الإسلام ... ونظرية الوهم الأمريكية

 الدكتور* حسين حافظ وهيب

كثيراً ما يقع الساسة والمفكرون بخطأ نظرية الوهم والتي تعتبر ركناً واهناً من أركان المنتظم الفكري الإنساني قبل أن تتحول الى فاعل في السياسة الدولية.

وقد جرى التعامل بهذه النظرية منذ بواكير نشوء الحضارات الإنسانية وارتقائها ومن ثم سقوطها ،ولم تخلو مرحلة تاريخية في حياة الأمم والشعوب من التعامل بهذه النظرية، ،إذ كانت ولا زالت تتحكم بدرجة واضحة  في جل التصورات والمفاهيم السائدة في العلاقات لا سيما الدولية منها .

"والوهم هو اختلال في التصور يؤدي الى خطأ في النتائج".

ولان هذا الاختلال وامكانية تفاديه بحاجة الى ضرورة الربط بين مرتكزات أسس تاريخية مهمة وبين متطلبات صيرورة آنية ومستقبلية  وما يمكن ان تسببه من اسقاطات وتشوهات على الحاضر وقد تمتد الى المستقبل كذلك اذا ما تم تبني هذا الاختلال ،لذلك فان اعتماد سياسة قائمة على الوهم كفاعل في تقرير السياسات الخارجية غالباً ما كان يقود الى تداعيات يصعب التكهن بنتائجها، وبالتالي فأن النظم الأكثر استقراراً في عالمنا المعاصر لابد وان تكون اكثر هدياً واسترشادا بالواقعية الاجتماعية والسياسية واقل تعاطياً بهذه النظرية، وان جل سياساتها لا بد وان تكون اكثر انسجاما مع مبدأ العقلانية إزاء العديد من القضايا لاسيما الماسة بجوهر الصراع في العالم, والنظر الى ثقافات الشعوب وعقائدها وأخلاقياتها ودياناتها ومبادئها نظرة موضوعية دالة على استحضار نتائج تجارب الصراع بين الأمم،إذ ليس اكثر خطراً على مستقبل العالم من الافتراض والتعاطي ب(الانا)الفوقية سواء كانت ثقافية أو قومية وحتى دينية  ومحاولة إخضاع البيئات الإنسانية المختلفة التي استقرت فيها عبر العديد من الحقب التاريخية  نماذج محددة للعلاقات الاجتماعية والسياسية والفكرية   الى نماذج جديدة حتى وان كانت تلك النماذج لا ترقى الى مخالفة التراث بكل أصوله بل ماسة بجوهر التعامل الإنساني التراتيبي الذي استقر منذ  فترات زمنية متعاقبة كما هو حال البعض من النظريات التي تروج للديمقراطية الغربية كنموذج مثالي للعلاقة بين الحاكم والمحكوم في بيئات اجتماعية تتحكم فيها قواعد سلوكية اجتماعية وسياسية ضاربة في العمق التأريخي ومؤثرة في الوجدان الإنساني وفي حياة الشعوب الى حد كبير  ، الأمر الذي قد لا يرقى الى مستوى الترحيب بها في العديد من البيئات الإنسانية الاجتماعية و السياسية.

وفي ضوء هذه المفاهيم لابد من التأكيد على حقيقة جوهرية مفادها أن سمو الفكر وخاصة الديني في مرحلة من المراحل التاريخية واستقراره وتجذره في الوجدان الإنساني يجعل منه من القوة بمكان بحيث يصبح الإنسان أداة طيعة في خدمة أهداف ذلك الفكر.

من هنا تأتي أهمية معالجة قضية جوهر الإسلام وتمييزه ليس عن باقي الأديان بل عن جل الأيديولوجيات الإنسانية السائدة مما يجعل منه على قدر كبير من الأهمية كهاجس يدفع العديد من القوى الفكرية والسياسية وبالتالي الاجتماعية  الى تبني نظرية الوهم كواحدة من المصدات المهمة بوجه اتساع المساحة الأنانية للإسلام .

لقد جربت الشيوعية وهي تكتسح ما يقرب من نصف سكان المعمورة أو يزيد أحدثت هزة فكرية وارتداد واضحين في العديد من البيئات الإنسانية ورغم كل ذلك التراص المادي والفكري الذي وظفته الماركسية في التعاطي مع المسألة الدينية إلا أن ذلك الاصطفاف أضحى بعد حين ليس خلف المادية التاريخية،بل خلف الإسلام حتى في الدول الماركسية ذاتها بعد انهيارها ابتداءً بتركمانستان وانتهاءً بالبوسنة.

ولذلك لا يمكن تصور إن إطراء الإسلام فكراً وعقيدة من قِبل بعض الساسة والمفكرين في الولايات المتحدة وغيرها من الدول المسيحية محض افتراء بل ان الافتراء هو ما شوهته الصهيونية العالمية من رؤى حول الإسلام وتصوراته عن العالم.وكان ينبغي للولايات المتحدة أن تدرك حين خرجت من خضم معركتها مع الشيوعية في أفغانستان منتصرة وقبلها كانت قد خبرت الإسلام على انه من الوسائل الأكثر نجاعة في مواجهة الشيوعية، أن قوة إيمانية كالإسلام لا يمكن مجابهتها بسهولة مفرطة بل ربما تقتضي المواجهة معها اكلافاً قد تخرج الولايات المتحدة مندحرة كما خرج قبلها الاتحاد السوفيتي إذ ليس لفارق القوة المادية شأن كبير في ذلك،إذا ما قورنت بالقوة الروحية التي تتملك المؤمنين بالعقيدة الإسلامية.

أن استعداء فلسفة دينية بطريقة(صموئيل هنتغتون)الذي صور الإسلام بأنه النموذج الذي لا يرقى إليه نموذج في العدوانية والسعي للصراع مع العالم الغربي هو جوهر نظرية الوهم التي أوقعت الولايات المتحدة في أخطاء متكررة، إذ قسم العالم من جراء ذلك بين الإرهاب ممثلاً بالإسلام وبين من يحارب الإسلام في الإشارة الى المقولة سيئة الصيت"من ليس معنا فهو ضدنا" وهذا هو خطأ التعميم في نظرية الوهم .

لذا كان ينبغي مراجعة العديد من النداءات الفكرية لبعض المفكرين في الغرب حيث تم استبعاد أفكار الفريد هاليداي،وغيره الداعية الى خرافة المواجهة مع الإسلام وبالتالي فان ما حصل للولايات المتحدة في 11ايلول2001وما سوف يحصل لها في العالم الإسلامي هو نتيجة موضوعية لكل تلك التصورات الخاطئة التي تتكرر بشكل دراماتيكي سواء على لسان وسلوك الرئيس الأمريكي بوش أو غيره من الساسة والمفكرين في الولايات المتحدة،إذ يمكن أن ينسب الى نظرية الوهم في السياسة الأمريكية إزاء الإسلام كل هذه التداعيات ونتائجها المدمرة.

 

*أستاذ العلوم السياسية/جامعة بغداد

Dr_hussain_hafeid@yahoo.com

 

الصفحة الرئيسية | نشاطات المركز | مقالات | عن المركز | بحوث مستقبلية | إصدارات المركز | الهيئة الإستشارية | منار المستقبل | إتصل بنا

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

 جميع الحقوق محفوظة لمركز المستقبل للدراسات والبحوث / 1427هـ / 2006م

info@mcsr.net