مركز المستقبل للدراسات والبحوث يعقد حلقة نقاشية عن دواعي الإرهاب عالميا ومستقبل الإرهاب في العراق

عقد مركز المستقبل للدراسات والبحوث مساء يوم الأحد 17 نيسان 2005 الجلسة الأولى من الحلقة النقاشية التي حملت عنوان(دواعي الإرهاب عالميا ومستقبل الإرهاب في العراق).

وقد حضر الحلقة كل من الأساتذة:

1. د. عامر حسن فياض، أستاذ الفكر السياسي الحديث بكلية العلوم السياسية/ جامعة بغداد.

2. د. حميد حمد السعدون، رئيس قسم الدراسات الأوروبية بمركز الدراسات الدولية/ جامعة بغداد.

3. د. خليل مخيف الربيعي، أستاذ الفكر الإسلامي بمركز الدراسات الدولية.

4. د. حازم علي الشمري، أستاذ العلاقات الدولية بكلية العلوم السياسية/ جامعة بغداد

5. د. حسين حافظ وهيب أستاذ الفكر السياسي المعاصر بكلية العلوم السياسي/ جامعة بغداد.

6. د. عميد ركن عادل محمود مظهور، أستاذ الدراسات الاستراتيجية بمركز الدراسات الدولية. بالإضافة إلى الاستاذ سمير الكرخي مدير إدارة المركز.

افتتحت الجلسة بمقدمة عن معنى الإرهاب كمفردة لغوية ومفهوماً ومصطلحاً سياسياً وكذلك جرى استعراض مختصر لتاريخ هذا المفهوم وبعض الشواهد التاريخية عنه قدمها السيد محمد علي البطاط. حيث ابتدأ بذكر الآيات القرآنية التي وردت فيها مفردة الإرهاب والمعنى الذي جاء به القرآن الكريم. وقال بأن تلك المفردة قد وردت بعدة آيات قرآنية وبمعان مختلفة، إذ جاء في الآية 40 من سورة البقرة ما نصه (وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون). وقد جاءت هنا بمعنى الخوف من الباري. كما جاءت بمعنى الهيبة والإخافة في قوله تعالى (ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم) (الأنفال، 60).

ثم ذكر بأن الإسلام قد حارب الاختطاف (الآية 26، سورة الأنفال) وعده من ملامح الإرهاب الشديد لكونه ينطوي على ترويع وتخويف الآخرين. كما حارب الإسلام ظاهرة قطاع الطرق وعدها (إرهاباً) وترويعاً للبشر (الآية 23، سورة المائدة)، وقد حرم النفس التي حرم الله إلا بالحق (الآية 15، سورة الأنفال).

ثم أن كلمة الإرهاب باللغة الإنكليزية (Terror) معناها رعب وذعر، ولقد جاءت اللغة الإنكليزية من اللغة الفرنسية.

ثم تحدث الدكتور حازم الشمري عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء نمو وازدياد ظاهرة الإرهاب دولياً وعلاقة ذلك بالساحة العراقية.

الإرهاب والإرهاب في العراق

ثم عرض أ.د. متعب مناف رئيس قسم البحوث في المركز ورقة تحت عنوان: (الإرهاب والإرهاب في العراق)، حيث قال:

يعرف الإرهاب قاموسياً (fair child p.319) بأنه تكنيك (وسيلة) تحاول عن طريقها الجماعات المعزولة اجتماعياً البحث عن قوتها والدفاع عن محاولتها للتسلط.

وتتحقق هذه الوسيلة، الإرهاب (Terror) عن طريق العنف (Violence) أو التهديد بالعنف ثم بالإكراه والسريّة والاختطاف لسحق الخصوم الأقوياء وخنق معارضاتهم في الوقت الذي يجري فيه تخويف (Intimidate) اكبر عدد من الناس، وهو وسيلة عالية من وسائل الضغط الاجتماعي.

لذا فالإرهاب وسيلة (Technique) وبذلك تكون هناك غايات لابد من أن يسعى إليها، ويمكن أن تصبغَ الغايات لتبدو مقبولة كما في الشعار الذي رفع لتبرير تسلط الدولة التي قرنت بين وجودها ووجود (الأمة)..

لقد توزع عَسْف وعنف وإرهاب الدولة في العالم القديم والأوسط والحديث والمعاصر في شرق العالم وغربه وبقيت الدولة سلطة وسلطان في الشرق تتصرف وفق آلية جمعت بين الترغيب والترهيب، فالترهيب هو الغاية والوسيلة وقد يقرن بالترغيب الذي لا يلعب أكثر من دور أو وسيلة فقط.

واضاف الدكتور متعب: والإنسان التابع إنما هو في مجال عسف جناحي التسلط فهو مُرَغّب/ مُرَهّبٌ في صباحه أي أثناء اليقظة التي قد يسترد فيها وَعْيه، فهناك عيون ترصده وأذان تسمعه.

هذا الترهيب الممزوج بالترغيب يعيشه التابع/ العدو/ المعارض طوال يومه خائفاً متوقعاً متوجساً.

وهذا قمة ما تفعله السلطة فهي تحاصره نهاراً وتشل حركته في أن يحلم بأن يكون معارضاً للدولة ليلاً، خوفاً من أن يتكرر عليه حلمه فينقله إلى عالم الواقع.

وقد رسم الدكتور متعب مناف مثلثا بقوله ويمكن أن يوضح إرهاب الدولة ضمن حدود المثلث السلوكي التالي: خوف - جهل - تعصب

فهناك الخوف من أن يقترب التابع/ الإنسان وأجهزتها ليتعرف على ما يدور في أوساطها لإبعاده من أن يكون معنياً بذلك، رغم أن أكثر ما يحال في مثل هذه الأوساط موجّه للحد من حركة وفاعلية هذا التابع/ الإنسان، ما يسهّل إرهابه وبالتالي التسلط عليه.

وبذلك يلعب الجهل دوراً أساساً في تكريس الحالة الخائفة التي نشأ عليها الإنسان التابع في أُسرته ومجتمعه مما ينزع عن الإنسان أهم اسلحته وهو العمل على تطوير واقعه والاحتجاج (Protest) وهو التعبير المفتاح لرد الوعي للإنسان ودفعه لأخذ موقعه في العمل والتغيير.

فإذا كان الخوف الذي يعمل على تواري الإنسان وراء سلطته والجهل الذي يجعله لا يعرف خلاصاً إلا عن هذه السلطة، فإن التعصب إنما يكمل هذه الثلاثية المَقيتَة الضاغطه على الإنسان والنازعة منه إنسانيته. والتعصّب إنما يفتح الباب إلى ما يسمى بالوقت الحاضر بالدعاية والرعاوة. (Propaganda)

ويزداد مثل هذا التجهيل على السنة رجال التنوير وعصر النهضة (الشرقي) إذ أقَرّ معظم هؤلاء في مقدمتهم الطهطاوي ومحمد عبده بأنهم وجدوا في بلاد الفرنجة (فرنسا) مسلمين ولم يجدوا إسلاماً، أما في أرض الكنانة (مصر) فقد وجدوا إسلاماً ولم يجدوا مسلمين، وهم يقرون بالحقيقة القائلة بعدم إمكانية الفصل بين الدين والتدين.

لقد دخلت الإيديولوجيات على خط التعصب والى حد ما إلى دائرة الجهل فحولته إلى تجهيل. إن الإيديولوجيات ورغم أنها محدودة في فعلها وتبريريه في تفاعلها لأنها تعتمد الإقصاء والتهميش فإنها الأخرى تحاول الدوران على المثالية (Utopia) أي أنها تعتمد الصناعة الفكرية والاختراق المعرفي أكثر من تعاملها مع الثابت من الحقائق هذه الحقائق المتحركة (الإيديولوجيات) ورغم محاولة إنهائها إلى حد اعتبارها منقضية (End of Ideology)، فإن تأثيرها مازال فاعلاً.

واضاف الدكتور متعب: تؤكد مراكز البحوث هذه ومنها مركز الدراسات الدولية والستراتيجية (CSIS) في واشنطن وضمن تقرير أصدره في ربيع سنة 2004 أن إخفاق حكومات/ سلطات هذه الشعوب/ المجتمعات في اتخاذ قرارات ترقي إلى مستوى الفعل العالمي إنما يعود إلى عدم قدرة هذه المجتمعات على التحديث(Modernization) وذلك لغياب الديمقراطية (Democratization) في فعلها السياسي من أن يكون الحاكم مسؤولاً تجاه شعبه، وتراجعها في مجالات التعددية والشفافية وطغيان الفساد في إداراتها وغياب عامل التداول في تغيير نخبها الحاكمة.

ولكي لا تتكرر أحداث 11 أيلول/سبتمر2001 ويجري الحد من الإرهاب الذي يجتاح العالم مثله كمثل العولمة في فعلها، فإن التحديث لابد من أن يتحقق في العالم غير المحدث بذاته أو بالاكراه الخارجي.

ولكن كيف يتم هذا التحديث لكي يتم الحد من الإرهاب؟ عندها تتحول دول/ مجتمعات العالم الإسلامي نحو الشعور بالمسؤولية تجاه السلم العالمي والحفاظ عليه فَتَعْمدُ إلى اتخاذ قرارات مسؤولة.

هذا التحول نحو ادراك المسؤوليات واتخاذ قرارات مسؤولة لدول/ مجتمعات العالم الإسلامي يَعْني اعادة تشكيل حكوماتها وذلك بتطبيق الديمقراطية.

لذا فإن مراكز البحوث في الغرب وأمريكا عليها أن تكون أكثر عقلانية ومسؤولية في التعامل مع العالم الإسلامي، فهناك عقبات بالفعل ومثل هذه العقبات إنما يشكو منها العالم بأسره إسلامياً وغير إسلامي تنفع معها الحلول (Solutions) وليس المعالجات (Remedies) إذن المعالجات توجه لمرض المجتمعات، لذا فإن الندبّة في التعامل يمكن أن يترتب عليها تكافؤ في التفاعل، إن شعوب/ مجتمعات العالم يمكن أن تعمل وبشراكة مُنصِفة لخير العالم.

واضاف: أما الإرهاب عراقياً فأنه نموذج جمع ما بين ما يمارس من تخويف/ ترهيب في الداخل الذي يمكن أن يطلق عليه الاستبداد والذي استشرى بفعل تسلط الدولة سابقاً التي لم ترق إلى أكثر من سلطة الحكومة التي تهمش وتستعلي وتتعسف، والاستعباد الذي تمارسه الدول القوية والتي جعلت من نفسها الوصية على أمن العالم الذي انسحب على أمن دول الجنوب.

لقد جعلت دور القرار العالمي من الوصاية وسيلة لشرعنة تدخلها في مصائر دول الجنوب ومنها العراق. لذا فقد تم تطوير الشخصية الإرهابية وذلك وفق مثلث جرى الإعداد له في مراكز (متخصصة) جمع بين المعطيات التالية كالآتي: الاستبداد - اليأس  -  الغضب

هذا المثلث والذي يسمى بمثلث اللعنة الذي يجمع في رؤوسه بين الاستبداد عن طريق السلطة ويأس المواطن في أن تتحسن ظروفه فعلاً، بدأ بالأساسيات منها.

لذا فإن اليأس إنما يتصاعد كلما تصاعد الاستبداد، والعاملان الاستبداد السلطوي مقروناً بيأس المواطن العادي من القبول بحدود معقولة من التسلط/ الاستبداد وذلك لإحكام سيطرة الدولة على دولاب الحياة في المجتمع وفسح المجال للمؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية بأن تأخذ مكانتها وترسم حدود فعالياتها، وبالتالي تمارس سلطاتها دستورياً وتشريعياً وقانونياً بما يضمن توفر حدود مقبولة من المواطنة تضمن للإنسان حقوقه المتعارف عليها إنسانياً وعالمياً.

إن تزايد الاستبداد فعلاً وفاعلية دون أن يقابله ارتفاع في مستوى الإنجاز وعلى صعيد مفردات الحياة اليومية التي يحكمها عاملا الامن والرفاه، إنما يحّول اليأس إلى إحباط(Frustration) عندها يتقاطع الاستبداد واليأس وتتحول هذه المقاطعة إلى محرك لإطلاق الرأس الثالثة لمثلث اللعنة المتمثل بالغضب (Rage) الذي لا يلبث أن يتحول إلى عنف (Violence) الذي لا يلبث أن ينفجر بشكل إرهاب (Terror).

كيف يعمل هذا المتصل غضب     عنف/ اغتراب      إرهاب على أرض الواقع؟

إن هذا المتصل الذي تحرك بفعل الاستبداد ثم تحول إلى غضب تصاعد إلى عنف يُحركه الاغتراب (Alienation) وانفجر بشكل إرهاب نجده ممثلاً بإحدى شخصيات الثقافة الشعبية العراقية علي بابا (Ali- Baba) الذي صُنّع وفق مقاسات نفسية واجتماعية بل وحتى تاريخية إلى حد الاستفادة بأبعاد الشخصية العراقية التي حددها الدكتور الوردي ولويها لكي تتفق ومواصفات هذه الشخصيّة.

حقيقة سياسة الإرهاب ومكافحة الإرهاب

وقدم الدكتور عامر حسن فياض عضو الهئية الاستشارية في المركز والاستاذ في كلية العلوم السياسية- جامعة بغداد ورقة تحت عنوان (حقيقة سياسة الإرهاب ومكافحة الإرهاب.. قراءة في المسكوت عنه أمريكياً) قال فيها:

في سياق سلسلة العدوانات والاحتلالات الأمريكية الجديدة يشهد عالم اليوم انتقالاً من عولمة (مركزية الذات الأوربية) إلى عولمة (مركزية الذات الأمريكي).

وبقدر تعلق الأمر بالمسوغ الإضافي في خطاب الهيمنة الأمريكي نحو الآخر والمتمثل بـ(الإرهاب ومكافحة الإرهاب) فإن القراءة اليقظة له تكشف لنا عن أن حيوية هذا المطلب تكمن في تناقضاته التي جمعت ما بين سياستي (الفوضى) و(البناء) الأمريكية في العالم في سياسة أمريكية واحدة هي سياسة (الفوضى البناءة) أو (الفوضى الخلاقة) التي تعبر عن عدم جدية الإدارة الأمريكية في مكافحة الضار بالعراق النافع للإدارة الأمريكية. فهذه السياسة الأمريكية الفوضوية الخلاقة تعمل بحدية على تجفيف منابع الإرهاب في العالم وفي الوقت ذاته تسببت، قسراً، منبع جديد للإرهاب في العراق لتجعل من هذا البلد حاضنة لكل منابع الإرهاب وحلبة بديلة لكل حلباته في العالم.

واضاف: نأمل إلا يظل الشرق هو الخاسر مرتين دائماً في تعامله مع الغير والجديد الوافد منه على شكل أفعال وأفكار وسياسات، ومن بينها "سياسة مكافحة الإرهاب" أو "عولمة مكافحة الإرهاب". فالخسارة الأولى تتمثل في قطيعة الشرق المسلم مع الوافد الجديد بصيغة التجاهل. والخسارة الثانية كانت تتمثل بقبول (الشرق المسلم) المتأخر لهذا الوافد الجديد بصيغة الاضطرار المتأخر أيضاً للتكيف والمواكبة مع حقائق العصر ومستجداته.

وإذا كانت (عولمة مكافحة الإرهاب) هي السياسة الوافدة على الجميع في جميع أنحاء العالم، فهي بصيغتها البريئة تقتضي أن نتعامل معها ونقبلها كحقيقة. فكيف نتعامل مع هذا الضيف الذي لم يستأذن ولم ينتظر الإذن بالدخول أينما ذهب؟

هل نتعامل مع هذه السياسة وفق صيغة التجاهل؟ أو نتعامل معها بالمواجهة وفق صيغة الشتم؟ أم نتعامل معها بالاختراق وفق صيغة المشاركة فيها؟

إن دروس الماضي لابد أن تدفعنا إلى إنتاج حكمة تسقط بها خيارات التجاهل والقطيعة والمواجهة بالشتم التي تعودناها في التعامل مع الجديد الوافد.. حكمة مفادها الاختراق بالمشاركة وطرح البدائل ضمن إطار آليات معقولة سواء بالمنافسة بل وحتى لو اقتضى الأمر بالصراع.

وهنا على المسلمين أن يسجلوا حضوراً من خلال بذل لصياغة منظور وتفسير يعني العالم ويخدمه لسياسة مكافحة الإرهاب، بدلاً من الانشغال غير المجدي بعدم الانشغال بعولمة مكافحة الإرهاب، وبدلاً من الانشغال غير المجدي أيضاً بشتمها فقط لأنها تقوم على مفهوم أمريكي غير بريء وفعل أمريكي أو إسرائيلي سيء وشرير.

وعلى أساس ما تقدم سيمثل هذا المنظور وهذا التعامل الإسلامي مع عولمة مكافحة الإرهاب منظوراً وتفسيراً وتعاملاً حكيماً معها بصيغة المشاركة وطرح البدائل النافعة للإنسان والإنسانية.

الإسلام والإرهاب

ثم تطرق الدكتور خليل الربيعي إلى حقيقة دور الفكر الإسلامي بوجود ظاهرة الإرهاب، فدحض الآراء التي تدعي بعلاقة الفكر الإسلامي بوجود هذه الظاهرة حيث قدم ورقة تحت عنوان (الإسلام والإرهاب) قال فيها:

لم يرد مصطلح الإرهاب في القرآن الكريم، وإنما وردت لفظة "الرهبة" من خلال مشتقاتها، ولكن ليست ذات دلالة اصطلاحية تترادف مع المصطلح الشائع الآن، وإنما لها دلالة اصطلاحية لما يطلق عليه في الستراتيجية "الردع" الذي يعني تخويف الطرف الآخر عن طريق خلق شعور لديه بأن مخاطر الاقدام على عمل يضر مصلحة الآخر أكبر بكثير مما قد يجنيه جراء الاقدام على تنفيذ خطته.

وإذا أدركنا أن مصطلح الإرهاب ينصرف إلى استخدام أو التهديد باستخدام القوة (غير المشروعة) ضد أبرياء (مدنيين) لتحقيق أهداف سياسية تتعدى دائرة الفعل المباشر لتشمل أطراف أخرى، فإن الإسلام يرفض هذا النمط من التعامل سواء أكان على مستوى الفرد أم على مستوى الأمة والأمم الأخرى، انطلاقاً من مبادئ أساسية مهمة منها اختصاص العقوبة بالفاعل وعدم جواز تعديها للآخر، ولعل قوله تعالى "ولاتزِرُ وازرة وزِر أخرى" فاطر/18، وأن السلم مقدم على الحرب في العلاقة مع الآخر.

ومع هذه الحقيقة، فإن الفكر الإسلامي (باعتباره قراءة بشرية للمعطى الإلهي)، والذي يخضع لعوامل ذاتية وأخرى موضوعية، يحمل في داخله الفكر الإرهابي (إذ صح التعبير)، على الأقل في بعض القراءات الشاذة، لا سيما الفكر التكفيري الذي ارتبط بالخوارج في الفترة الأولى من فترات الإسلام، ولكنه تحول فيما بعد إلى عناوين تطلق على حركات سياسية ودينية على مر الزمان، حتى أننا نجد من يطلق هذا العنوان على الحركات السلفية التكفيرية في هذا الزمان.

وساهمت عوامل دولية ومحلية (إسلامية) لإبراز الإسلام بصورة الدين الإرهابي، يمكن أجمالها بالآتي:

أولاً. الدوافع الدولية.

ارتبط ظهور الإرهاب الإسلامي- على الأقل- في صورته الإعلامية الغربية بمرحلة انهيار القطبية الثنائية، وسعي الولايات المتحدة الأمريكية لأسباب ترتبط بطبيعة الحضارة الأمريكية إلى خلق بديل يعيد العالم إلى الثنائية (ولكن ليست القطبية التنافسية)، وإنما إلى القطبية التصارعية، ولم يعد أمام الولايات المتحدة من بديل سوى الإسلام ليس كدين وإنما لممارسات وأفكار إسلامية، مع إدراك الولايات المتحدة بأن واقع الإسلام والمسلمين لا يقوى على هذه المواجهة في ظل التفوق العلمي والعسكري بين الطرفين.

ثانياً. محفزات وصف الإسلام بالإرهاب (من الناحية الإسلامية)

إن توفر ثقافة الحقد والكراهية وأحياناً إلغاء الأخر (فكرياً ودينياً) مع وجود بيئة ساذجة تموج فيها الخرافات والأساطير وتعتمد على منهج النص دون إعمال للعقل فيه، ساهمت على خلق أو زيادة مساحة الفئة المعارضة للغرب في الإسلام، من خلال استغلال مواقف سياسية معينة للحكومات الأمريكية (كالصراع العربي- الصهيوني) واحتلال أفغانستان وما تلاه من احتلال العراق، في حين نجد أنها تقف موقف الرضا وتلهج بالحمد والثناء لأنظمة حكم متعفنة، ضاقت شعوبها الويل وهي سبب في تخلفها كما هو الحال في الموقف من نظام المجرم صدام حسين، والموقف الحالي إذ تتحالف قوى الظلام التكفيرية مع بقايا النظام في إشاعته الفوضى والرعب في العراق، دون أن تمتد أفعالها لتشمل قوات الاحتلال إلا نادراً.

واضاف الدكتور الربيعي: وبين الحين والآخر تسمع تهديدات تصدر من هذه الجهة "الإسلامية" أو تلك لهذه الدولة الأوربية (رغم قناعتنا أنها لا تمتلك المصداقية في التنفيذ) ولا سيما بعد سعي الغرب للقضاء على الخلايا الناشطة لهذه المنظمات ومحاصرة الخلايا النائمة، إلا أن من شأن مثل هذه التهديدات أن تعزز القناعة بأن ما ذكره هنتغتون يمثل حقيقة على الأقل ما يرتبط منها بالصراع الإسلامي- الغربي.

ولعل ثقافة "دار الحرب ودار السلام" التي لازالت تهيمن على الوسط الفكري والإسلامي تعكس لنا مدى الثنوية في التقسيم والذي يتجاهل رؤية الإسلام للآخر، إذ هؤلاء يحصرون الحرب بالآخر مهما كان موقفه من الإسلام، فضلاً عن أن الرؤية الإسلامية المعاصرة ينبغي لها أن تتحرك في ضوء معطيات الواقع الدولي المعاصر، ولا تكون أسيرة الاستقطاب الفكري السابق.

المعطيات الاقتصادية لمعالجة الارهاب

ثم قدم الدكتور أ. د. عبد الرسول عبد جاسم ورقة تحت عنوان (المعطيات الاقتصادية لمعالجة الارهاب) قال فيها:

يعتبر الإرهاب من اخطر الظواهر التي تعاني منها المجتمعات الإنسانية في الوقت الحاضر، لما تعكسه من آثار سلبية في سبيل تقدم الأمم وازدهارها بسبب السلوك القاسي والهمجي والذي غالبا ما يتسم بالعشوائية، حتى أصبحت المنظمات الإرهابية  وكأنها قوة سياسية لها ايدولوجية خاصة بها، على  الرغم من أنها حسب اعتقادنا لا تمثل إلا توجها مزاجيا لا يخضع لمعطيات أو محددات تحكم سلوكها الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان القضاء عليها أو احتواءها ، هذا إذا ما علمنا بأن نشاطها يزداد ويتفاقم ولاسيما ما بين الشباب، مما يربك عمليات التطور الاقتصادي والاجتماعي. فإذا ما تناولنا مشكلة الإرهاب من الجوانب الاقتصادية بات من الممكن حصرها فيما يأتي:

1- الكوارث الطبيعية والتصحر والحروب (والتي هي مزيج من عوامل اقتصادية وأخرى، منها سياسية واجتماعية.

2- سوء التخطيط والاستثمار.

3- عدم توفر فرص العمل وتوزيع الثروة بشكل غير عادل.

ومما يذكر بهذا الخصوص، إن هذا الظلم قد انحسر على وجه التقريب في دول الشرق الأوسط وخاصة الدول الإسلامية والعربية منها، حيث يزداد عدد المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية، وكما تشير إليه البيانات المنشورة بهذا الخصوص وخاصة بالنسبة للدول العربية.

حيث يعيش ثلث أبناء الشرق الأوسط على اقل من دولارين في اليوم، ولتحسين مستوى المعيشة هذا لابد وان يزداد معدل النمو الاقتصادي إلى أكثر من ضعف مستواه الحالي والبالغ اقل من  3%.

كل ذلك يعمل على زيادة التطرف والإرهاب والجريمة الدولية والهجرة غير المشروعة، حيث أصبح العرب والإسلام مرادفاً للإرهاب ولأسلحة الدمار الشامل، وهدفا للقضاء على الإرهاب، وهكذا يتضح بأن المنطقة تقف عند مفترق طرق، حيث يزداد في كل عام عدد الشباب المفتقرين إلى مستويات لائقة من العمل والتعليم، وبالتالي سيمثل ذلك تهديدا مباشرا لاستقرار المنطقة والعالم.

ومن هنا يمكن القول إلى أن السبب الجذري للعنف ذو طبيعية اقتصادية سببه الظلم وعدم العدالة في توزيع الدخل .

دول الاتحاد الأوربي والإرهاب الإسلامي

بعد ذلك تحدث الدكتور حميد السعدون عن الدور الأوروبي بالحرب الباردة ضد الإرهاب وأيضا تطرق الى موقف أوروبا من المسألة العراقية وعلاقتها بالحرب العالمية على الإرهاب، وقال في مداخلة تحت عنوان: (دول الاتحاد الأوربي والإرهاب الإسلامي):

أوكد أن الإرهاب ليس وصفة إسلامية، أنه صناعة عالمية، حيث هناك الكثير من الإرهاب المسيحي واليهودي والهندوسي والإلحادي والبعثي، لكننا لم نسمع توصيفاً محدداً إزاءه، رغم أن احتكاكات هذه الأديان مع بعضها، قد يوَّلد تماساً عنيفاً. وإزاء ذلك، فإنه بالنتيجة ممارسة ليس لها دين أو وطن، بل إنه نتاج الحراك الاجتماعي العنيفة التي تمر بها كل مجتمعات الجنس البشري في أوقات مختلفة من حياتها ومراحل تكوينها.

ودول الاتحاد الأوربي في تعاملها مع هذه الظاهرة، تعيش أزمة متناقضة، فجميع دولها علمانية لا تجعل من الدين فيصلاً في ارجحية المعاملة بين الناس، لكنها تخشى ازدياد العنف والدمار في بلدانها، مما دفعها دفعاً أن تشرع بعض القوانين التي تتقاطع والحقوق المدنية لشعوبها وتتعدى على حقوقهم الديمقراطية، ودفع مؤسساتها الرسمية للتتعامل مع هذه الظاهرة بتشنج واضح، مما ساعد في صعود التيار اليميني الأوربي لسدة الحكم، مثلما حصل في النمسا واسبانيا وهولندا والبرتغال...الخ.

هذا الاستراجاع التاريخي نشّط فاعليته أمران:

الأول: الهياج والانفلات الأمريكي في محاربة هذه الظاهرة، خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر2001، بحيث جعلت معادلة الصداقة والتحالف من عدمها، مع جميع الدول مرتبطة بهذا الموضوع. هذا الأمر، منح الأجهزة الخاصة وخصوصاً الأمريكية منها مثل (F.B.I) مساحات واسعة من التأثير والنفوذ في مستوى القرار السياسي الأوربي، دون أن نسقط من الاعتبار، التداخل الحاصل بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف الناتو ومؤسساته العسكرية والأمنية المتعددة. ترافق مع ذلك، حملة فكرية واسعة انطلقت من الولايات المتحدة تؤكد بأن الصدام الحضاري القادم، سيكون طرفاه الاساسيان هما الحضارة الإسلامية من جهة، والحضارة الغربية بكافة نماذجها من جهة أخرى. ولعل في كتابات (هانجتون) و (فوكوياما) و (بايبيس) نماذج لاسهامات تلك الحملة، هذه الحملة التي انطلقت باندفاع مترافقة والانفراد الأمريكي بشؤون العالم السياسية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وهيمنة الولايات المتحدة على حركة ونشاطات اجراءات السياسة الدولية، بما فيها اسهامات المنظمة الدولية، الأمر الذي يستوجب علينا جميعاً أن نساعد على قيام مركز دولي معادل، بما يكافيء هذه القوة المفرطة في منظور السياسة الدولية.

والثاني: الأشكال غير المنضبطة وغير الواعية من الدعاة الإسلاميين المتواجدين في دول الاتحاد الأوربي والمرتبطين فكرياً بالخط السلفي غير القادر على التفاعل بايجابية مع ما يحيط به، بحيث بات الأمر حدياً في نتائجه النهائية، مما ولدَّ إضافة نوعية للاختراق عن شكل الموائمة الحضارية التي ينادي بها الإسلام. وكانت نماذج "أبو حمزة المصري" في بريطانيا، والانفعال غير المبرر لقانون الدولة الفرنسية في منع ارتداء الرموز الدينية في المؤسسات الرسمية، ما أعطى أن تكون هذه النماذج أدوات تعطيل وفوضى وتطاول على القوانين الوضعية المستندة عليها جميع دساتير دول الاتحاد الأوربي، وبما يشيع من قبولية الدعاوى الأمريكية عن خطورة الإسلام على جميع نماذج الحضارة الغربية.

واضاف: إن الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديداً بعد أحداث 11 سبتمبر، تنبّهت للفجوات التي لم ترحمها بما يمكنها من كونية دورها بشكله الإمبراطوري على المسرح العالمي، وهذا ما سعت إليه وبطريقة تتنافى وقواعد القانون الدولي، فكانت مؤشرات الدلالة في احتلال أفغانستان 2001 وفي احتلال العراق 2003، وفي السعي لأن تكون الساحة العراقية القاعدة الرئيسة للإرهاب الدولي، مع ما يسند ذلك من تواجد كثيف وبارز في دول أسيا الوسطى الإسلامية، حيث المكامن الواعدة للنفط واحداهم القواعد الرئيسة للحركات الإسلامية المتزمتة، وكأنها تريد أن تقول بتلك الافعل، إن ضرورات دورها الكوني تستوجب منها إعادة النظر بقانون ماكندر، مع ما يستوجب ذلك من خرائط سياسية جديدة تتماهى ومصالح المهيمن.

الحرب على الإرهاب وتأثيرها على التخطيط الاستراتيجي

ثم كانت الكلمة بعد ذلك للدكتور العميد الركن عادل محمود مظهور الذي قدم ورقة بعنوان (الحرب على الإرهاب) وتأثيرها على التخطيط الاستراتيجي العسكري الاميركي، وعلاقة الحرب على الإرهاب بالاستراتيجية الاميركية للقرن الحادي والعشرين، حيث قال:

ترتبط فلسفة المؤسسة العسكرية ارتباطاً وثيقاً بالفلسفة السياسية للدولة، وتظهر ديناميكية وحركية المؤسسة العسكرية في قدرتها على تطوير وتغيير مركباتها الأساسية تسليماً وتدريباً وتنظيماً وتوزيعاً بما يتلائم مع تطور المخاطر التي تهدد أمن ومصالح الدولة بصفتها عامل مهم من عوامل القوة.

إن كل ما تقدم قد بني على مفهوم أمريكي يرى ضرورة تأمين وجود عسكري متقدم على المستوى الإقليمي والعالمي وذلك بحكم نظرتها بأن التهديدات الجديدة تتطلب قوة منتشرة في الخارج وتكون ذات استعداد على تنفيذ المهام في أي مكان في العالم. ويقف خلف ذلك فلسفة ترى فيها أن أمريكا لن تقاتل في المواقع المتمركزة فيها فقط، وهذا يتطلب سرعة حركة القوات، إنه مطلب (القدرة على إظهار القوة بسرعة) ومن هنا فإن توزيع القوات في الداخل والخارج يجب أن يحسن من قدرتها على (الرد السريع) في مواقع الطوارئ، والحقيقة أن ما ساعد على ذلك هو ما توفر لدى الولايات المتحدة من أسباب القوة العسكرية بما أتاحته لها (ثورة الشؤون العسكرية) وعصر معلومات التقدم التكنولوجي الهائل إضافة إلى ما تمتعت به من (عوامل مُضاعِفَةَ القوة) كتأمين المديات البعيدة جداً، والدقة في إصابة الهدف، والقوة التدميرية الهائلة ووسائل المعرفة المبكرة والذي أوصلها إلى استنتاج مهم هو أن حجم القوات الكبير ليس الوسيلة الوحيدة للهيمنة على ساحة المعركة.

واضاف: الحقيقة أن الدوافع الرئيسية التي يمكن قراءتها من خلال التحرك الأمريكي من إعادة انتشار وهيكلة، ما هو إلاّ مركز مشروع الهيمنة وبناء الإمبراطورية الأمريكية للقرن الواحد والعشرين بتوظيف قوتها العسكرية لهذا الغرض كما أنها تسعى لأن تبقى صاحبة القوة العسكرية الأقوى وصاحبة النفوذ الأكبر على معظم مناطق العالم. ويمكننا أن نصل إذا ما وحّدنا بين اتجاهات الهيكلة والانتشار مقروناً بما يجري في الواقع وعلى الأرض بأن ذلك يحمل في طياته ملامح تواجد عسكري جديد ومكثف في منطقة الشرق الأوسط ووسط أسيا حيث يتركز وكما يبدو صراع المصالح ومتطلبات الأمن.

دور دول الجوار في العمليات الإرهابية في العراق

وتحدث الدكتور حسين حافظ وهيب من مركز الدراسات الدولية/ جامعة بغداد في رقة تحت عنوان: (دور دول الجوار في العمليات الإرهابية في العراق) قال فيها:

انقسمت دول الجوار الجغرافي في موقفها من العمليات الإرهابية الجارية في العراق مثلما انقسمت في تأييد الاحتلال أو رفضه، إذ تسترت بعضها برفض الاحتلال ولكنها ساندته، أما البعض الآخر، فظل على مواقفه المتباينة منذ احتلال العراق ولحد الآن، هذا التباين يعود بدرجة كبيرة إلى طبيعة المصالح المتحققة من كلا الموضوعتين، وأعني موضوعة "استمرار الاحتلال وموضوعة الإرهاب" ولكي لا نسهب في تشضيات هذا الموضوع، لابد وان نناقش موقف هذه الدول ومن خلال مسالتين أساسيتين:

الأولى: هل أن الاستقرار في العراق يخدم مصالح أياً منهما، أم أن الاضطراب وسوء الأوضاع الأمنية يحقق ذلك؟

وثانياً: ما هو الدور الذي تلعبه كل منهما في مسألة استمرار العمليات الإرهابية في العراق؟

وقد شهدت الحلقة مداخلات متعددة من قبل السادة الحضور حول كل ورقة من الأوراق المقدمة، مما أشبعتها بحثاً ونقاشاً أثمر عن الوصول إلى عدة استنتاجات منها:

1. ليس هناك تعريفا عالمياً موحداً لمفهوم الإرهاب .

2. هناك خلط بين مفهوم الإرهاب والمقاومة المشروعة ضد أشكال الاحتلال الأجنبي.

3. الدين الإسلامي هو أول الأديان السماوية التي حاربت الإرهاب فكراً وممارسة.

4. إن سبب اتهام الإسلام باعتباره الحاضنة للإرهاب والمنتج له، هو جزء من حرب ايديولوجية ابتدأت بكتاب صموئيل هنتغتون (صدام الحضارات).

5. الإرهاب على الساحة العراقية هو إرهاب خارجي بمعظمه جراء تدخل دول الجوار بالشأن العراقي، وكذلك بسبب عدة إجراءات اتخذت من قبل قوات الاحتلال من أجل جعل العراق ساحة جذب للإرهاب (منطقة قتل) وفي نفس الوقت تصبح منطقة طاردة للإرهاب عن الساحتين الاميركية والأوروبية.

وسوف تنشر الاوراق كاملة لاحقا..

 
 

 

الصفحة الرئيسية | نشاطات المركز | مقالات | عن المركز | بحوث مستقبلية | إصدارات المركز | الهيئة الإستشارية | منار المستقبل | إتصل بنا

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

 جميع الحقوق محفوظة لمركز المستقبل للدراسات والبحوث / 1426هـ / 2005م

info@mcsr.net