزة العلمية او المرجعية الدينية لا يمكن أن يصطلح على
تسميتها بالمؤسسة, فالأخيرة تتميز بعدة صفات منها النظام
الداخلي والترتيب الإداري والنسق المتتابع في المسؤوليات بحيث
يكمل كل جزء الجزء الذي سبقه الامر الذي لا توجد في واقع الحال
في الحوزة الشريفة، وإن وجدت في بعض الحالات بصورة عشوائية غير
منسقة أو مقصودة أصلا نتيجة الإرث المعتاد في تناول أمور
الحوزة وارتباطاتها بالتكليف الشخصي لفرد أو مجموعة أشخاص
بالإدارة غير المنسقة في أكثر الأحيان.
ولذلك فان مجموعة المرجعيات التي تمارس الدور التدريسي
والتوجيهي والقيادة الروحية لا تمتلك في اغلب المواقع صفة
المؤسسة بذاتها، بل هي اقرب إلى طرق الحلقات التدريسية أو
المكاتب الخاصة بكل مرجع او مجتهد ومنفتحة لدروس الفقه وغيرها
وممارسة النشاطات العبادية والمعاملاتية دون التركيز على
الجانب الإداري في ذلك، ليضفي عليها صفة المؤسسة، أما ترجمتها
إلى مؤسسة فهي تتطلب إعادة نظر كاملة ودراسة شاملة لآليات وطرق
تناول أمورها الداخلية والخارجية وبما ينسجم مع الحفاظ على
المظهر القدسي لها وتتماشى مع التطور العلمي والثقافي في
مواكبة العصر بتقنياته الحديثة مما يسهم في إشراك الجانب
العلمي والتقني فيها إضافة إلى المحور العقائدي الأساسي.
فيما يخص بدخول المرجعيات على خط العمل السياسي يمكن ايراد
القراءة التالية :
هنالك وجهتا نظر في هذا الجانب تسيران على وفق متتابع،
أولهما إن ترك السياسة على غاربها بدون متابعة أو رقابة
شرعية لشخصية عليا روحيا أو عقائديا قد يخلق مشاكل
كثيرة قد تؤدي إلى الانحراف أو التفرد بالحكم، وهذا ما لا
يطيقه أي فرد تخلص من الاستبداد في وقت قريب (ولاسيما الشعب
العراقي)، وهذا قد يكون صحيحا إلى حد كبير، فالتوجه الديني في
أكثر بلدان العالم يجعل من البلد محكوم من أكثر من طرف وهو
بالفعل صمام أمان من جانب ما ذكرنا، ولكن قد يخلق أزمة جديدة
تتمثل في خلق دكتاتورية مغلفة بغطاء ديني بدون علم المرجع او
الأب الروحي في ذلك أو رفضه تلك الفكرة، وهنا تكون الطامة
اكبر.
فالدكتاتورية في صورها الاعتيادية قد يسهل التغلب عليها في أي
تحرك جماهيري او عسكري ولكن الصورة الأخيرة فيما لو حدثت فان
التغلب عليها قد يؤدي إلى انشقاق كبير واقتتال فادح بين نفس
الطوائف المكونة للتركيبة السكانية للبلد.
أما الثاني فيرى ضرورة ابتعاد المرجعية و الخط الديني
عن السياسة بصورة كليه لتنأى بنفسها عن إرهاصاتها كونها (أي
السياسة) تحمل الكثير من التزييف والتسويف والمغالطات وهذا ما
يسئ لصورة المرجعية بشكل أو بآخر، حسب وجهة نظر البعض وعليه
فهي ترى ضرورة بقاء الشخصيات والمرجعيات الدينية في صومعاتها
تقديسا لها واحتراما لأسمائها وما تعنيه من عناوين.
ونحن هنا نرى بان حالة الوسطية هي أفضل الطرق المتبعة في ذلك،
فالإشراف العلوي على الجميع بدون التدخل المباشر الذي قد يجعل
من فشل أي عمل سياسي ما مرتبط بفشل المرجعية الساندة، او وجود
الثغرات الإدارية والسياسية يكون مأخذ على هذه المرجعية او
تلك, إضافة إلى ذلك فان الإشراف العلوي بدون إعطاء صبغة دينية
خاصة لحكومة معينة لا يجعل منها دكتاتورا شرعيا وبصورة غير
منطقية أو ممارسة لطقوس ظاهرية بالتدين وغير حقيقية في
الأفعال، بل إن القيادة الروحية ضرورية للجميع كأب أو موجه أو
مصلح وهو ما يضمن تقوية الجميع وإبقاء الشؤون الإدارية
والسياسية في جعبة السياسيين.
بعد الفراغ من فكرة تسييس الدين من عدمه ان لنا ان نتحدث عن
قضية الايرادات الدينية او ما يصطلح عليها فقهيا "الحقوق
الشرعية".
تعد هذه الاخيرة من أهم العوامل العبادية التي يركز عليها
الفقه الشيعي لما لها (حسب وجهة النظر الاجتماعية) من حالة
تكافل اجتماعي واسري وإحساس الإنسان المسلم بكونه مؤتمنا على
جميع الأشياء وليس مالكا حقيقيا لها.
ومن هنا فان الموارد التي تجلب بها الأموال هي الخمس والزكاة
في اغلب الأحيان وما شابهها من رد مظالم أو قضاء عبادات أو
تبرعات الخ.
وهذا سائر ومعمول به لدى جميع المتشرعة كما هو معروف سلفا، اما
آلية صرف تلك الموارد فهي تكاد تخضع لحالة من الشمولية
بالمسميات في المساعدات أو تقديم الرواتب الشهرية للطلبة
المنشغلين بالعلوم المفيدة للمجتمع أو ما يراه المرجع والمجتهد
مناسبا لصرفها.
ورغم كون الأغلب تدفع تلك الأموال بدافع العقيدة والتفقه
الديني وبرضا الشخص الدافع، إلا إن الحديث عن العبثية في
التوزيع او الوجهائية في معرفة الأشخاص ما فتئت تخرج بين
الفينة والأخرى، وهذا ما يُشكل على أهم عنوان في المجتمع
تقريبا, ولاسيما بعد بدأ البعض ممن يتصيدون لتلك الخطوط
والمرجعيات الفرص لمحاولة التشويه أو التشكيك فقد وجدوا في هذا
الإطار بابا واسعا للدخول أو لسوق الاتهامات وهو ما يحتاج إلى
مواجهة حقيقية على واقع الأرض للتصدي لها.
وباليقين فان تلك المواجهة تبدأ من تكوين آلية شفافة وعالية
الدقة في توزيع تلك الأموال وبيان طرقها المسوقة فيها، إضافة
إلى وضع عناصر ورموز ثابتة في استلام وصرف تلك المبالغ دون
تخويل الأغلب بالاستلام وتفويضهم بالصرف، ونحن هنا بالتأكيد لا
نشكك بأحد من طلبة العلوم المفوضين بالاستلام والصرف بقدر ما
نجد البعض غير مقدر للحاجة الفعلية للصرف أو عدمه وهنا مكمن
الخلل.
ان التطورات الكبيرة والمستجدات العاجلة تتطلب ايضا فتح قنوات
مباشرة وسريعة وتكون بآليات واضحة تكسب الفرد الثقة التامة
بإيصال صوته إلى مرجعه والتأكد من اطلاع المرجع على جميع ما
يجري في الساحة من تطورات وتصورات، قد يكون النقل غير المباشر
لها يضفي صورة مغايرة وهذا ما يجعل الفرد المقلد والمرجع أمام
مسؤولية مشتركة.
وهنا نقول إن تطور الإحداث واختلاف الأزمنة وضع على الدائرة
الدينية مسؤولية جديدة من وضع القنوات المباشرة والتي تراها
مناسبة لاستقبال والاستماع شبه اليومي للآراء والإدلاء بدلو
المرجعية في كل حدث وبفترة محترمة من الزمن تمكن الجميع من
معرفة ما يراه المرجع الجامع للشرائط في هذه القضية أو تلك
وعدم ترك الحاشية تجتهد في بعض الأحيان وتحسبه لرأي المرجع
والمرجع منه براء.
دور الدائرة الدينية والمرجعيات في مواجهة الأفكار الضالة
والمشبوهة
مما لاشك فيه بان العين الناظرة بالدرجة الأول ستكون صوب
المرجعية في مواجهة مثل تلكم الأفكار وفي وقت يكاد لا يمر يوم
إلا والأفكار تترا, منها المستوردة من الخارج ومنها ما هو
برعمي المنشأ في نفس الأرض لكل منطقة, وبغض النظر عن الأهداف
والدوافع التي وراء تلك الأفكار فدور المرجعية مقدم هنا في أول
المقام ولا حديث لغيرها على الإطلاق في هذا النوع فهي قضية
تتشابك فيها الأفكار العقائدية والفقهية ولا نعتقد بان المنبر
ينصب هنا لغير الفقيه الجامع للشرائط للحديث فيه.
والقاعدة الأكيدة المستند عليها في ذلك الحديث المتواتر عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما معناه ( إذا ظهرت
البدعة في العَالم فعلى العالِم أن يَظهر علمه.....)، وحسب
الظاهر (والله اعلم) فان تلك الأفكار قد تكون بداية لبدعة
وضلالة إن لم تكن كذلك بالفعل وكما أسلفنا فان الحكم يكون
للفقيه أو المرجع وليس لنا الحق في تشخيصها.
ولكن بصورة عامة فالقبضة الحقيقية والسلاح الأوحد بيد المرجعية
الدينية في مواجهة تلك الأفكار , وأما الآليات فقد تكون متنوعة
عن طريق المراكز البحثية أو العملية أو المدارس الدينية وقراء
المنابر وغير ذلك , ولكن يبقى الشرط الأول والأخير هو قيادة
المرجع وبيان رأيه الصريح في هذا المضمار وعدم ترك الموضوع
لغير ذوي الاختصاص من أصحاب الفكر الفلسفي المحض أو الآراء
المتناثرة، بل وضع النقاط على الحروف , هنا يجب إن يكون الحل
بتدخل مباشر من قبل المرجع وبدون واسطة أو ناقل، وإلا فان
المواضيع ستكون أشبه بمهاترات كلامية دون حد فاصل أو جدال عقيم
قد يزيد الأمر تعقيدا، ولكن عندما يدخل رأي المرجع على جادة
الطريق فان البقية سيلزمون مقاعد الرصيف.
توصيات الندوة:
يمكن اجمال ما تقدم ايراده من افكار ورؤى طبعت اوراق العمل
البحثية اعلاه بالنقاط المحورية الاتية :
أولاً:
ان الحوزة العلمية او المرجعية الدينية لا يمكن أن يصطلح على
كل منهما بالمؤسسة, فالأخيرة تتميز بعدة صفات منها نظام داخلي
ومنهج اداري صارمان الامر الذي يفتقر اليه بوجه عام هرم الكيان
الديني الشيعي. والطريق الافضل الذي يحثنا العقل والعلقلاء على
اتزامه من اجل مأسسة المرجعية الدينية هو نظام شورى الفقهاء
حيث تنتقل المرجعية الدينية من اطارها الفردي الى اطار جماعي
قائم على الوحدة والتماسك عبر اعتماد آليات عمل تحقق المصلحة
العامة للامة وليس مصالح جماعات.
ثانياً:
ان الجذر الحقيقي للحركات الدينية المستحدثة ينبع من محركات
سياسية تتحكم بتلك الحركات ساعة تشاء وبالكيفية التي تشاء.
والجهد المرجعي القائم على رعاية الحركة العلمية والفكرية هو
السلاح الاقدر على مواجهة تلك الحركات.
ثالثاً:
ضرورة مساهمة راس المال الديني المتحصل من اموال السياحة
الدينية وغيرها من موارد الاوقاف والخمس والزكاة في احداث
تنمية اجتماعية اقتصادية مستدامة تنتفع منها البلاد.
رابعاً:
يمكن للمرجعيات الدينية احداث نقلة توعوية عقائدية كبرى في
اوساط المجتمع ليقطعوا الطريق امام الدعاوى التي تتبرقع
بعناوين دينية من اجل احراز مكاسب سياسية.
خامساً:
للمراجع الدينيين حق التدخل في الحياة السياسية باعتبارهم قادة
راي في المجتمع ولكن ينبغي ان يكون ذلك من خلال الاشراف
الارشادي العام لكي لا تحسب اخطاء الساسة على المرجعية
الدينية. |